في إحدى الأجزاء الفقيرة من جزيرة باهاما الكبرى وبعيدًا عن الشاطئ والمناطق السياحية، هناك مساحات شاسعة من الأراضي البائسة والتي تضم منازل شبه مدمَّرة وأكوامًا من الحديد وأحجار البناء.
هذا ما ظننته للوهلة الأولى، ولكن الواقع كان مختلفًا تمامًا.
يحصل كل مواطن باهاماني بعد ولادته مباشرة على قطعة من الأرض، وبدءًا من تلك اللحظة وحتى يدخل عامه الثامن عشر، يقدّم الأهل والأقارب في كل عيد ميلاد بدلًا من الهدايا وما شابهها، مواد البناء بدءًا بالإسمنت وأحجار البناء مرورًا بحديد التسليح والخشب وانتهاءً بطلاء الجدران. تُجْمع هذه المواد في مكان آمن وجاف إلى أن يصبح الفرد قادرًا على رصف أحجار البناء الواحدة فوق الأخرى، فيذهب إلى ذلك المكان في كل عيد ميلاد ليبني جزءًا يسيرًا من منزله المستقبلي. وعندما يصل الفرد إلى سنّ الثامنة عشرة يكون مستعدًا للانتقال من بيت والديْه إلى البيت البسيط الذي بناه بيديه.
إنّه واحد من التقاليد المدهشة والملهمة والجميلة(*)، ولكنني أظنّ أنّني أرى أمرًا محزنًا ومثيرًا للشفقة، قبل أن أعرف حقيقة ما كنت أنظر إليه.
أحيانا، هذا هو ما يحصل بالضبط عندما ينظر الأشخاص المقرّبون منك بنفس الطريقة إلى شركتك الناشئة وهي تتطوّر وتتقدّم، فهم لا يفهمون ما يجري بالفعل؛ ولهذا السبب فإنّهم ينظرون إلى شركتك الناشئة على أنّها ركام من الأشياء غير المهمّة، بدلًا من النظر إليها على أنّها أساس لشيء عظيم في المستقبل. فهم يرون أن فريقًا مكوّنًا من شخصين (أنت أحدهما) يعملان في غرفة المعيشة ما هو إلا علامة على فشل المشروع أو انهياره بدلًا من كونه إحدى المراحل الطبيعية التي تمرّ بها أي شركة في العالم.
لا بأس في أغلب الأحيان أن لا يتفهّم الآخرون طبيعة عملك، فلو كان هؤلاء الأشخاص هم أصدقاء تربطك بهم علاقة سطحية ولا تلتقي بهم إلا في الحفلات، فيمكن حينئذٍ أن تتجنب الحديث معهم حول العمل. ولكن المشكلة هي أن يكون هؤلاء الأشخاص هم عائلتك أو أصدقاؤك المقرّبون، والذين ترغب في أن يدركوا ما تقوم به بدلًا من إظهار التعاطف، فذلك لن يجدي نفعًا وقد تشعر فيما بعد بأنّك تثير شفقتهم وتستجدي عاطفتهم.
ستجد نفسك وحيدًا عندما تبدأ العمل على شركتك الخاصة فلا أحد يتفهّم ما تقوم به؛ لذا فمن الضرورة بمكان وجود أشخاصٍ يتفهّمون طبيعة عملك، وهنا تظهر إحدى أكبر فوائد الانخراط في إحدى مجموعات الشركات الناشئة المحلية في بداية مشوارك. ليس بالضرورة أن تكوّن شبكة واسعة من العلاقات، بل المهمّ أن تعثر على أصدقاء يمكنك الوثوق بهم، على أن يكونوا قادرين على رؤية الإنجازات وليس النواقص فقط.
قد تجد صعوبة في أن تشرح للآخرين (والديك، زوجك/زوجتك، أصدقاءك المقربين) طبيعة عملك، ولحسن حظّي فإنّ والدي وزوجتي قد أنشأ كل منهما عددًا من الشركات من قبل، وقد تمكّنت من جذب أحد أصدقائي إلى عالم الشركات الناشئة إلى جانبي؛ لذا لم أواجه صعوبة تذكر في هذا الصدد، ولكنّي رأيت الكثير من مؤسسي الشركات الذي واجهوا الكثير من الصعوبات ولم يلقوا آذانًا صاغية لدى أقاربهم وأصدقائهم.
إنْ أبدى شخص اهتمامه بالأمر فيمكنك أن تشرح له القصة الحقيقية، كما فعل معي من أخبرني بحقيقة المنازل الباهامية. وإن كانوا يرغبون بالقراءة عن الموضوع فيمكنك أن ترسل إليهم كتاب Jessica Livingstone والذي يحمل عنوان Founder’s at Work. تبيّن Jessica في هذا الكتاب - بأسلوب رائع - أن جميع المنازل الجميلة قد بدأت بكومة من أحجار البناء والإسمنت، وهي إحدى مراحل عملية بناء المنزل وليست مشكلة على الإطلاق، ولكنّنا غالبًا ما نكون غير قادرين على رؤية عملية البناء.
(*) أدركت مؤخّرًا بأنّ هذا التقليد قد بدأ بالزوال بسبب المخاطر الحقيقية التي تواجهها هذه المنازل غير النظامية - التي بناها أشخاص غير متخصّصين في البناء - نظرًا لوقوعها في منطقة الأعاصير. آخر زيارة لي لتلك المنطقة كانت سنة 2000، وآمل أنّهم قد وجدوا طريقة للمحافظة على هذا التقليد دون التفريط في السلامة والأمان.
ترجمة - وبتصرّف - للمقال Half-built houses and doing something people don’t get لصاحبه Rob Fitzpatrick.
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.