اذهب إلى المحتوى

التخطيط وصياغة الأهداف في المؤسسات


هيفاء علي

يُعدُّ تحديد الأهداف خطوة أساسية من خطوات عملية التخطيط الإداري الفعَّال. تنقسم أهداف المؤسسة إلى نوعين مترابطين، هما: الأهداف الرسمية والأهداف التشغيلية. تُشير الأهداف الرسمية (official goals) إلى الأهداف العامة للمؤسسة، والتي يُعلنُ عنها في التصريحات العامة والتقارير السنوية والوثائق الخاصة بالمؤسسة.

على سبيل المثال، قد يكون أحد الأهداف الرسمية لإحدى الجامعات هو: «أن تكون الاختيار الأول لمن يرغب في الدراسة الجامعية». عادةً ما تكون الأهداف الرسمية غامضة وعامّة وتركِّز على الحصول على استحسان الجهات المعنية. في المقابل، تُعبِّر الأهداف التشغيلية (operational goals) عن ما تعتزم إدارة المؤسسة تنفيذه، ويُقصد بها الأهداف العمليّة التي يسعى أعضاء المؤسسة إلى تحقيقها. على سبيل المثال، قد يكون الهدف التشغيلي لإحدى المستشفيات هو زيادة عدد المرضى المُعالَجين بنسبة 5% أو تقليل معدل إعادة الإدخال.

تتضح أهمية الأهداف من الغايات التي تحقِّقها، وتتميَّز الأهداف الفعَّالة بأنَّها:

  • ترشد وتوجِّه جهود الأفراد والمجموعات.
  • تُحفِّز الأفراد والمجموعات، ومن ثمَّ تعزِّز كفاءتهم وفعاليتهم.
  • تؤثِّر على طبيعة ومحتوى عملية التخطيط وفحواها.
  • تشكِّل معيارًا يُمكن من خلاله الحكم على أنشطة المؤسسة ومراقبتها. مجمل القول هو أنَّ الأهداف تُحدِّد غايات المؤسسة، وتُشجِّع الأفراد ضمنها على الإنجاز، وتُقدِّم مقياسًا يُمكن من خلاله تتبُّعِ التقدُّم الذي تُحرزه المؤسسة.

صياغة الهدف – كيف تنشأ أهداف المؤسسة؟

هناك وجهتا نظر مختلفتان تُفسِّران كيف تُصاغ أهداف المؤسسة. تُركِّز وجهة النظر الأولى على المؤسسة وبيئة عملها الخارجية؛ فمن المعلوم أنَّ هناك العديد من أصحاب المصلحة (مثل المالكين والموظفين والمديرين) الذين ينتفعون من المؤسسة. تنشأ أهداف المؤسسة وفق وجهة النظر هذه بينما يحاول المديرون الحفاظ على توازن دقيق بين احتياجات مؤسستهم واحتياجات بيئة عملها الخارجية.

في المقابل، تُركِّز وجهة النظر الثانية على مجموعة القوى المحرِّكة للمؤسسة في بيئة عملها الداخلية؛ إذ تتكوَّن المؤسسة من الداخل من عدة أفراد وائتلافات ومجموعات، ويتفاعل هؤلاء باستمرار مع بعضهم بعضًا من أجل تحقيق مصالحهم واحتياجاتهم وأهدافهم الخاصة، وتتضمَّن التفاعلات التي تحدث بين الأفراد: التفاوض والتقايض والتشاور، والتي تنبثق منها أهداف المؤسسة في نهاية المطاف.

لا يستطيع أي أسلوب من أسلوبي صياغة الأهداف السابقين بمفرده تحقيق نجاح للمؤسسة على المدى الطويل؛ إذ يجب أن تتوافق أهداف المؤسسة مع بيئة عملها الخارجية وأن تُلبيَ احتياجات مختلف الأطراف الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُمكِّن هذه الأهداف عناصر المؤسسة الداخلية من العمل معًا بانسجام. على سبيل المثال، يجب أن تتوافق أهداف قسم التسويق مع أهداف قسمي الإنتاج والتمويل. التحدي الذي يبرز أمام المديرين في هذه الحالة هو العمل على تحقيق التوازن بين عناصر بيئة العمل الداخلية وعناصر بيئة العمل الخارجية، والحفاظ على استقرار نجاح المؤسسة في سوق العمل والظروف الداخلية والخارجيّة المتقلّبة.

تعدُّد الأهداف والتسلسل الهرمي للأهداف

بالتوافق مع وجهتي النظر السابقتين اللتين تُفسِّران كيفية نشأة أهداف المؤسسة، يرى الباحث في مجال الإدارة والمستشار والكاتب المشهور بيتر دراكر (Peter Drucker) أنَّه يجب على مديري المؤسسات الذين يرغبون في نجاح مؤسساتهم السعي إلى تحقيق أهداف متعددة في الوقت نفسه، ولا سيما فيما يتعلَّق بالعوامل التالية: مركز المؤسسة في السوق، والابتكار، والإنتاجية، وتحقيق الأرباح، والموارد المادية والمالية، وأداء المديرين وتطورهم، وأداء الموظفين وسلوكياتهم، والمسؤولية العامة. بناءً على ذلك، وضعت شركة هيوليت باكارد (Hewlett-Packard) سبعة أهداف للشركة، وهي موضَّحة في الجدول التالي. من الجدير بالذكر أنَّه قد تحاول الوحدات أو الأقسام التي توجد داخل المؤسسات تحقيق أهداف تتعارض مع أهداف الوحدات الأخرى؛ فمثلًا، قد يتعارض هدف الابتكار الذي يسعى قسم البحث والتطوير إلى تحقيقه مع هدف الكفاءة الذي يسعى قسم الإنتاج بدوره إلى تحقيقه، ويجب على المديرين في مثل هذه الحالات أن يعملوا جاهدين من أجل تحقيق الانسجام بين مجموعة الأهداف وتسوية النزاعات التي قد تنشأ داخل المؤسسة.

أهداف شركة هيوليت باكارد
الربح: تحقيق ربح كافٍ لتمويل نمو الشركة وتوفير الموارد اللازمة لتحقيق الأهداف الأخرى.
الزبائن: تقديم أفضل المنتجات والخدمات للزبائن، ومن ثمَّ كسب احترامهم وولائهم.
مجال الاهتمام: عدم الدخول إلى مجالات جديدة إلا عند التأكُّد من أنَّ الأفكار الموجودة لدى الشركة، إلى جانب المهارات التقنية والتصنيعية والتسويقية، يُمكن أن تقدِّم إسهامًا ضروريًا ومربحًا في هذا المجال.
النمو: أن يتقيَّد نمو الشركة بمقدار أرباحها وقدرتها على تطوير وإنتاج منتجات تقنية تُلبِّي الاحتياجات الحقيقية للزبائن.
الأفراد: تمكين الموظفين من المشاركة في نجاح الشركة، من خلال توفير الأمان الوظيفي لهم بناءً على أدائهم، وتقدير إنجازاتهم الفردية، ومساعدتهم على الشعور بالإنجاز والرضا عن أعمالهم.
الإدارة: تعزيز روح المبادرة والإبداع من خلال إعطاء الفرد حرية ومرونة في العمل، بحيث يُشارك في تحقيق أهداف المؤسسة ويُلاحقُ طموحاته الشخصيّة في الوقت نفسه.
المواطنة: الوفاء بالتزامات الشركة تجاه المجتمع من خلال كونها ذات منفعة اقتصادية وفكرية واجتماعية لجميع الدول والمجتمعات التي تعمل فيها.
مقتبس من الدراسة التي بعنوان «New look at corporate goals». تأليف: Y. K. Shetty. الناشر: مجلة «California Management Review»، المجلد 22، الإصدار 2، ص 71-79.

في الواقع، غالبًا ما تُقسَّم أهداف المؤسسة العامة، مثل الإنتاجية والابتكار وتحقيق الأرباح، إلى أهداف فرعية على امتداد مستويات المؤسسة المختلفة. يُبيِّن التسلسل الهرمي للأهداف (goal hierarchy) التشعبات التي تُشكِّلها العديد من منظومات الأهداف والخطط الرئيسية المترابطة؛ إذ تضع المؤسسة أهدافًا في كافة المستويات: مستوى المؤسسة، ومستوى القطاعات، ومستوى الأقسام، بالإضافة إلى أهداف تتعلَّق بالوظائف. يجب على المديرين التأكُّد من أنَّ أهداف المستويات الدنيا تتضافر معًا لتحقيق أهداف المستويات العليا.

واقع التخطيط الرسمي في المؤسسات

أشارت بعض الدراسات إلى أنَّ حوالي 8.3% من مجموع الشركات الأمريكية الكبرى (1 من كل 12) في خمسينيات القرن العشرين عيَّنت شخصًا لتأدية وظيفة التخطيط طويل المدى بدوام كامل، وأنَّ نسبة الشركات الأمريكية الكبرى التي تستخدم التخطيط طويل المدى وصلت إلى 83% في أواخر الستينيات من القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، تُشير التقديرات الحالية إلى أنَّ جميع الشركات الأمريكية، التي تزيد مبيعاتها عن 100 مليون دولار، تضع خططًا رسمية طويلة المدى. وتمتدُّ معظم الخطط الرسمية لخمس سنوات مستقبلية، في حين أنَّ حوالي 20% منها تمتدُّ لعشر سنوات على الأقل.

على الرغم من فوائد التخطيط، إلَّا أنَّ العديد من المديرين يرفضون منهج التخطيط؛ إذ يري بعضهم أنَّه لا يوجد وقت كافٍ للتخطيط أو أنَّ التخطيط معقَّد جدًّا ويستهلك الكثير من الوقت والجهد والمال، ويخشى آخرون من عواقب الفشل في تحقيق الأهداف التي يطمحون للوصول إليها.

ما يحدث في الواقع هو أنَّ المديرين يميلون إلى ترك التخطيط المسبق (الذي يُطلق عليه أحيانًا اسم التخطيط التفصيلي؛ والذي يعني صياغة عبارات الأهداف وعبارات الإجراءات قبل المُضي في تنفيذ الأعمال) نهائيًا، أو قد يتّجهون -في أفضل الأحوال- نحو إجراء التخطيط الفوري (يدرسون الأحداث الراهنة ويُفكِّرون في الخطوة التالية، ولكن قبل البدء بتنفيذها مباشرةً).

يكون استخدام التخطيط الفوري مناسبًا عندما يكون الأفراد مدركين تمامًا لما يُريدون تحقيقه ويستطيعون الارتجال والتقدُّم نحو ما يُريدون على الرغم من الظروف المُتغيّرة وكل ما يُحيط بهم من حالات عدم اليقين والاضطراب. يُمكن تشبيه هذا الموقف بلاعبي الهوكي الماهرين الذين يعتمدون على حدسهم، ويحاولون فهم أساليب الدفاع، ويرتجلون وهم يتحرَّكون على الجليد باتجاه شبكة الخصم، وغالبًا ما تكون هذه العملية أفضل من محاولة تنفيذ خطة تفصيلية مُعدَّة مسبقًا (كما هو الحال غالبًا في مباريات كرة القدم).

عند الرغبة في تشجيع الأفراد على التخطيط المسبق، فإنَّ هناك وسائل معينة يُمكن أن تُشجّعهم على المُضي في تلك الخطوة، منها:

  • تهيئة بيئة عمل تُشجِّع على التخطيط.
  • دعم كبار المديرين في المؤسسة لأنشطة التخطيط التي يُجريها المديرون الذين يعملون في المستويات الأدنى، وذلك من خلال توفير ما يلزم من أيدي عاملة وإمكانيّات تقنيّة ودعم مالي وغيرها، وأن يكونوا قدوةً لغيرهم من خلال تنفيذ أنشطة التخطيط الخاصة بهم.
  • تدريب أفراد المؤسسة على التخطيط.
  • وضع نظام مكافآت يُشجِّع أنشطة التخطيط ويدعمها، والحرص على تجنُّب معاقبة الأفراد على فشلهم في تحقيق الأهداف المحدَّدة حديثًا.
  • استخدام الخطط والعمل على تنفيذها بمجرد الانتهاء من صياغتها.

لكن من المهم جدًّا قبل كل شيء أن يقتنع المديرون بالفوائد الحقيقية للتخطيط لكي يُكرِّسوا الوقت والجهد اللازمين للتغلُّب على مقاومة التخطيط.

هل يعود التخطيط بالنفع على المؤسسات حقًا؟

قد يجد مديرو المؤسسات التي تعمل في بيئات معقَّدة وغير مستقرة صعوبةً في صياغة خطط فعَّالة، لكنَّ ظروف هذه البيئات المعقَّدة وغير المستقرة هي التي تولّد في الواقع إلى الحاجة إلى مجموعة من الخطط التنظيمية الجيدة، والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: هل التخطيط يعود بالنفع على المؤسسات حقًّا؟

وضَّحنا فيما سبق أنَّ تحديد الأهداف يُعدُّ جزءًا مهمًا من عملية التخطيط، ويوجد في الوقت الحالي الكثير من المعلومات المتعلِّقة بخصائص الأهداف الفعَّالة التي يضعها الأفراد (سوف نتناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل لاحقًا في هذا مقالاتنا)، وعلى الرغم من أنَّه ليس هناك سوى القليل من الدراسات حول جدوى الأهداف التي تضعها المجموعات والمؤسسات، إلَّا أنَّنا نرى أنَّه لا بأس بالافتراض أنَّ معظم المعلومات المتوفِّرة عن الأهداف التي يضعها الأفراد تنطبق أيضًا على الأهداف التي تضعها المجموعات والمؤسسات. تُشير نتائج الدراسات إلى أنَّ الأهداف التنظيمية الفعَّالة يجب أن تتميَّز بما يلي:

  1. صعبة ولكن يمكن تحقيقها ببذل الجهد الكافي.
  2. محدَّدة وتُبيِّن ما هو مرغوب فيه.
  3. تحظى بقَبول الأفراد الذين سيُسهمون في تحقيقها وتدفعهم إلى الإلتزام بها.
  4. يُشارك الموظفون في صياغة هذه الأهداف إذا كان ذلك سيؤدِّي إلى تحسين جودتها وتقبُّلهم لها.
  5. يُراقَب مدى التقدُّم في إحرازها باستمرار.

تُشير بعض الدراسات إلى أنَّ الشركات التي تُجري عملية التخطيط تُحقِّق نجاحًا ماليًا أكبر من الشركات التي لا تُخطِّط. على سبيل المثال، أشارت إحدى الدراسات إلى أنَّ متوسط العائد على الاستثمار لمدة خمس سنوات بلَغَ 17.1% في المؤسسات التي تُجري تخطيطًا استراتيجيًا، في حين أنَّه لم يتجاوز 5.9% في المؤسسات التي لا تضع أيَّ مخططٍ حقيقي لسير عملها. على نحوٍ مماثل، وجُد أنَّه من بين 70 بنكًا تجاريًا كبيرًا، كان أداء البنوك التي لديها أنظمة تخطيط استراتيجي أعلى من أداء البنوك التي لم يكن لديها مثل تلك الأنظمة.

على الرغم من الفوائد الواضحة لعمليّة التخطيط، إلا أنَّه قد يكون مكلفًا؛ فالالتزامات المالية للمؤسسات التي تمتلك موظفين متخصِّصين في التخطيط قد تكون كبيرة، ولكنَّ الدراسات تشير إلى أنَّ ثمار عملية التخطيط تستحق ما يُبذل من أجلها من الدعم الماديّ والفنيّ.

من المسؤول عن عملية التخطيط في المؤسسات؟

تحثُّ النظرية التقليدية في الإدارة على الفصل بين كلٍّ من سلوكي "التخطيط" و "التنفيذ"، إذ يُخطِّط المديرون وفق هذه النظرية للأعمال التي ينبغي أن يُنفِّذها الموظفون الأساسيون، ويضعون أيضًا معظم الخطط الخاصة بالمستويات العليا في المؤسسة، ولا يُتاح للمديرين والموظفين الذين يعملون في المستويات الأدنى المشاركة عادةً، سوى في مشاركاتٍ متواضعة في نقاط وأوجهٍ بسيطة فقط لا تكاد تُذكر.

في المقابل، يدعو أصحاب النظريات السلوكية في الإدارة إلى إشراك أعضاء المؤسسة في وضع الخطط التي ترتبط بأعمالهم، ويُمكن، على سبيل المثال، تطبيق التخطيط القائم على المشاركة باستخدام أسلوب الإدارة بالأهداف (الذي سنوضِّحه لاحقًا في مقالاتنا).

بالإضافة إلى ذلك، يُشجِّع الباحثون في مؤسسة تافيستوك (Tavistock Institute) التي تقع في إنجلترا فكرة مجموعات العمل المُدارة ذاتيًا، والتي تهدُفُ إلى زيادة مستوى اندماج الموظفين ومشاركتهم في القرارات المتعلِّقة بالمؤسسة؛ إذ تؤدِّي مجموعات العمل -وفق النموذج الاجتماعي والتقني الذي تبنّته شركة تافيستوك- دورًا رئيسيًا في التخطيط للأعمال الموكلة إليها (وكذلك في التنظيم والتوجيه والرقابة). من الجدير بالذكر أنَّ هناك العديد من المؤسسات التي لديها تجارب ناجحة فيما يتعلَّق بمشاركة الموظفين في التخطيط للأنشطة والرقابة عليها، مثل: (جون لويس) و(فولفو) و(موتورولا).

المتخصِّصون في التخطيط

تُوظِّف العديد من المؤسسات متخصِّصين في التخطيط من أجل مواكبة التعقيد التنظيمي والتطور التكنولوجي وعدم الاستقرار في بيئات العمل. يعمل المتخصِّصون في التخطيط على وضع الخطط التنظيمية ومساعدة المديرين على التخطيط. هناك العديد من المؤسسات التي تمتلك موظفين متخصِّصين في التخطيط، مثل شركة (بوينغ) للطيران وشركة (فورد) وشركة (يونايتد إيرلاينز)، ومن الجدير بالذكر أنَّ المتخصِّصين في التخطيط في شركة (يونايتد إيرلاينز) وضعوا خطة إدارة أزمات خاصة وفريدة لذه الشركة.

هناك مجموعة متنوعة من الأسباب التي تدفع المؤسسات إلى توظيف متخصِّصين في التخطيط وإنشاء أقسام خاصة بعمليّة التخطيط. لقد ظهرت هذه الوظائف التخصُّصية لأنَّ التخطيط ازداد تعقيدًا، وأصبح يستغرق الكثير من الوقت ويتطلَّب اهتمامًا كبيرًا، يعجز المديرون عن تأديته.

الأمر الآخر هو أنَّ التخطيط يكون أكثر تعقيدًا في بيئات العمل سريعة التغيُّر، وغالبًا ما ينتج عن ذلك الحاجة إلى وضع خطط للطوارئ، الأمر الذي يتطلَّب أيضًا وقتًا من أجل إجراء الأبحاث وجمع المعلومات، ويتطلَّب أيضًا امتلاك مهارات معينة في مجال التخطيط. بالإضافة إلى ذلك، يتطلَّب التخطيط الفعَّال في بعض الأحيان توخّي الموضوعية، والتي قد لا تتوفّر في المديرين والموظفين، وذلك بسبب طُغيان مصالح شخصية معينة من وراء بعض أنشطة المؤسسة.

تتنوع أهداف فريق المتخصِّصين في التخطيط؛ ولكنَّ مسؤوليتهم الأساسية هي تقديم الاستشارات المتعلِّقة بالتخطيط للإدارة العليا، ومساعدة المديرين الذين يعملون في مستويات الإدارة الأدنى على وضع الخطط اللازمة لتحقيق الأهداف التنظيمية المتعددة والمتنوعة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يعمل فريق المتخصِّصين في التخطيط على التنسيق بين مجموعة متشابكة من الخطط التي تُوضع للمستويات الإداريّة المختلفة داخل المؤسسة، ويُقدِّمون التشجيع والدعم والمهارات اللازمة لصياغة خطط تنظيمية رسمية.

إدارة التغيير

الاستعانة بالتكنولوجيا لزيادة كفاءة الأعمال

نشأت الحاجة إلى مراقبة التكاليف منذ أن بدأت عمليات التجارة والشراء والبيع، وتجدر الإشارة إلى أنَّه كلَّما ظهرت تقنية حديثة، نتج عن ذلك ظهور إمكانيات جديدة تُسهم في تحسين الإنتاج وتقليل التكاليف، مثلما أحدثت التقنيات التي ظهرت في السنوات الأخيرة ثورة في مجال الاتصالات وإدارة البيانات، الأمر الذي أثمر ابتكاراتٍ عديدة وأساليب جديدة لتحديد المشكلات وحلّها.

تستخدم شركة إينوفيو (Innovu) التكنولوجيا الحديثة لمساعدة الشركات الصغيرة والناشئة على مراقبة تكاليف المزايا الصحية التي تقدِّمها للموظفين. تلجأ معظم الشركات الصغيرة الناشئة إلى التأمين الذاتي؛ أي أنَّ الشركة تدفع الفواتير الطبية الخاصة بالموظفين أو تُموِّل البرامج الصحية من خزينتها.

أشارت ديان هيس (Diane Hess)، الرئيس التنفيذي لمجموعة سينترال بين التجارية (Central Penn Business Group)، إلى أنَّ ما يُنفقه أصحاب العمل على الرعاية الصحية يمثِّل 30% من إجمالي ما تُنفقه الولايات المتحدة على الرعاية الصحية، والذي يبلغ 2.9 تريليون دولار، وأنَّ تعويضات الموظفين كلَّفت أصحاب العمل 91 مليار دولار في عام 2014، وقد شملت هذه التكاليف 31.4 مليار دولار أمريكي للشؤون الصحية و30.9 مليار دولار للمدفوعات النقدية.

تعمل شركة إينوفيو (Innovu) على استكشاف مطالب الموظفين من أجل تحديد التوجُّهات المناسبة لتلبيتها، وتُوفّر أيضًا بيانات عن التكاليف التي تنتج عن التغيُّب والإعاقات وتعويضات الموظفين. يسعى العديد من أصحاب العمل إلى توفير برامج صحية في مؤسساتهم من أجل تحسين الإنتاجية وتقليل تكاليف الرعاية الصحية، وتساعد شركة إينوفيو أصحاب العمل هؤلاء على التأكُّد من وجود تحسُّن في إدارة النفقات فيما يتعلّق ببرامج الرعاية الصحيّة التي تتكفّل بها شركتهم.

وعلى نحوٍ مماثل، أصبحت شركة مارش وأم سي لينين (Marsh & McLennan Agency Michigan LLC) التي تُوجد في ولاية ميشيغان تساعد الشركات على الاهتمام بتحسين الصحة العامة للموظفين، بعد أن اقتصر دورها على تقديم خدمات التأمين والبرامج الصحية العامة. لقد كانت البرامج الصحية التقليدية تُركِّز على الصحة البدنية لتحسين الإنتاجية، ولكنَّ التوجُّه الجديد هو مساعدة الموظفين في الشؤون الأسرية والاجتماعية والمالية أيضًا.

يعمل البرنامج الشامل الذي تُقدِّمه شركة (Marsh & McLennan) على توفير البرامج الصحيّة التقليدية، إلى جانب خدمات الدعم الصحية غير تقليدية، ويساعد هذا البرنامج الشامل أصحاب الشركات متوسطة الحجم على جذب أصحاب المواهب والاحتفاظ بهم، وتعزيز رضا الموظفين وتقليل التغيُّب. يُعدُّ توسيع مجال الاهتمام بصحة الموظفين خطوة مهمة نحو استثمار وإدارة ماليّة أفضل للموارد البشريّة في المؤسسة. لقد بيَّن بريت جاكسون (Bret Jackson)، رئيس التحالف الاقتصادي في ميشيغان (Economic Alliance for Michigan)، تأثير الاهتمام بالموظفين على الإنتاجية بقوله: «إذا كان الموظف سعيدًا وذا صحة جيِّدة، فسوف تزداد الإنتاجية».

يُعدُّ تطبيق برانش ماسنجر (Branch Messenger) فكرة جديدة لحل مشكلة جدولة مناوبات الموظفين، ويتيح للموظفين عرض جداول العمل وتعيين المناوبات وطلب الإجازات؛ كل ذلك باستخدام تطبيق على هواتفهم. يُمكن دمج هذا البرنامج مع أنظمة الشركة الحالية ممَّا يسمح بتحليل البيانات ومزامنتها بين أقسام الشركة المختلفة، والأهم من ذلك هو أنَّه يتيح للموظفين التواصل مع بعضهم بعضًا.

لقد تبنَّت العديد من الشركات الكبرى، مثل تارجت وماكدونالدز ووالغرينز، استخدام هذا البرنامج الحديث لكي تتيح للموظفين إمكانية تبديل المناوبات ببساطة عن طريق استخدام التطبيق عبر هواتفهم المحمولة؛ إذ يقلِّل الوقت والجهد الذي يستهلكه الموظفون في إجراء عملية تبديل المناوبات، ويسدّ فجوة التواصل بين الموظفين وأصحاب الشركات التي يعملون فيها.

يستطيع الموظفون استخدام التطبيق مجانًا، ويعمل هذا التطبيق على أجهزة الأندرويد والآيفون (iOS و Android)، ويمكنه تحويل الجداول الورقية إلى جداول إلكترونية، ويتيح كذلك المراسلة بين الأفراد الذين يعملون في نفس مكان العمل. بالإضافة إلى سهولة ومرونة تبديل المناوبات، فإنَّ هذا التطبيق يتيح للشركات الاستعانة بقوى عاملة عند الحاجة بسهولة، ويُتيح لها أيضًا تحقيق استفادة أكبر من أنظمة إدارة الموارد البشرية الحالية دون أن تضطر لدفع أي تكاليف إضافية ناتجة عن التغيير إلى أنظمة أخرى.

أُعجبت أليسون هاردن (Allison Harden)، مديرة المناوبات في أحد فروع سلسلة مطاعم (بيتزا هت)، بما يوفِّره البرنامج من إمكانية التواصل، وعبَّرت عن ذلك بقولها:

اقتباس

«إنَّ ميزة المراسلة وإمكانية مشاركة الصور والمنشورات تُسهِّل البقاء على اتصال مع الموظفين. يمكنني من خلال ذلك التواصل خارج شبكات التواصل الاجتماعية. ليس لدى الجميع حساب على فيسبوك وغيره؛ لذلك فالتطبيق جيد وملائم وآمن للعمل».

قد يدلُّ مصطلح "آمن للعمل" إلى ما يحدث من مبالغة في مشاركة الحياة الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد اعتمدت أليسون وموظفيها على تطبيق برانش ماسنجر (Branch Messenger) خلال إعصار (إيرما) من أجل الاستعداد له؛ إذ نشرت بواسطته قائمة التأكد من السلامة وعدَّلت على المناوبات. بالإضافة إلى ذلك، أتاح هذا التطبيق للسائقين خلال الإعصار وبعده تبادل المعلومات مع بعضهم بعضًا بخصوص محطات الوقود التي تحتوي على الغاز، ومن منهم لم تنقطع عنه الكهرباء بعد، ومن منهم كان في مأمن.

tide-pods-shelf.jpg

يظهر في الصورة رفوف موضوع عليها أقراص تايد (Tide Pods). لقد واجهت شركة بروكتر وغيمبلي (Procter & Gamble) التي تنتج أقراص تايد المعروفة مشكلتين متعلِّقتين بهذا المنتج، إذ تلقَّت الشركة بلاغات مفادها أنَّ 180 طفلًا ذهبوا إلى المستشفيات بعد أن تناولوا أقراص تايد الملونة ظانّين أنَّها حلوى، وتصرَّفت الشركة بسرعة لمعالجة هذه المشكلة عن طريق زيادة إحكام تغليف المنتج، الأمر الذي يزيد من صعوبة فتح الأطفال له، وأضافت الشركة على المنتج أيضًا نكهة غير سامة لكي تصرف الأطفال عن ابتلاع هذه الأقراص، وأطلقت حملة تهدف إلى إعلام الآباء والأمهات بمخاطر المنتج؛ كل ذلك ضمن خطة طوارئ مُعدَّة مُسبقًا إعدادًا جيِّدًا. حصلت المشكلة الثانية في عام 2017 عندما بدأت الشركة ذاتها تتلقَّى بلاغات تتحدّث عن ابتلاع المراهقين للمنتج عمدًا بسبب تحدٍ انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وقرَّرت الشركة عندما علمت بذلك التواصل مع المراهقين مباشرة، بالإضافة إلى التواصل مع الشركات التقنية مثل فيسبوك ويوتيوب بهدف إزالة هذه المنشورات ومقاطع الفيديو دون الإعلان عن ذلك؛ خشية أن يتسبَّب ذلك في خوض المزيد من المراهقين للتحدي. (مصدر الصورة: حساب Mike Mozart/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0))

ترجمة -وبتصرف- للفصل Goals or Outcome Statements وFormal Organizational Planning in Practice من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...