ما هي الخطوات التي يمكنك اتخاذها لكي تكون أكثر استعدادًا للمهام والأعمال المرتبطة بعدة ثقافات؟
من المحتمل جدًا أن يُطلب منك في مرحلة ما من حياتك المهنية المشاركة في أعمال تتطلَّب منك التعامل مع ثقافات مختلفة، إذ قد تصادف موظفين من دول أخرى في الشركة المحلية التي تعمل بها، أو قد ترسلك شركتك إلى دولة أخرى لإجراء بعض الأعمال الدولية. ينبغي أن تكون مستعدًا للتعامل مع الاختلافات الثقافية عندما تحدث مثل هذه المواقف. سنتحدَّث في هذا المقال عن بعض الأمور التي يمكن للشركات والأفراد القيام بها للاستعداد على نحو أفضل للتعامل مع الاختلافات بين الدول والثقافات.
إنَّ من أهداف أي تدريب ثقافي زيادة الذكاء الثقافي للموظفين. يشير الذكاء الثقافي إلى «قدرة الأفراد على العمل والإدارة بفاعلية في البيئات المتنوعة ثقافيًا». إنَّ المدير الذكي -الذي يتمتَّع بذكاء ثقافي- هو شخص يمكنه العمل دون صعوبات في البيئات العالمية، وتشير الدراسات الحديثة إلى أنَّ الذكاء الثقافي يتكوَّن من أربعة أبعاد هي:
- البعد المعرفي: يركِّز على معرفة الفرد للقيم والممارسات في الثقافة الجديدة المكتسبة من خلال التعليم والتجارب الشخصية.
- البعد فوق المعرفي: يعكس قدرة الفرد على استخدام معرفته للثقافات المتنوعة لكي يفهم البيئة الثقافية التي يتعامل معها ويتمكَّن من التكيُّف معها.
- البعد التحفيزي: يعكس قدرة الفرد ورغبته في أن يتعلَّم باستمرار جوانب ثقافية جديدة ويتكيَّف معها.
- البعد السلوكي: يستند إلى قدرة الفرد على إظهار الأشكال المناسبة من السلوكيات اللفظية وغير اللفظية عند التعامل مع أشخاص من ثقافة أخرى.
يبيِّن الجدول التالي بعض الأمثلة عن العبارات المستخدمة لتحديد مدى فهم الشخص لأبعاد الذكاء الثقافي الأربعة.
عبارات تدلُّ على تمتُّع الفرد بالذكاء الثقافي | |
---|---|
البعد فوق المعرفي | أنا واعٍ بالمعرفة الثقافية التي أستخدمها عند التعامل مع أشخاص من خلفيات ثقافية مختلفة. |
نا واعٍ بالمعرفة الثقافية التي أطبِّقها عند التفاعل مع ثقافات متنوعة. | |
البعد المعرفي | أعرف النظم القانونية والاقتصادية للثقافات الأخرى. |
أعرف القيم الثقافية والمعتقدات الدينية للثقافات الأخرى. | |
البعد التحفيزي | أستمتع بالتعامل مع أشخاص من ثقافات مختلفة. |
أستمتع بالعيش في بيئات ثقافية لستُ معتادًا عليها. | |
البعد السلوكي | أغيِّر سلوكي غير اللفظي إذا كان التفاعل مع ثقافات أخرى يتطلَّب ذلك. |
أغيِّر تعابير وجهي إذا كان التفاعل مع ثقافات أخرى يتطلَّب ذلك. | |
مقتبس من الدراسة « Can business schools make students culturally competent? Effects of crosscultural management courses on cultural intelligence» المنشورة في مجلة « Academy of Management Learning and Education»، 2013، مجلد 12، ص 603-621. |
التدريب متعدد الثقافات من خلال التعليم والتجارب الشخصية
تشير الدراسات الحالية إلى أنَّ التدريب متعدد الثقافات يمكن أن يؤثِّر على الذكاء الثقافي. يمكنك تنمية الذكاء الثقافي مبدئيًا من خلال أخذ بعض الدروس، إذ بيَّنت الدراسات أنَّ أخذ الدورات المتعلِّقة بإدارة البيئات متعددة الثقافات يمكن أن يعزِّز الذكاء الثقافي. على سبيل المثال، اكتشف الباحثون الذين أجروا دراسة على 152 طالب ماجستير إدارة الأعمال أنَّ ذكاءهم الثقافي قد ازداد بعد أن أخذوا دورة في إدارة البيئات متعددة الثقافات. وجد باحثون آخرون أنَّ للدراسة في الخارج تأثير كبير على الجوانب المعرفية وفوق المعرفية للذكاء الثقافي.
كيف تقدِّم الشركات متعددة الجنسيات التدريب الثقافي؟ يعدُّ ما سبق مثالًا على التدريب السطحي (low-rigor training) الذي يتعرَّف الأفراد من خلاله على معلومات مهمة تساعدهم على فهم الواقع المرتبط بالثقافات الأخرى المختلفة ولكن دون الانخراط في الثقافة بطريقة فعَّالة ومباشرة. في مثل هذه الحالات، ينقل المعلمون المعلومات والمعارف الأساسية للطلاب من خلال المحاضرات والكتب والدراسات.
هناك عدة سلبيات مهمة للتدريب السطحي، فغالبًا ما يكون دور المشاركين تلقِّي المعلومات فحسب؛ إذ يتعلَّمون أنَّ هناك اختلافات ثقافية ولكنَّهم لا يتعلَّمون بالضرورة كيفية التعامل مع هذه الاختلافات في مواقف حقيقية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تكون الاختلافات الثقافية خفيِّة ودقيقة، ولن يتعرَّف المشاركون على مثل هذه الفروق الدقيقة من خلال هذا النوع من التدريب. إن الميزة الوحيدة التي تحقِّق التوازن بين إيجابيات وسلبيات هذا التدريب هي أنَّ التكاليف الماديّة له منخفضة نوعًا ما مقارنة بالنوع الآخر من التدريب.
يمكن للشركات أيضًا استخدام التدريبات العميقة (high-rigor training) التي ينخرط المشاركون من خلالها بفعالية في عملية التدريب، ويستطيعون تعلُّم بعض الجوانب الدقيقة المرتبطة بالاختلافات الثقافية. من الأمثلة على التدريبات العميقة: التدريب اللغوي في القاعات الدراسية، والدراسات الميدانية، وتدريب الحساسية (يتفاعل الفرد فيه مع عدد من الأفراد لمدة من الزمن بهدف تحسين مهارات التعامل مع الآخرين من خلال تنمية حساسية المشاركين وجعلهم أكثر فهمًا لأنفسهم وللآخرين).
تتضمَّن التدريبات العميقة أيضًا المزيد من الأساليب التجريبية مثل لعب الأدوار والمحاكاة والتجارب الميدانية. تقدِّم بعض الشركات متعددة الجنسيات أيضًا تدريبات للموظفين أثناء عملهم في وظائفهم، وتتيح هذه الطريقة للمتدربين التعرُّف على الثقافة الجديدة إلى جانب معرفة كيفية تفاعل هذه الثقافة مع بيئة العمل. إنَّ ميزة التدريب العميق هي أنَّه يُمكِّن المشاركين من الانخراط بفعالية كبيرة في عملية التعلُّم ممَّا يسهِّل نقل المعرفة، ولكن من سلبياته أنَّ تكلفته عالية.
أيّ نوع من التدريبين السابقين هو الأفضل؟ يتفق الخبراء على أنَّ ذلك يعتمد على طبيعة العمل ذاته، إذ يعدُّ التدريب العميق مفيدًا في حالة المهام الدولية الطويلة والمعقدة. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى الأساليب التي تعزِّز الجوانب فوق المعرفية للذكاء الثقافي؛ نظرًا لأنَّ مهام العمل الدولية غالبًا ما تكون قصيرةبطبيعتها.
إنَّ امتلاك مهارات فوق معرفية أمر بالغ الأهمية في الوقت الحالي لأنَّ أعمال ومهام المديرين في الشركات العالمية غالبًا ما تكون متكررة وقصيرة. هذا يعني أنَّ المحاضرات المختصرة أو غيرها من أساليب التدريب السطحي -التي توفر المعلومات الأساسية فقط- قد تساعد على تطوير الجانب المعرفي ولكنَّها لا تساعد على تطوير الجانب فوق المعرفي، وسيكون من الأفضل في مثل هذه الحالات استخدام التدريبات العميقة التي تتيح للمشاركين الانخراط بفعالية أكبر في البيئة الثقافية المُستهدفة.
متى ينبغي تقديم التدريب الثقافي؟
من الجوانب الأخرى المهمة المرتبطة بالتدريب الثقافي هو توقيت التدريب. تقدِّم بعض الشركات متعددة الجنسيات التدريب الثقافي قبل المغادرة، ويوفر هذا التدريب للأفراد فُرص التعلم قبل مغادرتهم للدولة الأخرى. يمكن أن يكون هذا التدريب على هيئة برامج تدريبية تستغرق من أسبوع إلى 12 أسبوعًا، في حين أنَّ البرامج التي تستمر لمدة يومين إلى ثلاثة أيام شائعة جدًّا. يصبح لدى الموظف بصدد الاغتراب بعد هذا التدريب فهم جيِّد للأشياء المتوقَّعة وللثقافة المحلية وكيفية التعامل مع أي صدمات ثقافية قد يواجهها عند وصوله للدولة الأخرى. يساعد هذا النوع من التدريب على جعل الأفراد الذين على وشك الذهاب إلى دولة أخرى أقل قلقًا بشأن المجهول.
غالبًا ما ترغب الشركات متعددة الجنسيات أيضًا في أن يحصل الموظف المغترب على تدريب ثقافي بعد الوصول، ويحدث هذا التدريب بعد وصول المغترب إلى الدولة الأجنبية واصطدامه ومواجهته للمعالم الثقافية الجديدة على أرض الواقع. يستطيع المغترب بعد حصوله على التدريب وتزوُّده بالمعرفة اللازمة عن الثقافية المحلية التعامل مع قضايا العمل دون أن يقلق بشأن قضايا الحياة اليومية في البيئة الثقافية الجديدة.
تشير الدراسات الحديثة إلى الفائدة الناتجة عن التدريب الثقافي. على سبيل المثال، أظهرت دراسة حديثة شملت 114 مغتربًا أنَّ كل من التدريب قبل المغادرة والتدريب بعد الوصول قد أثَّر إيجابيًا على جوانب عديدة مرتبطة بنجاحهم. على وجه التحديد، أظهرت نتائج دراسة أُجريت في فيتنام أنَّ كل من التدريب قبل المغادرة والتدريب بعد الوصول قد أثَّر إيجابيًا على قدرة المغتربين على التكيُّف مع عملهم ومع البيئة العامة، كما أنَّه كان فعَّالًا أيضًا في تعزيز قدرة المغتربين على التفاعل بطريقة أفضل مع السكان المحليين. كما درس الباحثون تأثير التدريب اللغوي، وليس من المستغرب أن يجدوا أنَّ المغتربين الذين تلقوا تدريبات متعلِّقة باللغة المحلية كانوا قادرين على التكيُّف والتفاعل مع البيئة المحلية أكثر من غيرهم.
تبيِّن الدراسة السابقة أهمية كلًا من التدريب قبل المغادرة والتدريب بعد الوصول في النجاح في التعامل مع الثقافات المتنوعة. على الرغم من أنَّ الدراسة تُظهر أفضلية توفير الشركات متعددة الجنسيات لأكثر من نوع من التدريب، فإنَّ النتائج تُظهر أيضًا أنَّ للتدريب بعد الوصول التأثير الأكبر على التكيُّف مع الثقافات الأخرى. وعلى الرغم من أنَّ الشركات تميل إلى الإحجام عن التدريب بعد الوصول لأنَّه أكثر تكلفة، إلَّا أنَّ الدراسة تشير إلى أنَّ استثمار الأموال في توفير التدريب قد يستحق العناء؛ إذا ساهم ذلك في تمكين الموظفين المغتربين من النجاح في مهامهم.
تقترح الدراسات حول التجارب الناجحة في هذا الصدد بأنَّ الوقت الأمثل لبرامج التدريب قبل المغادرة ينبغي أن يكون قبل حوالي ثلاثة إلى خمسة أسابيع من بدء المهمة الدولية، إذ أنَّ التدريب الذي يُقدَّم قبل وقت طويل قد لا يكون فعَّالًا للغاية، لأنَّ المغترب قد لا يستفيد من كل المعلومات التي تساعده على الاستعداد، وقد ينسى ما تعلَّمه في التدريب إذا حصل عليه قبل وقت طويل جدًا من بدء المهمة.
تقترح الدراسات أيضًا بأنَّه من الأفضل تقديم التدريب بعد الوصول بعد حوالي 8 إلى 12 أسبوعًا من وصول الموظف المغترب إلى الدولة الأخرى، إذ يتيح ذلك له تجربة التفاعل مع الثقافة الأخرى والاستعداد على نحو أفضل لكي يحقِّق الاستفادة القصوى من التدريب.
تعديل السلوك حتى يتلاءم مع الثقافة الجديدة
إحدى القضايا التي يتوجَّب على المديرين التعامل معها هي أنَّ التدريب ينبغي ألَّا يقتصر فقط على تحديد الاختلافات الثقافية وتدريسها، إذ يتفق الخبراء على أنَّ التركيز على الاختلافات يعدُّ مشكلة في أساليب التدريب الثقافي الحالية؛ فعلى الرغم من أنَّ تحديد الاختلافات الثقافية وإدراكها أمر مفيد وضروري، إلَّا أنَّ المدربين في كثير من الأحيان لا يقدِّمون إرشادات بشأن الطرق المناسبة التي تساعد المشاركين على التكيُّف مع هذه الاختلافات الثقافية وآلية التعامل معها، لذلك ينبغي على الشركات متعددة الجنسيات أن تتخذ الخطوات اللازمة لتعليم الموظفين المغتربين كيف يعدِّلون سلوكياتهم حتى يتمكَّنوا من التصرُّف والتفاعل بطرق تناسب الثقافة الجديدة. يقترح الخبراء أيضًا ألَّا يكون هذا التدريب جامدًا أو مقتصرًا على المعلومات المتوفرة على صفحات الويب أو غيرها؛ بل ينبغي أن يتكامل التدريب مع العمل الفعلي الذي يؤدِّيه الموظف.
استراتيجيات التوسع على مستوى العالم
ما هي الاستراتيجيات الرئيسية التي يمكن للشركات استخدامها لكي تصبح عالمية؟
لقد تطرّقنا في المقالات السابقة من هذا الباب في سلسلتنا ضرورة أن يدرك أي طالب جاد يدرس الإدارة الدولية الاختلافات الثقافية بين الدول وبعض الطرق الممكنة للتعامل مع هذه الاختلافات. ينبغي على أي شركة تجارية في وقتنا الحالي أن تفهم بيئة الأعمال العالمية وأن تدرك كيف يمكنها أن تكون جزءًا فاعلًا في هذه البيئة. سنلقي في المقالين الأخيرين من هذا الباب من سلسلتنا عن مبادئ الإدارة، سنلقي نظرة على الاستراتيجيات الرئيسية الثلاثة المتاحة للشركات للتوسُّع على مستوى العالم، وسنعرف كيف يمكن للشركات استخدام هذه الاستراتيجيات من أجل دخول الأسواق العالمية.
يمكن للشركات اختيار إحدى الاستراتيجيات الرئيسية الثلاثة وهي:
- الاستراتيجية العالمية: استراتيجية تُدار بواسطتها جميع العمليات والأنشطة بطريقة متشابه في جميع أنحاء العالم.
- الاستراتيجية الإقليمية: استراتيجية تعدِّل الشركة باستخدامها أنشطتها وعملياتها لكي تلائم المتطلَّبات الإقليمية.
- الاستراتيجية المحلية: استراتيجية تعدِّل الشركة باستخدامها عملياتها لكي تناسب دول معينة.
الاستراتيجية العالمية
تقوم الاستراتيجية العالمية على الافتراض القائل بأنَّ العالم مترابط للغاية وأنَّ أنماط الاستهلاك والإنتاج متجانسة إلى حد ما في جميع أنحاء العالم. تقوم الشركات ببساطة في مثل هذه الحالات بتوسيع نطاق استراتيجيتها من النطاق المحلي إلى النطاق العالمي. تساعد الاستراتيجيات العالمية على خفض التكاليف، إذ أنَّ استخدام منتجات وعمليات موحَّدة في كل الأسواق يتيح للشركة إمكانية تحقيق وفورات الحجم (خفض تكلفة الوحدة المنتجة من خلال زيادة كمية الإنتاج). ستبحث الشركة العالمية عن فرص في مختلف أنحاء العالم وتوسِّع نطاق أعمالها لتشمل تلك المناطق التي توجد فيها الفرص، كما أنَّها ستوزِّع أنشطتها على نطاق العالم بالطريقة التي تمكِّنها من تحقيق أعلى قيمة وأعظم فائدة لها.
من الأمثلة الجيدة على الاستراتيجية العالمية هي الاستراتيجية التي تنتهجها شركة فورد للمحركات. لقد قررت شركة فورد أن تكون السيارات الكهربائية هي سيارات المستقبل، لذلك تتَّبع الشركة استراتيجية عالمية لتحقيق ذلك، إذ تستخدم منصة عالمية في العديد من النماذج والطرازات. على سبيل المثال، تستخدم شركة فورد في الوقت الحالي «منصة C» لتصنيع مجموعة متنوعة من السيارات مثل فورد فوكس وفورد سي-ماكس، كما يمكن استخدام هذه المنصة في تصنيع السيارات الكهربائية الهجينة والسيارات الكهربائية بالكامل.
لقد اتخذت العديد من شركات تصنيع السيارات قرارًا استراتيجيًا بتوفير السيارات الكهربائية والهجينة في الأسواق العالمية. تظهر في الصورة سيارة تويوتا بريوس الكهربائية الهجينة. إنَّ شركة تويوتا تنتهج استراتيجية إقليمية في عملياتها العالمية. (مصدر الصورة: حساب Mariordo59/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0))
لماذا تنتهج بعض الشركات استراتيجيات عالمية؟ تُعد طبيعة مجال عمل هذه الشركات أحد الأسباب الرئيسية لذلك المنهج. على سبيل المثال، الاستراتيجيات العالمية مناسبة لمجال صناعة السيارات؛ لأنَّ المنتجات التي يتم بيعها وطريقة استخدامها متشابهة في جميع أنحاء العالم، لذلك إذا كانت هناك إمكانية لتلبية احتياجات الزبائن في الأسواق العالمية، فإنَّ الاستراتيجية العالمية تكون مناسبة. بالإضافة إلى ذلك، تتيح الاستراتيجيات العالمية خفض التكاليف كما ذكرنا سابقًا، وتتيح للشركات أيضًا ميّزة جعل عملياتها متشابهة في جميع أنحاء العالم؛ نظرًا لأنَّ الأنشطة لا تُعدَّل وفق الاحتياجات المحلية.
تشير الدراسات الحالية إلى قلة عدد الشركات التي تُصنّف في قائمة الشركات العالمية الحقيقية، وقد كشفت دراسة حديثة للشركات المُدرَجة ضمن قائمة فورتشن جلوبال 500 أنَّ تسع شركات منها فقط تخطّت حدودها إلى العالمية بالفعل بناءً على قياس كيفية توزيع مبيعاتها في عدد من الدول على مستوى العالم. هذه الشركات هي: كانون، وكوكاكولا، وفليكسترونيكس، وIBM، وإنتل، و LVMH، ونوكيا، و فيليبس، وسوني.
الاستراتيجية الإقليمية
الاستراتيجية الإقليمية هي استراتيجية تقرِّر من خلالها الشركة أنَّه من الملائم تنظيم أنشطتها الوظيفية -مثل: التسويق، والتمويل، وغير ذلك- في المناطق الجغرافية التي تكثُر فيها المبيعات. تعدُّ شركة تويوتا مثالاً حيًّا على شركة نجحت في تطبيق الاستراتيجية الإقليمية، إذ قررت تويوتا أنَّه من المفيد تخصيص عملياتها ومركزة أعمالها حسب المناطق؛ لأنَّها رأت أنَّ المناطق مثل أوروبا وأمريكا الشمالية كبيرة بما فيه الكفاية لتشكِّل أسواقًا مختلفة. تمتلك الشركة العديد من المكاتب الإقليمية التي تعمل على نحو مستقل ومنفصل عن مقرها الرئيسي في اليابان.
تعدُّ الإستراتيجية الإقليمية مناسبة إذا وجدت الشركات أنَّ فوائد توزيع أنشطتها وتخصيصها تفوق بكثير فوائد التعاون والتنسيق. على سبيل المثال، إنَّ وجود وحدات وفروع مستقلة على أساس المناطق أمر منطقي بالنسبة لشركة تويوتا؛ لأنَّ لكل منطقة احتياجات محددة يمكن تلبيتها على نحو أفضل باستخدام استراتيجية إقليمية بدلًا من استراتيجية عالمية.
على سبيل المثال، إذا أخذنا في الحسبان أنَّ سعر البنزين في أوروبا أعلى بكثير منه في الولايات المتحدة، فإنَّ استخدام استراتيجية إقليمية لتصميم وتصنيع سيارات ذات كفاءة في استهلاك الوقود وتصديرها إلى أوروبا أكثر منطقية من تصميم نوع واحد من السيارات مناسب للجميع في السوق العالمية.
الاستراتيجية المحلية
الاستراتيجية المحلية هي استراتيجية تعدِّل الشركة من خلالها منتجاتها لكي تلبِّي احتياجات السوق المحلية. على سبيل المثال، يرى الخبراء أنَّ هنالك اختلافات ثقافية ووطنية مهمة تشير إلى أهمية وجود مستوى معين من التخصيص، على الرغم من التصوُّر السائد بأنَّ الزبائن يرغبون في الحصول على منتجات عالمية.
إنَّ هذا الأمر بالغ الأهمية لبعض المجالات الوظيفية مثل التسويق، إذ أنَّ عادات الشراء والاستخدام تختلف من ثقافة لأخرى، كما أنَّ الأشخاص يستجيبون بطرق مختلفة للحملات الترويجية وغيرها من الرسائل الإعلانية. في مثل هذه الحالات، قد تكون هناك حاجة لوجود استراتيجية محلية محدّدة لكل منطقة.
من الأمثلة على الاستراتيجيات المحلية عروض منتجات ماكدونالدز في الهند. إنَّ هذه الشركة التي تشتهر بتقديم شطائر الهامبرغر لا تقدِّم أي منتجات مكوَّنة من اللحم البقري أو لحم الخنزير في الهند نظرًا لتفضيل سكانها للأطعمة النباتية، إلى جانب تقديسهم للأبقار؛ بل تقدِّم مطاعم شركة ماكدونالدز لزبائنها في الهند أصنافًا أخرى تجنُّبًا للتسبُّب في استيائهم، ومن هذه الأصناف: شطائر مكوَّنة من البطاطا والبازلاء (McAloo Tikki)، أو شطائر مكوَّنة من الفاصوليا والبازلاء الخضراء والبصل والجزر (McVeggie)، أو شطائر مكوَّنة من جبن بانير الهندي (McSpicy Paneer). إنَّ اللحوم الوحيدة التي تبيعها مطاعم شركة ماكدونالدز في الهند هي الدجاج والسمك. بالإضافة إلى ذلك، يتم إجراء تعديلات على المنتجات لكي تناسب الأذواق المحلية التي تميل إلى تفضيل الأطعمة الغنية بالتوابل.
على الرغم من مزايا الاستراتيجية المحلية، إلَّا أنَّها لا تخلو من العيوب، إذ تعدُّ هذه الاستراتيجية أكثر تكلفة؛ لأنها تتطلَّب من الشركات تخصيص الموارد والأقسام بشكل منفصل في مختلف أنحاء العالم، كما قد يكون من الصعب على الشركات تقليل التكاليف أو الحصول على تقارير دقيقة من الشركات الفرعية؛ بسبب الاختلافات في الأنشطة والعمليات المحلية. مع ذلك، قد تستوجب طبيعة بعض الأسواق استخدام وتوظيف الاستراتيجية المحلية في عملها.
القيادة الإدارية
الانتقال من المستوى الإقليمي إلى العالمي
شركة Crop Science هي أحد فروع شركة باير العالمية الألمانية الرائدة، وهدفها الرئيسي هو «أن تكون قادرة على إنتاج ما يكفي من المواد الغذائية والأعلاف والألياف والمواد الخام المتجددة لسكان العالم المتنامي على الأراضي المحدودة المتاحة». لقد ساهمت الشركة في العديد من الابتكارات الحديثة في مجال الزراعة، مثل تطوير تطبيقات للمزارعين من أجل مساعدتهم على فهم كل ما يتعلَّق بالمحاصيل والمناخ وما إلى ذلك، وتطوير القدرة على استخدام الطائرات بدون طيار لتقييم جودة المحاصيل.
من أقسام شركة Crop Science قسم الشؤون العامة والحكومية العالمية (GPGA) المسؤول عن مراقبة سياسات الحكومة المحلية والامتثال لها. كان لدى شركة Crop Science في عام 2012 عددٌ كبير من أقسام GPGA الإقليمية، ويعمل كل قسم منها على نحو مستقل، ممَّا يقلِّل من التعاون والتنسيق فيما بينها. أدَّى استخدام الشركة لهذه الاستراتيجية الإقليمية إلى بطء وصول المعلومات المهمة المتعلِّقة بأولويات السياسة العامة من مختلف الأقاليم إلى المقر الرئيسي، لذلك لم تتمكَّن شركة Crop Science من مواجهة تحديات السياسة العامة بسرعة في مختلف أنحاء العالم.
عيَّنت شركة Crop Science في عام 2013 ليزا كون (Lisa Coen) من أجل تطبيق استراتيجية أكثر عالمية في قسم GPGA، وقد كانت مهمتها الأساسية هي جعل قسم GPGA منظمة عالمية بالفعل. من أجل تنفيذ هذه المهمة؛ سافرت ليزا أولاً حول العالم حتى تلتقي بقادة وحدات العمل وأعضاء فريق الشؤون العامة في مختلف أفرع الشركة، وكانت تهدف من هذه الخطوة إلى تكوين علاقات مع أصحاب المصالح الرئيسيين في أفرع الشركة حول العالم وتضمن عدم تغيير آرائهم بشأن خطة النمو والتوسُّع المستقبلية للشركة.
اكتشفت ليزا خلال هذه اللقاءات أنَّ أقسام GPGA المحلية والإقليمية المختلفة لديها معرفة وخبرات عميقة من شأنها أن تساعد شركة Crop Science بدرجة كبيرة على التعامل مع قضايا السياسة العامة وإدارتها في جميع أنحاء العالم، كما أتاحت هذه اللقاءات لها التوصُّل إلى أفضل استراتيجية لتحويل الوحدات الإقليمية المختلفة إلى وحدة عالمية واحدة. لقد كان على ليزا تحويل الشركة من منظمة تقليدية تقوم على الأقاليم والتسلسل الهرمي إلى منظمة مكوَّنة من شبكة من الوحدات القائمة على العولمة وزيادة التعاون فيما بينها، وقد حاولت ليزا إثبات الحاجة إلى مثل هذا النظام عن طريق دعوة أصحاب المصلحة الرئيسيين لحضور اجتماع عالمي للعمل معًا على قضايا السياسة العامة، واستطاعت أن تبيِّن للمجموعة أهمية إنشاء تلك الشبكة العالمية.
بيَّنت ليزا من خلال تدريبات بناء فِرق العمل كيف كان على المجموعة بأكملها التنقُّل للقاء أصحاب المصلحة الرئيسيين في كل إقليم، وقد أتاح هذا التفاعل للمجموعة تطبيق نموذج الشبكة الذي يعزِّز بناء خيكل عالمي متين للمؤسسة.
الملخص
تختار الشركات الاستراتيجية التي ستنتهجها للتوسُّع على مستوى العالم استنادًا إلى قدراتها ومهاراتها، إلى جانب هيكلية وطبيعة المجال الذي تعمل فيه، إذ تختار الشركات الاستراتيجية الإقليمية إذا شعرت أنَّ هناك اختلافات جوهرية بين المناطق التي ستعمل بها. في المقابل، تختار الشركات الاستراتيجة العالمية إذا شعرت أنَّ لديها منتجات عالمية يمكنها أن تلبِّي احتياجات المستهلكين العالمية.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الشركات نادرًا ما تطبِّق نوعًا واحدًا من الاستراتيجيات على جميع عملياتها؛ بل تتبنَّى العديد من الشركات استراتيجيات هجينة، إذ قد تستخدم الأسلوب العالمي في بعض المجالات الوظيفية، في حين قد تستخدم الأسلوب الإقليمي أو المحلي مع أنشطة أخرى.
ترجمة -وبتصرف- للفصلين Cross-Cultural Assignments وStrategies for Expanding Globally من كتاب Principles of Management
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: أهمية الأسواق العالمية للشركة
- المقال السابق: الصور النمطية الثقافية والمجموعات الإجتماعية
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.