اذهب إلى المحتوى

فصلنا في المقالين السابقين مدخل إلى العمل عن بعد ومقال تأسيس بيئة عمل عن بعد مدخلًا إلى العمل عن بعد، ثم انتقلنا إلى تأسيس بيئة العمل البعيدة، والخطوة التالية لهذا منطقيًا هي توظيف العاملين في تلك البيئة، وهو ما نشرحه في هذا المقال، فسننظر في حالات التوظيف وأنواعه وكيفية إرسال الرواتب وأنواع العقود.

ذلك أن الشركة تحتاج إلى النظر في أسلوب التوظيف المناسب لها قبل تأسيس بيئة عملها عن بعد، وفي الغالب يكون الأسلوب الذي تتبعه قريب من أسلوب التوظيف الذي كانت لتتبعه إذا كان الموظفون يعملون من مقرها في حال أرادت تبني نهج العمل عن بعد سواءً جزئيًا أو كليًا.

حالات التوظيف المختلفة

تسهل إدارة عملية التوظيف إذا كان مقر الشركة يقع في نفس البلد الذي يعيش فيه الموظف، بسبب العلم بلوائح العمل وقوانينه وسهولة إجراء المقابلة وجهًا لوجه إذا تطلب الأمر ذلك.

التوظيف المباشر عن بعد

أول خيارات التوظيف التي تتبادر إلى الذهن هي التوظيف المباشر من الشركة وتولي مسؤولياتهم بنفسها دون تعهيد هذا إلى شركة خارجية، وتجري مقابلات العمل إما عن بعد أو بمقابلات شخصية إن تيسر ذلك، وقد يعمل الموظف مباشرة عن بعد أو يظل فترة يعمل من مقر الشركة إن كانت قواعد العمل في الشركة تتطلب ذلك.

وقد تكون العلاقة بين الموظف والشركة علاقة مباشرة أو يكون للشركة تمثيل منفصل متمثل في شركة محلية تابعة لها في دولة الموظف، أو قد يكون التمثيل المحلي للموظف وليس للشركة، كما سنفصل في الفقرة التالية وما يليها.

التمثيل المحلي للشركة

وهو أن يكون للشركة تمثيلًا قانونيًا في الدولة التي يعمل منها الموظف، وحينئذ تتعامل الشركة مع الدولة مباشرة فيما يتعلق بضرائب الدخل على الموظفين والتأمينات الصحية والاجتماعية لهم وغيرها من المنافع التي يحصل عليها الموظفون، وإن كانت الشركة نفسها أجنبية ومقرها الرئيسي في دولة أخرى.

أحيانًا قد لا يرغب صاحب الشركة في افتتاح فرع له داخل الدولة التي له موظفين فيها لسبب أو ﻵخر، فيلجأ إلى إنشاء شركة محلية داخل تلك الدولة، وتكون تلك الشركة الجديدة هي المسؤولة عن رواتب الموظفين وبقية الشؤون المالية والإدارية، غير أن أعمال الشركة المحلية تتبع الشركة الأم، وكذلك قراراتها الإدارية، وذلك يشبه شراء الشركات الأجنبية للشركات المحلية ثم الإبقاء على هيكلها الإداري كما هو لدرايتها بالسوق المحلي.

التعاقد من خلال شركات توظيف

قد توكل الشركة مهمة توظيف العاملين إلى شركة توظيف محلية لها خبرة بالسوق وتتولى تلك البنود المادية من رواتب وضرائب وغيرها، لقاء عمولة على كل موظف يعمل في الشركة من خلالها، إما تُدفع عند تمام عملية التوظيف أو في كل شهر من أشهر عمل الموظف.

ويُستخدم هذا الحل حين يكون عدد الشواغر الوظيفية كبيرًا، وتكون الوظيفة نفسها لا تحتاج إلى مقابلات متخصصة، كوظائف خدمة العملاء مثلًا للشركات الكبيرة، حيث تعهد شركات مثل أمازون ومايكروسوفت وكثير من شركات الطيران وشركات ألعاب الفيديو وغيرها بمهمة خدمة العملاء إلى شركات توظيف محلية في بلاد مثل المجر ومصر والهند وألبانيا وباكستان، ويكون لمثل تلك الوظائف معدل دوران عالي في الغالب، لذا لا تريد الشركات أن تشغل نفسها بمهمة تتكرر دورتها كل بضعة أشهر، فتوكل هذه المهمة إلى شركة توظيف محلية، أو شركة توظيف دولية لها فروع محلية.

وكذلك يُستخدم حين ترغب الشركة بتعهيد مسؤولية شؤون العاملين إلى شركات وسيطة يقوم نموذجها الربحي على ذلك فقط، وهي شركات توظيف PEO - Professional Employer Organization، ومثل هذا الخيار يصلح في العموم للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تريد توفير المال والوقت الذي يذهب في توظيف العاملين وإدارة شؤونهم.

وتأتي مثل تلك الشركات في عدة صور، فإما أن يتبع العامل الشركة اﻷصل إداريًا ويكون رقمه الوظيفي تابعًا لها، في حين تتولى شركة التوظيف مهام التأمينات والضرائب ونحوها فقط، وهنا تكون شركة التوظيف بمثابة قسم الموارد البشرية في الشركة الأصلية التي تريد الموظفين.

أو يتبع الموظفون شركة التوظيف إداريًا مع توليها لشؤونهم المادية كذلك، بل قد توفر شركة التوظيف تلك مساحات عمل ومكاتب للموظفين للعمل منها، وإن كان العمل نفسه للشركة الأصل، فالموظف في هذه الحالة يعمل في شركة التوظيف، وما الشركة الأصلية إلا عميل من عملائهم، ويحق لشركة التوظيف أن تنقله بموجب العقد بينهما إلى عميل آخر أو شركة أخرى.

وهاتان الحالتان هما الأشهر في شركات التوظيف الوسيطة، غير أن هذا الأسلوب في التوظيف ينطوي على ثغرة يجب أن ينتبه المدير وصاحب الشركة إليها، وكذلك الموظف أيضًا، وهو التأكد أن شركة التوظيف تدفع الاستقطاعات التي تأخذها من رواتب الموظفين إلى الدولة في صورة ضرائب وتأمينات وغيرها، فقد وقعت جريمة سرقة في 2014، قام فيها أربعة مسؤولين كبار في شركات توظيف في ولاية تيكساس بسرقة قرابة 133 مليون دولار من أموال الشركات التي عهدت إليهم بتولي مهام التوظيف للعاملين فيها، وتلك الأموال كانت مخصصة للتأمينات الصحية والضمانات الاجتماعية وغيرها للموظفين.

فينصح المدير العاملين معه بهذا الأسلوب من التحقق الدوري من شركة التوظيف حول الاستقطاعات التي تخرج من راتبه، ومقدارها، وطلب طريقة للتحقق منها بنفسه، كأن يتحقق من الدولة نفسها باستخدام رقمه التأميني أو غير ذلك، وهو اﻷمر الذي حدثني به أحد من يعمل في شركة برمجية بهذا النمط، إذ تتولى شركة وسيطة أموره المادية، وقد أخبرني أنه صار يتحقق دوريًا من هذه البنود بعد رؤية حالة أمامه اكتشف فيها الموظف أن شركة التوظيف خدعته بعدم دفع نفقات الضمان الاجتماعي طيلة فترة توظيفه.

هيكلة الأجور والرواتب للفرق العاملة عن بعد

تتحكم عوامل عدة في تحديد رواتب الموظفين العاملين عن بعد من عدة دول في الشركات ذات فرق العمل الموزعة -في حالة الشركات العاملة عن بعد- التي ذكرناها في مقالات سابقة، أو الشركات متعددة الجنسيات، ويقال أن رأس المال جبان، أي أنه يتبع مصلحته في الغالب، وهذا ظاهر لمن يتتبع حركة السوق ورؤوس الأموال في اﻷسواق المحلية والعالمية، ويبدو جليًا للناظر في حركة التوظيف عن بعد التي ازدهرت للبحث عن الكفاءات من ناحية، ولتوفير النفقات من ناحية أخرى على الشركات.

وصحيح أن خبرات العاملين وعلومهم تحدد الرواتب التي تُدفع لهم، فإذا لم تستطع الشركة دفع تلك الرواتب انتقلوا إلى غيرها أو رفضوا العمل فيها ابتداءً، إلا أن العامل الأبرز في تحديد رواتب العاملين عن بعد في السنين الماضية هو الموقع الجغرافي لكل من الشركة والموظف.

كما أنه لا توجد قواعد حاكمة لسياسات الرواتب، فتختار الشركة منها ما يناسبها، على أن عامي 2020 و 2021 شهد بدء مطالب للموظفين أن تعطي الشركات رواتب وفقًا للقيمة التي يقدمها الموظف بغض النظر عن محل عمله الجغرافي حيث ينبغي أن الشركة تدفع للموظف وليس لعنوان بيته، خاصة مع بدء بعض الشركات باتباع هذا النهج كما ذكرنا، رغم أن الشركات تلجأ للتوظيف من الدول الأقل في تكلفة المعيشة توفيرًا للنفقات بالدرجة الأولى، خاصة تلك التي تنقل أقسامًا كاملة منها إلى دول أقل في تكلفة التشغيل، كما حدث في 2022 مع كبريات الشركات التي تريد الخروج من ألمانيا إلى دول أقل في تكلفة الكهرباء والغاز، رغم أن هذا يعني أحيانًا خسارة بعض المعدات التي تقدر بعشرات الملايين -مثل بعض أفران الصهر التي تعمل منذ عقود ولا يمكن إطفاؤها تجنبًا لتصلب المواد المنصهرة وخسارة الفرن-، وإنفاق ملايين أخرى في بناء مصانع جديدة في دول أخرى.

وتتبع الشركات التي تنتهج نمط العمل عن بعد بضعة أساليب في إعطاء رواتبها:

  • إما تختار الشركة مدينة أو دولة ما وتحدد متوسط الرواتب عليها، كما تفعل شركتي 37Signals و Reddit.
  • أو تحدد فئتين للرواتب واحدة لمن يعمل من مدينة مرتفعة التكلفة، وفئة أخرى لباقي الموظفين، كما تفعل Buffer.
  • أو تأخذ العامل الجغرافي أثناء حساب الرواتب، فتعطي رواتب تتوافق مع متوسط الرواتب داخل الدولة التي يعمل منها الموظف.
  • أو تعطي رواتب أقل للموظفين الذين يرغبون في الانتقال إلى العمل عن بعد من مدينة أقل تكلفة، كما تفعل جوجل مع الموظفين الذين يرغبون في العمل عن بعد خارج سان فرانسيسكو.

وتفصيل ذلك أن بعض الشركات تدفع لجميع موظفيها نفس رواتب المدينة أو الدولة التي تعمل منها الشركة، وفي هذا أفضلية كبيرة للعاملين من دول العالم النامي أو من مدن نائية حيث تقل تكلفة المعيشة كثيرًا عن المدن المزدحمة، ويكون هذا في الشركات البرمجية أكثر منه في غيرها، فإذا حصل الموظف على ألف دولار في مدينة مثل القاهرة وحصل زميله على نفس الألف في الكويت أو عمّان في الأردن، فلا شك أن القوة الشرائية لكل منهما تختلف كثيرًا، ما بالك أن يحصل عليها زميل ثالث في لندن! فتكون المحصلة أن يشعر الموظف العامل من المدينة الأعلى في التكلفة أنه مغبون في عقده مع الشركة.

غير أن الشركات التي تعتمد مثل ذلك الأسلوب لها مزاياها وحالاتها المناسبة لها، والأمثلة عليها تشمل شركة Reddit التي تعطي نفس الرواتب بغض النظر عن المنطقة الجغرافية، وشركة 37Signals التي تعطي نفس رواتب منطقة سان فرانسيسكو، وغيرهما، وعلى ذلك تتبع بعض الشركات الأخرى نهجًا مختلفًا بأن تعطي متوسط الأجور المتبع في الدولة لنفس الوظيفة، فإذا وظفت ثلاثة مبرمجين من مصر والكويت وبريطانيا كما في الحالة السابقة، فإنها تنظر إلى متوسط أجر المبرمج في كل دولة من تلك الدول مع نفس الخبرات والمهارات التي لدى الموظف من تلك الدولة، فيكون لدى كل منهم نفس القوة الشرائية وإن اختلفت الرواتب.

بل صارت بعض الشركات منذ بدء الانتقالات الجماعية إلى العمل عن بعد في 2020 وما بعدها ترشد موظفيها إلى أنها ستقلل أجور العاملين في مدن أقل تكلفة عن زملائهم، مثل شركة فيس بوك وتويتر، بل توفر شركة مثل Buffer كشفًا علنيًا بأجور موظفيها ومواقع عملهم، مع حاسبة لمن أراد أن يعرف ما سينقص من راتبه أو يزيد إن غير مكان عمله.

ولا شك أن في هذا توفيرًا للشركة نفسها، مع وجود شيء من العدل كما ذكرنا بين العاملين في ميزان القوة الشرائية، إلى حد أن شركة مثل Stripe الخاصة بالمدفوعات تخصص مكافأة قدرها 20 ألف دولار لمن يفكر في الانتقال إلى مكان أقل تكلفة، مع خفض في راتبه بنسبة 10% بعدها.

وينبغي على تلك الشركات التي تقدم الأجور الموافقة لمتوسط الأجور المحلية أن تتابع تغير حال السوق المحلية نفسها، فتغير الرواتب عند حدوث أزمات اقتصادية مثل انهيار العملات أو زيادة التضخم أو غيرها، لتحقيق نفس مبدأ العدل في توزيع الأجور.

التأمين الصحي والضمان الاجتماعي

إذا كان للشركة تمثيلًا قانونيًا داخل الدولة التي يعمل منها الموظف فإنها تتولى مسؤولية التأمين الصحي عليه وكذلك إدخاله في منظومة الضمان الاجتماعي، أما إذا لم يكن لها تمثيلًا قانونيًا فينبغي أن تضع في حسابها هذه التكاليف ليدفعها الموظف بنفسه إلى الدولة التي يعمل منها، خاصة في حالة التأمين الصحي، إذ يكون لبعض الشركات سياسة مختلفة في الضمان الاجتماعي، كما في شركة حسوب مثلًا إذ تدفع بديلًا عنه بمقدار أجر شهر عن كل عام قضاه الموظف في الشركة منذ 2017.

وتختلف الشركات هنا مع العاملين فيها مع تغيرات الأوضاع الاقتصادية، فقد تفرض الدولة ضرائب جديدة على العمل عن بعد كما حدث في مصر في الربع الأول من 2022، ولم تكن رواتب العاملين عن بعد تتناسب مع هذه الزيادات الجديدة، فطلب العديد منهم من شركاتهم زيادة رواتبهم لتتوافق مع تلك الاستقطاعات، واستجاب بعض تلك الشركات ورفض البعض الآخر بما أنها تدفع ضرائب أو زكاة عن الموظف بالفعل في الدولة المسجلة فيها الشركة. وهذه معضلة كبيرة حقيقة.

وهنا لجأ الموظفون إلى ترك تلك الشركات إلى غيرها أو الانتقال إلى دول أقل في الاستقطاعات المفروضة على العاملين عن بعد، وهذا تفصيل لما ذكرناه في نقطة سياسات الرواتب قبل قليل، إذ يبدو أن الاتجاه السائد في تحديد الرواتب وفقًا للدولة التي يعمل منها الموظف قد لا يصمد في السنوات القادمة، وقد تضطر الشركات إلى زيادة رواتب العاملين عن بعد على الأقل بما يعادل تلك التغيرات الطارئة.

هنالك حالة أخرى تتمثل في دفع الشركة لضرائب الموظف البعيد في الدولة التي فيها مقرها، وبعد إرسال الراتب إلى الموظف تقتطع دولته -التي فيها تشريعات وقوانين تنظم مسألة العمل عن بعد- أيضًا جزءًا للضرائب والتأمينات، لذا عالجت بعض الشركات ذلك الأمر بأن ينشئ الموظف لدى الدولة التي يعمل فيها شركة شخصية تمثِّل كيانًا تجاريًا لنفسه، أي يسجل لنفسه حسابًا تجاريًا لشركة من شخص واحد متمثلة في نفسه، ويتعامل مع شركته التي يعمل فيها بشخصه الاعتباري الجديد -أي بصفته شركة- فترسل إليه الشركة مستحقاته في صورة تعاقد بين شركتين، وليس في صورة راتب، وعلى ذلك يدفع الموظف ضرائبه وتأميناته من راتبه الذي يصله، وتتجنب الشركة بذلك تكرار دفع هذه المستحقات في الدولة التي فيها مقرها وهذا ما أخبرني به صديق يعمل مع شركة أمريكية عن بعد، ويمكنك النظر في كيفية حل هذه المشكلة -إن حصلت في شركتك- تبعًا لموقع الشركة وموقع الموظف البعيد.

إرسال الرواتب

لنقل أن الشركة والموظف قد اتفقا على الراتب المخصص للشاغر الوظيفي، فكيف سترسل الشركة ذلك المال إلى الموظف؟

تختلف الشركات في إرسالها الرواتب لموظفيها باختلاف الدولة المسجلة فيها الشركة والدولة التي فيها الموظف، فإما تستخدم الطرق التقليدية مثل التحويلات البنكية أو ويسترن يونيون، أو الخدمات المالية الإلكترونية مثل باي بال ووايز Wise وغيرها (قد تتغير تلك الخدمات لاحقًا ولكن ذكرناها لضرب المثل)، بينما تفضل بعض الشركات الأخرى إصدار بطاقة رواتب من بنك محلي في الدولة المسجلة فيها، ثم إرسالها إلى الموظف في محل عمله ليستلم عليها راتبه، لتلافي تكاليف التحويل العالية وأيام الانتظار حتى تمام المعاملة المالية.

ولا شك أن تلك التحويلات تقتطع منها نسبة لعمولة التحويل وتزيد أو تنقص وفقًا للراتب، فلقد أخبرني بعض العاملين عن بعد أن راتبه يُقتطع منه نحو سبعين دولار قيمة التحويل، وأن بعض الشركات تتحمل تلك العمولة، وبعضهم يزيدها في الراتب في صورة بدَلات ويدفعها الموظف عند استلامه للراتب، وهكذا.

أنواع العقود مع الموظفين

تتنوع العقود التي تبرمها الشركة مع الموظفين بتنوع تلك الوظائف نفسها ومدى حاجة الشركة إليها، وفيما يلي بيان لأهمها.

التوظيف غير محدود المدة

هذا النوع هو الأكثر شيوعًا وإذا ذُكر عقد العمل مجردًا فيُقصد به هذا النوع، وفيه يتعين على الشركة تقديم عقد مكتوب عن العمل بينها وبين الموظف، يتضمن حدًا أدنى للإجازات مدفوعة الأجر على الأقل، وشروط العمل بما فيها الحقوق والمسؤوليات والواجبات، ويحق لكلا الطرفين إنهاء التعاقد بينهما وفقًا للشروط المتفق عليها بينهما، وقد تكون تلك العقود إما لدوام كامل أو جزئي.

التوظيف المشروط

يعامَل الموظف في هذا العقد نفس معاملة الموظف في النوع السابق، وقد ينتهي هذا العقد عند اكتمال مهمة محددة أو وقوع حدث معين، فلا تُشترط المدة وحدها كشرط لإنهاء التعاقد، ولا يتم تصنيف العامل كموظف داخل الشركة إذا كان عقده مع وكالة يعمل بها بدلًا من الشركة كما أوضحنا في شأن شركات التوظيف الوسيطة، لكن قد يكون له أولوية في الانضمام إلى الشركة عند فتح شواغر وظيفية إن أبدى نتائج مميزة والتزامًا في أدائه.

عقود العمل المؤقتة

تستطيع الشركات توظيف عمالة مؤقتة لتلبية ظروف العمل في مواسم معينة من السنة أو زيادة طارئة في الطلب على منتجاتها، وتعطي الشركات وكالات التوظيف البيانات اللازمة حول شروط العمل وأحكامه ليخبروا العمالة بها، وإذا زادت فترة العمل عن 12 أسبوعًا -وهي الفترة الانتقالية في أغلب الشركات- يحصلون على نفس حقوق ومزايا الموظفين الدائمين، إلا إذا نص قانون العمل المعتمد عند توقيع العقد على خلاف ذلك.

التوظيف أم التعهيد الخارجي

تقرر الشركات أسلوب التوظيف الأنسب لها في كل قسم من أقسامها وفقًا لحاجة ذلك القسم، فبعض الأقسام لا يمكن فيها التعهيد الخارجي لا الدائم ولا المؤقت، وهي الأقسام المتعلقة بصلب عمل الشركة، لما يقتضيه ذلك من حساسية لبيانات العمل وتوجيه صناعة القرار داخل الشركة، لكن توجد بعض الاستثناءات لهذا مثل شركة RedBull، إذ تركز هي على الدعاية والتسويق مع التعهيد بصناعة المشروب نفسه إلى شركة خارجية، فهنا لا ننظر إليها على أنها عهدت بصلب عملها إلى شركة خارجية، فصلب عملها الذي برعت فيه في تلك الحالة هو التسويق، بما أنها لم تخترع المنتج أصلًا وإنما أُعجب به صاحب الشركة أثناء زيارته لتايلاندا ومن ثم ذهب إلى الشركة التي تنتجه واتفق معها على جلب المنتج إلى السوق الأوروبية.

فتلك الأقسام لا يصلحها إلا التوظيف الدائم، أما التعهيد الخارجي فينقسم إلى شقين، أحدهما هو التعهيد المستمر إلى طرف ثالث لتنفيذ مهمة متكررة لدى الشركة لكنها لا تريد تنفيذها بنفسها، والتعهيد الظرفي لتنفيذ مهام أقل تكرارًا أو ربما لا تتكرر إلا نادرًا. ونحن هنا لا ننظّر لفكر جديد، فكما يعلم أصحاب الشركات أن هذه أمور تحدث من قديم في السوق على اختلاف مجالاته، كما تعهد شركة برمجية أو بترولية أو غيرها إلى شركة مختصة بتقديم خدمات التغذية لإطعام العاملين لديها، فهذه مهمة تتكرر كل يوم ويجب أن يكون لدى القائم بها إمكانيات مادية ولوجستية تلبي حاجة الشركات التي يتعاقد معها، وهنا مرة أخرى فإننا نأتي بأمثلة من خارج المجالات التقنية أو البرمجية كي نوضح المثال ونعممه.

أما الخدمات التي قد لا تتكرر أو تكون وتيرة تكرارها أقل مما سبق، مثل تصميم غلاف لمنتج جديد أو حملة دعائية لكتاب أو برنامج أو ترجمة لدليل استخدام أحد البرامج داخل الشركة، فتلك يفضل تعهيدها إلى مستقلين لما يتميز به المستقلون من مرونة عن الشركات الكبيرة، ومن سهولة التواصل معهم بما أنه فرد واحد في الغالب، فلا توجد مداولات بين هذا المسؤول وذاك، وموافقة من هنا وهناك، مما يكون أكبر من حجم المشروع المراد تنفيذه ابتداءً، وكذلك من ناحية أخرى ستكون أجور المستقلين أقل بكثير من تكلفة نفس المهمة إذا طُلبت من شركة تقدم تلك الخدمات.

مزايا وعيوب التعهيد الخارجي

وبعد أن سقنا هذا الإجمال، نريد التفصيل قليلًا لما ذكرناه في مزايا التعهيد الخارجي، فقد رأينا أن تنفيذ المهام بهذا الأسلوب من التعهيد أو "المقاولة" باصطلاح السوق يعالج فجوة أو حاجة لدى الشركة بسرعة ودون انتظار كوادر مدربة، وفيه مرونة أكثر من التوظيف الدائم، حتى في حالة التعهيد إلى شركة ثانية، بما يعني إمكانية إحضار بعض العمالة لتلبية زيادة في الإنتاج لفترة مؤقتة، وإن كان هذا يندر إلا في اﻷعمال السهلة التي لا تحتاج إلى تدريب، وإلا فإن الشركات تلجأ إلى طلب ساعات إضافية من الموظفين بدلًا من توظيف كوادر جديدة وتدريبها.

كذلك يمثل التعهيد الخارجي خيارًا مثاليًا عندما يكون لديك حاجة لا تتكرر إلا قليلًا بحيث يكون التوظيف الدائم لها إهدارًا للموارد، وتركها تعطيل للشركة.

أما سلبيات التعهيد الخارجي التي يجب الانتباه إليها، فأهمها أن المتعهد قد لا يكون لديه ولاء للشركة التي يعمل لها، خاصة إن كان لديه عدة أعمال بين يديه، فيلزم متابعة تنفيذه للعمل والرقابة عليه، على الأقل في البداية إلى أن يصل الطرفين إلى مرحلة من الثقة تكفي لتخفيف الرقابة قليلًا.

مزايا وعيوب التوظيف الدائم

قد تبدو تلك الفقرة بدهية ولا حاجة لها، فالأصل في العقود بين الشركات والعاملين هو التوظيف الدائم، على الأقل هذا هو النظام الأكثر شهرة، غير أنه في السنوات اﻷخيرة بدأت شركات ناشئة كثيرة تعتمد أسلوب توظيف المستقلين أو التعهيد لأطراف غيرها لتنفيذ المهام في البداية إما لقلة الموارد البشرية أو لقلة الخبرة، أو من ناحية أخرى، لعدم رغبة صاحب الشركة بالالتزام بعقود طويلة الأمد مع موظفين في مؤسسة لا يدري هل تستمر أم لا، أو لرغبته في تجربة كفاءات ومهارات مختلفة للمهمة التي لديه بدلًا من البقاء مع خبرة شخص واحد.

وقد رأينا أمثلة كثيرة لهذه الشركات على منصة مستقل في الأعوام الأخيرة، لعل أبرزها ما تنشره مدونة مستقل بين الحين والآخر لأمثلة ناجحة من تلك الشركات التي تعتمد كليًا أو جزئيًا على مستقلين، انظر صفحة قصص النجاح على مدونة مستقل.

فأما إيجابيات التوظيف الدائم لأصحاب الشركات فتظهر في استقرار وتيرة العمل لوجود الكفاءات التي تدفعها العقود الدائمة مع الشركة للعمل بما تحمله من مزايا من ناحية وشروط جزائية من ناحية أخرى، ويضمن صاحب الشركة إلى حد ما أن الموظف يرغب بالبقاء في الشركة إن لم يكن يسعى للتطور داخلها طلبًا للأمان الوظيفي.

وأما سلبياته فتظهر في تكلفة التوظيف الدائم التي تكون أعلى دومًا من أي وسيلة توظيف أخرى، وهذا يعني النظر بعناية شديدة في العناصر التي يقع الاختيار عليها لتكون ضمن الأفراد العاملة في الشركة، وكذلك تكون تكلفة استبدالهم عالية خاصة في الوظائف التي تتطلب منحنى تعلم كبير، وتزيد تلك التكلفة كلما ارتقى العامل في السلم الوظيفي، فالتخلص من أحد شركاء الشركة يكاد يكون كابوسًا ثقيلًا على الإدارة لما له من تبعات، ويليه التخلص من موظف موهوب يتمتع بمهارات تحتاج الشركة إليها ويصعب وجود مثيلها في غيره أو تحتاج إلى فترة لصقلها في غيره، وهكذا، فقد تضطر الشركات إلى تحمل بعض الموظفين سيئي الأخلاق مثلًا لأنهم يسدون ثغرًا لا يسده غيرهم، ولا تجد الشركة بديلًا مكافئًا لهم أو تكون تكلفة استبدالهم أعلى مما تتحمله الشركة مع هذا الموظف السيء.

المنصات المساعدة في التوظيف

يجدر بنا الآن أن نذكر أمثلة للمنصات التي تستطيع الشركات استخدامها في التوظيف عن بعد أو تعهيد المهام عن بعد، من التي تيسر عملية فحص المرشحين وإجراء المقابلات وخطابات عروض العمل وغيرها، من أجل تقليل احتمالات دوران الموظفين من ناحية، ومن أجل الحصول على أفضل الفرص والكفاءات من ناحية أخرى.

منصة بعيد

تتيح منصة بعيد للشركات إضافة وظائف عن بعد من أجل استقطاب الكفاءات بغض النظر عن الحيز الجغرافي، وتوفر على الشركات مهمة البحث عن تلك الكفاءات بما أن الموظفون ينشؤون حسابات على منصة "بعيد" ليتقدموا بالعروض على الوظائف المعلنة.

ومنصة بعيد نفسها تتبع شركة حسوب التي تعمل عن بعد أيضًا كما ذكرنا، والشركة تطبق ما ذكرناه في الكتاب إلى الآن من نظم العمل عن بعد وساعات العمل المتراكبة وغيرها، ومن خدمات المنصة ما يلي:

baaeed-remoate-job.png

نشر الوظائف لأصحاب الشركات

تتيح منصة بعيد نشر إعلان وظيفتك لجذب أفضل الكفاءات المتاحة من الباحثين عن عمل عن بُعد في مختلف المجالات ومن مختلف البلدان للتقدم لوظيفتك، وترسل المنصة عروض العمل إلى قاعدة كبيرة من المهتمين بالحصول على جديد وظائف العمل عن بُعد، كلٌ ضمن مجال تخصصه، مما يسهل عليك الوصول إلى أفضل الخبرات المتاحة وتوظيفها في زمن قياسي.

ويجب أن تكون مهام الوظائف قابلة للتنفيذ عن بعد بالكامل كي تكون صالحة للنشر في منصة بعيد، أي تلك التي تعتمد على الإنترنت لإنجاز العمل والتواصل بين الموظف ومديره، ولا تحتاج إلى وجود الموظف بمقر الشركة الحقيقي.

باقات التوظيف

توفر باقات التوظيف على الشركات التي تنوي توظيف فريق عمل كامل أو تخطط لتوظيف أكثر من فرد عن بعد لاحقًا، من خلال الخصومات المتاحة في تلك الباقات.

خدمة التوظيف للشركات

يعمل فريق من المختصين بالتوظيف على تأمين احتياجات الشركة التي لا ترغب في إجراء المقابلات بأنفسها مع المرشحين، من خلال اعتماد معايير قياسية في عملية الاختيار تضمن جودة المرشح وتقلل معدل الدوران الوظيفي، كما تجنب العميل نفقات التوظيف الإضافية.

فتختار أفضل المتقدمين وفقًا لتلك المعايير وبما يتناسب مع المعايير التي حددتها الشركة لمنصة بعيد، مما يوفر عليها الوقت والموارد في انتخاب المرشحين. يُرجع إلى صفحة البدء لأصحاب الوظائف في مركز مساعدة بعيد للمزيد من التفاصيل.

منصة مستقل

كما أن منصة بعيد مناسبة للتوظيف الدائم في شاغر وظيفي تحتاج إليه في صلب عملك، فإن منصة مستقل تُستخدم عند الحاجة إلى أمر قد لا يتكرر مرة أخرى أو على فترات بعيدة، أو يكون خارجًا عن تخصص شركتك، ولا تريد توظيف أحد توظيفًا دائمًا لتلك المهمة، فهي سوق للتعاقد الحر وفق المشروع مع نبذة من أفضل الكفاءات العربية في مجالات البرمجة والتصميم والدعاية والمحاسبة والترجمة والكتابة وغيرها.

فهي تصل المدير الذي هو صاحب المشروع هنا بأفضل المستقلين المحترفين لتنفيذ أفكارهم ومشاريعهم، في الوقت الذي يتيح للمستقلين فرصة لزيادة دخولهم بشكل حر.

وتستطيع إضافة مشروعك في مستقل الذي ترغب بتنفيذه مجانًا لتحصل على عشرات العروض التي تختلف في ميزانيتها ووقت تنفيذها وتفاصيل إنجازها:

mostaql-project.png

وتضمن منصة مستقل لك حقك في الحالتين، سواء كنت صاحب المشروع أو المستقل الذي سيعمل عليه، حيث تكون المنصة وسيطًا بين الطرفين إلى أن يتم تسليم العمل كاملًا.

خدمة مستقل للمؤسسات

تستهدف خدمة المؤسسات من مستقل الكيانات الكبيرة لتيسر عليها تنمية أعمالها وإدارة المشاريع إدارة مشتركة من مكان واحد عبر نظام يمكّن المدراء من توظيف المستقلين وإضافة أعضاء الشركة كافة بما في ذلك فريق العمل أو أي شخص آخر إلى حساب الشركة في المنصة، للمساعدة في عملية التوظيف والتواصل مع المستقلين وفق صلاحيات محددة.

ويستطيع المدير هنا أن يطلع على أعمال مؤسسته ومعرفة ما يعمل عليه كل مستقل في كل مشروع من المشاريع المفتوحة، وتوظيف مستقلين آخرين وتفويض مهمة إدارتهم إلى أحد أعضاء فريق العمل، بل وتحديد صلاحيات الوصول لكل فريق وفقًا للتخصصات المختلفة في الشركة.

كذلك فإن المعاملات المالية تدار من حساب واحد حيث يربط حساب المؤسسة بين عدة حسابات فرعية لكل عضو من أعضاء فرق العمل المختلفة ووفقًا للصلاحيات التي يحددها صاحب المؤسسة، فيمكن لأي عضو إضافة مشاريع جديدة وتوظيف المستقلين ومتابعتهم والدفع لهم.

وكل ذلك يقتضي تواصلًا مع فريق العمل، وهو ما تتيحه المنصة عبر إمكانية مشاركة الملاحظات عن المستقلين والمشاريع مع فريق العمل. يُفتح حساب المؤسسات على مستقل من داخل حساب مستقل المعتاد وتوضع بيانات المؤسسة في النافذة التالية:

mostaql-corporate.png

ثم يُنشأ المشروع ويُسند إلى أحد الفرق الخاصة بالمؤسسة كما يلي:

mostaql-corporate-project.png

يُرجع إلى مدونة مستقل لمراجعة المقالات التي تشرح استخدام المنصة بالتفصيل.

منصة خمسات نموذجًا للأعمال المصغرة

أما موقع خمسات فيُستخدم للمشاريع الأصغر والتي قد تكون في شكل خدمات مصغرة يقدمها أصحابها في التخصصات المختلفة، ويبحث صاحب المشروع أو المدير هنا عن الخدمة المطلوبة ويطلع عليها وعلى حساب البائع الذي يقدمها، ثم يضيفها إلى سلة المشتريات ويسدد ثمنها من خلال وسيلة الدفع المناسبة، وهذا على عكس موقع مستقل الذي يضع المدير المشروع الذي لديه ثم ينتظر العروض التي يقدمها المستقلون.

يُرجع إلى صفحة إرشادات الاستخدام في خمسات لمعرفة كيفية عمل المنصة بالتفصيل.

منصات أجنبية أخرى

قد تحتاج الشركة في بعض المشاريع إلى توظيف مستقلين آخرين أو موظفين من خارج هذه المنصات العربية، ربما لحاجتها لخبرة محلية متخصصة في بلد أجنبي أو لخبرة بسوق تريد الشركة الدخول إليه، وعندئذ يُنظر في أشهر المنصات الأجنبية آنذاك من منصات التعهيد الخارجي والتوظيف المستقل والتوظيف عن بعد ويُلجأ إليها.

خاتمة

قد يبدو أننا خرجنا عن نطاق التوظيف عن بعد بذكرنا لمنصات العمل الحر في آخر هذا المقال، لكننا نذكرها لعلمنا أن الشركات لا محالة محتاجة إلى بعض الوظائف المؤقتة التي تلجأ إلى شركات خارجية لتنفيذها، مثل بناء موقعها على الويب أو إعادة صياغة هويتها التجارية، أو إعداد تقرير، مما قد لا يتكرر مرة أخرى أو يتكرر على فترات طويلة، إضافة إلى المهام التي قد لا تجد الشركة خبرة محلية ذات جودة مناسبة لتنفيذها، وعندئذ تلجأ إلى منصات العمل الحر.

وتعرفنا في هذا  المقال على مفاهيم التوظيف المختلفة اللازمة للشركات العاملة عن بعد، وبينا الحالات التي يكون التوظيف الدائم فيها خير من التعهيد المؤقت والعكس، وكيفية هيكلة الرواتب وإرسالها للفرق العاملة عن بعد.

ننتقل في المقال التالي إلى آليات الإدارة البعيدة وعناصرها الأساسية، ثم نفصلها بإسهاب أكبر في المقال الذي يليه مع تحديات الإدارة البعيدة.

حرر المقال وأضاف عليه أسامة دمراني.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...