تتمثل إحدى أفضل الطرق لاكتساب الأفكار في عملية التفكير التصميمي في مرحلة بناء النماذج الأولية Prototype، حيث تتضمن هذه الطريقة إنتاج نسخة أولية غير مكلفة، ومصغرة عن المنتج الحقيقي من أجل الكشف عن أي عيوب في التصميم الحالي. توفر النماذج الأولية للمصممين فرصة إضفاء الحيوية على أفكارهم واختبار قابلية التصميم العملي لتصاميمهم الحالية، إلى جانب دراسة كيف ستفكر عينة من المستخدمين وكيف سيكون شعورهم حيال المنتج.
غالبًا ما تُستخدم النماذج الأولية في المرحلة النهائية من عملية التفكير التصميمي لتحديد كيفية تعامل المستخدمين مع النموذج الأولي، وذلك بهدف الكشف عن حلول جديدة للمشكلات التي قد تظهر، أو لمعرفة ما إذا كانت الحلول المنفذة ناجحةً أم لا. بعد ذلك تُستخدم النتائج التي وجدت عن هذه الاختبارات لإعادة تعريف مشكلة أو أكثر من المشكلات التي حددت في المراحل السابقة من المشروع، وبناء فهم أقوى للمشكلات التي قد يواجهها المستخدمون عند التفاعل مع المنتج في البيئة المقصودة.
ليس من الضروري ان تكون المراحل الخمس لعملية التفكير التصميمي متسلسلةً دائمًا، أي لا يتعين اتباعها بترتيب معين ويمكن أن تنفَّذ غالبًا بالتوازي وتكرر على نحو متكرر؛ لذا يجب النظر إلى المراحل على أنها طرق مختلفة تساهم في المشروع، عوضًا عن كونها خطوات متسلسلة.
عندما يرغب المصممون في فهم كيف سيتفاعل المستخدمون مع المنتج، فإن الطريقة الأكثر بساطةً هي اختبار كيفية تفاعل المستخدمين مع ذلك المنتج. بالطبع لن يكون من المجدي إنتاج منتج نهائي للمستخدمين بهدف اختباره فقط، لذا يمكن للمصممين بناء نسخ بسيطة ومصغرة من منتجاتهم، والتي يمكن استخدامها بعد ذلك من أجل مراقبة مستويات أداء المستخدم وتسجيلها والحكم عليها وقياسها بناءً على عناصر محددة، أو بناءً على السلوك العام للمستخدمين وتفاعلاتهم وردود أفعالهم تجاه التصميم العام للمنتج. تسمى هذه النسخ الأولية من المنتج بالنماذج الأولية، وهي لا تكون بالضرورة بنفس دقة تصنيع المنتج النهائي، لأن ذلك قد لا يكون ملائمًا من حيث التكلفة والوقت.
تُصمم النماذج الأولية، بحيث يمكن للمصممين التفكير في حلولهم بطريقة مختلفة (أي النظر إلى أفكارهم على أنها منتج ملموس عوضًا عن كونها أفكار مجردة)، بالإضافة إلى أنه في حال فشل المنتج، فإن الفشل سيكون سريعًا وبتكلفة منخفضة، وبذلك يُستثمر وقت ومال أقل في فكرة وجد أنها سيئة في نهاية المطاف. يعبّر تيم براون، وهو الرئيس التنفيذي لشركة التصميم والابتكار الدولية IDEO، بأسلوب أفضل عن هذه الفكرة فيقول:
اقتباس"إن عملية بناء النماذج الأولية تبطؤنا في البداية لتسرعنا في النهاية، أي أنه وعبر قضاء وقتنا في بناء نماذج أولية تعبّر عن أفكارنا، سنستطيع تجنب الأخطاء المكلفة في مراحلها المبكرة، إلى جانب تجنب الالتزام بفكرة ضعيفة لفترات طويلة."
على سبيل المثال، عند تطوير برنامج حاسوبيّ، قد ينتج فريق التصميم عددًا من النماذج الأولية الورقية مثلما هو موضح في الصورة أعلاه، والتي تمكّن المستخدم من العمل عليها تدريجيًا ليوضح لفريق التصميم كيف يمكنهم معالجة مشكلة معينة. وفي مشاريع تطوير أجهزة ملموسة مثل فأرة الكمبيوتر، قد يستخدم المصممون عددًا من المواد المختلفة التي تمكّنهم من اختبار التقنية الأساسية التي يقوم عليها المنتج، حيث أن التقدم المتزايد في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، يسمح للمصممين بإنتاج نماذج أولية عملية وفورية وذات تكلفة منخفضة، تمكن المصممين من تزويد المستخدمين بنماذج دقيقة وقابلة للاختبار أو قابلة للاستخدام قبل الاستقرار على تصميم معين.
أنواع النماذج
تنقسم طرق بناء النماذج الأولية إلى قسمين هما: النماذج الأولية منخفضة الدقة والنماذج الأولية عالية الدقة.
النماذج الأولية منخفضة الدقة
تشمل النماذج الأولية منخفضة الدقة استخدام نماذج بسيطة قيد الاختبار. على سبيل المثال، قد يكون النموذج المبني غير مكتمل ويتضمن عددًا قليلًا من الميزات التي ستكون متاحةً في التصميم النهائي، أو قد ينفذ باستخدام مواد غير مخصصة للمنتج النهائي، مثل الخشب أو الورق أو نوع ما من اللدائن. أي تكون النماذج الأولية منخفضة الدقة إما نماذجًا رخيصة الثمن وسهلة التصنيع، أو أشياءً تمثلها أو تحاكي عملها.
أمثلة على النماذج الأولية منخفضة الدقة:
- الأسلوب القصصي.
- الرسومات التخطيطية (على الرغم من أن بيل بوكستون -وهو أحد رواد التفاعل بين الإنسان والحاسوب-، لا يأخذ الرسم على أنه مثال على النماذج الأولية).
- أسلوب فرز البطاقات، والذي يتضمن إنشاء مجموعة مختارة من البطاقات، ثم مطالبة المستخدمين بفرزها في مجموعات منطقية بالنسبة لهم وتوضيح كيف يتوقعون أن يُجمع المحتوى في النموذج الأولي.
- منهجية ساحر أوز Wizard of Oz، وهي منهجية تصميم تستخدم في التطوير السريع للمنتجات من أجل تحسين تجربة المستخدم، بحيث يأخذ المصممون دور المستخدمين عند تجربة المنتج.
إيجابيات النماذج الأولية منخفضة الدقة
- سريعة وغير مكلفة.
- إمكانية إجراء تغييرات فورية واختبارات متكررة.
- قابلة للتخلص منها أو الرمي.
- تُمكِّن المصمم من الحصول على نظرة شاملة على المنتج باستخدام أقل قدر ممكن من الوقت والموارد، بدلاً من التركيز على التفاصيل الدقيقة ذات التغيرات البطيئة والمتزايدة.
- متاحة للجميع، بغض النظر عن قدراتهم وخبراتهم، أي تجعلنا قادرين على إنتاج نسخ أولية من المنتجات من أجل اختبارها على المستخدمين أو فهم آرائهم.
- تشجع وتعزز عملية التفكير التصميمي.
سلبيات النماذج الأولية منخفضة الدقة
- نقص في الواقعية: نظرًا لطبيعة هذه النماذج المبهمة أحيانًا وذات الدقة المنخفضة، فإن النتائج الناتجة عن الاختبارات قد تفتقر إلى الصلاحية أو الجودة.
- تعتمد على منتجك: أي قد يكون إنتاج نماذج أولية منخفضة الدقة لا يناسب المستخدمين المستهدفين. على سبيل المثال، إذا كنت تطور منتجًا مرتبطًا بعدد من القيود السياقية (أي الخصائص الفيزيائية لمجموعة من المستخدمين، مثل مستخدمين من ذوي الإعاقة)، فإن النسخ الأولية المنفذة والتي لا تعكس طبيعة أو مظهر المنتج النهائي لن تكشف الكثير عن تجربة المستخدم النهائية.
- غالبًا ما تنزع مثل هذه النماذج الأولية التحكم من المستخدم، حيث يتعين عليهم التفاعل مع النموذج بطرق مبسطة غير كافية أو إبلاغ المقيِّم أو كتابة تفاصيل حول كيف سيستخدمون المنتج النهائي.
النماذج الأولية عالية الدقة
إن النماذج الأولية عالية الدقة هي نماذج أولية تبدو أقرب إلى المنتج النهائي. على سبيل المثال، بناء نموذج بلاستيكي ثلاثي الأبعاد بأجزاء متحركة (بحيث يسمح للمستخدمين بالتعامل مع الجهاز والتفاعل معه كأنه التصميم النهائي)، وهو نموذج عالي الدقة بالموازنة مع استخدام نموذج مصنع من الخشب مثلًا. وبالمثل، فإن النسخ الأولية لبرنامج حاسوبي برمجي يمكن تطويرها باستخدام برامج تصميم مثل برنامج Sketch أو Adobe Illustrator اللذان يُعَدّان عاليا الدقة بالموازنة مع نموذج أولي مرسوم على الورق.
إيجابيات النماذج الأولية عالية الدقة
- التفاعل: تُمكن المستفيدين من رؤية أفكارهم مبينة على الفور، بحيث تجعلهم قادرين على الحكم على مدى تلبيتها لتوقعاتهم ورغباتهم واحتياجاتهم.
- إن اختبارات المستخدم التي تتضمن نماذج أولية عالية الدقة، تسمح للمقيّمين بجمع معلومات على مستوى عالٍ من الصلاحية والتطبيق. أي كلما اقترب النموذج الأولي من المنتج النهائي، كلما زادت ثقة فريق التصميم في كيفية استجابة الناس للتصميم والتفاعل معه وإدراكه.
سلبيات النماذج الأولية عالية الدقة
- يستغرق إنتاجها وقتًا أطول بكثير من النماذج الأولية منخفضة الدقة.
- عند اختبار النماذج الأولية، يميل المستخدمون المختبرون إلى التركيز والتعليق على الخصائص السطحية، وليس الجوهر أو المحتوى.
- بعد تخصيص ساعات وساعات من الوقت لإنتاج نموذج دقيق يعبّر عن المنتج وسلوكه، غالبًا ما يكره المصممون إجراء تغييرات أو التعديل عليه.
- قد تعطي النماذج الأولية، الخاصة بالبرامج الحاسوبية، انطباعًا خاطئًا للمختبرين عن مدى جودة المنتج النهائي.
- قد يستغرق إجراء تغييرات على النماذج الأولية وقتًا طويلًا، مما يؤدي إلى تأخير المشروع بأكمله؛ أما النماذج الأولية منخفضة الدقة، فعادةً ما يمكن تغييرها أو التعديل عليها في غضون ساعات، إن لم تكن دقائق، مثل استخدام طرق الرسم أو النماذج الأولية على الورق مثلًا.
نظرًا لإيجابيات وسلبيات النماذج الأولية منخفضة الدقة وعالية الدقة، فلا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن النماذج الأولية منخفضة الدقة هي الخيار المعتاد خلال المراحل الأولى من مشروع التفكير التصميمي، بينما تستخدم النماذج الأولية عالية الدقة خلال الفترات اللاحقة، عندما تكون الاختبارات أكثر دقةً.
إرشادات حول بناء النماذج الأولية
من المهم أن تتذكر دائمًا أنه يفترض أن تكون النماذج الأولية عبارةً عن اختبارات سريعة وسهلة لحلول التصميم. فيما يلي بعض الإرشادات التي ستساعدك في مرحلة بناء النماذج الأولية:
- ابدأ فورًا بالبناء: فلدى عملية التفكير التصميمي ميل نحو العمل، وهذا يعني أنه إذا كان لديك أي شكوك حول ما تحاول تحقيقه، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو صنع شيء ما. سيساعدك بناء نموذج أولي على التفكير في فكرتك بطريقة ملموسة، ومن المحتمل أن يكسبك ذلك رؤىً حول الطرق التي يمكنك من خلالها تحسين فكرتك.
- لا تقضي الكثير من الوقت: بناء النماذج الأولية يعني السرعة، أي كلما قضيت وقتًا أطول في بناء النموذج الأولي، زاد ارتباطك عاطفيًا بفكرتك، مما يعيق قدرتك على الحكم بموضوعية على مزاياها.
- تذكّر ما تختبره: يجب أن تحتوي جميع النماذج الأولية على مشكلة مركزية تختبرها. لا تغفل عن هذه المشكلة، ولكن في نفس الوقت لا تلتزم بها حتى تغفل عن الأشياء الأخرى التي يمكنك التعلم منها.
- بناء النماذج مع وضع المستخدم في الحسبان: اختبر النموذج الأولي بالتزامن مع أخذ سلوكيات المستخدم المتوقعة واحتياجاته في الحسبان. ثم بعد ذلك تعلم من الفجوات التي قد تظهر في التوقعات والحقائق، لتحسن أفكارك.
في الختام
إن النماذج الأولية طريقة سريعة وفعالة لتحقيق أفكار العميل، حيث تمكنك بعد بنائها من ملاحظة عينة من المستخدمين أو المقيّمين المقصودين واختبارها، كما يمكنك توظيف آرائهم من أجل إجراء تحسينات أثناء عملية التصميم المتكررة.
تقسم طرق بناء النماذج الأولية إلى قسمين هما: النماذج الأولية منخفضة الدقة والنماذج الأولية عالية الدقة. في القسم الأول تنتج نسخ بسيطة، أحيانًا من أي مواد متاحة، والتي يمكن اختبارها على الفور؛ أما في القسم الثاني، فتكون النماذج أقرب إلى المنتج النهائي من حيث الشكل والمظهر ووسائل التفاعل.
في حين أن النماذج الأولية عالية الدقة يمكن أن تساعد فريق التصميم على اكتساب رؤى قيمة حول كيفية تلقي المنتج عند توزيعه على المستخدمين، إلا أن إنتاج نماذج أولية عالية الدقة يمكن أن يستغرق وقتًا طويلًا، ويمكن أن يكون لديه القدرة على تأخير المشروع على نحو كبير في حالة الحاجة إلى إجراء تغييرات أو تعديلات. لهذا السبب، لدى المصممون عدد لا بأس به من أساليب بناء النماذج الأولية تحت تصرفهم. بالطبع هناك مساوئ مرتبطة بكلا أساليب القسمين، لذا يجب أخذ ذلك في الحسبان عند تحديد أفضل السبل لتحسين تصميمك ضمن الإطار الزمني والميزانية المخصصة.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Stage 4 in the Design Thinking Process: Prototype لصاحبيه Rikke Friis Dam وTeo Yu Siang.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.