اذهب إلى المحتوى

كاتب هذا المقال هو ساشا جريف Sacha Greif؛ المُصمِّم ورائد الأعمال الذي باع مؤخَّرًا آلاف النُسَخ من كتابه الإلكتروني المنشور بالجهود الذاتية الذي يوضِّح كيفية تصميم واجهة مُستخدِم بالخطوات. لقد عمل مع شركات ناشئة مُتعدِّدة وهو كذلك مؤسِّس خدمة Folyo التي تساعد الشركات في العثور على مُصمِّمين يعملون لحسابهم الخاص. يشرح ساشا هنا كيف حدَّد سِعرًا لكتابه الإلكتروني، الأمر الذي لعب دورًا أساسيّا في نجاحه.

وبَّخَني أبي مؤخَّرًا لشراء خبزٍ بُنِّي رخيص. وبما أنَّه قد كان لدينا أيضًا خُبزًا دنماركيًّا مستوردًا فاخرًا؛ تحدَّيته أن يخضع لاختبار تذوُّقٍ دون أن ينظر إلى نوع الخبز الذي يتناوله. بالطبع لم يستطِع معرفة الفرق بينهما، رغم أنَّ تكلفة أحدهما تبلغ ضِعف تكلفة الآخر.

01-store-boutique.thumb.png.e1c19a36b09a

نميل بداهةً إلى النظر إلى الأسعار باعتبارها نتيجةً مُترتِّبة على القيمة المُتأصِّلة في المُنتَج؛ ويريد المُسوِّقون في كل مكان أن يبقى الوضع على ما هو عليه. ولكن يعرف علماء النَفس أنَّ للأسعار قوَّةً أكبر من ذلك بكثير؛ فقد يؤثِّر السعر المناسب تأثيرًا عظيمًا على القيمة المُدرَكة للمُنتَج، بل ويخلقها من العدم (هل سمعتَ عن الألماس من قبل؟).

لطالما أذهلَتني قوّة الأسعار، كما تُوضِّحها قصصٌ مثل بائعة المجوهرات التي ضاعَفَت مبيعاتها بزيادة أسعارها ثلاث مرَّات. لذا عندما ألَّفتُ مؤخَّرًا كتابًا إلكترونيًّا يوضِّح للناس كيفية تصميم واجهات المُستَخدِم، كنتُ أعرف مدى أهميَّة تحديد السعر المناسب.

لماذا تتقاضى ثمنًا من الأساس؟

ألا تكفيك الشُهرة، والمَجد، وعدد المُشتَركين في خلاصات RSS الخاصة بك؟ إلى جانب الإجابة البديهيَّة (جَني المال)، أعتقد أنَّ الأشياء المجَّانية تجتاح الإنترنت بالفعل. فأنا أحمِّلُ بنفسي عشرات الخطوط، والأيقونات، والكُتُب، والفيديوهات المجَّانية كل أسبوع ولا أستخدم أيًا منهم بسبب ضيق الوقت.

إذًا فأنا بِتَقاضِي نقودًا ملموسة مقابل مُنتَجي، كنتُ أُحقق أمرين: كنتُ أرسِل إشارةً مفادها أنَّه أفضل من المحتوى الذي يمكن للمستخدم الحصول عليه مجَّانًا؛ وكنتُ أزيد من فُرَص قراءة الناس للكتاب بالفعل بعد تحميله، بما أنَّهم قد دفعوا مالًا ليحصلوا عليه (ومن ثَمَّ أستخدم مغالطة التكلفة الغارقة sunk costs fallacy لصالحي).

كانت الخطوة الأولى هي القيام ببعض أبحاث السوق الأساسية لمعرفة كَم من المال سيكون الناس مُستعدِّين لدفعه. سألتُ الناس على موقع تويتر وجاءتني الإجابات تتراوح ما بين 5 إلى 10 دولارات. كما بحثتُ عن الأسئلة الموجودة بالفعل على موقع Quora، وسألتُ إذا ما كان من الأفضل البدء بأسعارٍ منخفضة ثم زيادتها أم البدء بأسعار عالية ثم تخفيضها. (الإجابة المُختَصَرة: الأمر نسبي).

كما وضعتُ في الاعتبار حقيقة أنَّ الناس الآن معتادون على دفع مبالغ ضئيلة (أقل مِمَّا يُكلِّفه كوبٌ من القهوة في ستاربَكس) بفضل متاجر التطبيقات. ولكنَّني كنتُ أعرف أيضًا أنَّ أي شيء يزيد عن 10 دولارات سيُؤثّر على آليّات نفسية مختلفة. (سترى خلال دقيقة إثباتًا أو دحضًا لهذه الفرضية). بما أنَّ هدفي كان تحقيق أعلى المبيعات الممكنة لخلق قاعدة من القُرَّاء، وربما لتمهيد الطريق أمام كتبي المُستقبَليّة، قرَّرتُ البقاء داخل إطار الأسعار التي تتراوح بين دولارٍ واحد وعشرة دولارات.

بعد اتخاذ قرارٍ بشأن السعر التقريبي، كانت الخطوة التّالية التركيز على تجزئة السوق. شعرتُ بالتنوير نوعًا ما بعد قراءة هذا المقال الذي كتبه Joel Spolsky عن التجزئة (قد يكون هذا المقال على الأرجح واحدًا من أفضل عشر مقالات عن المبيعات على الإنترنت)؛ وأدركتُ أن هذا المصطلح الذي يبدو مُعقَّدًا ينطوي في الحقيقة على مفهومٍ مألوفٍ للغاية.

لتبسيط الأمور، تعني تجزئة السوق أن تُسعّر لكل شخصٍ بأقصى ما يرغب في دفعه. هذا بالتحديد ما يحدث عندما تساوِم في أحد الأسواق في بكين أو القدس؛ إذ يبدأ البائع بسعرٍ باهظٍ للغاية، ويتم البيع عندما تنجح في خفض السعر إلى أعلى سعر ترغب في دفعه (وبالتالي مضاعفة أرباحه).

وبما أنَّه من الأصعب كثيرًا معرفة المبلغ الذي قد يرغب شخصٌ ما في دفعه عبر الإنترنت، فلتُقدِّم ببساطة أسعارًا مختلفة وتدع المستخدمين يختارون بأنفسهم ما يناسب احتياجاتهم.

02-different-price-points.thumb.png.0fa6

لا يمكنك بالطبع تقديم المُنتَج نفسه مقابل سعرين مختلفين؛ لذا تحتاج إلى إيجاد عامل تفاضل. في حالتي، قررتُ أن تتضمَّن النسخة الفاخرة من الكتاب الإلكتروني على ملفات فوتوشوب المصدرية.

كان تكتيك التسعير الآخر الذي استخدمته هو توفير سعر افتتاحي أصغر. يؤدِّي ذلك إلى أمرين: الأول هو زيادة عدد من سيشترون المُنتَج مبكِّرًا: ممَّا سيحقِّق انطلاقةٍ أكبر ويساعد على الوصول إلى الكتلة الحرجة، حيث أنّه كلَّما زاد عدد من اشتروا الكتاب زاد عدد من سيشترونه، وفقًا لأساسيَّات ظاهرة الإثبات الاجتماعي (ظاهرة الإثبات الاجتماعي: أي أن يُقلِّد الشخص أفعال الآخرين في محاولةٍ معرفة السلوك الصحيح أو الخاطيء في المواقف الاجتماعية).

ولكنَّها كذلك كانت طريقة لمكافأة العُملاء الأوائل؛ فهُم مَن يخاطرون لمعرفة ما إذا كان الكتاب يستحقُ القراءة، كما أنَّهم مَن يتابعونك عن كثبٍ ويهتمُّون بك أكثر من غيرهم. إنَّهم جماعةٌ مميَّزة ويجب معاملتهم باعتبارهم كذلك (ستجد بأن سيث جودين يركّز على هذه الفكرة كثيرًا).

لنراجع معًا قيود التسعير التي وضعتها:

best-price_480x300.thumb.jpg.d26ec1b01cd

- لابد أن يكون هناك تسعريان مُختلفان.

- لابد أن يكونا عاليين بما يكفي للسماح بوجود تخفيض افتتاحي (تخفيض لأوائل الزّبائن)

- لابد أن يتراوحا ما بين دولارٍ واحد وعشرة دولارات.

عندما تضع الأمور نصب عينيك هكذا، يتَّضح أنَّه ليس هناك الكثير من الخيارات. فاخترتُ:

  • طبعة عادية: سعرها 5.99$ يصل بعد التخفيض إلى 2.99$

  • وطبعة فاخرة: سعرها 12.99$ يصل بعد التخفيض إلى 5.99$.

يبلغ سعر الطبعة الفاخرة ضِعف سعر الطبعة العادية، وقيمة الخصم كذلك 50%، مما يجعل حساب الأمر بسيطًا.

إذًا ها هو الجزء الذي تنتظرونه جميعًا، كيف جرى الأمر؟

كانت النتيجة جيدة بصورةٍ مذهلة. نشرت صفحة الهبوط Landing Page الخاصة بالكتاب الإلكتروني على موقع Hacker News؛ وسرعان ما وصلَت إلى أعلى المراتب، وجَمَعَت أكثر من 300 صوتًا، بل ووصلَت للمرتبة الثانية على الصفحة الرئيسية لفترةٍ.

حقَّق تدفُّق الزوَّار الهائل (22 ألف زائر في يومٍ واحد) مبيعات مذهلة؛ ففي أول 48 ساعة بعتُ 1476 نسخة من الكتاب، بإجمالي أرباح 6663 دولار.

إذًا لا بد أنَّ نموذجي للتسعير كان ناجحًا، ولكن ما السّبب المُحدّد الذي يقف وراء ذلك؟ لحسن حظِّي، أطلعني بعض المُعلِّقين في موقع Hacker News على ما فكَّروا فيه؛ فقال أحدهم: «أريد أن أقول فقط أنَّ نقطة السعر 2.99 رائعة، فلم يبدُ أن دفع مبلغ 5.99 الذي يشمل ملفات فوتوشوب المصدرية أمرًا يحتاج إلى التفكير.» وقال آخر: «نموذج الأسعار مناسب لشيءٍ مثل هذا الكتاب، 2.99؟ لن أفكِّر كثيرًا قبل أن أدفع هذا المبلغ. 5.99 مقابل الحصول على خصائص إضافية؟ أنا حاليًا أدفع 2.99 دولار؛ ليس الفرق كبيرًا، كما أنَّني سأحصل على المزيد من المزايا؛ رائع!»؛ وقال ثالث: «أحبُّ طريقة هيكلة هذا الأمر. كان نموذج الأسعار مثاليًا تمامًا؛ خُذ أموالي».

إذًا هناك أمران لهما دور هنا، الأوَّل أنّ نقطة السعر المنخفضة (2.99) كانت منخفضة بما يكفي لخلق دافعٍ للشراء ولم تُحفِّز آليات دفاع الناس المضادة للإنفاق. والثاني أن نقطة السعر الأعلى (5.99) كانت قريبة بما فيه الكفاية من النّقطة الأولى لجعل الناس يشعرون بأنَّهم طالما سيشترون الكتاب بأي حال، فعليهم أن يشتروا النسخة الأفضل. وتؤيِّد الإحصاءات ذلك، فعلى عكس ما توقَّعتُ اشترى أكثر الناس النسخة الفاخرة (758 نسخة، مقابل 718 من النسخ العادية).

هكذا يعمل ارتساء الأسعار Price Anchoring، غالبًا ما يُقدِّم المُسوِّقون خيارات فاخرة بنقاط تسعير مرتفعة زائفة لجعل الخيار العادي يبدو أكثر جاذبيةً بالمقارنة معها (فكِّر في كل جداول خطط الأسعار ذات الخانة المُخصَّصة للشركات بسعر 1000 دولارٍ شهريًا، إلى جانب الخانة المُخصَّصة للمُستهلِك العادي بسعر 10 دولارات شهريًا). ولكن في حالتنا حدث العكس؛ فقد جعل تقارُب نقاط السعر الخيار الأعلى يبدو وكأنَّه صفقة رابحة.

ومن ثمَّ أهديكم النظرية التالية في التّسعير: إذا كان الفرق بين السعرين كبيرًا جدًا، سيبدو السعر الأقلّ أكثر جاذبيةً، ولكن إذا كان الفرق صغيرًا، سيُصبِح السعر الأعلى الخيارَ الأفضل.

من الصعب بالطبع تحديد حجم الدور الذي لعبه السّعر في نجاح الكتاب، وربما كنتُ سأجني أكثر إذا كانت تكلفة الكتاب الإلكتروني 0.99 دولارًا، أو إذا كانت 49.99 دولارًا، ولكنَّني سعيدٌ للغاية بالفعل بالمبيعات وبالمردود الذي حصلتُ عليه؛ لذا سأقاوم الرغبة المُغرية في طرح سؤال «ماذا لو؟»؛ فإذا أردتُ أن أعرف حقًا يمكنني دائمًا أن أؤلِّف كتابًا آخر.

لذا أتمنَّى أن تُفكِّر للحظةٍ في الأسعار المُتاحة أمامك في المرة التالية التي تجد نفسك فيها مُستعدًّا للاشتراك في خطة برنامج حاسوب شهرية أو حتى للتسوُّق. ربما ستستطيع اكتشاف المنطق الخفي وراء تلك الأرقام.

 

ترجمة -وبتصرّف- للمقال How Perfect Pricing got me 1500 Sales in 2 Days


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

islamkhalid

نشر

هذا المقال اكثر من رائع اهنيك واشكرك علي هذه المعلومات القيمه واتمني لك التوفيق في الحاضر والمستقبل شكرا لك



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...