يمكن موازنة روّاد الأعمال أحيانًا بالأبطال الخارقين، فهم يحلّون المشاكل، ويحملون قوّةً كبيرةً، ومعها مسؤوليّة تماثلها، كما أنّهم مستعدّون لخوض المخاطر، فهم لا يهتزّون في وجه الفشل، ويسعون إلى إيجاد حلول، وتطوير مستمرّ لمنتجاتهم، مع إبقاء عملائهم في الحسبان، لتتجاوز حلولهم احتياجاتهم الفرديّة؛ وحين ينجح رائد الأعمال، يقول الآخرون "لو أنّني فقط فكّرت في ذلك!".
لكنّ التّفكير، والفعل غير كافيين، حيث يدرك روّاد الأعمال ضرورة مشاركة قيمة، وأصل مشروعهم، فهم لا يكتفون بحلّ المشاكل، بل يروون قصص الكوارث الّتي تجنّبوها، والمنافسين الّذين تفوّقوا عليهم، والخسائر المؤلمة الّتي عايشوها، وتعلّموا منها الانطلاق من جديد. ويقدّم سرد حلّ المشكلة مشكلةً محدّدةً تؤثّر على الكثير من النّاس، وتعرض الخدمة، أو المنتج على أنّه حلّ ابتكاري، وفريد، وحكيم.
الرؤية
يعدّ البقاء مركّزًا خلال سلسلةٍ متكرّرة من النّجاحات، والإخفاقات، أمرًا يتطلّب أكثر من مجرّد سرد حلٍّ لمشكلة، فأنت تحتاج إلى رؤية، وبالمقابل بيان مهمّة، وأهداف؛ وقد تعلّمت هذا سابقا في مقال (الرؤية والأهداف الريادية)، لكنّ عليك مراجعتها حين تنوي تطوير قصّتك، وصقل عرضها على المستثمرين المحتملين، والعملاء، والموظّفين. فالعرض هو تقديم رسميّ تطلب فيه شيئًا ما. ويكون موجّهًا عادة إلى المستثمرين في شركةٍ ناشئة.
يمكن تعريف بيان رؤية سارة منقارة على أنّه تمنّي العيش في عالم لا يتعرّض فيه المعاقون بصريًّا إلى التّمييز، فمهمّة مشروعها هي تأسيس منظّمة غير ربحيّة تعمل بكفاءة على إظهار الإنسانيّة، والقيمة في المعاقين بصريًّا إعاقةً شديدةً لسكّان الولايات المتّحدة الأمريكيّة، والشّرق الأوسط، وشمال إفريقيا؛ فالهدف الرّئيس من رؤية سارة، بتخيّل مستقبل المنظّمة طويل الأمد، هو جعلها قائدًا عالميًّا في تقديم الخدمات للمعاقين بصريًّا؛ أمّا الأهداف الخاصّة، فتتضمّن استضافة الأحداث، وتطوير البرامج التّعليميّة، وتنظيم حملات التّوعية، وبالطّبع جمع التبرّعات. وباتّباع هذا المثال عن المهمّة، والرّؤية، والأهداف؛ لنحلّل كلّ مفهوم من المفاهيم الثّلاثة، ونرى كيف تعمل، وتنطبق على مشروعك المحتمل.
يحدّد بيان الرّؤية -كما رأينا- الغرض العامّ، أو ما يريد رائد الأعمال لمشروعه أن يصبح مستقبلًا، وقبل تمكّنك من إنشاء بيان مهمّة مركّزًا، وأهدافًا تجيب عن الأسئلة من أنت؟ وماذا تفعل؟ وإلام تخطّط مستقبلا؟؛ فعليك تطوير بيان رؤيةٍ يتيح لك النّظر إلى المستقبل للإجابة عن السّؤال: "ماذا يمكن أن نصبح إذا صارت منظّمتنا في أحسن نسخة ممكنة منها؟"
تعدّ كتابة بيان الرّؤية تمرينًا على التصوّر، أو توليد الأفكار، وهذه الأخيرة تعدّ عمليّةً هادفةً يفتح فيها المرء عقله لخيوط تفكير جديدة تتفرّع إلى مختلف الاتّجاهات انطلاقًا من غرض محدّد، أو مشكلة، وهي في حالتنا هذه تهدف إلى توليد احتمالات جديدة للمنتجات، أو الخدمات، أو العمليّات الّتي تجلب النّجاح لمشروعك، فبيان الرّؤية أكثر انفتاحًا من بيان المهمّة. الجدول 1.7 يبيّن بياني الرّؤية، والمهمّة لشركة أمازون. لاحظ كيف يختلفان:
بيان الرّؤية، وبيان المهمّة لشركة أمازون
بيان رؤية أمازون | بيان مهمّة أمازون |
---|---|
أن نصبح الشّركة الأكثر تركيزًا على العميل على وجه الأرض، أين يجد العملاء، ويكتشفون أيّ شيء يريدون اشتراءه عبر الإنترنت. | نسعى إلى تزويد عملائنا بأقلّ الأسعار الممكنة، وأفضل الخيارات المتاحة، وأكبر قدر من الرّاحة. |
الجدول 7.1 لاحظ الفروق بين البيانين. بيان الرّؤية يتطلّع إلى المستقبل، وهو أعمّ من بيان المهمّة.
إذا أردت إنشاء بيان رؤية قويّ، فانظر إلى الميدان الواسع الّذي تنشط فيه منظّمتك، وكن عامًّا، وقيّد حلمًا غير ممكن التّحقيق حاليًّا، ولكنّه يعرّف حال مخرجاتكم الجماعيّة في أفضل سيناريو ممكن. فإنشاء بيان رؤية يمكّن منّظمتك -كونها فريقًا- من التعرّف على المجالات الرّئيسيّة للتطوّر المحتمل، والتّأثيرات الاجتماعيّة الرّئيسيّة الّتي يمكنك الحصول عليها؛ لكنّ من المهمّ البقاء مركّزًا على التّغييرات في مجالك، أو قطاعك، وإعادة صياغة بيان رؤيتك، إذا دعت تلك التّغييرات إلى ذلك. شركة نتفليكس، على سبيل المثال، بدأت بهدف تقديم الرّاحة، والقيمة الأقصى للعملاء الّذين يستأجرون أقرص DVD، ولكنّ تطوّر منصّات استهلاك التّسلية فرض عليها هي أيضًا التطوّر، ولهذا تحوّلت إلى بثّ المحتوى عبر الإنترنت، وصار بيان رؤيتها سنة 2019: "الغدوّ أفضل خدمات توزيع التّسلية عالميًّا".
عند صياغة بيان الرؤية، اكتب أسئلة تبدأ بـ: "كيف يمكننا …؟"، أو العبارات التي تبدأ بـ: "في عالم مثاليّ، ستقوم منظّمتنا …"، فصياغة بيان رؤية يتوقّف على أهداف خدمة المنظّمة، ويحوّلها إلى مصلحة اجتماعيّة دائمة (يجب ألا تعِدَ بإحلال السّلام العالمي، أو إعطاء كلّ شخص ألف دولار، ولكن يجب أن تنظر في كيفيّة عمل الشركات في مجالك، وتحلم بتحسين الأداء الإستراتيجيّ، والاجتماعيّ)، وتوفّْر الخطوات الموالية نقطة انطلاق جيّدة:
- اذكر كيف ستعمل مؤسستك في سيناريو الحلم.
- اربط أحلام مؤسستك بآمال أوسع للتقدم.
- حدد كيف ستجعل العالم مكانًا أفضل في المستقبل من خلال منتجاتك، وخدماتك.
لا يجب أن تكون الأحلام جامحةً حتى تكون جذابة، أو واسعة التّأثير، فالغرض من بيان الرؤية ليس تحديد أهدافٍ غير قابلةٍ للتحقيق، بل فتح العقول في المنظّمة. فإذا لم يكن لبيان الرّؤية أساسٌ في الواقع، أمكن تجاهله بسهولة؛ وعلى النّقيض، إذا كان يركّز على حصّة السّوق، وتطوير المنتجات (أي الأشياء الملموسة، والموجّهة نحو المهمّة)، فقدْ فقدَ هدفه. تخيّل أنّ أفضل فريقٍ لديك يبذل قصارى جهده من خلال القدرات، والإمكانيات المستقبلية التي أتاحها رواد الأعمال، والمبدعون الآخرون مثلك؛ ثمّ حدّد بوضوح مدى تأثيرك في تغيير العالم، ومرةً أخرى، الهدف ليس تطوير توقّعات لا يمكن التحكّم فيها، أو المطالبة بالابتكار المستمرّ من الموظّفين، والمساهمين الذين لديهم وظائف تدعم العمليّات اليومية؛ بل هو تطوير محادثة حول ما هو ممكن للمؤسّسة. وبالنّسبة للمؤسّسات الصّغيرة النّاشئة، يمكن أن تكون الرؤية أبسط، على أن تركّز تجربةً فريدةً ترغب في إنشائها لعملائك، أي يجب -بعبارة أخرى- أن يكون بيان الرّؤية طموحًا، مع ارتباط ببيان المهمّة.
يسرد الجدول 2.7 بيانات الرّؤية لبعض الشّركات عبر مجموعة متنوّعة من الصّناعات.
أمثلة عن بيان الرؤية
المؤسّسة | بيان الرّؤية |
---|---|
جمعيّة آلزهايمر | عالم خال من مرض آلزهايمر |
علّم لأمريكا | يومًا ما، سيملك كلّ اطفال هذه الأمّة الفرصة للحصول على تعليم ممتاز. |
المشاع الإبداعي (Creative Commons) |
تحقيق القدرة الكاملة للإنترنت: وصول عالمي للأبحاث، والدّراسات، ومساهمة كاملة في الثّقافة، ودفع عهدة جديدة من التّطوير، والنموّ، والإنتاجيّة. |
واربي باركر | عرض نظّارات المصمّمين بسعر ثوريّ، مع قيادة الدّرب لأعمال تجاريّة واعية مجتمعيًّا. |
آيكيا | لخلق حياة يوميّة أفضل لأكثر عدد ممكن من النّاس. |
الجدول 2.7 بيانات الرّؤية القويّة ذات تفكير تقدّمي.
لا يحتاج بيان الرّؤية إلى الطّول ليكون قويًّا، فمثالنا التّالي يحتوي على خمسة عشر كلمة فقط: "في آيكيا، تتمثل رؤيتنا في خلق حياة يومية أفضل لأكبر عدد ممكن من النّاس"، حيث يركّز بيان الرؤية هذا على ما تأمل آيكيا في تحقيقه، وما يمكن أن يطمح موظّفوها إلى تحقيقه، وهو أشخاص يجعلون الحياة اليومية أفضل للآخرين. لاحظ عبارة "أكبر عدد من النّاس"، هذه عبارة مقصودة، إذ تصنع آيكيا منتجات يتم تسويقها على نطاق واسع، وتختار مواءمة رؤيتها مع المستهلكين المستهدفين، كما لم تتم صياغة بيان الرؤية هذا في إطار سياسيّ؛ بل هو نموذج مثاليّ للعلامة التّجارية العالميّة، ويشير إلى نتيجة إيجابية واسعة النطاق، فبيان آيكيا هو رؤية خالصة تقريبًا، حيث يجب أن يربط بيان الرؤية العمل اليومي للمؤسسة بالمثل الأعلى العالميّ، بدلاً من محاولة رسم خارطة طريق للتنفيذ.
وإلى جانب رؤيتها، تتابع آيكيا ما تسمّيه "فكرتها التجارية"، وهي تنصّ على: "فكرة عملنا هي 'تقديم مجموعة واسعة من منتجات تأثيث المنزل العملية، والمصممة تصميمًا جيّدًا بأسعار منخفضة للغاية، بحيث يتمكن أكبر عدد ممكن من الأشخاص من شرائها"، وهذا أشبه بتهجين القيمة المقترحة، وبيان المهمّة في صياغةٍ واحدة، حيث تشرح القيمة المقترحة بالضّبط ما تفعله منظّمةٌ، أو شركةٌ، ويدفع النّاس مقابلها (أو يساهمون فيها في حالة المنظمة غير الربحية)، وهي نقطة مركزية في أيّ خطوة.
ومن أمثلة بيانات الرّؤية المعقّدة نذكر بيان كوكا كولا، فبالرغم من كونها شركة ناجحة جدًّا، إلّا أنّنا نجد صعوبة في التّفريق بين بيان الرّؤية ،وبيان المهمّة المنشورين على موقعها الإلكترونيّ.
يوضّح الشّكل 7.2 مجموعة كبيرة من البيانات، والتعليقات بعنوان "المهمّة، والرؤية، والقيم" على موقع كوكا كولا الإلكتروني الذي يتضمن أقسامًا عن ثقافة مكان العمل، والتّركيز على السّوق، و"العمل بذكاء"، حيث تغطّي هذه المفاهيم مجتمعةً معظم ما ناقشناه في هذا المقال. لم تتعمّد كوكا كولا هنا إغفال المعطيات المهمّى في صفحة "المهمّة، والرؤية، والقيم". بل ربّما حاولت قول الكثير. ومن الأخطاء أيضًا كيفيّة صياغة هذه الأفكار. وبالنّسبة لشركة مثل كوكا كولا، ذات النّجاح الواسع، والانتشار العالميّ، وبعض لحظات الإعلان الخالدة؛ فإنّ بيان رؤية مثل هذا لا يمكن إلاّ أن يوصف بالميت.
الشكل 2.7: هذا بيان مهمّة، ورؤية، وأهداف كوكا كولا.
حفظ الحقوق: صورة مرخّصة باسم جامعة رايس، OpenStax، تحت ترخيص CC BY 4.0
هذه حالة تقليديّة من "الإخبار بدل الإظهار"، ويمكن القول بأنّ كلًّا من آيكيا، وكوكا كولا، يسعيان إلى تحسين حياة الأشخاص قليلًا تحسينًا يوميًّا، ولكنّ كوكا كولا بجموعة بياناتها تلك، تحاول تغطية كلّ أنواع الرّؤية لكلّ علاقة هامّة، أو كلّ جانب مؤسّساتي يمكن تخيّله، وتملك فوق هذا بيان مهمّة منفصلًا على موقعها الإلكتروني.
رغم أنّ هذا البيان منشورٌ على أنّه بيان مهمّة، إلاّ أنّ صياغته أقرب إلى بيان الرّؤية، إذ جاءت فيها القيمة المقترحة فكرةً لاحقةً في خطاب مؤسّساتي، وكلّ هذا مرتبط برؤيةٍ غامضةٍ لسنة 2020، وما هذا ببيان رؤية فعليّ، بل هو أشبه خاتمة لمحتوى "المهمّة، والرؤية، والقيم"، وليس من الواضح ماذا ينبغي للقيادة، والموظّفين، والشّركاء، والعملاء أن يفعلوا بهذه المعلومات.
تعدّ كوكا كولا إحدى العلامات التّجاريّة الأكثر شهرةً في العالم، ويمكن للشّركة أن تنمو من خلال إنشاء منتجاتٍ جديدةٍ، واستعادة حصّتها في السّوق من المنافسين؛ ومن الضروري إذا راجعت الشّركة بياناتها تلك، أن تحاول التحدّث إلى كلّ المجموعات سالفة الذّكر بصوتٍ واحدٍ، بدلاً من محاولة مخاطبة كلٍّ منها على حدى في بيانٍ واحد.
تختلف صياغة بيان الرّؤية لمشروع رياديّ عن إعادة صياغة بيان رؤية شركة كوكا كولا، فالشركة الناشئة في طور تحديد نفسها، مما قد يجعل إنشاء رؤيةٍ بعيدة المنال أمرًا صعبًا، لكنّ صياغة بيان الرؤية، والالتزامَ به، يُمكن أن يذكّر القادة، والموظّفين بما هم قادرون عليه، وبما يدور حوله سوقهم، لذلك فهي خطوةٌ مهمّةٌ، ويعدّ بيانُ الرؤية الجيّد واسعًا بما يكفي للسّماح لمؤسّستك بالتحرّك داخل سوقها بينما لا تزال تهدف إلى تحقيق بعض الخير في العالم.
المهمة
تعرّفت في بداية هذا المقال على شابّةٍ تسعى لمحاربة الظّلم الاجتماعي، وقد كانت مهمّة منقارةٍ بديهيّةً، حيث جاء ذلك بعد تجربتها في مواجهة الأحكام المسبقة في المجتمع. أي أنّ مهام ريادة الأعمال الأخرى قد لا تكون شخصيّة، أو إيثاريّة؛ لكنّها لا تزال قوّةً تدفع بحماسٍ للبحث عن الحلول، كما رأينا مع منقارة، فغالبًا ما يطوّر روّاد الأعمال فكرة منتجٍ، أو خدمةٍ من خلال تجربةٍ صعبةٍ، أو محبطة؛سواء كانت بسبب ظلم اجتماعيّ، أو غيره.
المهمّة الرّياديّة هي سبب الوجود سواء تعلّق الأمر بشركة، أو بمنظّمة غير ربحية، ويكون التّعبير عنها كمفهوم ذاتيّ في نطاق السّوق، ويتضمن إحساسًا بالعمل، وعند التفكير في مهمّة المشروع، فإنّ الأسئلة المناسبة هي:
- من نحن؟
- ماذا نصنع؟ أو نفعل؟
- لماذا نحن موجودون كمؤسسة في المقام الأول؟
يحدّد الشّعور العالي بالمهمّة ماهية المنظّمة، وما تسعى إلى أن تصبح عليه، فحتّى المنظّمات غير الرّبحيّة تتواجد في الأسواق، لذا فعليها التّنافس على الموارد، وتعريف ذاتها عبر الخدمات الّتي تقدّمها، وتساعد صياغة مهمّة واضحة المنظّمة غير الرّبحية على الحصول على التّمويل؛ أمّا في عالم الرّبح، فهي تساعد الروّاد في الشّرح للمستثمرين، والعملاء، والموظّفين لماذا "ذلك الشيء الخاص بهم" -أيّا كان- يستحقّ الإنجاز.
على سبيل المثال، لدى منظّمة الصّليب الأحمر الأمريكيّة، وهي إحدى أقدم، وأشهر منظّمات الإغاثة في الولايات المتّحدة، بيان مهمّة محدَّدًا للغاية: "يمنع الصّليب الأحمر الأمريكيّ، ويخفّف من المعاناة الإنسانيّةِ في مواجهة حالاتِ الطّوارئ من خلال حشد القوّة من المتطوّعين، وكرم المانحين". ويعدّ تحديد مهمّةّ المنظّمة بوضوحِ، وبشكلٍ خاصّ، أمرًا ضروريًّا للنّجاح.
فبيان المهمّة هو تعبيرٌ واضحٌ عن سبب وجود المؤسّسة الّذي يحدّد هدفها الأساسيّ طويل الأمد، وغالبًا ما يتضمّن خطّة عملٍ مختصرةً لكيفية الوصول إلى هذا الهدف، ويصاغ بيان المهمّة عبر الإجابة عن الأسئلة السّابقة:
- من نحن؟
- ماذا نصنع أو نفعل؟
- لماذا نحن موجودون كمؤسسة في المقام الأول؟
يؤدّي تطوير بيان مهمّة فعّال، والالتزامُ به، إلى وضع أعضاء أيّ مؤسسة على صفحة واحدة، ويبلّغ الشّركاء، والمستهلكين المحتملين أنّ مؤسّستك تعرف إلى أين تتّجه، حيث يمكن مراجعة بيانات المهمّة، ولكن من الأفضل تنفيذها بشكل صحيح في البداية، ويساعد بيان المهمّة القويّ أصحاب المصلحة في تحديد أولويّات خطوات عمل الكيان، ويجب أن يوجّه القرارات.
عندما يتعلق الأمر بصياغة بيان مهمّةٍ فعّال، فإنّ الوضوح هو المفتاح، إذ يجب أن يكون البيان محدّدًا، وغالبًا ما يكون ما يُترك خارج بيان المهمّة، بنفس أهميّة ما يكتب فيها، فبيان المهمّة الجيّد يكون مركّزًا، ومباشرًا، وصادقًا، حول السّوق المعنيّة، وكذا حول قدرات المنظّمة، وإمكانيّاتها؛ كما يحقّق التّوازن الصّحيح بين التّطبيق العمليّ، والأمل. لدى باتاغونيا على سبيل المثال، وهي شركة ملابس خارجيّة، بيان المهمّة المقنع التّالي: "باتاغونيا: نصنع أفضل منتج، ولا نسبّب أيّ ضرر غير ضروريّ، ونستخدم التّجارة للإلهام، وتنفيذ حلول الأزمة البيئيّة."
قد يقول بيان المهمّة غير المناسب ما يلي: "في شركة الألعاب الفلانيّة، نصنع أفضل الألعاب الخشبية التي يمكن أن يشتريها المال، ومهمّتنا هي الاستمرار في النموّ لنكون رائدين في السوق في صناعة الألعاب الكلاسيكيّة"؛ أمّا بيان المهمّة الأفضل فهو: "شركة الألعاب الفلانيّة هي شركة رائدة في السّوق في صناعة الألعاب الخشبية في الشّرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وتتمثل مهمّتنا في قيادة السّوق العالميّ في مجال تصنيع الألغاز الخشبية، والسيّارات الخشبية، وخدمة العملاء بإصدارات جديدة من الألعاب الكلاسيكيّة"، فكلا البيانين يترك مجالا للنموّ، لكنّ الثّاني يحدّد بدقّة أكبر ما هي المنظّمة، وإلى أين تتّجه على المدى الطّويل.
يجب أن يمتنع بيان المهمّة عن استخدام العبارات المبتذلة، لأنّها تقيّد الرّؤية المحدّدة، والفريدة للمشروع، كما لا ينبغي أن يحدّ البيان من الابتكار، أو الإبداع، ويجب أن يشير إلى المستهلكين، أو العملاء.
لإنشاء بيان مهمّة قوي، ابدأ بتحديد ماهية المنّظمة، فحتّى في شركة ناشئة، لديك حلّ أساسيّ للمشكلة، وفكرة عمّا سيكون عليه المنتج، وبالتّالي العلامة التّجاريّة. فقط كن محدّدًا عند تعريف سبب وجود مؤسّستك دون الحدّ من سبل النّموّ، وضمّن، أو وارِ مهمّة الخدمة في المهمّة الأوسع، فعلى بيان المهمّة التّعبير عمّا يلي بشيء من التّفاؤل:
- حدّد من أنت.
- حدّد ما تفعله الآن، ولمن.
- حدّد ما تريد القيام به في المستقبل.
قد تتغيّر المهمّة تغيّرًا كبيرًا في المراحل المبكّرة، لذا فلا ينبغي صياغة بيانات المهمّة بطريقة تحدّ من قدرة المؤسسة على التحوّل، بمعنى تغيير قيمتها المقترحة لتحقيق تناسب أكبر بين المنتج، والسّوق؛ وبينما لا ينبغي نبذ التّغيير، لا تراجع، وتغيّر بيان المهمّة إلاّ إذا كان ذلك ضروريًّا ومفيدًا، فعادةً ما تقوم الشّركات، والمؤسّسات بتغيير بيان مهمّتها عندما تقوم بتحوّل كبير، إمّا بسبب الاستحواذ، أو التحوّل إلى سوق آخر، أو تطبيق إستراتيجيّة نموّ جديدة، وما إلى ذلك؛ وإمّا لتغيّر الغرض منها تغيّرًا كبيرًا.
على سبيل المثال، تأسّست منظمة مسيرة الدّايمز (The March of Dimes) في الأصل لخدمة المصابين بشلل الأطفال، ولكن مع نجاح لقاحات شلل الأطفال، والقضاء على المرض في الولايات المتحدة، غيّرت The March of Dimes مهمّتها للتّركيز على منع التشوّهات الخلقيّة، والولادة المبكّرة، ووفيات الأطفال. وفي مثال آخر، تأسّست سلاك (Slack)، وهي شركة ناشئة بتمويل رأس المال الجريء، وطُرحت منتصف 2019 للاكتتاب العام، وجاء تأسيسها على أنّها منصّة لمطوري الألعاب عبر الإنترنت للتعاون، ففشل المشروع الأصلي (مرتين)، لكن لاحظ المؤسس أنّ مهندسيه استخدموا الأداة للتّعاون السّريع، ولم يحتاجوا إلى بريد إلكتروني، أو وسائل تواصل أخرى من ميكروسوفت ويندوز، وبهذا نشرت سلاك بسرعة هذا التّغيير، عبر بيان مهمّة بسيط: "سلاك هو المكان الّذي ينساب فيه العمل، والمكان الّذي يجمع النّاس الّذين تحتاجهم، والمعلومات الّتي تتشاركها، والأدوات الّتي تستخدمها معًا لإنجاز المهامّ."
ثمّة شيء واحد يجب أن يكون واضحًا، وهو أن الغرض من المنظّمة ليس الإتيان ببيانات مهمّة، ورؤية أفضل؛ إنّما الغرض منها هو تقديم قيمةٍ للأشخاص، ومحاولة الحصول على أموال، أو دعمٍ أثناء ذلك؛ والهدف من صياغة بيانات المهمّة، والرؤية، هو مساعدتك على تحقيق هذه الغاية، وباختصار يمكننا القول أنّ بيان رؤيتك هو حلمك، وبيان مهمّتك هو استراتيجيتك في سوق العالم الحقيقيّ، فالرّؤية هي عبارة عن بيانٍ حول سبب أهميّتك كمنظّمة، مع نظرةٍ إلى ما ستصبح عليه في المستقبل؛ في حين أنّ المهمّة هي عبارة عن بيان حول أولئك الذين قد يخدمهم المشروع. سيساعدك تنقيح هذه البيانات على توضيح قصّة ريادة الأعمال الخاصة بك.
الأهداف
تحتاج المنظّمة إلى تسطير أهداف محدّدة لمنتجاتها، وخدماتها لتحافظ على فائدتها، إذ يجب تحديد الأهداف بعبارات دقيقة مناسبة للسّوق، فعلى سبيل المثال، يحتاج مطعم إيطالي فاخر جديد في شيكاغو إلى هدف أوليّ حول كيفيّة جذب عملاء جدد، والاحتفاظ بهم بناءً على رؤيته، ورسالته، مقارنة بما هو متاح بالفعل، فربما لا يكون الهدف الأوليّ لشركة جديدة هو سحق كلّ المنافسة، والاستيلاء على مركز احتكار؛ وبدلاً من ذلك، قد تأمل في الحصول على نسبة من حصّة سوق منافس قريب، أو إنشاء منتجٍ جديدٍ للوصول إلى سوق متخصّصة، ففي هذه الحالات، تسطّر الأهداف على أنّها نتائج محدّدة لجذب عملاء المنافسين. أو إنشاء فئة جديدة، كما في مثال سبانكس أين أنشأت صاحبتها نوعًا جديدًا من الجوارب النّسائيّة الطّويلة.
لولوليمون اثليتيكا (Lululemon Athletica) هي شركة رائدة في الملابس الرّياضيّة النّسائيّة، وهي من النّوع المركّز على العملاء، وقد احتاجت مؤخرًا إلى إلى أهدافٍ جديدةٍ للنموّ، بحيث تتّسق مع مهمّتها: "إنّ الإدارة عازمةٌ على زيادة أرباح الشّركة إلى 4 مليارات دولار بحلول عام 2020، وهذا يتضمّن تنمية نشاطات مساهمةٍ صغيرةٍ عادةً إلى أعلى مستوى، مثل: التّجارة الرّجاليّة، والدّوليّة، والرّقمية."
قد تكون الأهداف تكتيكيّة على المدى القصير أيضًا، لكن يجب أن تكون معقولةً، قابلة للتّحقيق، ومتأثّرة بالفهم الدّقيق للسّوق، والمنافسة، فلا شيء يعيق النّمو، ويصعّب الطريق لتحقيق رؤيتك بشكل أسرع أكثر من تحديدك لأهداف غير قابلة للتّحقيق، وإلزام أعضاء المنظّمة بمعايير مستحيلة؛ وبدلاً من ذلك، حدّد أهدافًا "ذكيّة" حسب نموذج سمارت SMART الّذي ناقشناه في مقال الرؤية والأهداف الريادية. وهي الحروف الأولى من كلمات تصف الأهداف.
هل من المعقول أن تسعى شركة صابون طبيعيّ إلى الحصول على 1.5% من حصة السّوق العالمية بعد عامين من التأسيس؟ لنفكّك الهدف لتقييم مدى اتباعه لنموذج SMART، يعدّ محدّدا لأنّه يذكر مبلغًا مستهدفًا بوضوح ( 1.5%) من سوق محدّد (السّوق العالميّة للصّابون الطّبيعيّ)، وحصّة السوق قابلة للقياس، إذ يمكننا افتراض أن هذا هدفٌ يمكن تحقيقه لشركتنا التخيّليّة النّاشئة، لكن هل هو ملائم؟ دائمًا ما يكون الحصول على حصة في السوق أمرًا ملائما لأنه يترجم إلى أرباح قصيرة الأجل، وإمكانية تحقيق أرباح مستقبلية في نفس الوقت؛ أمّا الهدف فكما هو مذكور في الوقت المناسب (في غضون عامين). وبالتالي، هذا هدف يتبع نموذج SMART.
أهداف SMART ليست ضمانًا للنجاح، فقد تكون مخطئًا بشأن ما إذا كان الهدف قابلا للتّحقيق على سبيل المثال، أو قد تفشل في قياس النّتائج بشكل صحيح، وقد لا تكون فكرتك محدّدة جيدًا، أو فريدةً كما كنت تعتقد؛ ومع ذلك، فمن الأفضل بكثيرٍ تحديد الأهداف، مع وضع كل هذه العوامل في الحسبان بدلًا من ممارسة التفكير بالتمنّي، أو تحديد أهداف مجرّدة، والأمل في الوصول إلى معايير العمل عن طريق الحظّ.
أََدركْ أنّ تحديد هدف SMART هو تكتيك لإنجاز الأشياء على المدى القصير، إذ يمكنك وضع العديد من الأهداف القابلة للتحقيق على مدى عدة أسابيع، أو أشهر، وبناء طريقك إلى خطّة عمل معقّدة، وواقعيّة، ويحتوي على سبيل المثال قالب خطّة العمل من إدارة الأعمال الصّغيرة SBA على أحد عشر قسمًا أساسيًّا، وعلى مخطّط تفصيليّ فارغ مكون من 35 صفحة، فإذا وضعت هدف SMART لتحقيقه عن كلّ قسم أسبوعيًّا، فإنّك بعد ثلاثة أشهر ستمتلك خطّة عملٍ شاملة.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Telling Your Entrepreneurial Story and Pitching the Idea) من كتاب Entrepreneurship.
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: كيف يشارك رائد الأعمال قصته الريادية
- المقال السابق: استخدام العمليات الرشيقة في حل المشاكل الريادية لرائد الأعمال
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.