لقد اكتشفت الشركات في جميع أنحاء العالم، أن أسواقها المحليّة باتت متخمة بالمنتجات؛ لذلك باتت تبحث عن فرص للنمو في أماكن أخرى، فقد حظيت شركات مثل: فورد، ونستلة، ونايك، وماكدونالدز، بحضور عالمي منذ سنوات عديدة، لكن حجم الأسواق العالميّة شهد ازديادًا كبيرًا، وذلك بفضل الانفتاح على أوروبا الشرقيّة، والصّين، ومع ذلك، ما زال الدخول إلى الأسواق الأجنبيّة أمرًا معقدًا، فشلت فيه العديد من الشركات، والحقيقة أن تطبيق استراتيجيّة التسويق المحليّة على الثقافات الأخرى، ليس كافيًا لتحقيق النجاح في الأسواق العالميّة.
يهدف هذا المقال إلى تعريفك على التعقيدات المصاحبة للدخول إلى الأسواق العالميّة، لذلك سوف نناقش في البداية تعريف التسويق العالمي، ثم نتناول بيئة التسويق العالميّة من جوانب متعددة، بعد ذلك سوف نلقي نظرة على أساليب الشركات في الدخول إلى الأسواق العالميّة، وسنتعرّف -كذلك- على عملية إدارة التسويق العالمي.
تعريف التسويق العالمي
لقد أصبحنا في الألفيّة الجديدة أمام اقتصاد عالمي متداخل، يتسم بسرعة التواصل، والنقل، والتدفق النقدي، وهو ما يخلق فرصًا، وتحدياتٍ تسويقيةً جديدة لم تكن موجودة من قبل، وفي ضوء هذه التطورات، أصبحت الشركات أمام خيارين، لا ثالث لهما، وهما: الاستجابة للتحدّيات الجديدة، أو تحمّل تداعيات الفشل في ذلك، ولا يقتصر التكيّف مع التحدّيات الجديدة على شركات ذات حجم معيّن، فتأثير هذه التحدّيات يطول جميع الأسواق، وجميع الشركات بغض النظر عن حجمها. لقد أصبح ضغط البيئة العالميّة كبيرًا للغاية، في حين تغيّرت قواعد المنافسة تغيّرًا جذريًا، وبالتالي فإن إمكانية الاعتماد على استراتيجية محليّة للتسويق، تقتصر -فقط- على الشركات الصغيرة، والمتوسطة في بعض الأسواق المحليّة لم يعد قائمًا.
وبسبب التطوّر السريع للتسويق العالمي، ظهرت مجموعة واسعة من المصطلحات، التي تحتاج إلى توضيح قبل الخوض في هذا الموضوع بصورة معمقة.
في البداية، لابدّ من الإشارة إلى أن عملية التسويق التي ناقشناها في الفصول الخمسة السابقة، تنطبق على التسويق المحلي، والتسويق العالمي على حد سواء، ففي الحالتين، يبدأ المسوّقون بتحديد الأهداف، ثم إجراء البحوث التسويقية اللازمة، واختيار الشرائح المستهدفة، واستخدام أدوات التسويق: المنتج، والسعر، والتوزيع، والتواصل، وبناء الموازنة، وأخيرًا، التحقق من النتائج، ومع ذلك، تنطوي الأسواق العالميّة على عوامل ثقافية، واجتماعيّة، وقانونيّة، واقتصاديّة، وسياسيّة، وتنافسيّة، خارجة عن سيطرة المسوّقين، وهي تتطلب إجراء العديد من التعديلات على عملية إدارة التسويق.
يتضمن التسويق العالمي في أبسط صوره، اتخاذ قرار تسويقي يتعلق بأنشطة الشركة خارج حدود الدولة، ولكنه قد يكون أكثرًا تعقيدًا، فقد يتطلب تدشين مصانع في الخارج، وتنسيق استراتيجيات التسويق في الأسواق العالميّة المختلفة. إن تعريف التسويق العالمي يعتمد على مدى انخراط الشركة في الأسواق العالميّة، وهو ما يضعنا أمام الاحتمالات التالية:
-
التسويق المحلي: يتضمن هذا النوع من التسويق، التلاعب بعدد من العوامل المتغيّرة، التي تخضع لسيطرة المسوّقين، مثل: السعر، والإعلان، والتوزيع، والمنتج، وذلك ضمن بيئة تسويقية محدودة بالحدود الجغرافية، أو السياسية للبلد، أو الدولة.
-
التسويق العالمي: يشير التسويق العالمي إلى عمل الشركة في أسواق متعددة، ومتباينة بدرجة كبيرة، وهو ما يؤدي إلى اختلاف التكلفة والسعر، وآليات الترويج، والإعلان، وقنوات التوزيع، وينقسم هذا النوع من التسويق إلى ثلاثة أقسام رئيسة، تبعًا لمدى انخراط الشركة في الأسواق العالميّة:
- تسويق التصدير: وتتضمن هذه الحالة تسويق الشركة لمنتجاتها، وخدماتها، خارج الحدود السياسية للدولة.
- التسويق المتعدد: تتضمن هذه الحالة تنفيذ أنشطة، وعمليات تسويقية في أكثر من دولة، فيما تحظى الشركة ببعض التأثير، أو السيطرة على الأنشطة التسويقية في الدولة المستهدفة، ويُنظر إلى كل سوق من هذه الأسواق على أنه سوق مستقل، ومنفصل عن غيره.
- التسويق الدولي: في هذه الحالة، تركّز الشركة بجميع فروعها على استكشاف الفرص، وحشد الموارد من جميع أنحاء العالم، وذلك بهدف تحقيق ميزة تنافسيّة عالميّة، وتسعى الشركة في هذا النوع من التسويق، إلى تحقيق التضافر بين الأسواق المختلفة، وذلك من خلال استغلال الفرق بين أسعار صرف العملة، ومعدلات الضرائب، وأجور العمال، والفرص السوقيّة، على نحو يساعد الشركة بأكملها على النهوض.
لقد بدأت شركة تويوتا موتورز عملها على المستوى المحلي، ثم صدّرت سياراتها إلى بعض الأسواق الإقليمية، بعد ذلك نمت الشركة لتصبح شركة متعددة الجنسيات، واليوم أصبحت شركة عالمية بحق، فقد باتت تفتتح المصانع في الدول الأجنبيّة، وتستعين بالقوى العاملة، ووكالات الإعلان المحليّة في تلك الدول، وتلتزم بتقاليدها، وأعرافها الثقافية، وقد حرصت الشركة مع انتقالها من مرحلة إلى أخرى، على مراجعة مواقفها التسويقية، وفلسفتها التجاريّة بما يتلاءم مع كل مرحلة.
باختصار، إن المسوّق الناجح، هو الذي يحسن التلاعب بالأدوات الخاضعة لسيطرته، لتحقيق النجاح في البيئة التسويقية المحيطة، حتى وإن كانت تلك البيئة خارجة عن سيطرته، ولعل السبب الرئيس للفشل في التسويق العالمي، يرجع إلى عدم إجراء بحوث التسويق الضرورية، وبالتالي عجز الشركة عن فهم الفروقات في البيئة التسويقية في الدولة المستهدفة.
توحيد المنتجات، أم تخصيصها
في عام 1983 نشر ثيودور ليفيت أستاذ التسويق بجامعة هارفارد مقالًا بعنوان: "عولمة الأسواق" ومنذ ذلك الحين لم يعد التسويق كما كان عليه في السابق.3 ووفقًا لليفيت، فقد بات العالم يشهد بفضل التطور التقني واقعًا اقتصاديًا جديدًا، يتمثل في ظهور منتجات استهلاكيّة موحدة في الأسواق العالميّة، فقد أتاحت تقنية الاتصالات التعرّف بسرعة على أنماط الحياة الجديدة، كما أنها مهدت الطريق أمام تبادل السلع، والخدمات في جميع أنحاء العالم.
تساعد استراتيجيّة توحيد المنتجات، التي دعا ليفيت إليها، على تحقيق الميزة التنافسيّة من خلال خفض التكاليف، وزيادة الفعاليّة، فالشركات العالميّة ترى في العالم سوقًا واحدًا، وليس مجموعة من الأسواق الدولية المنفصلة، ويستند التنافس في هذه الاستراتيجية إلى تقديم منتجات ذات قيمة ملائمة، أي تقديم منتجات متطابقة في الوظيفة، والتصميم، بأفضل سعر، وجودة، وأداء، وتوصيل، وفي النهاية، يفضّل الزبائن الحصول على منتجات جيّدة، بسعر معقول، على الحصول على منتجات مخصصة، ولكنها مكلفة ماديًّا.
لقد فرّق ليفيت في مقاله بين المنتجات، والعلامات التجاريّة، فبينما يباع المنتج العالمي في الدول المختلفة بصورة موحدة، أو بتعديلات طفيفة، إلا أن ترويج العلامة التجاريّة يجب أن يعكس الظروف المحليّة في كل دولة.
مع ذلك، يرى منتقدو ليفيت أنه مخطئ، وأنه لابدّ من بناء استراتيجية تسويق مخصصة لكل دولة. بدوره يشير خبير التسويق فيليب كوتلر إلى أن إحدى الدراسات قد وجدت أن 80% من الصادرات الأمريكية قد خضعت لتعديل واحد، أو أكثر قبل تصديرها إلى الخارج، يُضاف إلى ذلك، أن تصدير المنتج العادي يتطلب إجراء أربعة، أو خمسة تعديلات على الأقل، من بين أحد عشر عنصرًا تسويقيًا، وهي: الملصق، والتغليف، والمواد، والألوان، والاسم، ومزايا المنتج، وأنماط الدعاية، ووسائل الإعلام، والتنفيذ، والسعر، وترويج المبيعات.4 ولذلك يدعو كوتلر إلى ضرورة تقييم جميع هذه العناصر في البداية، قبل تبني استراتيجيّة توحيد المنتجات.
مع ذلك، لم يستطع أحد حتى اليوم، أن يثبت -تجريبيًا- جدوى أيٍّ من النظريتين، ورغم أن منتقدي ليفيت يستطيعون حشد آلاف الأمثلة التي تبطل نظرية توحيد المنتجات، إلا أن قراءة أفكار ليفيت بتأنٍ، تشير إلى أنه لا يطرح هذه النظرية على أنها حقيقة ثابتة، وإنما يدعو إلى دراستها على أنها خيارٌ استراتيجيٌ، ففي حين تنطوي استراتيجية توحيد المنتجات على العديد من الصعوبات، إلا أنها تحمل -أيضًا- العديد من المزايا المدهشة، مثل تقليص التكاليف.
ويرى مديرو الشركات في كثير من الأحيان، أن التسويق العالمي يجب أن يتبنى؛ إما توحيد المنتجات بالكامل؛ أي تقديم منتجات موحدة في جميع الأسواق على اختلافها، أو السيطرة المحليّة المطلقة؛ أي تقديم منتجات مخصصة لكل سوق من الأسواق، ولكن هذه النظرة ليست صحيحةً بالضرورة، فتطبيق مفهوم التسويق العالمي يتطلب قدرًا من المرونة، والمزج بين الاستراتيجيتين.
أهداف التسويق العالمي
بعد التعرّف على توقعات المساهمين، وإجراء تحليل مفصّل للوضع، وتقييم قدرات الشركة، يمكن الآن تحديد الأهداف التسويقية العامة، وتتطلب هذه المرحلة التحلّي بالواقعيّة، فالعديد من الخطط الإدارية تعتمد على تلبيّة تطلعات المساهمين على المدى القصير، بغض النظر عن إمكانيّة تحقيقها في الواقع.
وتُعد آلية تحديد الأهداف على المديين القصير، والبعيد، مهمة للغاية، ولكنها تختلف بشدّة، بحسب حجم الشركة، وطبيعة السوق، وقدرات المديرين في الأسواق المختلفة، أمّا على المستوى التنفيذي، فيحتاج مديرو التسويق في كل دولة، إلى خطة مفصلة، وقابلة للتنفيذ، بحيث تأخذ في الحسبان الأوضاع المحليّة، وتحدد المطلوب من كل واحد منهم، وتوضح -كذلك- معايير قياس الأداء، ومن الأمثلة على الأهداف التسويقية في السوق العالمي:
- تحسين الأداء المالي، بما في ذلك العائد على رأس المال، وتحقيق الأرباح.
- اختراق السوق، والحصول على حصة سوقيّة، وزيادة المبيعات؛ كمًا، ونوعًا.
- زيادة الزبائن، من ناحية الحجم، والأرباح.
- التوزيع: ويشمل بناء سلسلة توريد قويّة، وتحديد عدد نقاط البيع.
- زيادة الوعي بالعلامة التجاريّة، وقيمتها.
- طرح منتجات جديدة، وتعريف الزبائن عليها.
- تحسين صورة الشركة، من خلال جودة الخدمات، وقيمتها.
دوافع الدخول إلى الأسواق العالمية
لقد وَجَدَ العديد من المسوّقين صعوبة بالغة في التعامل مع الأسواق العالميّة، حيث أشارت دراسة لـ "بيكر وكايناك"4 أن أقل من 20% من الشركات القادرة على التصدير في ولاية تكساس الأمريكية، قد اتجهت إلى الأسواق العالميّة، ورغم أن العديد من الشركات تخشى من الإقدام على دخول الأسواق العالميّة، إلا أن شركات أخرى اتخذت هذا القرار بالفعل. فما الذي دفعها إلى ذلك؟
لقد وجدت إحدى الدراسات أن دوافع البدء بتسويق المنتجات في الخارج، تتلخص في العوامل التالية (مرتبة حسب الأهميّة):
- وجود أسواق عالميّة كبيرة الحجم.
- تحقيق الاستقرار من خلال تنويع الأسواق.
- زيادة الأرباح.
- وجود طلبات من زبائن في الخارج.
- وجود سوق عالمي قريب نسبيًا.
- وجود فائض في القدرة.
- الحصول على عرض من موزع أجنبي.
- الرغبة في زيادة معدّل النمو.
- الحد من تأثير التقلبات الاقتصاديّة.
لقد أشارت دراسات تجريبية أخرى إلى العديد من الأسباب المختلفة، التي قد تدفع الشركات نحو الأسواق العالميّة، ومنها:
- تشبّع السوق المحلي، وبالتالي تبحث الشركات عن أسواق أقل تنافسيّة، وظهور أسواق جديدة خصوصًا في الدول النامية،
- الحوافز الحكومية لتصدير المنتجات إلى الخارج.
- الحوافز الضريبية التي تقدّمها الحكومات الأجنبية، بهدف تشجيع الشركات على إقامة المصانع، وتوفير فرص عمل لمواطنيها.
- توفّر الأيدي العاملة الرخيصة، أو المؤهلة، ومحاولة الحد من مخاطر الركود في الدولة الأم من خلال توزيع المخاطر.
دوافع تجنب الأسواق العالمية
رغم الفرص الجذّابة في الأسواق العالميّة، ما زالت معظم الشركات تتجنب الدخول إلى هذه الأسواق، ولأسباب عديدة، ولكن أبرزها هو خشية هذه الشركات من عدم القدرة على تسويق منتجاتها في الخارج، والانشغال عن السوق المحلي، وقد خلصت الدراسة السابقة ذاتها التي أجراها بيكر وكايناك، إلى أن أبرز المعوقات التي تحول دون دخول الشركات إلى الأسواق العالميّة هي:
- كثرة القيود القانونيّة.
- المعوقات التجاريّة.
- صعوبات النقل.
- نقص الأفراد المؤهلين.
- نقص الحوافز.
- غياب المساعدة.
- عدم ملاءمة الظروف في الخارج.
- تأخر الدفع بواسطة المشترين.
- الافتقار إلى المنتجات المنافسة.
- وجود ديون على الشركة.
- حواجز اللغة.
وتلعب العوامل السابقة مجتمعة، دورًا مهمًا في تقرير دخول الشركات إلى الأسواق العالمية، وكذلك مدى انخراطها فيه.
مراحل الدخول إلى الأسواق العالمية
لقد ذكرنا -سابقًا- تعريفات كثيرة للتسويق العالمي، بحسب مدى انخراط الشركة في الأسواق العالميّة، والآن سوف نناقش هذه المفاهيم بمزيد من التفصيل، ولكن لا بدّ في البداية من الإشارة إلى نقطتين مهمتين:
أولًا- المراحل التالية مرتّبة حسب حجم الاستثمار، والمخاطرة، من الأدنى إلى الأعلى.
ثانيًا- هذه المراحل ليست متتابعة بالضرورة، رغم أن التصدير في معظم الأحيان يمثل أولى مراحل الدخول إلى الأسواق العالميّة.
تتعامل الشركات -عادةً- مع الأسواق العالميّة بنوع من الحذر، إذ إن عوامل النجاح تتغير مع انتقال الشركات من مرحلة إلى أخرى. وبالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة؛ يُعد التصدير أفضل من الدخول في جهود تسويق عالميّة على نطاق واسع، فهو يمنح هذه الشركات قدرًا من السيطرة على المخاطر، والتكاليف، والموارد، وفي أغلب الأحيان، يكون التصدير استجابةً لطلبات من زبائن خارج البلاد.
التصدير
بصفة عامة؛ يُعد التصدير طريقة بسيطة، ومحدودة المخاطر، للدخول إلى الأسواق الأجنبيّة، وقد تلجأ الشركات إلى تصدير منتجاتها للعديد من الأسباب، منها:
أولًا- وصول مبيعات المنتجات إلى ذروتها في السوق المحلي، مع وجود فرص للنمو في الخارج، تمامًا كما فعلت شركة بيرييه الفرنسيّة للمشروبات في الولايات المتحدة.
ثانيًا- قد تجد بعض الشركات أن تصدير المنتجات الحالية أكثر ربحًا، وأقل مخاطرة، من تطوير منتجات جديدة.
ثالثًا- قد تواجه بعض الشركات طلبًا موسميًا في السوق المحلي، فتلجأ إلى تصدير منتجاتها إلى أسواق أجنبيّة ما زال الطلب الموسمي قائمًا فيها.
وأخيرًا، قد تختار بعض الشركات تصدير منتجاتها إلى الخارج، لعدم وجود منافسة كبيرة هناك.
وتستطيع أي شركة تصدير منتجاتها من خلال واحدة من هذه الأساليب الثلاث:
- التصدير غير المباشر.
- التصدير شبه المباشر.
- التصدير المباشر.
ويُعد التصدير غير المباشر شائعًا لدى الشركات المبتدئة في مجال التصدير، وفي هذه الحالة، تُعامل جميع المبيعات على أنها مبيعات محليّة، ويتولى قسم المبيعات المحليّة جميع المبيعات، حتى لو كانت على شكل صادرات للدول الأجنبيّة، ويتميز هذا النوع من التصدير بانخفاض المخاطرة، إذ لا تمتلك الشركة أي مندوبين في الخارج، أضف إلى ذلك أن الوسطاء في الأسواق العالميّة، يمتلكون معرفة جيّدة بالأسواق، وبالتالي فهم أقل عرضة لارتكاب الأخطاء من البائعين العاديين.
أما في التصدير شبه المباشر، فتبادر الشركة إلى إجراء الاتصالات مع الزبائن في الخارج، من خلال الوكلاء، أو الوسطاء التجاريين. ويمكن للتصدير في هذه الحالة أن يجري بطرق متعددة:
- التواصل بين مدير التصدير، ووسيط محلي، يعمل بمثابة قسم التصدير لعدد من الشركات غير المتنافسة.
- قد تتولى رابطة التصدير عملية تصدير المنتجات لأعضاء الرابطة، وقد يقتصر دورها على الترويج فقط.
- التصدير المشترك، والذي تتولى فيه شركة كبرى، تمتلك منشآت، وقنوات توزيع في الخارج، تصدير منتجات شركة أخرى، وتكون هذه المنتجات في الغالب مكمّلة لمنتجات الشركة الكبيرة وليست منافسة لها.
وأما في حالة التسويق المباشر، فتؤسس الشركة قسم تصدير يتولى البيع للشركات الأجنبيّة بصورة مباشرة، وفي سبيل ذلك، يُجري قسم التصدير أبحاثًا لدراسة السوق، وينشئ قنوات توزيع، ويحصل على جميع تصاريح التصدير اللازمة، ويتطلب التصدير المباشر استثمارًا أكبر، وينطوي على مخاطر أكثر، ولكنه يتميز -أيضًا- بعائدات أكبر، ويمنح الشركة مزيدًا من السيطرة على برنامجها التسويقي.
الترخيص
في اتفاق الترخيص، تَمْنَحُ شركةٌ (مؤجرة) بعض تقنياتها لشركة أجنبية (مستأجرة)، وبموجب هذا الاتفاق، تحصل الشركة المستأجرة على إذن من الشركة المؤجرة، باستعمال آليات التصنيع الخاصة بها، وعلامتها التجارية، وبراءات اختراعاتها، ومعرفتها بالمبيعات، وذلك مقابل عرض مادي معيّن، ويتيح هذا الاتفاق للشركة المستأجرة، الحصول على ميزة تنافسيّة، بينما يمنح الشركة المؤجرة إمكانية الدخول إلى السوق الأجنبي بطريقة غير مكلفة.
وينطوي اتفاق الترخيص على بعض المخاطر، إذ تقتصر أرباح الشركة المؤجرة على ما هو منصوص عليه في الاتفاق، بغض النظر عن حجم الأرباح التي تحققها الشركة المستأجرة، بالإضافة إلى أن الشركة المؤجرة تقدّم التزامًا بعيد المدى لشركة أخرى، ولكن هذه الشركة قد تكون أقل كفاءة، وقدرة من المتوقع، في المقابل، قد تكون الشركة المؤجرة غير مستعدة لاستثمار الموارد اللازمة لتحقيق النجاح، وقد يكون الترخيص أقل وسائل دخول السوق قدرةً على تحقيق الأرباح، ومع ذلك، فقد يكون هذا الخيار هو الوحيد للدخول إلى دولة أخرى في ظل ندرة رأس المال، وقيود الاستيراد، والقيود الحكوميّة الأخرى.
تمثل الوكالة شكلًا شائعًا للغاية من أشكال اتفاقات الترخيص، فقد نجحت العديد من الشركات الاستهلاكية، مثل ماكدونالدز، في التوسع نحو الأسواق الأجنبيّة من خلال الوكالة.
المشاريع المشتركة
المشروع المشترك هو اتفاق شراكة بين شركة محليّة، وأخرى أجنبيّة؛ إذ يشارك الطرفان بالاستثمار، ويتقاسمان الملكيّة، والسيطرة على المشروع، وتتطلب المشاريع المشتركة التزامًا أكبر من اتفاقات الترخيص، وغيرها من طرق التصدير الأخرى، كما أنها تنطوي على مخاطرة أكبر، ومرونة أقل.
هناك العديد من الدوافع التي قد تدفع شركة محليّة إلى الشراكة مع شركة أجنبية، فعلى سبيل المثال: اتفقت شركة جنرال موتورز الأمريكية، مع شركة تويوتا اليابانيّة، على تصنيع سيارة صغيرة الحجم في مصنع شركة جنرال موتورز في ولاية كاليفورنيا، وبيعها في أنحاء الولايات المتحدة عبر موزعي شركة جنرال موتورز، وقد كان دافع شركة تويوتا في هذا الاتفاق يتمثل في تجنّب الضرائب الأمريكية على السيارات المستوردة التي لا تحتوي على أي قطع مصنعة في الولايات المتحدة.
الاستثمار المباشر
قد تختار بعض الشركات المتعددة الجنسيات، تدشين خطوط إنتاج، وجهود تسويقية متكاملة في الخارج، أو بمعنىً آخر، الاستثمار في أفرع مملوكة لها بالكامل، وتتطلب هذه الطريقة الاستثمار مباشرة في واحدة، أو أكثر من الدول الأجنبية، أمّا في حالة اتفاقات الترخيص والمشاريع المشتركة، فلا تمتلك الشركة أي منشآت إنتاجيّة، أو تسويقيّة في الخارج.
وتستطيع الشركة المتعددة الجنسيات من خلال تأسيس فروعٍ لها في الخارج، أن تخوض المنافسة بشكل أقوى، وذلك لأنها تمثل جزءًا من السوق، ومع ذلك، تتطلب الفروع قدرًا أكبر من الاستثمار، وذلك لأنها مسؤولة عن جميع الأنشطة التسويقية في السوق الأجنبي، ورغم أن الاستثمار المباشر يمنح الشركة سيطرةً على أنشطتها التسويقية، إلا أنه ينطوي -أيضًا- على قدرٍ كبيرٍ من المخاطرة، فهو يتطلب فهم جميع العوامل المؤثرة على السوق الأجنبي، بما في ذلك بيئة العمل، والعادات، والأسواق، والعمالة، وغير ذلك.
المراكز التجارية الأمريكية نموذجًا
تُعد المراكز التجاريّة الأمريكية وسيلة أخرى من وسائل ممارسة الأعمال التجاريّة في الخارج. ويوفر المركز التجاري جميع الموارد اللازمة لترويج المنتجات، والخدمات الأمريكية في الخارج، وكذلك يطلع المصدرون الأمريكيون على طبيعة الأسواق في الدول المستهدفة بالتصدير، وبالمحصلة، يقوم المركز بمساعدة الشركات على الدخول إلى الأسواق الأجنبية عبر الوسائل التي ناقشناها أعلاه.
وتوفر المراكز التجاريّة الأمريكية معارض، وغرف مؤتمرات، ومكاتب، ومكتبات تجاريّة، بالإضافة إلى خدمات الترجمة، وخدمات مكتبيّة أخرى، وتقدّم هذه المراكز جميع المعلومات القانونيّة اللازمة، وتسهل التواصل بين البائعين، والمشترين، والبنوك، والموزعين، والوكلاء، ومسؤولي الحكومة، كما أنها تنسق بين البعثات الاقتصادية، وتساعد في صياغة العقود، وترتيب إجراءات الاستيراد والتصدير.
الوسطاء التجاريون
تتجه الشركات الصغيرة الراغبة بتصدير منتجاتها إلى الخارج، نحو الوسطاء التجاريين، وذلك لمساعدتهم على بيع، وترويج منتجاتهم، ويشتري هؤلاء الوسطاء المنتجات الأمريكية -عادةً- بسعر أقل بـ 15% من سعرها الأصلي، ثم يبيعونها في الأسواق العالميّة في الخارج، ويمثل هؤلاء الوسطاء حوالي 10% من إجمالي الصادرات الأمريكية. وبفضل العلاقات الممتازة التي يحظى بها الوسطاء مع الدول الأجنبيّة، فإنهم يقدّمون خدمة عظيمة للشركات الصغيرة التي لا تمتلك الموارد، أو الخبرة الكافيّة لتسويق منتجاتها في الخارج.
التحالفات
التحالف هو اتفاق بين شركتين، على التشارك في الموارد؛ من أجل تنفيذ مشروع محدد، ومربح للجانبين. ورغم أن التحالف بين الشركات أقل شُيوعًا من المشاريع المشتركة، إلّا أنه يساعد الشركة على الاحتفاظ باستقلاليتها، وفي الوقت ذاته استكشاف فُرص جديدة. ويمكن للتحالف أن يساعد الشركة على تطوير آليات عمل أكثر فعاليّة، أو التوجه نحو أسواق جديدة، أو اكتساب ميزة تنافسيّة، فعلى سبيل المثال: قد يتحالف متجر ملابس، مع مصنع ملابس واحد، وذلك لضمان الحصول على الجودة، والمقاييس ذاتها، كما قد يتحالف موقع إلكتروني كبير، مع شركة لتحليل البيانات، وذلك من أجل تحسين جهوده التسويقية.
خطة التسويق العالمي
لقد بات من الواضح الآن أن الشركات التي تخطط للمنافسة في الأسواق العالمية، بحاجة إلى خطة تسويقية واضحة، ومركزة، تستند إلى فهم دقيق للأسواق التي تخطط الشركة للدخول فيها، وبالتالي فإن التحدي يكمن في إجراء بحث شامل، وتقييم دقيق، لجميع المتطلبات اللازمة لتحقيق الميزة التنافسيّة، ومن ثمَّ، فإن تسلسل القرار في التسويق العالمي أطول، وأكثر تعقيدًا من التسويق المحلي، وذلك كما يظهر في الشكل رقم 15 الموضح أدناه.
الشكل 15: آلية اتخاذ القرار في الأسواق العالميّة.
المستوى الإداري
يبدأ اتخاذ قرار الدخول إلى الأسواق العالميّة، وتحديد حجم الموارد اللازمة، من المستوى الإداري في الشركة، وتركّز هذه المرحلة بشكل أساس على تحليل الأسواق العالميّة، فيما يعتمد القرار النهائي على التوافق بين نتائج تحليل السوق، وأهداف الشركة، كما يحدد المستوى الإداري في هذه المرحلة حجم الموارد التي قد ترغب الشركة باستثمارها؛ لتحقيق الأهداف الموضوعة.
المستوى التجاري
تبدأ التوجهات التجاريّة بدراسة جميع المساهمين في الشركة، وفهم توقعاتهم، وتقدير حجم النفوذ الذي يتمتعون به، وذلك لأن المساهمين يضعون الخطوط العامة التي تسير وفقها أي شركة، وفي حالة التسويق العالمي، يُعد التعرّف على مخاوف المساهمين في الشركة المضيفة، وعلاجها أمرًا مهمًا للغاية.
لعلك تذكر ما جاء في فصل "مقدمة إلى التسويق" أن تحليل الوضع هو عبارة عن دراسة شاملة لجميع العوامل التي تؤثر في قدرة الشركة على تسويق منتجاتها، أو خدماتها بنجاح، وأن نتائج هذه الدراسة تقود إلى وضع مجموعة من الأهداف الواقعيّة، ولكن تحليل الوضع على المستوى العالمي، يتسم بكونه أكثر تعقيدًا، فهو لا يقتصر على التحليل التقليدي للعوامل الخارجيّة، أو تحليل الموارد والقدرات، وإنّما يتضمن تحديد مدى انخراط الشركة في الأسواق العالميّة، وأسلوب الدخول إليها، ويمكن القول: إن هذين العاملين مترابطان، فبالقدر الذي تنخرط فيه الشركة في الأسواق العالميّة، يكون تأثير ذلك تأثيرًا مباشرًا على أسلوب الدخول إلى السوق، سواءً عن طريق التصدير، أو المشاريع المشتركة، أو غيرها من الوسائل.
ويتأثر هذان العاملان بدورهما، بمدى انخراط الشركة في الأسواق العالمية، وكيفية الدخول إليها، وبدراسة العوامل الخارجية، وموارد الشركة، وقدراتها، والتي تشمل نقاط القوّة، والضعف على حد سواء، وتكتسب هذه العوامل أهميّة خاصة في الأسواق العالميّة، فعلى سبيل المثال: قد يكون الولاء لعلامة تجاريّة معينة، أقوى في بعض الأسواق من أسواق أخرى، وقد تصل بعض المنتجات إلى نهايتها في السوق المحليّ، ولكنها قد تلقى رواجًا في أسواق أقل تطورًا، ومن المهم -كذلك- تقييم مرونة الشركة، وقدرتها على التكيّف، واستباق الأحداث، إذ تُعد هذه الصفات ضرورية، حتى تتمكن الشركة من تحقيق النجاح في هذا العالم، الذي يتسم بالمنافسة الشديدة، والتغيّر السريع.
في النهاية، نستطيع القول: إن العوامل البيئية الخارجيّة تحظى بلا شك بالنصيب الأكبر من اهتمام المسوقين الذين يدرسون الدخول إلى الأسواق العالميّة.
التسويق المتكامل
الدخول إلى الأسواق العالميّة يتطلب تنسيق الجهود
لقد أصبح التسويق العالميّ حقيقة لدى العديد من الشركات الأمريكية، وذلك بفضل تقدّم تقنية الاستيراد، وتطوّر الاقتصاد العالمي، وهذه الحقيقة لا تقتصر على الشركات الكبرى، إذ تشير وزارة التجارة الأمريكية إلى أن 60% من الشركات الأمريكية التي تصدر منتجاتها إلى الخارج، يقل عدد الموظفين فيها عن 100 موظف، وتمتلك الشركات الأمريكيّة العديد من الأسباب التي تدفعها إلى تسويق منتجاتها في الدول الأخرى، فوفقًا لشركة ديلويت للاستشارات، فإن حوالي 95% من سكّان العالم، وثلثي القوة الشرائية خارج الولايات المتحدة.
كما أن ترويج المنتجات في دول أخرى، لا يفتح أسواقًا جديدة فحسب، بل يساعد الشركة -أيضًا- على توسيع أعمالها، فعلى سبيل المثال: إذا كانت هناك شركة أمريكية متخصصة في صناعة الدراجات الهوائيّة، ولكنها تركز على السوق الأمريكي -فقط- فإنها سوف تفقد بذلك فرصة زيادة عائداتها من خلال الدخول إلى الدول التي تمثل فيها الدراجات الهوائيّة وسيلة تنقل أساسيّة.
كما يمكن للتسويق العالمي أن يُعيد منتجًا غارقًا إلى الحياة مجددًا، وأن يطيل فترة وجوده في السوق؛ ذلك أن المنتج الأجنبي قد يُباع بسعر أعلى، لأن الزبائن حول العالم يفترضون ببساطة، أن المنتجات الأجنبيّة أغلى ثمنًا.
على الرغم من ذلك، فإن تنفيذ استراتيجية تسويق عالميّة، يتطلب قدرًا كبيرًا من التنسيق، على سبيل المثال: وَجَدَتْ العديدُ من الشركات المحليّة الأمريكية؛ التي نجحت في بناء سمعة قويّة في الولايات المتحدة، أنها غير معروفة في الأسواق العالميّة، وبالتالي فإن سمعتها لا تحظى بتأثير كبير في هذه الأسواق، ولعلاج هذه المشكلة، قد تلجأ الشركات إلى تنفيذ حملات إعلانيّة، أو الارتباط بشركات أخرى معروفة في السوق المستهدف، وعلى سبيل المثال: عندما أرادت شركة فيديكس الأمريكية، زيادة شهرتها في أوروبا، أقامت اتفاق شراكة مع شركة الأزياء؛ بينيتون التي تحظى بشهرة كبيرة هناك، كما رعت شركة فيديكس -أيضًا- إحدى سيارات الفورمولا التابعة لشركة بينيتون في أوروبا.
بدوره قال كارين روجرز؛ مدير التسويق لكبار الزبائن في شركة فيديكس: إن رعاية الفعاليات المحليّة، والعالميّة، تمنح الشركة فرصة اللقاء بالزبائن المحتملين في ظروف وديّة، وقد تفتح الباب أمام الشركة لترويج منتجاتها.
وفي سبيل توزيع المنتجات عالميًا، تقيم العديد من الشركات الأمريكية اتفاقات مع شركات كبيرة، ومتعددة الجنسيات، ورغم أن هذه الشركات الكبيرة قد تفتقر إلى أي منتجات منافسة، لكنها تمتلك الموارد، والخبرة اللازمة لتوزيع، وتسويق منتجاتها، وتمثل هذه الشراكات حلًا بديلًا، وأقل تكلفة من افتتاح فروع لها في الخارج.
أخيرًا، قد تلجأ العديد من الشركات الصغيرة، والمتوسطة -التي ما زالت غير متأكدة من رغبتها في العمل في الخارج- لشركات إدارة التصدير، والتي توفر خدمات تتراوح بين دراسة السوق، وحتى التفاوض مع الموزعين في الخارج.
المستوى التنفيذي
بعد تحديد الشركة لأهدافها على المستويين الإداري، والتجاري، تستطيع الشركة الآن بناء برنامج مفصل، بالأنشطة التنفيذية اللازمة للوصول إلى هذه الأهداف، واستنادًا إلى طريقة التسويق المتكامل، التي انتهجتها في هذا الكتاب، فإنه يجب دراسة جميع العناصر التشغيلية -معًا- مثل: المالية، والموارد البشرية، والبحث، إذ إن أفضل استراتيجيات التسويق العالمي، سوف تنتهي بالفشل إذا لم تستطع الموارد البشريّة إيجاد الموظفين الملائمين أو تأهيلهم، أو إذا لم يستطع البحث تكييف المنتج، ليلائم الزبائن في الدولة المستهدفة، وفي النهاية، يعتمد التنسيق بين الأنشطة التنفيذية في الشركة على استراتيجية دخول السوق، وتوجه الشركة نحو استراتيجيّة توحيد المنتجات، أو استراتيجية تخصيص المنتجات، بما يتلاءم مع كل سوق من الأسواق.
وبعد التأكد من التكامل بين جميع الأنشطة على المستوى التنفيذي، يتوجب على الشركة العمل على تحقيق التكامل بين جميع عناصر المزيج التسويقي.
المنتج/الترويج
وفقًا لخبير التسويق وارن كيغان، فإن استراتيجية التسويق العالمي، هي في الحقيقة مزيج بين طريقة توحيد المنتجات، وطريقة تعديل المنتجات، والعناصر الترويجية في المزيج التسويقي، بما يتناسب مع كل دولة، وقد تناول خمس طرق مختلفة للتعامل مع المنتج:
-
منتج واحد، ورسالة عالميّة واحدة: يزعم كثير من الخبراء، أن هذه الاستراتيجيّة سوف تنطبق على العديد من المنتجات في المستقبل، إلا أن منتجات معدودة -فقط- قد نجحت في تنفيذ هذه الاستراتيجية بالفعل.
-
الإبقاء على المنتج، وتعديل الترويج: يظل المنتج في هذه الاستراتيجيّة كما هو، بينما تتغير الجهود الترويجية لاستهداف شرائح جديدة من الزبائن، أو تلبيّة أذواق الزبائن في كل دولة من الدول.
-
تعديل المنتج، والإبقاء على الترويج: تُستعمل هذه الاستراتيجية عندما تلاقي الحملة الترويجية للشركة قَبولاً عالميًا، ولكن المنتج ما زال بحاجة للتكيّف مع الاحتياجات المحليّة في كل دولة.
-
تعديل المنتج والترويج: تقوم هذه الاستراتيجيّة على تكييف كل من المنتجات، والجهد الترويجي، بما يلائم كل سوق من الأسواق، وبالتالي فإن الشركة تتبنى استراتيجيّة مختلفة كليًا في كل سوق.
-
ابتكار المنتجات: تتبنى بعض الشركات -في الدول المتقدّمة- استراتيجية ابتكار المنتجات، وتوريدها للدول الأقل تطورًا.
كذلك ترتبط العلامة التجاريّة بالمنتج، والترويج، ارتباطًا وثيقًا، ويعتقد أنتوني أوريلي رئيس شركة هاينز الأمريكية الشهيرة، أن ثورة الاتصالات، وتداخل الثقافات، قد ساعدت في تهيئة الأجواء لتسويق عالمي حقيقي، فعلى سبيل المثال: سعت شركة هاينز لترويج علامتها التجاريّة "9 لايفز" المخصصة لطعام القطط، في العاصمة الروسيّة موسكو، ورغم النجاح الذي سجلته هذه العلامة التجاريّة في الولايات المتحدة، إلا أن الأبحاث، والاختبارات التي أجراها ديميتري إبيموف، المدير المحلي للتسويق في موسكو، قادت مديري شركة هاينز إلى إجراء تغييرات تسويقية، للتأكد من نجاح المنتج في روسيا، منها استخدام صورة قط أسمن على الغلاف، كما اكتشفت الشركة أنه في حين يميل الأمريكيون إلى إطعام قططهم طعامًا بطعم التونة، يفضل مربو القطط الروس إطعام قططهم طعامًا بطعم لحم البقر.
لقد ناقشنا -سابقًًا- أن تموضع المنتج، يمثل عاملًا أساسًا من عوامل النجاح، وهو يعكس نظرة الزبائن إلى المنتج، أو الخدمة، ومع ذلك، فإن قدرة الزبائن على شراء المنتج، ومناسبات الشراء، تختلف بصورة كبيرة من اقتصاد إلى آخر، فعلى سبيل المثال: تستهدف شركتا كي إف سي وماكدونالدز في الدول المتطورة، تقديم خدمات طعام يوميّة لعامة الجمهور، ولكنها في الدول الأقل تطورًا، تمثل أماكن خاصة يقصدها الزبائن في المناسبات، وهي خارج القدرة الشرائية للشرائح الفقيرة في هذه المجتمعات؛ ولذلك يمكن القول: إن تموضع المنتج يختلف في بعض النواحي من اقتصادٍ إلى آخر، ويتطلب تموضع منتج ما، أو خدمة في سوق، أو منطقة بعينها؛ أنْ ترسخَ الشركة في أذهان زبائنها هويّة المنتج، وقيمته، وتميّزه عن غيره.
التسعير
يُعد تسعير المنتجات في الدول الأجنبيّة عملية معقدة، وذلك بسبب تغيّر أسعار صرف العملة، والضرائب الجمركيّة، وتَدَخُّلِ الحكومة، ومتطلبات الشحن، ويحاول المسوقون -عادةً- تقديم أسعار منخفضة في الأسواق الأجنبيّة، وذلك بما يتلاءم مع مستويات الدخل المنخفضة في تلك الدول، كما أن الأسعار المنخفضة تساعد الشركات على الدخول إلى السوق، والاستحواذ على حصة منه، وتتأثر استراتيجيات التسعير -أيضًا- بدرجة كبيرة، بطبيعة وحدّة المنافسة في السوق، ولهذه الأسباب، تسير استراتيجيات تسعير المنتجات في الأسواق العالميّة وفق المراحل التالية:
- تحليل العوامل المؤثرة على التسعير العالمي، مثل التكاليف، وقيمة المنتج، وهيكلية السوق، وأسعار المنافسين، بالإضافة إلى القيود البيئية الأخرى.
- التأكد من تأثير الاستراتيجيات الإداريّة على سياسة التسعير.
- تقييم خيارات التسعير الاستراتيجيّة المختلفة، واختيار الملائم منها.
- تنفيذ استراتيجية التسعير من خلال جملة من الأساليب، والإجراءات.
- إدارة الأسعار، والمعاملات الماليّة العالميّة.
ولعل العامل الأهم الذي يجب أخذه في الحسبان، عند وضع استراتيجيّة التسعير في الأسواق العالميّة؛ هو تفاعل كل من الزبائن والمنافسين مع السعر، وبدوره يشير خبير التسويق تي تي ناجل إلى وجود تسعة عوامل تؤثر على تفاعل الزبائن مع السعر، وتؤثر -أيضًا- على التسويق العالمي، وبحسب ناجل، فإن حساسية الزبائن تجاه السعر تقل كلما:
- كان المنتج فريدًا من نوعه.
- زادت جودة المنتج.
- قلّ وعي الزبائن بوجود البدائل في السوق.
- ازدادت صعوبة الموازنة بين المنتجات.
- كان سعر المنتج يمثل جزءًا بسيطًا من إجمالي المصروفات لدى الزبون.
- ازدادت فائدة المنتج.
- كان المنتج مستعملًا مع منتج آخر اشتراه الزبون في وقتٍ سابق.
- كانت التكاليف موزعة بين أطراف متعددة.
- تعذر تخزين المنتج.
أخيرًا، توجد العديد من المشاكل التي تصاحب التسعير في الأسواق العالميّة، إذ تواجه الشركات في الغالب صعوبة في تنسيق أنشطتها التسويقية، وضبط الأسعار حول العالم، بما يحقق لها أفضل أداء اقتصادي ممكن، وببساطة، كيف يمكن للشركة أن تنسق الأسعار في الأسواق المتعددة، وأن تحقق هامش الربح المطلوب في الوقت ذاته؟ إن الإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة على الإطلاق، فهي تنطوي على مشكلتين خطيرتين:
المشكلة الأولى: هي الإغراق التجاري، وذلك عندما تبيع الشركة منتجاتها في دولة أجنبية بسعر أقل من السعر المحلي، أو حتى أقل من التكلفة الفعلية، وتلجأ الشركات إلى هذا الأسلوب من أجل الاستحواذ على حصة من السوق من خلال تقديم أسعار منافسة، أو عند وجود فائض من المنتجات التي لم تستطع الشركة بيعها في السوق المحلي، وتمثل عبئًا على الشركة.
أمّا المشكلة الثانية: فهي السوق الرمادي، أو السوق الموازي، الذي ينشأ عندما تبيع بعض الشركات منتجاتها بأسعار مرتفعة للغاية، في بعض الدول، وبأسعار منافسة في دول أخرى، وهو ما يدفع بعض التجار إلى شراء المنتجات من الموزعين المعتمدين في الدولة الأقل سعرًا، ثم شحنها إلى الدول التي تُباع فيها المنتجات بسعر أعلى، ثم بيعها في السوق عبر موزعين غير معتمدين، وبسعر أقل من سعر الشركة.
كذلك تظهر كثير من المشاكل في التعاملات الماليّة الأجنبيّة، وذلك بسبب الحاجة للبيع، والشراء بعملات مختلفة، وهو ما يطرح أسئلة مهمة: ما هي العملة التي يجب أن تستخدمها الشركة في تسعير المنتجات؟ وكيف يجب أن تتعامل الشركة مع تغيّر أسعار صرف العملة؟
يُضاف إلى ذلك كله، صعوبة تحصيل الدفع بعملة ملائمة من الدول النامية، وهو ما يطرح -أيضًا- جملة من التساؤلات: كيف يمكن للشركة أن تبيع للدول التي قد تتخلف عن السداد؟ أو الدول التي تواجه نقصًا في العملات الصعبة؟
التوزيع والإدارة اللوجستية
قنوات التوزيع هي قنوات نقل المنتجات من الشركة المصنعة، إلى المستخدم النهائي، وأما الإدارة اللوجستيّة فهي تخطيط، وتنفيذ وإدارة تدفق المواد الخام، والمنتجات النهائية من نقطة المنشأ، إلى نقاط الاستخدام، بما يلبي حاجات المستخدمين، ويحقق الأرباح للشركة.
وبشكل أساس، توجد ثلاث قنوات تربط بين المشتري، والبائع:
أمّا القناة الأولى: فهي مقرات الشركة المسؤولة عن مراقبة القنوات الأخرى، ولكنها تمثل قناة بحد ذاتها.
وأما القناة الثانية: فهي القنوات التي تربط بين الدول المختلفة، وهي مسؤولة عن إيصال المنتجات إلى الأسواق في الخارج، وتحصيل المدفوعات.
وأمّا القناة الثالثة والأخيرة: فهي الإدارة اللوجستية في داخل البلد، والتي تتضمن توصيل المنتجات من نقطة دخولها إلى البلاد، إلى المستخدم النهائي.
تتأثر استراتيجيات التوزيع في الأسواق الأجنبيّة بالعديد من العوامل الخارجة عن سيطرة المسوّقين، فآليات تجارة الجملة، والتجزئة، تختلف بدرجة كبيرة من دولة إلى أخرى، وكذلك اختلاف جودة الخدمات، وحجم شركات التجزئة، وطبيعتها، ويمكن القول: إن تجار التجزئة يعبّرون بدرجة كبيرة عن الظروف الاقتصاديّة، وثقافة البلاد.
ويتطلب التوزيع في الأسواق الأجنبيّة تخطيطًا وتسويقًا خاصًا، فالعديد من الدول لا تمتلك ما يكفي من الموانئ، والطرق السريعة، والسكك الحديدية، والمركبات، والمخازن، وبالتالي فإن إدارة المخازن تتطلب دراسة توفر المخازن الملائمة، وكذلك تكاليف الشحن بكميّات صغيرة.
ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Marketing in global markets) من كتاب Core Concepts of Marketing
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: كيف تؤثر البيئة المحيطة على التسويق العالمي؟
- المقال السابق: أهم الاتجاهات الاجتماعية المؤثرة على عملية التسويق
- النسخة العربية الكاملة لكتاب مدخل إلى التسويق
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.