لا شك أن الخطوة الأولى من أي دراسة لتجربة المستخدم أو عملية تفكير تصميمي تتضمن التعرف على المستخدمين، لكن عندما تبدأ مشروعك من الصفر أو تنتقل إلى قطاع جديد مختلف، فمن المستبعد أن تمتلك معلومات أو رؤًى عميقة حول مستخدميك، وهنا تكمن المشكلة.
يأتي هنا دور الأبحاث الإثنوغرافية مثل مراقبة المستخدمين وإجراء المقابلات، إذ يسمح هذا النوع من الأبحاث باستكشاف ماهية المستخدمين والبيئة التي يعيشون فيها، كما يسلط الضوء على أهم المعلومات التي تتعلق بالطريقة التي يتفاعل بها المستخدمون مع المنتج. وبالنتيجة، فإن هذه الأبحاث تمكّنك من وضع نفسك مكان المستخدمين وإدراك رغباتهم واحتياجاتهم. سنتحدث فيما يلي عن سبع نصائح بسيطة تساعدك على تحقيق الاستفادة القصوى من الأبحاث الإثنوغرافية، وذلك بغض النظر عن تقنية البحث المستخدمة.
عند إجراء الأبحاث بصورة عامة، لا يكفي الحصول على مقدار معين من البيانات فحسب، بل يجب دراسة تأثير هذه البيانات، سواءً كانت واسعة (كمية) أم عميقة (نوعية)، لذا فعند جمع هذه البيانات، ينبغي الحرص على جمع المقدار المناسب والنوعية الملائمة من المعلومات التي تساعد على استنباط الأفكار والتلميحات المفيدة لعملية التصميم لاحقًا. ولتحقيق ذلك، يمكن جمع نوعين من البيانات البحثية:
- بيانات كمية: وهي البيانات واسعة النطاق، وتشمل تقنيات مثل الإحصائيات والتركيبة السكانية والتحليلات ومؤشرات المنتج والاستبيانات ونماذج آراء العملاء.
- بيانات نوعية: وهي الأفكار العميقة، وتشمل تقنيات مثل الاستكشاف ومجموعات التركيز والمقابلات والمراقبة ومجلات الصور والفيديو، بالإضافة إلى دراسات المستخدم القائمة على الصور والفيديو.
تتضمن الأبحاث الكمية نهجًا علميًا وإحصائيًا، وتقدّم أفكارًا تتعلق بالخيارات والسلوكيات التي يتّبعها أغلب الناس، لكنها لا توضح الأسباب أو الدوافع المحددة وراء هذه القرارات. في المقابل، فإن الأبحاث الكيفية تهدف لفهم الظواهر البشرية والاجتماعية فهمًا أعمق مع دراسة كل حالة على حدة.
نلاحظ أن تقنيات الأبحاث الإثنوغرافية لا تتضمن الحصول على أرقام أو صور أو رسوميات محددة، بل هي عملية نوعية تنتج عنها كمية كبيرة من البيانات الوصفية العميقة التي قد يصعب إيجازها، مثل المراقبة والمقابلات، وهنا يكمن التحدي؛ فكيف ستتمكن من استخدام هذه البيانات دون أن يؤثر عليها تحيّزك أو آرائك الخاصة؟ ربما يكون ذلك صعبًا، لكنه بالتأكيد ليس بالأمر المستحيل. تساعدك الأفكار السبعة التالية على تحقيق الاستفادة القصوى من نتائج الأبحاث الإثنوغرافية، لتتميز في هذا المجال وتنال المرتبة التي تستحقها.
1. نظم فريق بحث متنوع
عندما تعمل على إنشاء فريق بحثك، احرص على اختيار أشخاص ينتمون لخلفيات متنوعة، مثل اختلاف العرق والجنس والعمر والاختصاص، فهذا المزيج من الانتماءات يمتلك قدرات وأساليب تفكير واسعة تفيد في تفسير الملاحظات والأفكار التي جمعها الفريق. وقد وجدت مارجريت آن نيل (أستاذة الإدارة المتميزة في جامعة ستانفورد) أن زيادة التنوع في الفريق تعزز من أدائه، وأن اختلاف الآراء بين أعضاء الفريق متعددي الخلفيات يولّد طاقةً إبداعيةً أكثر من تلك التي تتولد ضمن فريق عمل متجانس. وبالإضافة إلى ذلك، يحتاج إجراء الأبحاث إلى مساهمة كل من العملاء وزملاء العمل من مصممين ومطورين وباحثين، لذا يجب أن يتضمن الفريق كلًا من هؤلاء.
إلى جانب تنوع الفريق، يجب أن تسعى أيضًا لجلب مشاركين متنوعين. وتزداد أهمية ذلك في البلدان والمجتمعات التي تضم أجناسًا وأعراقًا تختلف التوقعات والأدوار فيما بينها اختلافًا كبيرًا، وهنا يجب أيضًا أن تدرس ما إذا كان من المفيد إجراء مقابلات مع مستخدميك المتطرفين؛ أي عدم الاكتفاء بإجراء مقابلات مع الأشخاص الذين يتوافقون مع الصفات السائدة لجمهورك المستهدف، بل استهداف الأشخاص الذين يحملون صفات مختلفة ضمن جمهور علامتك التجارية، بالإضافة إلى أولئك الذين لن يستخدموا منتجك على الإطلاق.
تخيل كم سيكون العالم مملًا لو كنا متشابهين! التنوع في الفريق يمنحه قدرةً كبيرةً على حل المشكلات.
2. افهم عقلية المشاركين
اقتباسمخطئ من يعتقد أن الكأس نصف فارغ أو نصف ممتلئ؛ الكأس قابل للملء.
تختلف عقليات الناس في الحياة، فبعضهم يرى الكأس نصف فارغ، وبعضهم يراه نصف ممتلئ، كما يذهب بعضهم الآخر أبعد من ذلك فيشربون محتوى الكأس ثم يلومون الآخرين لأنه غير ممتلئ! كل نمط من الأشخاص يواجه الأحداث بطريقة مختلفة، ومع ذلك فهم يحملون الكثير من النقاط المشتركة، لذا يجب أخذ جميع وجهات النظر في الحسبان أثناء إجراء البحث.
يتعين عليك أن تخوض في العقليات الفردية لتتمكن من فهم مستخدميك واستنباط الأفكار التي تساهم عمومًا في إثراء البحث وتوجيه مشروع التصميم. لا تفترض أن كل أفراد جمهورك المستهدف يرون العالم من منظور واحد، فوجود شخصين يحملان الحمض النووي نفسه ويعيشان في المكان نفسه من العالم ويتحدثان باللهجة نفسها لا يعني أنهما يحملان أفكارًا متطابقة أو عقليةً مشتركة. عليك أن تعطي كل فرد من المشاركين في البحث الفرصة للتعبير عن أفكاره ومشاعره ودوافعه وآرائه الخاصة، فهذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على نتائج ذات أهمية.
3. أظهر الاهتمام للأفراد
عندما تبني علاقةً جيدةً مع الأفراد من مشاركين ومستخدمين، فأنت تضع خطوتك الأولى في الاتجاه الصحيح للبحث. حافظ على درجة من الألفة مع هؤلاء الأفراد، وأظهر تفهمك وتعاطفك معهم، فهذا يشعرهم بالارتياح ويجعلهم أكثر ميلًا للمشاركة في العملية والإفصاح عن أفكارهم ومشاعرهم ورغباتهم الفعلية تجاه منتجك أو فكرتك.
من الأمثلة الجيدة على ذلك ما فعلته مؤسسة التنمية الدولية iDE عندما أرادت معرفة المزيد عن دخل صغار المزارعين في إثيوبيا، إذ قرر فريق التصميم من ضمن خطة بحثهم أن يقضوا ليلتهم في أحد منازل المزارعين، وقد كان لهذا التصرف الودي والمتفاني أثر كبير على النتائج التي حصلوا عليها، فعلى سبيل المثال، كان أحد المزارعين شديد التحفظ عندما طرحوا عليه الأسئلة في اليوم الأول ولم يقدم سوى بعض المعلومات السطحية عن نفسه. لم يدرك حينها أن الفريق كان ينوي البقاء مع أقرانه المزارعين طوال الليل، فدُهِش عندما وجدهم لا يزالون هناك في صباح اليوم التالي، مما أدى إلى تغير سلوكه تجاههم، فبدأ بإخبارهم عن خططه بعيدة المدى لتحسين حياته. أثبت قرار فريق التصميم بالبقاء طوال الليل للمزارعين بأن القائمين على البحث يهتمون حقًا بهم وبسبل عيشهم، وأنهم جاؤوا إلى هناك لمساعدتهم على المدى الطويل وليس لتقديم معونات قصيرة المدى.
أيًا كان المكان الذي تجري فيه بحثك الإثنوغرافي والأشخاص الذين تجري البحث معهم، فعليك أن تبدي اهتمامك بالمشاركين. لقد تمكن الباحثون في مثالنا من الحصول على المزيد من الأفكار والمعلومات المهمة حول مستخدميهم (المزارعون الإثيوبيون) عندما باتوا لديهم طوال الليل، فقد أثبتت هذه الخطوة للمزارعين أن الباحثين يهتمون فعلًا بتفاصيل حياتهم اليومية ويتطلعون لمساعدتهم على المدى الطويل.
عندما تُجري بحثك الإثنوغرافي، عليك أن تخصص وقتًا للتعريف بنفسك وشرح الخطوات العملية، إلى جانب تلقّي استفسارات المشاركين من البداية. حاول أن تؤكد مرارًا أثناء العملية أن ما يقوله الشخص أو يفعله مهم وقيّم جدًا بالنسبة لك. باختصار، كن واضحًا وصريحًا في إظهار اهتمامك.
4. امنح الأفراد فرصة التعبير
نميل بطبيعتنا البشرية إلى الافتراض بأننا نعرف كيف ولماذا تجري الأمور أو تُطرح بطريقة معينة، لكن عليك أن تتغلب على هذا النمط الفطري للتفكير إذا كنت ترغب بإجراء بحثك بطريقة فعالة.
اقتباسافهم مستخدمك، وتذكر أنك لست مستخدمك.
- أرني لاند
حاول أن تبتعد عن التخمين والافتراض، واطلب بدلًا من ذلك من الناس أن يشرحوا أسباب سلوكياتهم بأنفسهم، وأنصت لإجاباتهم بكل اهتمام مع محاولة فهم ما بين السطور، كما يمكنك أيضًا تفسير لغة جسدهم للحصول على مزيد من الأفكار. أهم ما في الأمر أن تبتعد عن الافتراضات الشخصية.
هناك طريقة بسيطة لدفع المشاركين إلى التعبير عن أنفسهم، وهي طريقة (لماذا×5) التي تتطلب منك أن تسأل المستخدمين "لماذا؟" كلما شرحوا لك شيئًا ما. عندما تتبع الإفادات التي يقدمونها بالسؤال "لماذا؟"، فأنت تحفزهم على إعادة تقييم موقفهم والتعمق أكثر بدوافعهم وسلوكياتهم. اسأل مستخدميك "لماذا" حتى لو كنت تعتقد أنك تعرف الإجابة مسبقًا، فقد تتفاجأ من أسبابهم!
تتطلب منك طريقة (لماذا×5) أن تستمر بسؤال لماذا حتى تصل إلى السبب الأساسي لتصرّف مستخدميك بطريقة معينة أو إحساسهم بشعور ما. لا تفكر أبدًا أنك تسأل لماذا كثيرًا، واستمر بتحفيز المستخدمين على التعمق أكثر بدوافعهم وتصرفاتهم طالما لم تصل إلى الإجابة بعد.
5. راقب البيئة المادية
لا تقتصر تجربة المستخدم لمنتج أو خدمة ما على تفضيلات المستخدم، بل تتعلق أيضًا بالبيئة التي يُستخدَم فيها المنتج. يجب أن تتساءل عن ما الذي يتواجد حول المستخدمين عندما يستخدمون المنتج؟ وهل هناك معوقات تواجههم عندما يؤدون مهماتهم؟ فمثلًا إذا كان مستخدموك يرتدون قفازات مطاطية سميكة في معظم أوقات عملهم، فليس من المفاجئ ألا تناسبهم واجهة شاشة اللمس المتطورة التي عملتَ على إعدادها.
عندما تجري أبحاثك الإثنوغرافية، احرص على تسجيل الجلسات بالفيديو أو الصوت أو الصور (أو جميعها معًا)، لكن لا تنسَ أن تأخذ موافقة المشاركين أولًا. يمكّنك هذا من العودة إلى السجلات ومراقبة أمور مثل لغة الجسد والتفاعل مع البيئة المحيطة، مما يساعدك على فهم أسباب استجابة المشاركين بطريقة معينة، كما أن توثيق جلسات أبحاثك بهذه الطريقة يتيح لك العودة إليها من حين لآخر بحثًا عن أدلة حول ما يمكن أن يؤثر على كيفية استخدام الناس لمنتجك أو خدمتك.
عليك أن تسجل كل جلسات بحثك الإثنوغرافي (بعد موافقة المشاركين بالطبع)، فهذا يوفر لك المزيد من المصادر التي يمكن دراستها وتحليلها للحصول على أفكار واقعية حول كيفية تصور المستخدمين لمنتجك وكيفية استخدامهم له في حياتهم اليومية.
6. لا تضع حلول استباقية في ذهنك
ستلاحظ أن الانحياز يتسلل بسهولة إلى بحثك إذا بدأتَ عملية التصميم وأنت تضع حلولًا مسبقةً في حسابك، فهذه الأفكار التصميمية المبكرة ستسيطر على أسئلة البحث والملاحظات والنتائج وتوجهها وفقًا لرغباتك بدلًا من رغبات المستخدمين، والأسوأ من ذلك أنك ربما لن تدرك هذا التأثير. وكما قال شارلوك هولمز (أو بالأحرى آرثر كونان دويل) ساخرًا:
اقتباسإنه لخطأ جسيم أن تضع الفرضيات قبل أن تجمع كل الأدلة، فهذا يؤدي إلى حكم متحيز.
- شارلوك هولمز، دراسة في اللون القرمزي (1887)
إذًا من الأفضل أن تبدأ في إجراء البحث بعقلية صافية منفتحة على جميع الآراء، وبمجرد أن يكتمل طور البحث، يمكنك البدء باستخدام البيانات التي جمعتها للتفكير بحلول. لا يعني ذلك أنه لا يمكنك تقديم حلول في البحث الإثنوغرافي (فاختبار المستخدم للحلول المطروحة مهم بلا شك)، لكنه يعني أن عليك إدخال هذه الأفكار في الوقت المناسب بعد أن تتمكن من مراقبة سلوك مستخدميك دون تحيّز. تذكر دائمًا أن الخطوة الأولى لأي تجربة مستخدم أو عملية تفكير تصميمي متمحور حول الإنسان تبدأ من التعرف على المستخدمين، ثم تأتي الحلول لاحقًا.
7. ارسم خريطة لأفكارك وتحقق من الموضوعية
عند العمل على تحليل البحث، من المفيد أن ينظم كل عضو في الفريق أفكاره بصورة مستقلة في البداية، ثم يكتبها على ورق الملاحظات، بعدها تُجمَع أفكار الجميع وتلصَق على الجدار ليعمل الفريق على دراستها ومعرفة الأفكار المشتركة.
تُعَد مخططات التقارب طريقةً رائعةً لفهم المعلومات عندما تكون بصدد معالجة الكثير من البيانات المتداخلة، مثل الحقائق والأبحاث الإثنوغرافية وأفكار العصف الذهني وآراء المستخدمين واحتياجاتهم والتلميحات ومسائل التصميم. يمكنك استخدام هذه المخططات سواءً في العمل الفردي أو الجماعي، وبالطريقة التي ترغب بها، فهي تساعدك على تحديد المشاكل ووضع أفكار ممكنة للحلول.
الهدف من عملية المراجعة هذه هو التوصل إلى الحلول، لذا لا تتردد في إعادتها لمرات عديدة ومع مشاركين مختلفين. تذكر دائمًا أن جميع التفسيرات الشخصية لأسباب سلوكيات الناس يجب أن تعتمد على حقائق وملاحظات موضوعية، لذا لا تدع آراءك وفرضياتك الشخصية تقف في طريقك.
تقارب أم دوامة لا نهائية؟ لا تقلق إذا بدأ مخطط التقارب يشغل جدارًا كاملًا في منزلك أو مكتبك، فطالما تتبع العملية بطريقة صحيحة، ستستمر في الحصول على نتائج وأفكار تصميم عملية.
الخلاصة
يجب أن يكون البحث الإثنوغرافي نقطة الانطلاق لأي تجربة مستخدم أو عملية تفكير تصميمي، وذلك لأنه يجعلها متمحورةً حول الإنسان من البداية. يجب التركيز على الأشخاص الذين يجري التصميم من أجلهم وإدراك مشاعرهم وإظهار الاهتمام الحقيقي لهم والإنصات إليهم وتفهمهم.
بالإضافة لذلك، عليك أن تنتبه إلى مصادر الانحياز المحتملة وتسعى للتخلص منها، ومن الوسائل المساعدة على تحقيق ذلك أن تنشئ فريق بحث متنوع قدر الإمكان. تذكر تطبيق الطرائق السبعة البسيطة المذكورة أعلاه لتحسين بحثك الإثنوغرافي وتحقيق الاستفادة القصوى من المستخدمين والحصول على أفكار وتلميحات ملهمة طوال عملية التصميم.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال 7 Simple Ways to Get Better Results From Ethnographic Research لصاحبيه Teo Yu Siang وRikke Friis Dam.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.