اذهب إلى المحتوى

أنتجَ البشرُ خلال السنواتِ الثلاثين الأخيرة كَمًّا من البيانات يفوق ما أنتجوه خلال الخمسة الآلاف سنة الماضية مجتمعة، وذلك بفضل الحواسيب، وتقوم الشركاتُ اليوم باستثماراتٍ كبرى في مجال تقنية المعلومات، لمساعدتها في إدارة تلك الكمية الهائلة من البيانات، وفي تحويلها إلى معرفة، وإيصالها لمن هم بحاجة إليها، ولكن، في حالات عديدة، لم تجنِ الشركاتُ الثمراتِ المرجوّةَ من إنفاقها على البيانات، فكثيرًا ما يشتكي المديرون التنفيذييون رفيعو المستوى، من أنَّ الشركة تنفق كثيرًا دون الحصول على أداءٍ أو مردودٍ كافيَين من تلك الاستثمارات في مجال تقنية المعلومات، إذ لا علاقة لتلك الاستمارات باستراتيجية العمل التجاري، ويبدو أنَّ الشركة تشتري أحدث التقنيات لأجل التقنية بحدِّ ذاتها، كما أنَّ الاتصالات بين خبراء تقنية المعلومات IT ومستخدميها تتسم بالضغف.

استفد من تقنية المعلومات

ليست مهمةً سهلة أن تدير عملياتِ الشركة الخاصة بتقنية المعلومات على مستوى المؤسسة، وخصوصًا عندما تمتد تلك العملياتُ إلى مواقع جغرافية، وتطبيقات برمجية، وأنظمة متعددة، وعلى مديري تقنية المعلومات التعامل ليس فقط مع الأنظمة الموجودة ضمن الشركة، بل عليهم -أيضًا- الإشراف على الشبكات وأنواع التقنيات الأخرى، مثل: الهواتف المحمولة التي تتعامل مع التراسل عبر البريد الإلكتروني، والتي تؤمِّنُ الاتصالَ بين أعضاء فريق العمل، في المواقع الممتدة من البلدة المجاورة، وصولًا إلى أولئك العاملين في قارَّةٍ أخرى، وبالتوازي مع ذلك، يواجه مديرو تقنية المعلومات قيودًا زمنية وأخرى متعلقة بالميزانية، وهذا ما يُصعِّب من أداء عملهم.

وقد تجد الشركاتُ التي في طور النمو نفسَها ضمن هيكليةِ تقنية معلوماتٍ لامركزية، تتضمن عددًا من الأنظمة المنفصلة وتكرارًا للجهود، وتحتاج الشركات التي تريد دخول مجال التجارة الإلكترونية، إلى أنظمةٍ مَرِنة بما فيه الكفاية، لتتكيف مع هذه السوق المتغيرة، ويعد أمان التجهيزات أحد التحديات الأخرى الرئيسة، وهو ما سنتناوله لاحقًا في سياق هذا المقال.

ويتمثل الهدفُ في الإتيان بخطةٍ تقنيةٍ متكاملة وشاملة للشركة، بحيث تُوازِنُ بين تقييم العمل التجاري، وبين الخبرة التقنية، واستثمار التقنية، ويتطلب تخطيط تقنية المعلومات جهدًا مُنسَّقًا بين مديري الشركة التنفيذيين رفيعي المستوى، ومديري تقنية المعلومات، ومديري وحدات الأعمال، لوضع خطةٍ شاملة، وينبغي أن تأخذ تلك الخطةُ أهدافَ الشركة الاستراتيجيةِ بالحُسبان، وكيف ستساعد التقنية المناسِبة المديرين على تحقيق تلك الأهداف.

تعد إدارة التقنية وتخطيطُها أكثر من مجرد شراء تقنية جديدة، فالشركاتُ اليوم تُخفِّض ميزانية تقنية المعلومات لديها، بحيث أصبح مطلوبًا من المديرين القيام بالمزيد من الإنجازات وبميزانية أقل، وتطبق تلك الشركاتُ مشاريع تستغل استثمارها في التقنية التي تمتلكها سلفًا، فتجد بذلك طُرُقًا لتعزيز الفاعلية والاستفادة إلى أقصى حد.

إدارة موارد المعرفة

نتيجةً لانتشار المعلومات، فإننا نشهد -أيضًا- تحوُّلًا كبيرًا من إدارة المعلومات نحو نظرةٍ أوسع، تركَّز على إيجادِ فُرَصٍ وإتاحة قيمة الأصول الفكرية وليس المادية -فقط- وبينما تتضمن إدارةُ المعلومات Information Management جمعَ المعلومات، ومعالجتَها، وتركيزها، تُركِّزُ المهمةُ الأكثر صعوبة، وهي إدارةُ المعرفة Knowlegde Management، على البحث في المعرفة الجماعية للمؤسسة وجمعها، وتنظيمها، ومشاركتها، لتعزيز الإنتاجية، والابتكار، واكتساب ميزة تنافسية، وهناك بعض الشركات التي بات لديها منصبٌ جديد هو كبير موظفي المعرفة Chief Knowledge Officer لتولّي مهمة إدارة المعرفة.

تستخدمُ الشركاتُ أنظمة تقنية المعلومات الخاصة بها؛ لتسهيل المشاركة الفعلية للمعرفة، ولكنَّ الأجهزة والبرمجياتِ الأفضل ليست كل ما تحتاجه إدارة المعرفة، فإدارة المعرفة ليست مبنية على التقنية، بل هي ممارسةٌ خاصة بالأعمال التجارية تستخدم التقنية، فالتقنية بحد ذاتها لا تنشئ إدارةَ المعرفة، كما أنها ليستِ الحل بالنسبة لها، بل تُسهم التقنية بالأحرى في تسهيل إدارة المعرفة، ويدرك المديرون التنفيذييون ذوو مبادراتِ إدارة المعرفة الناجحة؛ أنها ليست مسألةَ شراء تطبيقِ برمجياتٍ ضخم يعمل بوصفه مخزنًا للبيانات، ويُنسِّق رأسَ مال الشركة الفكريّ، وترى نائب رئيس إدارة المعرفة لدى شركة الدواء الأمريكية بريستول-مايرز سكويب Bristol-Myers Squibb؛ وهي ميلندا بيكرستاف Melinda Bickerstaff- أنَّ أيَّ منهجٍ "للقيادة بواسطة التقنية" ما هو إلا طريقٌ نحو الفشل، وتقول: "ينبغي النظرُ إلى إدارة المعرفة بوصفها تقدم حلولًا لمشاكل الأعمال التجارية، وليس بوصفها مفهومًا مُجرَّدًا".

وتتطلب إدارة المعرفة الفاعلة نهجًا متعدد الاختصاصات، يُنسِّقُ كل جوانب المعرفة الخاصة بالمؤسسة، كما تستدعي تغييرًا كبيرًا في السلوك، بالإضافة إلى التقنية، لاستغلال قوة نُظُم المعرفة، وخصوصًا الإنترنت، ورأس المال البشري الخاص بالشركة، وتتمثل الخطوة الأولى في إنشاءِ ثقافة معرفية عبر الهيكلية المؤسسية، والمكافآت التي تُطوِّرُ طريقةَ عملٍ وتواصُلٍ تعاونيةً أكثر مرونةً. إنَّ نقل المؤسسة نحو إدارة المعرفة ليس بالمهمة السهلة، ولكنها تستحق بحقٍّ الجهدَ المبذول في سبيل ذلك فيما يخص إنشاءَ بيئةٍ أكثر تعاونيةً، وتقليلَ تكرار الجهد، وزيادة المعرفة المُشارَكة، هذا، ويمكن أن تكون المزايا كبيرةً من حيث النمو، والوقت، والمال.

وفي شركة بريستول-مايرز سكويب Bristol-Myers Squibb، وهي من كبرى شركات الأدوية، بدأت ميلندا بيكرستاف Melinda Bickerstaff تطبيق إدارة المعرفة عبر البحث عن مشاكل ذات صلة بالمعلومات بغرض حلِّها، مما يوفر الوقت والمال، أو أحدهما، بالنسبة للشركة. فعلى سبيل المثال: علمت بيكرستاف أنَّ عُلماء تلك الشركة كانوا يقضون حوالي 18% من وقتهم باحثين في قواعد بيانات متعددة؛ للعثور على براءاتِ اختراع وسواها من معلومات، وقد منحَ دمجُ قواعد البيانات ذات الصلة الباحثين، القدرةَ على تنفيذ عملياتِ بحثٍ أسرع، وهناك مشروعٌ أكثرُ تعقيدًا ينطوي على أفضل ممارسات فِرَق تطوير العقاقير، مع أفضل معدلاتِ موافقةٍ من قبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة FDA، بحيث يمكن للمجموعات الأخرى الاستفادة، وبدلًا من إرسال نماذج أوِ استماراتٍ قد تُستبعَد بسهولة، رتَّبَت بيكرستاف لإجراء مقابلاتٍ وجلساتٍ حول الدروس المُستفادة، وجرى بعدها تطويرُ المعلوماتِ إلى مقالات مثيرة للاهتمام بدلًا من مجرد تقارير مؤسسية جامدة.

تخطيط التقنية

توفِّرُ خطةٌ تقنيّةٌ جيدة للموظفين، الأدواتِ التي يحتاجون إليها لأداءِ أعمالهم بأعلى مستويات الكفاءة، وتتمثل الخطوة الأولى في تقييمٍ عام للاحتياجات، يعقِبُها ترتيبٌ للمشاريع والخيارات المحددة المتعلقة بالأجهزة والبرمجيات. ويعرِض العنصر الموالي بعضَ الأسئلة الرئيسة التي على مديري الأقسام وخبراء تقنية المعلومات طرحُها أثناء تخطيط عمليات شراء التقنية.

أسئلة تخطيط مشروع تقنية المعلومات

  • ما هي الأهداف العامة للشركة؟
  • ما المشاكل التي تريد الشركةُ حلَّها؟
  • كيف يمكن للتقنية المساعدةُ في تحقيق هذه الأهداف وفي حل المشاكل؟
  • ما هي أولوياتُ الشركة، بعيدة وقريبة الأمد، الخاصة بتقنية المعلومات؟
  • ما هو نوع البنية التحتية التقنيّة (المركزية وغير المركزية) التي تُلبّي احتياجاتِ الشركة تلبية مثلى؟
  • ما هي التقنيات التي تلبّي متطلباتِ الشركة؟
  • هل هناك حاجة للأجهزة والبرمجيات الإضافية؟ وفي حال كان هناك حاجة لها، فهل سيجري دمجُها بأنظمة الشركة الموجودة؟
  • هل يشملُ تصميمُ النظام وتطبيقه التغيراتِ في الأشخاص والعمليات، بالإضافة إلى التغيرات التقنية؟
  • هل لديك الإمكانات ضمن الشركة لتفعيل التطبيقات المُقتَرحة، أم عليك الاستعانة بخبيرٍ خارجي؟

وبمجرد أن يحدد المديرون المشاريع المعقولة تجاريًّا، يغدو بوسعهم اختيارُ أفضل المنتجات بالنسبة لاحتياجات الشركة، وتتمثل الخطة الأخيرة في تقييم الفوائد المحتملة للتقنية من ناحية الكفاءة والفاعلية، ولإنجاح المشروع، عليك تقييم العمليات التجارية وإعادة هيكلتها، واختيار التقنية، وتطوير النظام وتطبيقه، وإدارة عمليات التغيير بحيث تلبي احتياجاتِ مؤسستك تلبية أمثل، ويُعدُّ تنصيبُ نظامِ تقنية معلوماتٍ جديدٍ على عملياتٍ تجارية غير ذات كفاءة مضيعةً للوقت والمال.

ترجمة -وبتصرف- للفصل Using Technology to Manage Information من كتاب introduction to business.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...