إن مرحلة تحديد المشكلات هي المرحلة الثانية من عملية التفكير التصميمي، وهي جزء لا يتجزأ منها، وفيها يوضع تعريف للمشكلة يكون بمثابة بيان لها ويكون ذو دلالة وقابل للتنفيذ، أي أنه الشيء الذي سيركّز مفكّر التصميم عليه لإيجاد حل له. قد تكون هذه المرحلة هي الجزء الأكثر تحديًا في عملية التفكير التصميمي، حيث سيتطلب تعريف المشكلة (قد يشار له أيضًا بالتحدي التصميمي) تجميع ملاحظاتك حول المستخدمين خلال المرحلة الأولى في عملية التفكير التصميمي، والتي تسمى بمرحلة التعاطف.
عندما تتقن عملية تحديد المشكلة أو وضع تعريف لها، سيمكّنك ذلك من تحسين عملية التفكير التصميمي والنتيجة على نحو كبير. لماذا؟ لأن التعريف الصحيح لبيان مشكلتك سيرشدك أنت وفريقك لتبدؤوا عملية التفكير وتسيروا نحو الاتجاه الصحيح، كما سيمنحك وضوحًا وتركيزًا أكبر على مساحة التصميم، والعكس صحيح، أي إن لم تولي اهتمامًا كافيًا لتحديد مشكلتك، فستكون مثل شخص يهرول في الظلام.
في مرحلة تحديد المشكلة، ستجمع ملاحظاتك حول المستخدمين من المرحلة الأولى، التي هي مرحلة التعاطف. ثم عن طريق وضع تعريف صحيح لبيان مشكلتك، ستبدأ أنت وفريقك عملية التفكير (أي المرحلة الثالثة) لتسيروا على المسار الصحيح. لن تكون المراحل الخمس لعملية التفكير التصميمي متسلسلةً دائمًا، أي لا يتعين عليك اتباع أي ترتيب معين، ويمكن أن ينفذوا بالتوازي مع بعضهم ويكرروا بحسب ما تقتضيه العملية، لذا يجب أن النظر إلى مراحل التفكير التصميمي على أنها طرق مختلفة فيما بينها تساهم في المشروع بدلًا من عدّها خطوات متسلسلة.
التحليل والتجميع
قبل أن نتطرق إلى الممارسات التي تساعدك على تعريف المشكلة أو تحديدها على نحو رائع، فيجب أولًا فهم العلاقة بين التحليل والتجميع الذين يخوضهما العديد من مفكري التصميم في مشاريعهم. حيث كتب تيم براون، الرئيس التنفيذي لشركة استشارات التصميم الدولية IDEO في كتابه Change by Design، أن التحليل والتجميع "هما مهمان بالقدر نفسه، ويلعب كل منهما دورًا أساسيًا في عملية إنشاء الخيارات واتخاذ القرارات"، حيث يتعلق التحليل بتقسيم المفاهيم والمشكلات المعقدة إلى مكونات أصغر بحيث يسهل فهمها. ويمكن فعل ذلك مثلًا خلال المرحلة الأولى من عملية التفكير التصميمي ومرحلة التعاطف، عندما نلاحظ ونوثق جميع التفاصيل المتعلقة بالمستخدمين. من ناحية أخرى، يتضمن التجميع حل الغموض المتواجد بأسلوب مبدع لتشكيل أفكار كاملة، وينفذ خلال مرحلة تحديد المشكلة عندما ننظم البيانات التي جمعناها ونفسرها ونفهمها لإنشاء بيان للمشكلة.
على الرغم من أن التحليل والتجميع يحدثان في في مرحلتين مختلفتين، فالأول في مرحلة التعاطف، والثاني في مرحلة تحديد المشكلة، إلا أنهما لا يحدثان فقط في مراحل منفصلة من عملية التفكير التصميمي. بل في الواقع، غالبًا ما يحدث التحليل والتجميع على نحو متتالي في جميع مراحل عملية التفكير التصميمي، فغالبًا ما يحلل مفكرو التصميم الموقف قبل تجميع رؤى جديدة، ثم يحللون نتائجهم المجمعة مرةً أخرى لإنشاء تجميعات أكثر تفصيلًا.
كيف يمكن جعل بيان المشكلة أفضل ما يمكن؟
يُعَد بيان المشكلة أمرًا مهمًا لمشروع التفكير التصميمي لأنه يرشدك أنت وفريقك، ويعطي تركيزًا على الاحتياجات المحددة التي اكتشفتها، كما أنه يخلق إحساسًا بالامكانية والتفاؤل، مما يتيح لأعضاء الفريق فرصة طرح الأفكار خلال مرحلة التفكير، وهي المرحلة الثالثة التالية في عملية التفكير التصميمي، وحتى يكون بيان المشكلة صحيحًا ومناسبًا يجب أن:
- يتمحور حول الإنسان: يتطلب هذا منك صياغة بيان مشكلتك وفقًا لمستخدمين محددين واحتياجاتهم والأفكار التي اكتسبها فريقك في مرحلة التعاطف عن هؤلاء المستخدمين، أي يجب أن يكون بيان المشكلة يتمحور حول الأشخاص الذين يحاول الفريق مساعدتهم، بدلًا من التركيز على تطوير التقنيات أو العوائد المالية أو مواصفات المنتج.
- يسمح بالحرية الإبداعية: هذا يعني أن بيان المشكلة لا ينبغي أن يركز على نحو ضيق جدًا على طريقة محددة فيما يتعلق بتنفيذ الحل، كما يجب ألا يسرد بيان المشكلة أيضًا المتطلبات الفنية، لأن هذا من شأنه أن يقيد الفريق بقيود لا داعي لها ويمنعهم من استكشاف المجالات التي قد تحقق قيمةً غير متوقعة ورؤية ثاقبة للمشروع.
- يكون قابلاً للإدارة: من ناحية أخرى، فإن اختيار بيان مشكلة مثل "تحسين ظروف المستخدمين" سيكون فضفاضًا جدًا في المعنى، ومن المحتمل أن يسبب إرهاقًا بين أعضاء الفريق، لذا يجب أن تحتوي بيانات المشكلة على قيود كافية، بحيث تجعل المشروع قابلًا للإدارة.
بالإضافة إلى السمات الثلاث السابقة التي ذكرناها، سيساعدك أيضًا بدء بيان المشكلة بأفعال مثل "إنشاء" و"تحديد" و"تكييف"، في جعل المشكلة أكثر توجهًا نحو العمل والحركة.
كيفية تحديد بيان المشكلة
إليك عدة طرق تساعدك على تفسير النتائج المتولدة من مرحلة التعاطف:
أسلوب المساحة المشبعة والمجموعات ومخططات التقارب لتجميع الأفكار والحقائق
في أسلوب المساحة المشبعة والمجموعات يجمع المصممون ملاحظاتهم ونتائجهم في مكان واحد تمامًا، مثل صورة الجدار المغطى بالكثير من الملاحظات الملونة، لإنشاء مجموعة من الخبرات والأفكار والرؤى والقصص، أي أن ما نقصده بمصطلح "التشبع" هو الطريقة التي يغطي بها الفريق بأكمله كامل شاشة العرض بالصور الجماعية والملاحظات والآراء والبيانات والتجارب والمقابلات والأفكار والرؤى والقصص بهدف إنشاء جدار من المعلومات وضخها في عملية تحديد المشكلة، وبعد ذلك سيكون من الممكن رسم روابط بين هذه العناصر الفردية أو العقد، لربط النقاط وتطوير رؤى جديدة أعمق، مما يساعد على تحديد المشكلة (المشكلات) وتطوير الحلول المحتملة. بمعنى آخر: الانتقال من التحليل إلى التجميع.
رسم خرائط التعاطف
تتكون خريطة التعاطف من أربعة أرباع ترسم على لوح أو ورقة، بحيث تعكس السمات الأربع الرئيسية التي أظهرها أو امتلكها المستخدمون أثناء مرحلة المراقبة. وتشير الأرباع الأربعة إلى ما قاله Said وما فعله Did وما فكر به Thought وما شعر به Felt المستخدمون. إن تحديد ما قاله المستخدمون أو ما فعلوه يُعَد أمرًا سهلًا نسبيًا، أما تحديد ما فكروا به وشعروا به، فيعتمد على الملاحظة الدقيقة لكيفية تصرفهم واستجابتهم لأنشطة معينة واقتراحات ومحادثات وما إلى ذلك من أمور (متضمنةً الدلائل الدقيقة مثل لغة الجسد ونبرة الصوت المستخدمة).
بناء وجهة نظر
إن وجهة النظر Point of view أو POV هي عبارة عن بيان مشكلة ذو دلالة وقابل للتنفيذ، حيث يتيح لك التفكير بأسلوب موجه نحو الهدف، إذ تمنحك وجهة النظر التي تبنيها رؤيةً حول تصميمك من خلال تحديد التحدي الذي يجب التركيز عليه في جلسات التفكير، أي أنها إعادة صياغة تحدي التصميم لإنشاء بيان مشكلة قابل للتنفيذ. وتعبر عن وجهة نظرك من خلال الجمع بين معرفتك بالمستخدم الذي تصمم من أجله واحتياجاته، والأفكار التي توصلت إليها عند إجراء أبحاث حول المستخدم أو خلال مرحلة التعاطف، كما يجب أن تكون وجهة النظر عبارة عن بيان مشكلة قابل للتنفيذ يوجه بقية أعمال التصميم.
يمكنك بناء وجهة نظرك عبر الجمع بين هذه العناصر الثلاثة، وهي المستخدم واحتياجاته والرؤى، كما يمكنك توضيح وجهة نظرك الشخصية عن طريق إدخال معلوماتك حول المستخدم والاحتياجات والرؤى التي لديك في الجملة التالية: [المستخدم.. (وصف له)] احتياجاته [يحتاج إلى.. (فعل)] بسبب [الرؤى.. (ظروف اضطرارية)].
كيف يمكننا؟
عندما تحدد المشكلة عبر بناء وجهة نظر حولها، ستتمكن من البدء في إنشاء أفكار من شأنها أن تحل تحدي التصميم الذي تواجهه. يمكنك البدء في استخدام أسلوب بناء وجهة النظر عبر طرح سؤال محدد يبدأ بـ "كيف يمكننا؟"، أو "بأي الطرق يمكننا؟". إن أسئلةً مثل كيف يمكننا How Might We أو HMW لها القدرة على تحفيز جلسات التفكير مثل جلسات العصف الذهني، حيث يجب أن تكون واسع الأفق على نحو كافي لتشمل مجموعةً واسعةً من الحلول، وفي نفس الوقت ضيقة بما يكفي لإيجاد حلول محددة لها، كما يجب أن تستند أسئلة "كيف يمكننا" على الملاحظات التي جمعتها خلال مرحلة التعاطف.
فمثلًا، لاحظت أن الشباب يميلون إلى عدم مشاهدة البرامج التلفزيونية على شاشة التلفاز في المنزل، لذا يمكن أن تكون بعض الأسئلة التي يمكنها توجيه وتحفيز جلسات التفكير هي كالتالي:
- كيف يمكننا جعل البرامج التلفزيونية اجتماعيةً أكثر، حتى يتفاعل الشباب أكثر معها؟
- كيف يمكننا أن نشجع على مشاهدة البرامج التلفزيونية في أي مكان وفي أي وقت؟
- كيف يمكننا أن نجعل عملية مشاهدة التلفاز في المنزل أكثر إثارة؟
توسع أسئلة "كيف يمكننا" جلسات التفكير لتستكشف الأفكار التي يمكن أن تساعدك في حل تحدي التصميم الذي تواجهه بطريقة مبتكرة.
سلم لماذا - كيف
اقتباس"كقاعدة عامة، يعطي السؤال الذي يبدأ بكلمة 'لماذا' عبارات أكثر تجريدًا قد تكون لها عدة معاني في الوقت نفسه، أما السؤال الذي يسأل بكلمة 'كيف'، تينتج عنه عبارات محددة. غالبًا ما تكون العبارات المجردة أكثر أهميةً ولكنها لن تكون قابلةً للتنفيذ على نحو مباشر، والعكس صحيح بالنسبة للبيانات الأكثر تحديدًا". مقتبس من منهج مدرسة ستانفورد للتصميم، سُلّم كيف - لماذا.
لهذا السبب يسعى المصممون خلال مرحلة التعريف إلى تحديد المشكلة، وسيسألون على نحو عام "لماذا"، حيث سيستخدم المصممون الأسئلة التي تبدأ بكلمة لماذا للوصول إلى قمة ما يسمى بسلم كيف ولماذا Why-How Ladder، والهدف النهائي هو معرفة كيف يمكنك حل مشكلة واحدة أو أكثر. ستساعدك أسئلة "كيف يمكن" على الانتقال من مرحلة التعريف إلى المرحلة التالية في التفكير التصميمي وهي مرحلة التفكير، لتبدأ فيها عملية البحث عن حلول مبتكرة ومحددة. بعبارة أخرى يمكنك أن تقول أن سلم "لماذا وكيف" يبدأ بالسؤال "لماذا" لمعرفة كيف يمكنهم حل مشكلة معينة أو وضع تعريف لها.
في الختام
تسمى المرحلة الثانية من عملية التفكير التصميمي النموذجية بمرحلة التعريف. وتتضمن تجميع البيانات من خلال المراقبة (والتي تسمى بمرحلة التعاطف) لتحديد مشاكل التصميم والتحديات، عبر استخدام طرق تجميع البيانات الأولية في مجموعة معرفية ذات دلالة وقابلة للاستخدام، مثل رسم خرائط التعاطف ومساحة التشبع والمجموعات، وبذلك سنكون قادرين على إنشاء بيان مشكلة عملي أو وجهة نظر تلهم عملية توليد الأفكار وحلها؛ أما أسئلة "كيف يمكننا؟"، فهي تساعدنا على استكشاف الأفكار خلال جلسات التفكير، والتي يمكن أن تساعدك في حل تحدي التصميم الذي تواجهه بطريقة مبتكرة.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Stage 2 in the Design Thinking Process: Define the Problem and Interpret the Results لصاحبيه Rikke Friis Dam وTeo Yu Siang.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.