اذهب إلى المحتوى

الوعي بالسعر وكيفية إدراك المستهلك له


Mohamed Lahlah

تعرفنا في المقال السابق على ماهية الوعي بالسعر وكيف تكون عملية التسعير واستراتيجيات التسعير المختلفة سنكمل في هذا المقال ما بدأنا به وسنتعلمُ كيف أن التغيير البسيط في السعر يمكن أن ينعكس سلبًا أو إيجابًا على إقبال المستهلكين على الشراء.

غالبًا ما يعدل رواد الأعمال وأصحاب الشركات استراتيجيات التسعير بين الفينة والأخرى بحسب ما يجري في الأسواق، وبالرغم من أهمية تكلفة المنتجات المُباعة وأسعار المنافسين لكن لا ينبغي أن تكون أسعار المنافسين مركز استراتيجيًا للتسعير الخاص بالعلامة التجارية أو الشركة.

لكن ماذا لو سعرت الشركة منتجاتها ثم أرادت لاحقًا تعديل استراتيجية السعر الخاصة بها هل سيتأثر الطلب على المنتج؟ لفهم ما سيحدث لا بدّ أن نستعرض مصطلح مهم في هذا السياق وهو المرونة السعرية للطلب Price Elasticity of Demand.

المرونة السعرية للطلب Price Elasticity of Demand

وهو مصطلح يستخدم لتحديد كيفية تأثير التغيّر في السعر على طلب المستهلكين للمنتج. إذا استمر المستهلكون في شراء منتج بالرغم من ارتفاع سعره (مثلما يحدث بأسعار السجائر والوقود)، عندها يعد هذا المنتج غير مرن أي الطلب عليه ثابت. بالمقابل عندما يتغير الإقبال على شراء منتج ما عند تقلبات الأسعار (مثل المنتجات الترفيهية والكمالية) عندها يكون المنتج مرن أي يكون الطلب عليه غير ثابت. يمكننا حساب مرونة الطلب السعرية باستخدام الصيغة التالية:

اقتباس

مرونة الطلب السعرية = النسبة المئوية للتغير في الكمية ÷ النسبة المئوية للتغير في السعر

على سبيل المثال: لنفترض أن سعر التفاح انخفض بنسبة 6٪ من 1.99 إلى 1.87 دولار أمريكي للكيلو الواحد، واستجابة لذلك زاد المتسوقون مشترياتهم من التفاح بنسبة 20٪ وبذلك تكون مرونة التفاح: 0.20 ÷ 0.06 = 3.33% نستنتج بأن الطلب على التفاح مرن للغاية.

يساعد مفهوم المرونة السعرية على فهم ما إذا كان منتجك أو خدمتك حساسة لتقلبات الأسعار. من الناحية المثالية تريد الشركات بأن يكون منتجاتها غير مرنة لكي يظل الطلب مستقرًا إذا تقلبت الأسعار. من العوامل المؤثرة على مرونة الطلب السعرية نذكر:

  • توفر المنتجات البديلة: يؤثر وجود منتجات بديلة على مرونة الطلب السعرية إذ تعد المنتجات مرنة كلما زاد توفر المنتجات البديلة لها. فإذا تواجد نوعين من القهوة في السوق وارتفع سعر واحدة منها فإن المستهلكين سيتوجهون لشراء النوع البديل وبالتالي يقل الطلب على النوع الأول.
  • حاجة المستهلكين: إذا كان المنتج ضروري بالنسبة للمستهلكين فإنه سيكون غير مرن، مثل الماء أو البنزين الذي لن تتأثر كمية الطلب عليه مهما تغير سعره.
  • ضغط الوقت: إذا كان سعر المنتج يتأثر مع مرور الوقت، فذلك يعني أنّها مرنة، مثل تأثر سعر المنتجات بمواسم معينة. كما أنّ توفر الوقت للمستهلكين يتيح لهم إيجاد منتجات بديلة وذلك يحدث في المنتجات غير الأساسية التي يمكن تأجيل شراؤها.
  • التعلّق بالمنتجات: تسبب بعض المنتجات الإدمان من كثرة ما اعتاد الناس على تواجدها ولذلك تكون هذه المنتجات غير مرنة أي الطلب عليها ثابت، ومن الأمثلة عليها السجائر أو منتجات شركة آبل!

تختلف أنواع مرونة الطلب السعرية بحسب المنتجات ومن هذه الأنواع نذكر:

  1. طلب غير مرن نهائيًا Perfectly Inelastic Demand: أي أنّ كمية الطلب على المنتجات لا تتغير أبدًا مهما تغير السعر، وذلك يعني بأنّ مرونة الطلب السعرية تساوي صفر. في الواقع لا يوجد منتج غير مرن نهائيًا، ولكن يمكن أن يكون عبوات المياه المعبأة المثال الأقرب لهذا النوع. يمثل هذا النوع على منحنى الطلب بخط طولي مستقيم.
  2. طلب غير مرن نسبيًا Relatively Inelastic Demand: أي أنّ كمية الطلب لا تتغير بنفس النسبة التي يتغير بها السعر، وتكون قيمة الطلب السعرية هنا أكبر من صفر وأقل من واحد. فعلى سبيل المثال، إذا زاد سعر المنتج بنسبة 10%، تنخفض كمية الطلب بنسبة 5% فقط، فذلك يعني أنّ الطلب على هذا المنتج غير مرن نسبيًا. يمثل هذا النوع بخط منحدر على محور الطلب.
  3. طلب مرن عند تغيير السعر Unit Elastic Demand: أي أنّ كمية الطلب تتغير بنفس النسبة التي يتغير بها السعر، وتكون قيمة مرونة الطلب السعرية مساوية للواحد.
  4. طلب مرن نسبيًا Relatively Elastic Demand: أي أنّ التغير في كمية الطلب يكون أكبر من التغير في السعر، وتكون قيمة مرونة الطلب السعرية أكبر من واحد. كما يمثل هذا النوع على منحنى الطلب بخط منحدر تدريجيًا لكن انحداره يكون أقل من انحدار الطلب غير المرن نسبيًا.
  5. طلب مرن دائمًا Perfectly Elastic Demand: أي أنّ تغير طفيف في السعر يؤدي إلى تغير كبير في كمية الطلب، وتكون قيمة مرونة الطلب السعرية هنا لا نهائية. يمثل هذا النوع على منحنى الطلب بخط عرضي مستقيم.

المرونة السعرية للطلب Price Elasticity of Demand

عادة ما يتغير سعر المنتج أثناء تحركه خلال دورة حياة المنتج خصيصًا مع تغير الطلب على المنتج واختلاف الظروف التنافسية. غالبًا ما تحدد الإدارة سعرًا مرتفعًا في المرحلة التمهيدية، ويميل السعر المرتفع إلى جذب المنافسة. عادة ما تؤدي المنافسة إلى انخفاض الأسعار لأن المنافسين يخفضون الأسعار للحصول على حصة في السوق. عمومًا تنطوي كل إستراتيجية على مزايا وعيوب فالإستراتيجية التي تجذب بعض العملاء يمكن ألّا تجذب عملاء آخرين ولأن الشركة لا يمكن أن ترضي جميع العملاء، ينبغي عليها أن تحدد شريحة العملاء الأساسية والسعر المناسب لهم بناء على معلومات حقيقة من السوق وليس التوقعات من خلال تحليل احتياجات هذه الشريحة وسلوكيات الشراء الخاصة بها.

إدراك المستهلك للسعر

بحسب دراسة منشورة عام 2012 في جامعة تكساس جاء فيها أن هناك دليل على أن معرفة المستهلكين بالأسعار محدودة، أي أنه في بعض الأحيان يمكن ألّا يكون المستهلكين على دراية كاملة بالأسعار عند شراء المنتجات. كيف يتخذ المستهلكون قرار اختيار المنتجات أو العلامات التجارية؟ يرى الباحثون بأن أحد الاحتمالات هو أن المستهلكين يستخدمون توقعاتهم للأسعار. وهذا يثير مجموعة من الأسئلة المهمة في هذا الصدد وهي:

  • متى نعُدّ الشراء من علامة تجارية معينة دالة على التفضيلات والأسعار المعلنة أم أنها دلالة تفضيلات وتوقع أسعار العلامة التجارية؟
  • هل يوجد للإعلانات والعروض التجارية دورًا في تبسيط اختيار العلامة التجارية للمستهلك؟
  • هل تؤدي العروض الترويجية إلى جعل المستهلكين يقصرون انتباههم على العلامات التجارية التي يُروج لها فقط؟
  • هل تؤثر العروض الترويجية على المستهلكين على دراية بالسعر أكثر من تأثيرها على المستهلكين غير المدركين للسعر؟

استخدم الباحثون بيانات استطلاعاتهم على منتجات الكاتشب وزبدة الفول السوداني للإجابة على الأسئلة السابقة. ووجدوا بأن ما بين 40٪ و 50٪ من المشتريات يجريها المستهلكون باستخدام توقعات الأسعار بدلًا من الأسعار المُعلنة. يُنظر إلى المستهلكين الذين يستخدمون توقعات الأسعار على أنهم "غير مدركين" للأسعار المعروضة. ووجدوا أيضًا بأن العروض الترويجية تجعل بعض المستهلكين يركزون حصريًا على العلامات التجارية التي يُروج لها، وهذا التأثير يكون أكبر على المستهلكين المدركين للسعر بالمقارنة مع المستهلكين غير المدركين للسعر. كما وجدوا تأثيرًا مهمًا على عقلانية توقع المستهلك للأسعار وخاصة العلامات التجارية التي رُوج لها.

هذا البحث يضعنا أمام العديد من نقاط الاستفهام والأسئلة وللإجابة على هذه التساؤلات لا بدّ أن نعود بالزمن ونفهم الأمر من البداية من خلال الاطلاع على النظريات الأولية في كيفية إدراك المستهلك للسعر.

إدراك السعر وفق النموذج التقليدي

يواجه المستهلك عددًا لا يحصى من الخيارات لمعظم قرارات الشراء ولعبت المنافسة الشديدة دورًا كبيرًا في إرباك المستهلك عند اتخاذه للقرارات نظرًا لكثرة المعلومات وهذا يصعب من إمكانية صحة الافتراض الكلاسيكي للنظرية الاقتصادية بأن المستهلكين لديهم معلومات كاملة عن المنتجات والأسعار. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يفتقر المشترون إلى القدرة على معالجة جميع المعلومات والعروض المتاحة.

في هذه البيئة السريعة والفوضوية يعتمد المستهلكون أثناء عملية التصنيف اعتمادا كبيرًا على المعلومات الدلالية Information Cues (وهي معلومات متنوعة متعلقة بالمنتج أو الخدمة أو سياق الشراء مثل، السعر والضمانات وأنماط تنفيذ الإعلانات) وذلك في سعي المستهلك لتسريع عمليات اتخاذ القرار وتقييم المنتجات والخدمات. لذلك يجب على المسوقين تحديد المعلومات الدلالية التي يستخدمها المستهلكون مما يمكنهم من فهم إدراك المستهلكين للمنتجات والخدمات المقدمة.

بالإضافة إلى ذلك يفهم المستهلكون السعر بناء على مفهوم التصنيف Classification فعندما يواجه المستهلكون سعرًا مختلفًا عن السعر الذي دفعوه سابقًا لنفس نوعية المنتج سيتوجب عليهم أن يقرروا فيما إذا كان الاختلاف بين السعر القديم والجديد يشكل فارقًا أم لا. فإن اعتقدوا أن الاختلاف لا يشكل فارقًا عندها سيصنفوا السعرين كسعرين متشابهين وبالتالي يتصرفون كما تصرفوا في الماضي، ويمكن أن يختاروا في هذه الحالة بناء على عوامل غير السعر. بالمقابل، إذا أدرك المستهلكون أن الاختلاف بين السعرين كبير فيمكن أن يصنفوا المنتجين على أنهما مختلفين وبالتالي يمكن أن يقوموا بالاختيار بناء على السعر.

بناء على هذا النموذج التقليدي يتطلب السلوك العقلاني من المستهلك أن يكون قادرًا على:

  1. معرفة المعلومات الكاملة عن الأسعار.
  2. القدرة على معالجة المعلومات بطريقة صحيحة.
  3. عدم تأثر الأسعار في الرغبات النسبية أو الرضا.
  4. المعلومات الكاملة حول الأذواق والتفضيلات.

يشير منتقدو النموذج الاقتصاد التقليدي بأن الفرضيات 1 و 2 و 4 غير عملية على أرض الواقع، ولذلك يرون بأن طريقة تقييم المستهلكين للجودة من خلال المزايا الخاصة بالمنتج مقابل التضحية المتمثلة بالسعر. وبالتالي فإن إدراك المستهلكين للقيمة يتأتى من خلال الموازنة العقلية بين الجودة أو المنافع Benefits التي يدركونها في المنتج مقابل التضحية Sacrifice التي يدركونها من خلال السعر الذي يدفعونه.

اقتباس

القيمة المدركة Perceived Value = الجودة المدركة ÷ التضحية المدركة

إدراك السعر وفق النموذج التقليدي

نلاحظ من الشكل السابق السعر مع الجودة المدركة والتضحية المدركة في تكوين القيمة المدركة وتشكيل نية الشراء في نهاية المطاف يمكن أن يستخدم السعر كمؤشر على الجودة المدركة للمنتج وعلى التضحية المدركة عند الشراء وتنتج القيمة المدركة عن الموازنة بين الجودة المدركة والتضحية المدركة وتكون موجبة عندما يكون إدراك الجودة أعلى من إدراك التضحية.

العلاقة بين السعر والجودة

ضمن نماذج اقتصاديات السعر الكلاسيكية يفترض المرء أن العملاء لديهم معلومات كاملة ويمكنهم تقييم جودة المنتج بصورة مستقلة عن سعره، ولكن في الحقيقة أثبتت فرانزيسكا فولكنر Franziska Völckner في بحثها المنشور في مجلة اقتصاديات الأعمال Journal of Business Economics عام 2006 أن السعر يمكن أن يكون مؤشرًا للجودة وظهر هذا الأمر تجريبيًا في عدة أبحاث أخرى. كان السعر بمثابة مؤشر لجودة منتجات متنوعة مثل الأثاث والسجاد والشامبو ومعجون الأسنان والقهوة والمربيات والجيلي وأجهزة الراديو، ولوحظت آثار مماثلة في قطاع الخدمات (مثل المطاعم والفنادق).

في بعض القطاعات أدت زيادة الأسعار زيادات في حجم مبيعات منتجات مثل بخاخات الأنف وجوارب النايلون والحبر والمنتجات الكهربائية. وفي بعض الأحيان كانت النتائج مثيرة حقًا للاهتمام ففي آلة الحلاقة الكهربائية الشخصية زاد حجم المبيعات بمقدار أربعة أضعاف بعد زيادة كبيرة في الأسعار جعلت الآلة أقرب إلى تكافؤ السعر مع المنتجات الرائدة في السوق مثل آلة الحلاقة براون.

وبالرغم أنه لا تزال هنالك فجوة سعرية بين المنتج وآلة الحلاقة براون إلا أن الفرق البسيط كان حافزًا ولم يجعل المستهلكين يشكّون في جودة المنتج مثلما كان يحدث عندما كان الفرق السعري كبيرًا.

لا يقتصر دور السعر كمحدد للجودة على المنتجات الاستهلاكية بل ينطبق الأمر أيضًا على المنتجات المتبادلة بين قطاعات الأعمال B2B. فمثلًا قدمت إحدى الشركة البرمجيات حزمة برامج سحابية للشركات بسعر منخفض للغاية يبلغ 19.90 دولارًا شهريًا، وكانت تُباع المنتجات المنافسة المماثلة في السوق بأكثر من 100 دولار شهريًا. أدرك الرئيس التنفيذي للشركة بعد عدة أشهر أن حماس شركته تجاه الأسعار كان مبالغًا فيه إذ تحوّل السعر المنخفض من ميزة تنافسية إلى عامل شك في جودة منتج الشركة وجعل الشركة تخسر ثقة العميل وأصبح السعر عائقًا أمام المبيعات نمو المبيعات.

عملت الشركة لاحقًا على تتميز المنتج ورفع سعره إذ أضافت على منتجها ميزات جديدة ثم عرضت الحزمة الجديدة على الشركات مقابل رسوم شهرية مرتفعة وبالرغم من أن الحزمة لا تزال غير مكلفة على الشركة، لكنها الآن تتناسب بطريقة أفضل مع أسعار السوق. ساعد هذا التكيف الشركة على التخلص من الصورة السلبية التي عززها السعر المنخفض الأولي.

ظهر ذلك أيضًا في المجال الطبي ففي إحدى التجارب وجد المرضى الذين خضعوا للاختبار عندما تناولوا صنفين من مسكن الآلام أحدهما مرتفع الثمن والآخر رخيص وعند سؤالهم عن الفعالية كان جوابهم بأن فعالية الدواء مرتفع الثمن أفضل بكثير. هذا النوع من التأثيرات الوهمية معروف في الطب باسم تأثير بلاسيبو Placebo Effect.

يكون السعر مؤشرًا الجودة عندما لا يتمكن العملاء من تقييم جودة المنتج بشكل مناسب أو عندما يفتقر العملاء إلى الوقت أو القدرة أو عندما يكون التقييم الشامل مكلفًا للغاية. لذا فهم يبسطون عملية اتخاذ القرار ويستخدمون السعر كبديل للجودة. في الواقع، غالبًا لا يكون لدى العميل خيارًا سوى اتخاذ قرار الشراء على أساس معلومات غير كاملة أي يكون العميل غير واع بكافة خصائص المنتج وما تعنيه هذه الخصائص. يحاول العملاء تقليل مخاطرهم المتصورة والتنافر المعرفي الناتج عن طريق استخدام معايير أو مؤشرات أخرى لتقييم الجودة. توضح الصورة التالية النقاط التي يتأثر بها المستهلك.

العلاقة بين السعر والجودة

نلاحظ كيف تتأثر الجودة المدركة باسم الشركة وبلد المنشأ واسم المحل التجاري أو بائع التجزئة والسعر جميع هذه النقاط تؤثر إيجابيًا بالسعر إلا أن دولة المنشأ يمكن أن تؤثر بطريقة سلبية على اسم العلامة التجارية واسم المتجر وعلى السعر أيضًا لأنه إذا كان بلد الصين هو البلد المنشأ مثلًا، فسيتوقع المستهلك بأن السعر والجودة منخفضان والمحل التجاري يبيع البضاعة الرخيصة وينعكس الأمر في حال كان بلد المنشأ هو ألمانيا أو اليابان، بالإضافة إلى ذلك يؤثر السعر في التضحية المدركة والتي بدورها تؤثر هي والجودة المدركة على القيمة المدركة.

بالإضافة إلى ذلك ومن منظور اقتصادي، يعد البحث عن معلومات الجودة الموضوعية الخاصة بمنتج ما ودراستها أمرًا مكلفًا إذ يكلف الباحث وقته الضائع في عملية البحث وفي قراءة تقارير الاختبار، وتجميع النتائج وفهمها، وبذلك تكون التكلفة الإجمالية لشراء منتج هو مجموع السعر الفعلي وتكاليف البحث تلك، وعندما يفترض العميل وجود علاقة إيجابية بين السعر والجودة يوفر بذلك تكاليف البحث، يمكن أن يكون شراء منتج أكثر تكلفة حلًا أرخص من إضاعة الوقت في حال كان المستهلك مديرًا أو ذا منصب رفيع.

بالإضافة إلى ذلك، وبالرغم من سهولة الوصول إلى المعلومات، يميل المستهلكون في بعض الأحيان إلى الاعتماد على مراجعات العملاء الفعليين والتي تؤثر تأثيرًا كبيرًا عليهم ويمكن أن تكون بمثابة بدائل جزئية أو كاملة لمؤشرات الجودة التقليدية مثل العلامة التجارية والسعر.

يستخدم العملاء السعر كمؤشر جودة لعدة أسباب معقولة نذكر منها:

  • العنصر الثقافي المنتشر من خلال الأمثال الشعبية مثل "الجودة لها ثمنها" أو "الغالي حقه فيه" أو "أعطِ الخباز خبزه حتى لو أكل نصه" تؤثر هذه الأمثال بطريقة غير مباشرة على وعي المستهلكين.
  • اعتقاد الناس بأن السعر دومًا له علاقة وثيقة مع التكاليف وكلما زادت التكاليف للمواد الثمينة زاد السعر.
  • الخبرة في مجال المنتج إما مفقودة أو مستحيلة الحصول عليها إما لأن المنتج جديد أو نادرًا ما يشتريه المستهلك.
  • عند شراء المنتجات الجديدة المبتكرة.
  • آخر عملية شراء أو استخدام للعميل كانت في الماضي البعيد.
  • لا يشارك العملاء عادة تجاربهم مع بعضهم البعض حول هذا المنتج بعينه.

وفي بعض الظروف يصبح السعر أكثر قوة كمؤشر للجودة خصيصًا في الحالات التالية:

  • ضيق الوقت.
  • زيادة تعقيد الشراء.
  • انخفاض شفافية الأسعار.
  • الثقة بمُقدم معلومات الأسعار.

ويمكن أن تلعب أيضًا العوامل الشخصية الخاصة بالعميل دورًا في عدّ السعر مؤشرًا للجودة مثل:

  • انخفاض ثقة العميل بنفسه.
  • زيادة القوة الشرائية للعميل بالإضافة إلى كونه غير اقتصادي ومسرف.
  • رغبة العميل في الشراء السريع والسهل.
  • زيادة الرغبة في تجنب التنافر المعرفي.

التلاعب على الجانب النفسي

فهمنا حتى الآن أن للسعر خصائص إيجابية وسلبية في آنٍ واحد وتعرفنا على شخصية العميل الذي يمكن أن يربط السعر بالجودة ولكن ماذا عن العميل العقلاني المنطقي والحريص على أمواله، كيف سنُخفف من أثر السعر في قرار شرائه؟ كيف نجعله يتقبل السعر بطريقة سلسة؟ في الحقيقة ظهرت عدة حيل للتلاعب على المستهلك من أجل تخفيف أثر صرف المال ومن بين هذه الحيل ظاهرة الأسعار النفسية Psychological Price Phenomena ومن أشهر الأمثلة على ذلك الأسعار الفردية أو الكسرية Odd Prices.

الأسعار الكسرية Odd Prices

تشير إلى الأسعار الكسرية Odd Prices إلى الأسعار المنتهية بأرقام عشرية غير صحيحة مثل 9.99، وتنتشر طريقة التسعير هذه في متاجر البيع بالتجزئة في قارة أوروبا وأمريكا، ومن الأسباب التي تشجع على التسعير بأرقام تنتهي بالرقم 9 أن هذه الأسعار تشير إلى سعر أقل أو إلى حسم على مستوى السعر مما يحفز الطلب.

من التفسيرات العلمية لتبرير الفرق في كيفية إدراك الأسعار المنتهية بأرقام عشرية مثل 9.99 هو أن الأشخاص يميلون للتقليل من الجهد الذهني ويميلون إلى معالجة الأرقام من اليسار إلى اليمين وبالتالي فإن الرقم الأهم سيكون هو 9 ويهمل الجزء الثاني والذي يعطي شعورًا بأن السعر هو 9 فقط وبالمثل قد تقرأ سريعًا سعر 49.99 فتتذكر منه 40 وهو الرقم الأهم ويمكن حتى أن تتذكر سعر المنتج بحدود الأربعين إن سئلت عنه لاحقًا.

موازنة الأسعار والسعر المرجعي

يشير أثر المسافة Distance Effect إلى أن الزمن اللازم للمقارنة بين رقمين يتناسب عكسًا مع المسافة الرقمية بينهما إذ يستغرق القرار بأن الرقم 8 أكبر من 6 زمنًا أطول من الزمن الذي يتخذه القرار بأن الرقم 8 أكبر من الرقم 2 هذا يدل على أن المسافة بين الأرقام لا توازن كأرقام وإنما ككميات. ينظر عادة إلى الأرقام 2 و 3 و 4 إلى أنها أرقام صغيرة بينما ينظر إلى 6 و 7 و 8 إلى أنها أرقام كبيرة أي أن الرقم 5 يفصل بين الأرقام الكبيرة والأرقام الصغيرة وعندما يوازن المستهلك الأسعار يرمز عقله أولًا وبصورة آنية ومن ثم تصنف الأسعار صغيرة أو كبيرة.

أما السعر المرجعي Reference Price فهو السعر الذي يستخدمه المستهلك كمعيار للموازنة عند تقييم سعر المنتج. ويمكن أن يكون السعر المرجعي داخليًا أي مخزن في الذاكرة أو خارجيًا مشاهدًا في البيئة المحيطة مثل الأسعار التي تظهر في الإعلانات أو الكتالوجات أو دليل الأسعار أو أسعار المنتجات الأخرى الواضحة ضمن السوبر ماركت. الأسعار المخزنة داخليًا هي الأسعار المخزنة في الذاكرة من التجارب السابقة أو من المعرفة بقطاع العمل أو المكونات الأساسية للمنتج أو المعلومات المخزنة من تجارب الآخرين.

يستخدم مدراء الشركات عادة الأسعار المرجعية للتأثير في المستهلكين. فيمكن أن يلجأ بعض البائعين إلى وضع منتج ما ضمن مجموعة من المنتجات ذات الأسعار المرتفعة لتوليد انطباع بأن المنتج ينتمي إلى هذه الطبقة من المنتجات ولكن سعره أقل أو عليه خصم معين. في حال اكتشاف المستهلك بأن الأسعار التي يشاهدها في المتجر أقل من الأسعار المرجعية يندفع عندها إلى المنتج ويحاول أن يقرر فيما إذا كان الأمر فيه خدعة مثل أن يكون هناك مشكلة معينة في المنتج أو المنتج مقلد …إلخ، أو أن التخفيض حقيقي وذلك لأن الأسعار المنخفضة يمكن أن تشعر المستهلك بأن هنالك خلل في المنتج.

العلاقة بين السعر والفخامة

ظهر مفهوم أثر السعر على الفخامة Prestige Effect of price منذ أكثر من 120 عامًا وتحديدًا في كتابات Thosrtein Veblen في عام 1899 وظهر ما يدعى بأثر التكبر Snob effect أو أثر فبلين في سلعة فبلين Veblen Effect. عند حدوث هذا الأثر يتزايد الطلب على المنتج حتى مع ارتفاع السعر لأن المستهلكين يريدون استخدام المنتج لبناء أو تعزيز مكانتهم الاجتماعية بالمقارنة مع بقية الناس.

فمثلًا ارتفعت أسعار منتجات العلامة التجارية البلجيكية ديلفو Delvaux المتخصصة في صنع الحقائب اليدوية بصورة كبيرة بالموازنة مع بقية المنافسين وكانت تهدف إلى إعادة تموضع العلامة التجارية لتصبح للفئة الراقية سرعان ما ازدادت مبيعات العلامة التجارية من منتجاتها وأصبحت تنافس أسعار حقائب لوي فيتون Louis Vuitton، بالمقابل نجد بأن بعض العلامات التجارية بالغت في رفع أسعارها مثل مالبري Mulberry وبرادا Prada لدرجة تجاوزت فيها حدود السعر المقبول لدى المستهلك ونتيجة لذلك بدأت مبيعاتها بالانخفاض.

تبنت بعض العلامات التجارية النُدرة والحصرية لتدل على التميز والتفرد والفخامة لتبرير أسعارها المرتفعة تركز هذه الشركات على مفهوم الفخامة في رسائلها التسويقية وخصيصًا ضمن أسواق الساعات والمجوهرات والعطور وغيرها، وعادة ما يكون المستهلكون الباحثون عن التميز والتفرد مستعدين لدفع سعر أعلى لاعتقادهم بأن القليل من الأشخاص يمكنهم الحصول على هذا المنتج.

ولكن ماذا عن المنتجات الفائضة لدى هذه الشركات الفاخرة؟ في الحقيقة تعتمد الشركات الفاخرة على إتلاف منتجاتها في حال لم تستطع بيعها ضمن فترة زمنية محدد وهذا ما فعلته العلامة التجارية البريطانية بربري Burberry المتخصصة في الأزياء والمنتجات الفاخرة، إذ عمدت الشركة في عام 2018 على إتلاف منتجات غير مباعة من الملابس الفاخرة والإكسسوارات والعطور بقيمة 28.6 مليون استرليني، للحفاظ على علامتها التجارية، وليبلغ إجمالي ما أتلفته ودمرته بربري على مدار خمس سنوات (من 2013 وحتى 2018) أكثر من 90 مليون جنيه استرليني.

تسعى هذه الشركات للتوسع لإرضاء المستثمرين ومع هذا التوسع يزداد الإنتاج والمنتجات المعروضة ولذلك يضطروا إلى إتلاف هذه البضاعة في حركة منها لمنع بيع منتجاتها بثمن بخس مما يؤثر على سمعة الشركة لاحقًا.

الخاتمة

استكملنا في هذا المقال رحلتنا في تعلم أهمية الوعي بالسعر واستعرضنا فكرة مرونة الطلب السعرية وكيف تؤثر على تغير طلب على المنتج في الأسواق وانتقلنا بعدها لفهم كيفية إدراك المستهلك للسعر فبدأنا بطريقة إدراك السعر بحسب النموذج التقليدي وتعرفنا على العلاقة بين السعر والجودة وكيف يستخدم المدراء والمسوقون حيل نفسية للتلاعب على المستهلكين والتخفيف من وقع ارتفاع السعر سواء من خلال الأسعار الفردية أو الكسرية كما اطلعنا أيضًا على الطريقة التي يوازن بها المستخدمون الأسعار وأهمية السعر المرجعي

وقد ختمنا بعدها بالتعرف على العلاقة بين السعر والفخامة وختامًا إن الوعي بالسعر جزء من الوعي بالعلامة التجارية يضيف قيمة كبيرة إذا أُحسن استخدامه ويسبب خسائر فادحة للشركات التي تسيء استخدامه لذلك إن السعي للمعرفة والاطلاع على هذه الأمور هي السلاح الوحيد لتجنب هذه الخسائر.

المصادر

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...