إن إنشاء شركة جديدة هو بلا شك فعلٌ أناني، إنه يستهلك كل لحظة من حياتك لفترة قد تمتدّ طيلة السنوات العشرة القادمة، إنه عملٌ يتسم بتحدي واستفزاز المنافسين وتحدي الوضع الراهن، وهذا يتناسب تمامًا مع سن العشرينات المفعم بالشباب، الذي يصعب إحباطه، والذي ليس لديه مسؤوليات مادية أو اجتماعية، لكن لنأخذ في الاعتبار أنه ليست كل الأفعال الأنانية أفعالاً سيئة.
إن الشباب في سنهم الصغيرة قد يتخيلون أنهم بارعون للغاية في فنون مثل التطوير، التصميم، ومهارات البيع، وذلك لأنهم يحسنون القيام بها بشكل فردي، وقد كنت أظن كذلك أنا أيضًا، لكن ينبغي من توضيح أن إتقانهم لهذه المهارات لا يعني أنهم قادرين على بناء فريق من 75 مهندسًا يمكنه إنجاز المهام والحفاظ على التوازن في ذلك بين الكفاءة والسرعة، ولا على بناء فريق مبيعات عالمي يقوم بوظائفه بناء على مبادئ محددة وليس على مجرد الإلحاح في البيع، ولا على بناء علامة تجارية لها معدل نجاح ثابت وصدى في السوق وعملاء دائمين، ولا أن يديروا تدفقات مالية يكون فيها الربح والخسارة بالملايين.
هناك جملة يحبها المؤسسون الشباب كثيرًا –وغالبًا ما يلجؤون إليها كحل يتلخص في تفويض المهام- ألا وهي: "سأنفذ هذه المهمة بنفسي، ثم سأستوعبها جيدًا، حتى إذا توفر لي المزيد من المال، سأكون بالخبرة الكافية لأوظف شخصًا ما أعلمه ليقوم بها بدلاً مني."
وهذا بالضبط هو ما قمت به عندما كنت شابًا صغيرًا وساذجًا، وألاحظ تكرار نفس هذا النمط كثيرًا، رغم كونه نمطًا خاطئًا.
مشكلة هذا النمط من التفويض هو أنه ينتج فريقًا لا يختلف ولا يتميز عن مؤسس الشركة، في أي شيء، الأمر الذي يعيق تطور الشركة بشكل كبير، وللأسف فهذا النمط متكرر.
لكن في الحقيقة يعتبر هذا الأمر أحد أوجه القاعدة العامة التي تقول أنك إذا ظننت أن دورًا ما في الشركة ليس ذا أهمية، فإن ذلك يحدث لأنك لم ترَ في الحقيقة عظمة وأهمية هذا الدور.
عندما تبحث عن شخصٍ ما لتقوم بتفويض المهام إليه، ستقودك غريزتك للبحث عن شخصٍ يعرف ما تعرفه أنت، ويتقن ما تتقنه أنت، وبهذه الطريقة فلن تجد في بحثك هذا أي عظمة أو براعة، وكل ما ستجده هو نسخة مكررة منك أنت شخصيًا، والتي بطبيعة الحال ليست على درجة من الإتقان لكل شيء، وسوف يكون لديه نفس مستوى الأداء الذي أنت عليه. حيث أن كونك مؤسسًا للشركة يطلب منك أن تقوم بالوظيفة المقابلة تمامًا لذلك، ألا وهي أن تؤسس منظمة يكون كل شخصٍ فيها مبدعًا في عمله ومُلهِمًا للآخرين، بل إن الأمر أكبر من ذلك، حيث أن وظيفتك هي أن توظف أشخاصًا أفضل منك في كل منصب في الشركة، لأن حينها فقط ستزداد شركتك قوة وكفاءة.
تتفاقم هذه المشكلة كلما كبُرَ حجم الشركة أو المنظمة، لأن في هذا الوقت يصبح الهدف أكبر من تحقيق نجاح شخصي لمؤسس الشركة، بل هو القدرة على بناء فرق عمل تستطيع تطوير نفسها بنفسها وتُحقّق النّجاح والعظمة بنفسها، وتتكرر هذه المشكلة بشكل كبير، لذلك يجب أن نوضح أن دور مؤسس الشركة ليس المثابرة والسعي وراء تحقيق مجدٍ شخصي له هو، لكن دوره الحقيقي هو أن يؤسس فرقًا تقوم بهذا الدور للشركة ككل، وهذا هو أفضل تعريف ممكن لمصطلح "بناء فرق العمل".
الخلاصة: أن تفويض المهام يختلف تمامًا عن بناء فريق العمل، ومن ثم فإنه لا يؤدي لا إلى النجاح وإلى النّموّ والتّطور.
إن نجاح شركتك سيتطلب منك أن تتخلى بعض الشيء عن صفة الأنانية بداخلك وتستبدلها بصفة أخرى وهي القدرة على تمكين الآخرين ودعمهم، ولاحظ الفرق التالي: "التفويض" يعني أنك لا زلت تملك القرار لكن شخصًا ما يقوم بالعمل من أجلك، أما "بناء الفريق" فيعني أنك تثق في قدرة الفريق على حمل مسؤولية المهمة أو القرار، وأن لديهم التزامات معينة بسبب هذه المسؤولية، وأنهم قادرون على تنفيذ المهمة بكل تفاصيلها، ومسؤولين في النهاية ليس عن تحقيق النتائج المرجوة فقط، بل ويرفعون سقف ما يرغبون في تحقيقه.
وبهذه الطريقة تستطيع أن تحقق نجاحًا حقيقيًا في شركتك، حيث أن التفويض يجعلك توكل مهامًا صغيرة للآخرين لتظهر أنت بمظهر بطولي، لأنها ستصب في رصيد نجاحاتك في النهاية، لكن في هذه الحالة لا تزال أنت صاحب القرار الأخير وتمثل عنق الزجاجة بالنسبة لأي قرار أو تطوير في الشركة، حتى ولو جعلت عنق الزجاجة هذا أوسع قليلاً، أما عملية بناء الفريق فهي تعني عدم وجود عنق زجاجة من الأساس، لأن الفريق لن يحتاج أن يضع لطموحاته حدودًا، وفي الحقيقة فإن فريق العمل الناجح هو الذي لديه القدرة على معرفة سقف طموحاته ثم التخطيط للوسائل والتوقيتات اللازمة للرفع من هذا السقف للحد الذي يريدون.
وبهذه الطريقة أيضًا تستطيع أن تقلل من نسبة المخاطرة في شركتك، والانتقال بها من حالة الجمود والبيروقراطية إلى حالة المرونة والاستقرار، لأنك إذا اعتمدت على التفويض فقط؛ فستجد أن نقص فرد واحد من الفريق –بسبب المرض مثلا- يؤدي إلى تعطيل العمل والتأخر في أداء المهمة أو إلى عدم تنفيذ الاستراتيجية في حال خروج عضو من فريق العمل. أما عندما تؤسس شركتك على أسس "بناء فريق العمل" فيصبح لديك مرونة أكثر في أداء المهام، وإذا اختفى أحد أعضاء الفريق للمرض أو لغيره سيستطيع باقي الفريق التعامل مع هذا النقص كما ينبغي وتسليم المهام في موعدها.
اللحظة التي تُدرك فيها جيّدًا هذا المفهوم وستوعبه هي اللحظة التي تُدرك فيها بأنها قاعدة تُطبّق على الجميع بما فيهم أنت.
من السهل نسبيًا على المُؤسس الشّريك ذي التّوجّه التّقني أن يعترف أنه ليس بالمهارة الكافية لتأسيس فريق مبيعات يعمل بشكل عالمي، لكن هل سيتقبل حقيقة أن -رغم إتقانه لوظيفة معينة- فإنه لا يزال مسؤولاً عن توظيف أشخاص لديهم من المهارة أكثر مما لديه؟ وليس فقط في المهام الفردية، بل أيضًا في مهارات بناء فرق العمل؟
وهنا سيسأل أحدهم قائلاً: ألا يعني هذا في النهاية أن مهمة المدير ستكون إدارة مجموعة من الأفراد ذوي مهارات أفضل من مهاراته شخصيًا على أداء تلك المهام؟ أليس هذا صعبًا؟ فكيف ستستطيع أن تتناقش مع فريق كهذا؟ وكيف ستستطيع أن تكسب ثقتهم واحترامهم؟
والإجابة: نعم، هذا هو المقصود بالفعل، وهو ليس سهلاً على الإطلاق، ولكن هذه هي مهمتك كمدير، لأن ما دون ذلك لن يؤدي إلا إلى تدهور الشركة شيئًا فشيئًا.
ومن هنا أقول لك ابدأ من الآن في التخلي عن أنانيتك التي منشؤها في الأساس هو رغبتك في أن تؤسس شركة وتكون أنت مديرها، وتحلَّ بصفاتٍ أخرى مثل الدعم المستمر لفريقك، والسعي للنجاح كفريق ليس كفرد، ومواجهة التحديات بشكل جماعي، مع مراعاة أن هدفك الأساسي هنا ليس أن تكون الأكثر علمًا والأكثر خبرة، لأنك ستكون قد أحطت نفسك بمجموعة من البارعين القادرين على تحقيق النجاح معك وبك.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Scaling by “delegation” isn’t good enough لصاحبه: Jason Cohen.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.