اذهب إلى المحتوى

الأخلاق حول العالم


هيفاء علي

ما هي القضايا الأخلاقية التي تواجهها المؤسسات والأفراد في بيئات العمل العالمية؟ غالبًا ما تواجه المؤسسات التي تعمل على مستوى العالم تحديات أخلاقية صعبة بسبب العوامل الثقافية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية والسوقية المختلفة. كلَّما ازداد تعقيد البيئة المحيطة بالمؤسسات العالمية، ازدادت احتمالية حدوث مشكلات أخلاقية وحالات سوء تفاهم.

تأمَّل في أنظمة القيم الأخلاقية التي تحدِّد اختلاف معالم السلوك ضمن المجتمع نفسه وبين المجتمعات المختلفة، بالإضافة إلى النتائج غير المتوقعة التي يمكن أن تحدث عندما يُعاد تقييم ما هو مقبول وما هو غير مقبول من القيم والمبادئ الأخلاقية في المجتمعات.

تشمل المشكلات الأخلاقية العالمية الحديثة والمنتشرة: الأمن الرقمي والتهديدات السياسية، والنزاعات الدولية والحروب، وعدم المساواة في الدخل، والتغيُّر المناخي، والتلوُّث واختلال التوازن البيئي، والفساد، وانتهاك حقوق الإنسان والتنوُّع الثقافي. يوضِّح الشكل التالي مجموعة متنوعة من المشكلات والقضايا المرتبطة بإدارة أصحاب المصلحة والتي يجب على الشركات متعددة الجنسيات أن تسعى إلى منع حدوثها أو معالجتها عند إدارتها لأعمالها عبر حدود البلاد المختلفة وداخلها.

MNE-Issues.jpg

القضايا المرتبطة بإدارة أصحاب المصلحة في الشركات متعددة الجنسيات (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

يعدُّ اتِّباع القوانين المرتبطة بممارسة الأعمال التجارية خارج حدود البلد تحدِّيًا آخرًا يواجه الشركات العالمية. على سبيل المثال، يمنع قانون مكافحة ممارسات الفساد الأجنبية (FCPA) الشركات الأمريكية من قبول أو تقديم الرشاوى للمسؤولين الحكوميين الأجانب، ويتعرَّض من يقوم بذلك لعقوبات قاسية، إذ تُفرض على الشركات الأمريكية غرامات ماليّة تصل قيمتها إلى 2 مليون دولار، في حين تُفرض على الأفراد (بما فيهم المسؤولين ومديري الشركات الذين ينتهكون قانون FCPA عمدًا) غرامة تصل قيمتها إلى 100,000 دولار أو يُسجنون لمدة تصل إلى خمس سنوات أو حتى قد تُطبّق عليهم كلا العقوبتين .

الجدير بالذكر أن كلًّا من وزارة العدل وهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بدأت تتّخذ إجراءات أكثر صرامة في الآونة الأخيرة في تنفيذ البند المتعلِّق بالرشوة من قانون FCPA ومقاضاة المخالفين. على سبيل المثال، دفعت شركة هاليبرتون في عام 2017 لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية 29.2 مليون دولار لأنَّها قدَّمت الرشوة لصديق أحد المسؤولين في أنغولا من أجل التفاوض بشأن عقود خدمات حقول النفط بطريقة غير شرعية. لقد كانت النتيجة رد المكاسب غير المشروعة إلى جانب العقوبات التي تفرضها المحاكم على المخالفين بسبب انتهاكهم لقانون FCPA وأحكام الرقابة المحاسبية الداخلية.

ينبغي على الشركات ألّا تقوم بأنشطة غير أخلاقية أو غير قانونية مثل: التمييز ضد السكان المحليين، وانتهاك القوانين والقواعد المحلية، وعدم احترام الممتلكات والبيئة. يمكن أن تساعد الشركات متعددة الجنسيات البلدان المحلية وتفيدها من خلال القيام ببعض الممارسات مثل:

  • توظيف عمَّال محليين
  • خلق فرص عمل جديدة
  • المشاركة في مشاريع مع روَّاد الأعمال المحليين والشركات المحلية
  • جذب رؤوس الأموال المحلية للمشاريع
  • إتاحة وتعزيز نقل التقنيات الحديثة
  • تطوير قطاعات صناعية معينة
  • إتاحة فُرص تعلُّم مهارات الأعمال التجارية للعمال المحليين
  • زيادة معدّل الإنتاج والتصنيع المحلي
  • المساعدة في خفض ديون البلد وتحسين ميزان المدفوعات ومستوى المعيشة

العولمة

إنَّ تزايد ظاهرة العولمة (اقتصاد عالمي متكامل يتألَّف من التجارة الحرة وتدفقات رأس المال وأسواق العمالة الأجنبية الرخيصة) يدفع الشركات العالمية التي تواجه مخاطر عالمية إلى الاعتماد على الحكومات والمؤسسات غير الحكومية والأمم المتحدة وغيرها من العلاقات التجارية والتحالفات مع أصحاب المصلحة لمساعدتها في مواجهات التهديدات غير السوقية.

على سبيل المثال، تعدُّ المبادئ العشرة للاتفاق العالمي للأمم المتحدة بمثابة إرشادات للشركات العالمية التي تمارس أعمالًا تجارية في البلدان لأقل نموًا وخارج حدود بلدانها، وتشير هذه المبادئ إلى أنَّه ينبغي على الشركات:

  1. دعم حماية حقوق الإنسان المعلنة دولياً واحترامها.
  2. الحرص على عدم إقدامها على انتهاكات حقوق الإنسان.
  3. دعم الحرية النقابية والاعتراف الفعلي بالحق في المفاوضة الجماعية.
  4. القضاء على جميع أشكال العمل القسري.
  5. القضاء على عمالة الأطفال.
  6. القضاء على التمييز في الوظائف والمهن.
  7. دعم مبدأ الوقاية من التحديات البيئية.
  8. تشجيع قدر أكبر من المسؤولية البيئية من خلال المبادرات.
  9. تشجيع تطوير ونشر التقنيات الصديقة للبيئة.
  10. العمل لمكافحة الفساد -بما في ذلك الابتزاز والرشوة.

على الرغم من أنَّ هذه المبادئ قد تبدو واسعة جدًا وصعبة التحقيق، إلَّا أنَّها تمثِّل المعالم الأخلاقية الأساسية التي تحمي حياة الإنسان وكرامته ومصالحة وقيمه، وغالبًا ما يكون من الضروري التفاوض بشأن تحقيق التوازن بين العدالة والمساواة وبين القيم والمعايير المحلية المختلفة عندما تعمل الشركات في البلدان الأقل نموًا وفي المجتمعات ذات الثقافات الأخرى، إذ قد تختلف القيم الأمريكية والغربية مع القواعد الثقافية المحلية مثل عمالة الأطفال وحقوق الموظفين في العديد من البلدان. يقترح توماس دونالدسون وتوماس دونفي طُرُقًا لإجراء مثل هذه المفاوضات.

من الأمثلة على ذلك العمل ما قامت به شركة ليفي شتراوس في بنغلاديش قبل عدة سنوات، إذ كان الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 عامًا يعملون لدى اثنين من المورِّدين المحليين التابعين للشركة، وكان هذا الأمر ينتهك قواعد الشركة ومبادئها ولكنه لا ينتهك القواعد الثقافية المحلية.

كان فصل الأطفال عن العمل سيجعلهم غير قادرين على تحمّل تكاليف التعليم وسيضع عائلاتهم الذين يعتمدون على أجورهم في ضائقة ماليّة. تضمنَّ الاتفاق القائم على التفاوض (بشأن القيم العامة لشركة ليفي شتراوس وقواعد بنغلاديش المحلية) موافقة المورِّدين على دفع أجور لأطفال بشكل منتظم ومستمر بينما يذهبون إلى المدرسة ثم توظيفهم رسميًا عندما يبلغون 15 عامًا، وتوافق شركة ليفي شتراوس على توفير الرسوم الدراسية والكتب والزي المدرسي لهؤلاء الأطفال.

ثقافة الشركات متعددة الجنسيات

يجب على الشركات متعددة الجنسيات بناء ثقافة أخلاقية قائمة على الشمول أثناء تعاملها مع تعقيدات بيئات العمل الداخلية والخارجية مثل توظيف وتدريب مجموعة متنوعة من القوى العاملة، والتكيُّف مع معايير الثقافة المحلية والتوفيق بينها وبين أخلاقيات البلد الأم وقيمه، والحرص على اتباع نهج متعدد الثقافات لممارسة الأعمال التجارية عبر البلدان.

حدَّد ديف هانا خمسة أسئلة استراتيجية مرتبطة بالنقاط الحسّاسة للأسلوب والنمط المناسب لثقافة المؤسسات عند ممارسة الأعمال التجارية في الخارج وفي البلد الأم هي:

  1. ماذا يتوقَّع الزبائن وأصحاب المصلحة في أسواقنا المستهدفة من مؤسستنا؟ (هل سيرتفع مستوى معيشتهم؟ هل ستُنتهَك توقُّعاتهم الثقافية؟)
  2. ما هي استراتيجيتنا للنجاح في هذا السوق التنافسي؟ (ما الذي يمكن أن نأمل في تحقيقه على أرض الواقع؟ ما هي النتائج التي نحن مستعدون للالتزام بتحقيقها؟)
  3. ما هي القيم التي تحدِّد الطريقة التي سنعمل بها مع أصحاب المصلحة ومع بعضنا بعضًا؟
  4. ما هي القدرات التنظيمية التي نحتاجها لتحقيق هذه النتائج؟
  5. كيف ينبغي أن ننظّم ونرتّب عملياتنا وأدوارنا وأنظمتنا حتى نكون متناغمين مع كل ما سبق؟

يؤكِّد المؤلف أنَّ هذه الأسئلة ستساعد على إيقاظ الوعي بالاختلافات الثقافية، كما ستساعد قادة المؤسسات والموظفين على التوصُّل إلى اتفاق بشأن تطويع القرارات لتناسب سوقًا معينًا إلى جانب التوفيق بين مبادئ الشركة والقيم المحلية.

تأثَّرت الشركات العالمية بحركة «أنا أيضًا» التي نشأت في الولايات المتحدة والتي زادت من وعي النساء بشأن التحرُّش الذي يحصل في الشركات وأماكن العمل وشجَّعتهن على الإفصاح عمَّا يتعرَّضن له دون خوف، كما سلَّطت هذه الحركة الضوء على الحاجة إلى وجود موظفين من كلا الجنسين وتنوُّع خصائصهم حتى تتلاءم مع خصائص الزبائن.

لا تستند هذه الحاجة إلى تطبيق العوامل الأخلاقية مثل العدالة والإنصاف والمساواة والحقوق فحسب؛ بل تستند أيضًا إلى تحقيق ميزة تنافسية ووعي تسويقي عبر وجود تنوّع في كادر العمل. إنَّ قادة المؤسسات يسعون إلى توظيف أفراد من كلا الجنسين، سيّما على المستويات الادارية الصغيرة إلى المتوسطة والمستويات المتوسطة إلى الكبيرة على النطاق العالمي للمؤسسة ، وقد أصبح يُنظر إلى تكافؤ الفرص بين الجنسين على أنَّه تحوُّل ثقافي استراتيجي واسع يشمل تطوير فرق قيادية ممثِّلة للأسواق المنتشرة جغرافيًا، ويدرك هؤلاء القادة أنَّ تكافؤ الفرص سيؤدِّي إلى الإبداع وفهم السوق الذي يحتاجونه لإحداث تحوُّلات تجارية مهمة أخرى، ولن يستطيعوا بدونه فهم المستجدات العالمية.

على سبيل المثال، تحوَّلت شركة DSM الهولندية متعددة الجنسيات من شركة يديرها الذكور إلى شركة ذات قيادة متوازنة من خلال وضع رؤية تربط نجاح العمل بتحقيق هذا الهدف ودعم التنوُّع ومحاولة التقريب بين الموظفين من الجنسيات المختلفة وبناء الكفاءات أثناء العمل على المستوى العالمي على الرغم من تنوّع الجنسيّات والثقافات.

كان 75% من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة من أصل هولندي في عام 2000 وكان 99% منهم ذكورًا، في حين أصبحت نسبة الهولنديين في الشركة 40% ونسبة الذكور فيها 83% في عام 2017. يخطِّط الرئيس التنفيذي للشركة إلى تقليل نسبة الذكور بمعدل 2% سنويًا لتصل النسبة إلى أقل من 75% بحلول عام 2025، وهو يركِّز على الاستدامة والمصداقية أكثر ممَّا يركِّز على السرعة.

أشارت دراسة أجراها فيجاي غوفينداراجان أنَّه على الرغم من أنَّ الثقافات التنظيمية قد تختلف اختلافًا كبيرًا بين المجتمعات، إلَّا أنَّ هناك عناصر محدَّدة تميِّز الثقافة العالمية، تتضمَّن هذه العناصر: التركيز على قيم الثقافات المتعددة بدلًا من القيم القومية أو المحلية، وتحديد المكانة بناءً على الجدارة وليس على الجنسية، والانفتاح على الأفكار الجديدة من الثقافات الأخرى، والتحمُّس بدلًا من التخوُّف عند دخول بيئات ثقافية جديدة، ومراعاة الاختلافات الثقافية دون التقيُّد بها بشكل كامل.

يجب على المديرين التفكير في القضايا الأخلاقية بطريقة أكثر شمولية، إذ تستخدم الشركات مجموعة كبيرة من الآليات والاستراتيجيات لدعم وتعزيز المبادرات الأخلاقية الخاصة بها على نطاق عالمي، ومن هذه الاستراتيجيات التي تساهم في غرس الأخلاق العالمية في المؤسسات التدقيق الاجتماعي الذي يقيس ويحدِّد التأثير الأخلاقي والاجتماعي والبيئي للعمليات التي تقوم بها هذه المؤسسات في المُجتمعات المختلفة.

لا يزال معهد إثيسفير -الذي يقيِّم فعالية المؤسسات من حيث عمليات التواصل والتدريب والأخلاق والثقافة والامتثال- يجري دراسات استقصائية وينشر نتائج سنوية عن «الشركات الأكثر أخلاقية في العالم»، وتقدِّم هذه الدراسات معاييرًا لأفضل الممارسات والإنجازات الأخلاقية للشركات الوطنية والعالمية.

من النتائج الرئيسية المذكورة في أحد مؤتمرات معهد إثيسفير أنَّ من بين 644 من الذين استُطلعت آراؤهم في تقرير (NAVEX Global 2016 Ethics & Compliance Training Benchmark Report) صرَّح 70% منهم أنَّ بناء ثقافة قائمة على الأخلاق والاحترام كان أحد أهم أهداف التدريب الخاصة بهم، ويتفق 92% من الرؤساء التنفيذيين على أنَّ وجود ثقافة راسخة للشركة أمرٌ مهم وضروري لنجاح الشركة واستمرارها.

التوجهات الحديثة في الأخلاق والامتثال والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات

بيِّن التوجُّهات المستقبلية المتعلِّقة بقضايا الأخلاق والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات.

تتضمَّن التوجُّهات المتوقَّعة في مجال الأخلاق والامتثال والمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات ما يلي:

  1. ازدادت شجاعة ضحايا التحرُّش للإفصاح عمَّا يتعرَّضون له، إذ أصبح بإمكانهم تقديم بلاغ داخلي أو الكشف عمَّا حصل معهم للناس عامة. ينبغي على قادة المؤسسات والمسؤولين الأخلاقيين أن يحرصوا على ألَّا يشعر الموظفون بالحرج أو التخوّف من الإفصاح عن أي تحرُّش أو إهانة أو اعتداء يتعرَّضون له في مؤسساتهم، وسيؤدِّي هذا إلى اتخاذ إجراءات ومعالجة المشكلات قبل أن تتحوَّل إلى فضائح وسيحافظ على وجود بيئة أخلاقيّة داخل المؤسسة بالإضافة إلى ضمان نزاهتها وسمعتها في الأوساط الاجتماعية.

  2. أصبح الناس يثقون بتقييمات الشركات المنشورة عبر الإنترنت أكثر من ثقتهم بما تصرِّح به هذه الشركات، وأصبحت آراء الموظفين تنتشر بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويؤثر ذلك على مصداقية الشركة. ينبغي على الشركات بناء ثقافة تقوم على استماع القيادة والمديرين إلى آراء الموظفين ودعمهم من أجل تحسين الشركات، إذ يساهم ذلك في أن يدرك الموظفون بأنَّ آراءهم مسموعة وأنَّها تؤخذ على محمل الجد وأنَّ الأمور سوف تتغيَّر عند الضرورة.

  3. لا تؤثِّر الكوارث الطبيعية المدمرة على السكان غير المستعدين للتعامل معها فحسب؛ بل تؤدِّي إلى خسائر كبيرة للمؤسسات غير المهيَّأة أيضًا. لقد أخذ المتخصِّصون في الأخلاق والامتثال درسًا من الكوارث الطبيعية التي حدثت عام 2017 ألا وهو ضرورة تحديث خطط الاستعداد واختبار خطوط الاتصال المباشرة للطوارئ وأنظمة الاتصالات وجاهزية الموظفين للتعامل مع أي طارئ.

  4. زيادة الحاجة إلى برامج للأخلاق والامتثال مع بدء نمو الاقتصاد مجددًا، إذ ليس من الجيِّد حدوث نمو اقتصادي في المؤسسات دون أن يرتبط ذلك بالأخلاق والحوكمة، كما أن التزام الشركات الصاعدة بالمبادئ والقيم الأخلاقية في عملها وتجاراتها لا يُضيف نوعًا من التفاؤل والإعجاب فحسب؛ بل سيزيد من مستوى العمل ويرفع من المستوى الاقتصاد للمؤسسة وسمعتها الاجتماعية.

  5. بناء ثقافة قائمة على النزاهة والأخلاق بدلًا من الاعتماد المفرط على القوانين والتشريعات. إنَّ مساءلة القيادة مهمة بالنسبة للموظفين، وما يحدث لكبار المسؤولين الذين ينتهكون القوانين سيكون له صدىً قويًا في جميع مستويات المؤسسة.

  6. زيادة الحاجة إلى أن يكون الامتثال جزءًا أساسيًا في برامج الوقاية والتخفيف من مشكلات الأمن الرقمي في المؤسسات.

  7. من المتوقع زيادة الاهتمام بأصوات المبلِّغين عن المخالفات نتيجة تزايد التدقيق التنظيمي، لذلك ينبغي على الشركات الاستماع إليهم وحل المشكلات التي يبلِّغون عنها داخليًا قبل أن يقرِّر هؤلاء المبلّغون الذهاب إلى جهات خارجية وإفصاح مشكلات المؤسسة للملأ.

  8. استمرار إدارة الثقافة وحرية التعبير والقضايا المتعلِّقة بالعِرق والنوع الاجتماعي والجنسية والدين وحق الناس في المعاملة العادلة والحماية والتمتُّع بالحقوق والمزايا التي يتمتَّع بها الآخرون.

  9. زيادة اهتمام كبار مديري الامتثال في الشركات بخصوصية البيانات لأنَّ قوانين الخصوصية والبيئات التي تنظِّمها قد تطورَّت، لذلك ينبغي إنشاء مكان عمل آمن يسوده الاحترام وحفظ الخصوصيات وأسرار المؤسسة.

  10. تطوُّر دور المتخصِّصين في الامتثال نتيجة أنَّ شبكات الإنترنت التي توفر فرصًا جديدة وغير مسبوقة لمشاركة الأفكار والتعاون تحل محل الشبكات القديمة.

تسير الأخلاق والامتثال جنبًا إلى جنب كما ذكرنا سابقًا، إذ يكون الامتثال أكثر فاعلية في تفادي المخاطر في ظل وجود ثقافة أخلاقية قوية تصاحبه، كما أنَّ الأشخاص الذين يتعمَّدون خرق القوانين والقواعد السلوكية سيخلقون حالة من الفوضى إذا لم يكن هناك برامج صارمة للامتثال. هناك عنصران أساسيان للثقافات المتينة هما: وجود درجة عالية من الاتفاق حول القيم ووجود درجة عالية من التمسُّك بهذه القيم.

يقول كيث دارسي -أحد كبار المستشارين في شركة ديلويت-:

اقتباس

تعدُّ ثقافة النزاهة الإيجابية -على المدى الطويل- أساسًا لوضع برنامج أخلاقيات وامتثال فعَّال يمكنه أن يخلق ميزة تنافسية ويكون بمثابة أحد الأصول التنظيمية القيِّمة عندما يُدمج بطريقة صحيحة في المؤسسة.

المبادر الأخلاقي: هل هو أحد العناصر الجديدة للقيادة الأخلاقية

من التطوُّرات المبتكرة في مجال الأخلاق والأعمال هو مفهوم "المبادر الأخلاقي". وجد الباحثان مايكل براون وليندا تريفينو أنَّ الأشخاص الذين تعاملوا في حياتهم مع مبادر أخلاقي تزداد احتمالية أن يصبحوا مبادرين أخلاقيين لأنَّهم عايشوا تفاصيل ذلك، مما يُحدث تغييرًا إيجابيًا في شخصياتهم ويلهمهم ويدفعهم إلى الالتزام بالأخلاق الحسنة، وتتحسَّن على إثر ذلك درجة صلاح الفرد.

أحد المفاهيم التي ترتبط بالمبادرة الأخلاقية هو القيادة الأخلاقية. يُعرِّف الباحثان مايكل براون وليندا تريفينو القيادة الأخلاقية بأنَّها: «إظهار السلوك الإيجابي المناسب من خلال التصرُّفات الشخصية والعلاقات مع الآخرين ونقل هذا السلوك للمرؤوسين من خلال التواصل المتبادل والتعزيز وعملية اتخاذ القرارات».

من الأمثلة على هذا السلوك: الصراحة والأمانة والتعامل مع الموظفين بإنصاف ومراعاتهم. استُخدِمت نظرية التعلُّم الاجتماعي لفهم دور وأهمية القيادة الأخلاقية بالنسبة للموظفين وطريقة عملها وتأثيرها وانعكاسها على عملهم.

إنَّ القادة الأخلاقيين هم نماذج للسلوك الأخلاقي يحتذي بها المرؤوسون. لن ينظر الناس إلى القادة على أنَّهم قادة أخلاقيون ولن يتأثَّروا بهم إلا إذا أُعجبوا بهم وشعروا أنَّهم ذوو مصداقية وشرعية، لذلك ينبغي على القادة أن يعكسوا أخلاقهم وقيمهم من خلال سلوكياتهم وأساليبهم الملائمة في التعامل والإدارة (مثل الصراحة والأمانة) وأن يتصرَّفوا بدافع من الإيثار (العدل بين الموظفين ومراعاتهم). يجب على القادة الأخلاقيين أن يجذبوا انتباه المرؤوسين إلى القيم الأخلاقية عن طريق الحديث علنًا عن القضايا المرتبطة بالأخلاق واستخدام التعزيز لدعم السلوك الأخلاقي.

بالإضافة إلى نظرية التعلُّم الاجتماعي التي تركِّز على كيفية اتِّباع المرؤوسين للقائد وأسباب ذلك، هناك أيضًا حاجة إلى نظرية التنمية الاجتماعية لإدراك مفهوم القيادة الأخلاقية لأنَّها تركِّز على الاتجاه الذي ينبغي على القيادة السير فيه. تهتم الدراسات المتعلِّقة بالمسؤولية الاجتماعية للمؤسسات بكيفية مساهمتها في التنمية الاجتماعية ليس من أجل حل المشكلات الاجتماعية فحسب؛ بل وتحسين الرفاه الاجتماعي وتعزيز التقدُّم الاجتماعي وخلق قيمة اجتماعية جديدة.

يذكر البروفيسور ميول كابتين أنَّ هناك عنصرًا ثالثًا للشخصية والقيادة الأخلاقية -بالإضافة إلى العناصر الأساسية التي ذُكرت سابقًا- ألا وهو المبادرة الأخلاقية، إذ أنَّه يرى بأنَّ المبادرة الأخلاقية تفتح السبل لدراسة الأحداث الماضية والنتائج المتعلِّقة بالقيادة الأخلاقية التي لم تُفهم أو تُعطى مقدارًا كافيًا من الدراسة حتى الآن. لقد أظهرت الدراسات المتعلِّقة بالأحداث والسوابق في تاريخ القيادة الأخلاقية -سواء من ناحية الظروف أو الأفراد- أنَّ القادة الذين كان لديهم قدوات أخلاقية كانوا أكثر ميلًا إلى أن يصبحوا قادة أخلاقيين، كما أظهرت هذه الدراسات أيضًا أنَّ سمتي الوفاق ويقظة الضمير ترتبطان إيجابيًا بالقيادة الأخلاقية.

يشير كابتين إلى أنَّه يُطلق على الشخص الذي يضع قاعدة أخلاقية جديدة لقب المبادر الأخلاقي، في حين يرى هوارد بيكر أنَّ الأشخاص الذين يُحدثون إصلاحات على مستوى القيم والمبادئ الأخلاقية هم المبادرون الأخلاقيون، ويميِّز بين نوعين من المبادرين الأخلاقيين هما: الأفراد الذين يضعون قواعدًا جديدة والأفراد الذين يفرضون تطبيق قواعد جديدة.

غالبًا ما تنشأ رغبة المبادر المُلحّة لوضع قواعد أخلاقيّة جدية من تجربة قاسية كان لها وقع وأصداء سلبية دفعته للتفكير في تحويل مبدأ خلقي معيّن إلى قاعدة صارمة، ويصف كابتين هذه الرغبة بأنّها رغبة في الإصلاح من خلال تحويل قاعدة أخلاقية مرغوب فيها إلى قوانين، ولكنَّه من المحتمل أن يصبح المبادر الأخلاقي بمثابة دخيل وألّا يحظى بقبول اجتماعي واسع إذا لم يكن قادرًا على حشد داعمين ومؤيِّدين للقاعدة الجديدة.

يذكر كابتين أنَّ عنصر المبادرة الأخلاقية يكمِّل العنصرين الآخرين للقيادة الأخلاقية (الشخص الأخلاقي والمدير الأخلاقي) لأنَّه يركِّز على وضع قواعد جديدة بدلاً من اتباع القواعد الأخلاقية الحالية وتنفيذها فقط. يشير بيكر إلى أنَّ مساعدة الآخرين والتحلِّي بالإيثار من الأمور المهمة بالنسبة للمبادر الأخلاقي. تشير الباحثة يورتسيفير إلى أنَّ المبادرين الأخلاقيين يُظهرون فضائل أخلاقية عالية مثل العدالة والأمانة.

بالإضافة إلى ذلك، من المهم أن يكون الفرد مديرًا أخلاقيًا حتى يتمكَّن من الحصول على دعم الآخرين لاتباع القواعد الأخلاقية الجديدة، إذ يحتاج الشخص الذي يضع القواعد الأخلاقية إلى دعم الآخرين لكي ينجح. على الرغم من أن العناصر الثلاثة للقيادة الأخلاقية تكمِّل بعضها بعضًا، إلَّا أنَّه من الممكن أن يتحلَّى الفرد بعنصر واحد أو عنصرين منها فقط، وذلك يجعل القيادة الأخلاقية مفهومًا متعدِّد الأبعاد. على سبيل المثال، يمكن أن يكون الفرد مبادرًا أخلاقيًا دون أن يكون مديرًا أخلاقيًا (ما يسمِّيه بيكر واضع القواعد)، أو يمكن أن يكون مديرًا أخلاقيًا دون أن يكون مبادرًا أخلاقيًا (ما يسمِّيه بيكر فارض القواعد).

ملاحظات ختامية

هل يستفيد الأفراد والمؤسسات عندما يتصرَّفون بطريقة أخلاقية؟ لقد ناقشنا ذلك خلال هذا المقال و استعرضنا الحجج ووجهات النظر المختلفة. تختلف آراء الباحثين والمختصين الأخلاقيين حول ما إذا كان من الممكن أن تتنهج الشركات النهج الأخلاقي بشكل كامل أم لا، وقد اختُتم أحد المؤتمرات التي أُجريت في معهد إنسيد لإدارة الأعمال في فرنسا بالبيان التالي: «من الناحية النظرية، لا شك في أهمية المسؤولية الأخلاقية للشركات، ولكن هذا لا ينفي أهمية مسؤولية الأفراد الأخلاقية على تصرُّفاتهم بصفتهم أعضاءً في هذه الشركات. من الواضح أيضًا أنَّ هناك تخوُّف كبير بشأن عدم معاقبة الشركات على تجاوزاتها وأنَّ حُسن تصرُّفها أو سوء تصرُّفها يتأثَّر بدرجة كبيرة بمدى محاسبة الأفراد والشركات على تحمُّلهم للمسؤولية الأخلاقية».

يشير هذا البيان إلى أنَّ تحمُّل مسؤولية الأعمال غير الأخلاقية وغير القانونية يقع على عاتق كلٍ من الشركات والأفراد. على الرغم من أنَّ الشركة لا تُعدُّ أفرادًا بحدِّ ذاتها، إلَّا أنَّ الأشخاص يعملون ويتعاملون في إطارها ويشكّلون بكُليّتهم هذه الشركة، وهذا هو السبب في أنّ للقادة والثقافات التنظيمية أدوارًا مهمَّة في تحديد ما هو مقبول (أخلاقيًا وقانونيًا) وما هو غير مقبول. تعمل القيم الأخلاقية والقوانين وقواعد السلوك الخاصة بالامتثال معًا على منع الأفعال غير القانونية، كما تعمل على تصحيحها وتحقيق العدالة عند الضرورة. من المستحسن التشجيع على الأفعال الأخلاقية ومكافأة من يقوم بها، كما أنَّ ذلك يكون أكثر ربحية على المدى الطويل.

كشفت الدراسة التي أجرتها الباحثتان بروجين وإلمرز باستخدام تحليل الهوية الاجتماعية أنَّ الأفراد ينجذبون إلى فِرق العمل والمؤسسات ذات المزايا الإيجابية مثل: «الكفاءة والإنجازات التنظيمية» و«القيم الأخلاقية والسلوك الأخلاقي»، ولكن لا تندرج هاتين الميزتين معًا ضمن بيئات العمل دائمًا، لذلك طلبت الباحثتان من عدة طلاب من ثلاثة تخصُّصات مختلفة أن يختاروا الميزة التي يُفضلون وجودها في العمل، ووجدتا أنَّ الطلاب يفضِّلون الفِرق أو المؤسسات التي تتمتَّع بالأخلاق على تلك التي تتمتَّع بالكفاءة.

ترجمة -وبتصرف- للفصلين Ethics around the Globe و Emerging Trends in Ethics, CSR, and Compliance من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...