في عطلة أسبوع الرّابع من يوليو سنة 1970، بدأ كيسي قاسم برنامجه الإذاعي آميريكان توب 40 الذي شغّل فيه أغاني من قائمة أفضل 100 أغنية حسب مجلّة بيلبورد Billboard. وما بدأ مجرّد تجميعيّة مرتّبة تنازليًّا من الأغاني الأكثر شعبيّة، انتهى بعد تسع وثلاثين سنة في عطلة أسبوع الرّابع من يوليو سنة 2009. عندها ودّع قاسم مستمعيه، شاكرًا أولئك الّذين عملوا معه. "لا يحصل النّجاح في معزل. وما جودة المرء إلاّ بجودة من يعمل معهم، ومن يعمل لصالحهم، وأنا كنتُ محظوظًا لأعمل مع ولصالح الأفضل على الإطلاق."
بل يتحقّق النّجاح الرّيادي بفضل من يحيطون برائد الأعمال. وفكرة أنّ العمل الجماعيّ يؤدّي إلى النّجاح الفرديّ واضحة جليّة في الكثير من المجالات، فالكثير من المهاجمين المحترفين في كرة القدم مثلًا سيخبرونك أنّهم يعتمدون على صنّاع اللّعب للتّسجيل، وأولئك يعتمدون على قاطعي الكرات، وإلاّ فلن يصنعوا فرصًا من دون استلام الكرة؛ كما يحتاج الجرّاحون إلى الممرّضات وأخصائيّي التّخدير؛ ويحتاج الطيّارون إلى طواقم عمل وطواقم صيانة ممتازة لأداء مهامهم كما يجب.
في الواقع، لا أحد يعمل وحيدًا. وفي مجال ريادة الأعمال، فستتمتّع برفاهية البحث، والتّدقيق، واختيار فريقك بنفسك (الشّكل 3.12). فالنّجاح الرّياديّ يعتمد على من تضع في فريقك، ومن تستثني منه. ولذا سنناقش في هذا المبحث المستشارين، والفرق متعدّدة الوظائف.
الشكل 3.12: بناء الفريق المناسب شأن مفصليّ. حفظ الحقوق: تعديل على "Achievement American Analysis" من "rawpixel/Pixaby، تحت ترخيص CC0
المستشار الأول: المحاسب
من أهمّ القرارات الّتي يتّخذها صاحب العمل قبل البدء في مشروع جديد هو تعيين محاسب جيّد (الشّكل 4.12)، فعلى الشّركة ومالكيها أن يكونوا في حالة مالية سليمة، وإلاّ فستواجه الشّركة خطر الإقفال نتيجة الصّعوبات الماليّة. وتمامًا كما يتعلّم الأطبّاء تشخيص المشاكل الصحيّة من الأعراض، يتعلم المحاسبون علاج الأعراض والمشاكل المالية الّتي تواجهها الشّركة، وكما يستطيع الأطباء تحديد حالة الجنين قبل ولادته، فكذلك يمكن للمحاسبين تحديد الحالة الماليّة للشّركة قبل بدئها.
الشكل 4.12: عمل المحاسب المحترف أصل قيّم في كلّ شركة. حفظ الحقوق: تعديل على الأرقام والمالية "Numbers And Finance" من "reynermedia" / Flickr، تحت ترخيص CC BY 2.0
يكون التّاريخ الماليّ الشّخصي لرائد الأعمال في المراحل المبكّرة من التّخطيط لنشاط تجاريّ، هو الصّورة الماليّة الوحيدة الّتي يمكن للمستثمرين، والمقيّمين، والباعة، والدّائنين مراجعتها. وعليه فمن المهم امتلاك سجلٍّ ماليٍّ جيّد قبل الاقتراب من أيٍّ كان ومحادثته بشأن افتتاح شركة جديدة. فالتّاريخ الماليّ الجيّدة يضفي صبغةً من المصداقيّة في صاحبه، ويجعله أهلًا للثّقة. بل ويوثّق استطاعته على اتّخاذ القرارت الماليّة المناسبة. وزيادةً على هذا، فاستعداد رائد الأعمال لأن يطّلع الآخرون على تقاريرهم الماليّة يوحي للمهنيّين الآخرين بأنّ رائد الأعمال هذا على أتمّ الاستعداد لكشف جانب شخصيّ حسّاس منه، هو إدارة المال.
تعيين محاسب متميّز سيساعد أيّ مالك أعمال صغيرة على تسطير العمليّات المناسبة لتتبّع العمليّات النّقديّة، وتسجيل النّشاطات الماليّة. ويساعد المحاسبون في إنشاء الحسابات الأوليّة الشّكلية Pro forma، وهي تقرير ماليّ يظهر مقدار وكيفيّة تجميع الأموال وإنفاقها في المراحل الأولى من حياة الشّركة. تكون الكثير من الأرقام المستخدمة في بيان المداخيل حسابات أوليّة شكليّة، أي مجرّد تخمينات. لكنّها مبنيّة على معطيات تاريخيّة في الصّناعة أو السّوق.
قد يكون توثيق خدمة الديون (الّتي سنشرحها لاحقًا) والتّكاليف الثّابتة مهمّة سهلة، لكنّ توقّع المبيعات المستقبليّة مع احتساب التّكاليف المتغيّرة هو أمر معقّد بلا شكّ، وغالبًا ما تعتمد الموافقة على طلبك قرضًا لاستئجار مبنى مثلًا على التوقّعات الصّحيحة والسّلمية لمبيعاتك وتكاليفك المستقبليّة. يميل وروّاد الأعمال دومًا إلى المبالغة في تقدير المداخيل، والتّقليل في تقدير التّكاليف، لهذا فالمحاسب هو من يعيد تفكير رائد الأعمال المتمنّي إلى أرض الواقع، ويحافظ على مصداقيّة توقّعات المداخيل والتّكاليف.
لا بدّ -كما تعلم- من ضبط مدفوعات الضّرائب في وقتها. وخاصّةً ضرائب الرّواتب. ذلك أنّ التّأخّر عن دفعها يؤدّي إلى غرامات كبيرة ومكلّفة. كما أنّ ضرائب الدّخل السّنوي للأفراد، أو الشّركات، سواءً كانت ملكيّةً فرديّةً، أو مشتركة، أو منظّمة، فكلّها حسابات معقّدة. ويزيدها تعقيدًا التغيُّر الدّائم لقوانين الضّرائب. لكنّ المحاسب الجيّد يدرك كيف تؤثّر تلك التّغييرات في الشّركة، وكيف على الشّركة التفاعُل معها، كما تُعَدّ عمولة المحاسب عادةً أقلّ من أيّة غرامة أو ضريبة تقرّرها لجنة الضّرائب.
وبالإضافة إلى متابعة الشّروط الضّريبيّة، يمكن للمحاسبين المساعدة في التعرّف على التوجّهات في السّاحة الماليّة. إذ يركّز الكثير من مالكي الأعمال الجدد على ربح الشّركة بدل التّركيز على التدفّق النّقديّ. على أنّ هذا الأخير يُعَدّ أهمّ وأوقع أثرًا على الشّركة الجديدة، ويشمل التدفّق النّقدي cash-flow المال الّذي تجمعه الشّركة من المدخول والتّمويل مقابل المال الّذي تصرفه على النّفقات. وبعبارة أبسط، يمكن القول أنّ التدفّق المالي هو الفرق بين المال الدّاخل والمال الخارج.
صحيح أنّ الرّبحية قد تتأثّر بتهالك الموارد، ويمكن للمحاسب تطبيق قواعد إهلاك مختلفة لتخفيف الضّرر على الأرباح وتقليل الضّرائب. ولكنّ على الشّركات المحافظة على تدفّق نقديّ موجب لدفع متطلّباتها الأسبوعيّة أو الشّهريّة. ومع أنّ برامج المحاسبة الحاسوبيّةَ يمكنها بسهولة إنشاء تقارير التدفّق النّقديّ، إلاّ أنّ تكلفة تعيين محاسب محترف تضمحلّ موازنةً بالمال والوقت الّذي على مالك الأعمال صرفهما في شراء تلك البرامج وتحديثاتها، وتعلّم كيفيّة عملها.
عندما تحتاج شركة صغيرة إلى التوسع، أو إجراء تحسينات رأسمالية capital improvements، أو إصلاحات وتحسينات كبيرة؛ فستُطيل عمر أحد أصولها إمّا عبر تعديل استدامته، أو رفع قيمته، أو إنتاجيّته، أو تمديد فائدته. وقد يكون من الضروري وقتها الحصول على قرض، وعندها تطلب البنوك أو على الأقلّ تتوقّع من الشركة امتلاك خدمة محاسبية احترافية لإعداد وتقديم الإقرارات الضريبية، لأنّ غياب المحاسب المحترف المحايد الّذي يراجع الوضع المالي قد يشير إلى المقرضين بأنّ هذه الشّركة عالية المخاطر. ولهذا فسيمتنعون غالبًا عن إقراضها. وهكذا تتعطّل مساعي التوسّع أو تتوقّف، لأنّ المقرضين يحتاجون إلى التأكد من إدارة الشركة لعمليّاتها الحاليّة إدارةً صحيحة، قبل تمويلهم لأيّة عمليّات إضافيّة.
سيرغب المصرفيون في الاطّلاع على بيانات الدخل، والميزانية العمومية، والإقرارات الضريبية، للسنوات الثلاث الماضية غالبًا. وفوقها بيانات التدفقات النقدية خلال نفس الفترة الزمنية، كما قد يطلب البنك من جميع الأفراد الذين لديهم سلطة إدارية أو ملكية في الشّركة تقديم نُسَخ من إقراراتهم الضّريبيّة الفرديّة، بالإضافة إلى بيانات القيمة الصافية الشخصية، ويتوقّعون أيضًا الكشف عن أيّ استثمارات خارج الشركة الريادية. كلّ هذه الطلبات من مسؤولي الإقراض في البنك تشير إلى بحثهم عن شيء ما، وهو شيء سيتمكن المحاسب ذو الخبرة من إدراكه، فيُعِدّ المستندات التي توفِّر المعلومات التي يطلبونها، ويقدّم المشورة إلى رجل الأعمال حول كيفية تبديد مخاوف المصرفيين.
تُعَدّ إدارة المخزون Inventory management وخدمة الدين debt service، من المجالات المالية الرئيسية الأخرى الّتي يمكن للمحاسبين تحديد مشاكلها التي تستدعي التدخّل السّريع، ومن ثمّ تقديم المشورة إلى رائد الأعمال. حيث تشمل إدارة المخزون العمليات التجارية التي تشمل إدارة كمية وحدات السّلع في المخزون، مع جدولة وفهرسة مخزون الاستبدال، وتنظيم رفوف التّخزين، ودفع تكاليف المخزون المستلَم؛ ومعالجة طلبات العملاء، وتنفيذها، وتعبئتها، وشحنها. أمّا خدمة الدين Debt service فهي سداد القرض، أصله وفائدته.
يطلب بعض البائعين نفس المستندات المالية الّتي يطلبها المقرضون المصرفيّون، بحيث تكون معدّةً إعدادًا احترافيًّا. فالجدارة الائتمانية Creditworthiness، أو تقييم المقرض لمدى قدرة الشركة على سداد الدين، هو أحد الأصول القيّمة للأعمال، إذ يمكن أن تؤدّي القدرة على شراء مخزون بالائتمان وحده دون دفع المال إلى تحسين تسويق الشركة وأدائها العام كثيرًا، ومع ذلك يبقى لدى الدائنين مخاوف مختلفة بشأن الصحة المالية للشركة، إذ لا يملك البائع الّذي يسلّم شركةً مخزونًا بالائتمان، أيّة وسيلة لتعويض خسارته في حال فشلت الشّركة في سداد دينه، فهو لا يمكنه الاستيلاء على المباني، والمعدّات، والأرض، والودائع النّقديّة كما تفعل البنوك. وكونه لا يملك هذا الخيار، فهذا يجعله يتردّد في تسليم المخزون إلى شركات غير مستقرّة ماليًّا. هذا بالإضافة إلى أنّ بعض الشّركات قد تكون مدينةً بضرائب على المخزون المحفوظ لديها أو على ممتلكات شخصيّة لمالكيها.
المستشار الثاني: المحامي
إذا كان تعيين محامٍ لإبقائك بعيدًا عن المتاعب أمرًا مكلفًا، فذلك سيضمحلّ موازنةً مع تكاليف تعيين محامٍ لإخراجك منها. يُعَدّ تعيين محامٍ في المراحل الأولى للشّركة -حتّى في مرحلة الفكرة- استثمارًا ممتازًا قد يخفّف عنها الكثير من الأعباء القانونيّة ويحمي دخلها. ومع تنوّع مجالات القانون، واختلاف خبرة المحامين وقدرتهم على ممارستها، فذلك يعني أنّ على رائد الأعمال تحديد المشاكل القانونيّة الّتي يحتاج إلى المساعدة بشأنها أوّلًا، ثمّ موازنة تكاليف الحصول على تلك المساعدة بتعيين محام مقابل تكاليف عدم تعيين واحد.
قد يشبه تعيين محامٍ توظيفك لمتعاقد للعمل على منزلك، فتعيين متعاقد عامّ يحسّن الكثير من المجالات، من بناء، وتمليس، وتبليط، وصباغة، وسباكة، وغيرها. وهذا يكون أرخص من تعيين متعاقد عامّ يوزّع المهام الّتي لا يحسنها على حرفيّين متخصّصين. وبالمثل، يُعَدّ بعض المحامين عامّين، بحيث تتّسع ممارستهم لتشمل العديد من المجالات القانونية التي يحتاج رائد الأعمال وشركته إلى المساعدة فيها؛ بينما بعض المحامين الآخرين هم متخصّصون يحدّون ممارستهم في مجالات خبرة قليلة، ويُحيلون زبائنهم إلى محامين آخرين في المجالات الّتي لا يمارسونها. يُعَدّ المحامون العامّون أقلّ تكلفةً من المتخصّصين الّذين يسعّرون خدماتهم تسعيرًا أعلى لقاء معرفتهم العميقة بالمجالات المحدّدة الّتي يمارسونها، ورائد الأعمال أو مالك الشّركة الصّغيرة لا يحتاج في غالب الأحيان إلى مستوى عالٍ من الخبرة القانونيّة، لذا فلا مانع من تعيين محامٍ عامّ، ويمكن في حالة الشكّ زيارة بعض أفراد شبكة معارفه لسؤالهم عن آرائهم قبل اتّخاذ قراره.
من أهمّ الأسئلة الّتي ينبغي طرحها أوّلا هو كيفيّة تسعير المحامي خدماته. فبعضهم يتقاضى سعرًا ثابتًا مقابل خدمات محدّدة، بينما يُفَوتِر آخرون عملهم بالسّاعة، كما قد يضيف كلا النّوعين أيّة تكاليف أو نفقات إضافيّة إلى فاتورة الزّبون، فعند دفع أوراق القضيّة إلى المحكم مثلًا، فقد يحتسب المحامي ثمن الطّباعة، والنّسخ، وتكاليف القيادة إلى المحكمة، ورسوم ركن السيّارة، وعمولات الشّحن البريديّ، مع سعر تسجيل الوثائق في المحكمة. ولهذا تُعَدّ معرفة كيفيّة فوترة المحامي لمستحقّاته، وأيّة رسوم وعمولات سيضيفها إلى الفاتورة النّهائيّة أمرًا بالغ الأهميّة عند اختيارك للمحامي الّذي ستوظّفه.
قد يكون المحامون مساعدين أو شركاءً في شركة، كما قد يكون لدى شركات المحاماة الكبيرة العديد من المساعدين القانونيّين الّذين يستلمون شؤون شركائها وعملائها. حيث تُقدِّم شركات المحاماة الأكبر حجمًا نطاقًا أوسع من الخبرة، ودعمًا أوسع لمحاميك الّذي يخصِّص أغلب إن لم نَقُل كلّ وقته لك، ولكنّ هذه المساعدة الإضافية والموارد المتاحة، سيكلّفان سعرًا أعلى. من ناحية أخرى، قد يكون المحامي المنفرد، أو ذلك الذي يعمل في شركة محاماة صغيرة أقلّ تكلفة، لكنّه كذلك أقلّ مواردًا، زيادةً على أنّه ربّما لا يكون متفرّغًا لفترات طويلة، نتيجة انشغاله مع عملائه الآخرين.
قد يكون المحامي في منطقتك الجغرافية أو مجتمعك مصدرًا قيمًا للمعلومات غير المتاحة ولا الشّائعة، وهناك أمر آخر يجب التفكير فيه عند اختيار المحامي وهو موقع مكتبه، فقد يبدو موقع المكتب تافهاً، لكن المحامين في مباني المكاتب الكبيرة قد تكون رسومهم أعلى لأنّ لديهم نفقات مكتبية أعلى، ومع ذلك فمن المرجح معرفتهم لمحترفي الأعمال الآخرين في مبناهم، فقد تكون هذه الاتصالات مفيدةً في مرحلة ما. وغالبًا ما يكون المحامون على دراية تامة بالتطورات الرئيسية في الأسواق علاوةً على ذلك، مثل: المعاملات العقارية، والتنمية، والطرق الجديدة، واللوائح.
يمكن تقسيم الممارسات القانونية إلى فئات واسعة ومجالات متخصّصة، ونحصر فئات القانون الواسعة الّتي تهمّ رائد الأعمال في الخمسة التّالية:
- القانون الإداريّ.
- القانوني المدنيّ.
- قانون الشركات.
- القانون الجنائيّ. قانون الأسرة.
قد تكون فئتا قانون الشّركات وقانون الأسرة من بين تلك الخمسة، هما الأهمّ لرائد الأعمال، وذلك أنّه ربّما لديه مستثمرون من عائلته، والمحامي الماهر في قانون الأسرة يعرف كيف يحمي رائد الأعمال وأفراد عائلته في حال فشل الشّركة النّاشئة.
إذا كنت تفكر في بدء عمل تجاري في مهنة منظّمة، مثل: الإصلاح الكهربائي، أو التدفئة، ومكيّفات الهواء، أو رعاية الأطفال؛ فستحتاج إلى محامٍ على دراية بالقانون الإداري الّذي ينظّم تلك المهن في منطقتك.
أحد المجالات الأولى التي يجب عليك استشارة محامٍ فيها هو تحديد نوع هيكل العمل، ذلك أنّ لكلّ هيكل تجاريّ تداعيات قانونيّة وضريبيّة، إذ على المحامي مساعدة رائد الأعمال في اختيار الهيكل القانوني الأفضل للشّركة، وللمجال، ولرائد الأعمال. ولا يوجد هيكل واحد أفضل من البقيّة في كلّ الحالات طبعًا، فكلّ هيكل قانوني سواءً كان ملكيّةً فرديّةً، أو شراكةً، أو منظّمة؛ فله مزايا وعيوب، وينبغي للمحامي بالتّعاون مع المحاسب، تقديم المشورة لرائد الأعمال حول الشّكل القانوني الّذي يجب أن تتّخذه الشّركة، ويبرّر له أسباب ذلك. ليس فقط للدّواعي الضّريبيّة، بل لحماية المسؤولية عن الأصول الشخصية لرائد الأعمال، ولتيسير العمليات بسهولة.
قد تنشأ مشكلات أخرى أثناء مرحلة بدء التشغيل تتطلب مشورةً قانونية، فمنها التّوسيم، وبراءات الاختراع، وتسجيل العلامات التجارية، والعقود. فهل سيستأجر رجل الأعمال مساحةً أو يشتري مبنى قائمًا بذاته؟ و من المسؤول في حالة التأجير عن سلامة وأمان الموظَّفين وحماية المعدّات والمخزون؟ في خضمّ الحماس والنّشوة ببدء العمل وكسب المال، قد يظن رواد الأعمال أنّ مثل هذه الأسئلة غير مهمة، ومع ذلك فقد توفِّر مناقشة هذه المشكلات واتخاذ القرارات قبل وقوع حادثة معاكسة، الكثير من الوقت والمال على الشركة. وهكذا يساعد المحامي الجيد في الحفاظ على التركيز على القضايا المهمة قبل أن تصبح كارثية.
هناك مجال متقلِّب آخر للشركات الجديدة، يشمل الموظفين وقانون العمل، فقد يكون أصحاب الأعمال الجدد أيضًا مبتدئين في الإدارة، كما قد يكون الجهل بقوانين التوظيف مكلفًا للغاية، خاصةً إذا احتمى موظّف سابق ساخط بوكالات حكوميّة. لذا تُعَدّ صياغة سياسات الشركة والموظفين مهمةً للغاية، كما أنّ الحصول على مساعدة محامٍ في استخدام العبارات المناسبة سيكون نعمةً ستدركها بعد فترة طويلة من دفعك تكاليف ذاك المحامي.
يتعلّم المحامون ويتدرّبون على الدّفاع عن موكّليهم ودحْضِ حُجج خصومهم، ولهذا فوجود محامٍ يواجه ويفنّد المعتقدات والسّلوكات السّاذجة لرائد الأعمال، قد يساعد في تحويله إلى رائد أعمال ناضج ومحترف، ذلك أنّ رائد الأعمال الجديد قد يصعُب عليه الخروج من رداء الموظَّف ولعب دور المالك، ولهذا يساعد المحامي الجيّد في تطوير عقليّة جديدة فيه، تدفعه إلى تحمّل المسؤوليّة، والإحساس بقيمة المنصب والمكانة والسّلطة، ويقنعه بالتحلّي بعقليّة: "هذا كلّه لي".
على الرغم من أنّ المحامي الجيّد ضروري للعديد من جوانب العمل، إلا أنّ رائد الأعمال يحتاج أيضًا إلى وضع حدود وعدم السماح للمحامي بالتوغُّل في نطاق المالك، إذ يجب على المحامين التركيز على القضايا القانونية، وليس القضايا التشغيلية والإستراتيجية، أو -وهذا أهمّ- القضايا المالية. قد يميل المحامون إلى تجاوز مجالهم لمساعدة العميل، ولكن في الواقع يجب عليهم البقاء ضمن مجالات القانون والتنظيم، وبعيدًا عن القرارات التشغيلية أو الإستراتيجية، سيقدّم المحامي الجيّد المعلومات والرؤية والتوصيات لإدارة المخاطر، لكنه لن يتنمّر على العميل من خلال الإصرار على القضاء على المخاطر، ولهذا يجب أن يكون رائد الأعمال مستعدًا دائمًا لإنهاء العلاقة مع أيّ شخص، بما في ذلك المحامي الذي يبدو أنّه يتدخّل في مجالات خارج مجاله.
قد تكون أسعار الساعة للمحاسبين والمحامين ذوي الخبرة مخيفةً حتى لو كنت تدرك قيمة المعلومات والإرشادات التي يقدمها هذان المحترفان، فامتلاك الأموال اللازمة لدفع ثمن عملهم في مرحلة ما قبل بدء العمل التجاري قد يكون غير عملي. من المعروف أنّ رواد الأعمال الناجحين يحلون المشاكل، لذلك فلنبحث عن جواب: كيف يمكنني الحصول على مشورة مهنية بأسعار مخفضة؟
سيكون لدى المحاسبين حديثي التخرّج، والمحامين حديثي الحصول على رخصة الممارسة غالبًا عدد قليل جدًّا من العملاء، وكذا الحال بالنّسبة للمحاسبين والمحامين الّذي انفصلوا عن شركات كبرى واستقلّوا لبدء أعمالهم الخاصّة، ولذا فهتان الفئتان جاهزتان لتقديم خدماتهم مقابل فواتير منخفضة.
المستشار الثالث: المصرفي أو المؤسسة المالية
ليست جميع البنوك متشابهة، ولهذا يحتاج رواد الأعمال إلى اختيار بنك أو مؤسسة مالية يمكنها تلبية احتياجاتهم الحالية والمستقبلية (الشّكل 5.12)، وتُعَدّ البنوك المحلية التي تستهدف منطقةً جغرافيةً صغيرة، خيارًا ممتازًا للشركات الصغيرة المتمركزة محليًا، فقد يعرف مسؤولو البنك المحليّ شخصيًا أصحاب الأعمال المحليين، وموظفي الشركات المحلية وغيرهم من الأعضاء الرئيسيين في المجتمع المحلّي. وعندما يكون لشركة صغيرة حاجة مالية، فسيمكن لمسؤولي الشركة اتخاذ قرارات بناءً على سمعة رائد الأعمال وشركته، حيث يُقدم البنك المحلي في بعض الأحيان، القروض وتقديم المساعدة المالية مع تدقيق أقلّ مما قد يضطرّ رائد الأعمال إلى الخضوع له إذا قصد بنكًا أكبر. وبالنسبة للأعمال التجارية الصغيرة، تُعَدّ الأعمال المصرفية شخصية، ويحب المصرفيون رؤية الشركات في محيطهم المحليّ تنجح.
الشكل 5.12: اختيار المؤسّسة الماليّة المناسبة لمشروعك سيساعدك على إنشاء مسار للأمن والتطوّر. حفظ الحقوق: "Money Coin Investment" من nattanan23/Pixabay تحت ترخيص CC0
قد تكون البنوك الكبيرة ذات الفروع المتعددة في مدن أو ولايات أو بلدان، خيارًا أفضل للخدمات المصرفية، إذا كان لشركتك احتياجات جغرافية ومالية واسعة مع الموظفين، والعملاء، والبائعين المنتشرين في سوق كبيرة. ومن الأفضل لشركة كبيرة امتلاك بنك يحاكي هذا النطاق الواسع، ذلك أنّ الشركات الكبيرة ذات الفروع المتعدِّدة أو الموظفين في منطقة أكبر، لديها مطالب أكبر في المنتجات والخدمات المصرفية، وسيكون أنسب لها التّعامل مع البنوك الكبيرة التي يمكنها الاستجابة أسرع، وبفعالية أكبر مع تحوّلات السوق أو الاحتياجات الفردية.
المستشار الرابع: وكيل التأمين
يُعَدّ الحصول على التأمين ضرورةً ملحّةً في كلّ عمل، ولكن ينبغي ألاّ تدفع تلك الحقيقة رائد الأعمال إلى تجاهل خبرة وكيل التّأمين ومعرفته بخبايا صناعته. لهذا فلابدّ من توظيفك لوكيل تأمين إذا كنت رائد أعمال، فبالإضافة إلى خبراته وخدماته، فلا بدّ أن يكون لديه عملاء من رواد الأعمال القدماء ذوي الخبرة والنّجاح الّذين يمكنه يربطك بهم لتضيفهم إلى شبكة معارفك.
المستشار الخامس: خبير الصناعة
تشير الدراسات إلى أنّ الخبرة والمهارات الصناعية ضرورية لإطلاق وتشغيل الشّركات الخاصة بنجاح، ومع ذلك لا يمثّل الافتقار إليها حاجزًا أمام ريادة الأعمال. ففي الواقع، ما يقرب 15 إلى 20% من رواد الأعمال الناجحين يملكون خبرةً قليلةً جدًّا بمجالهم الرّيادي الّذي دخلوه، وفي المهن الخدماتية مثلًا، لا يمكن ملاحظة افتقار صاحب المشروع إلى المهارة، في حين تسجِّل الصناعات التقنية معدّل نجاح أعلى لروّاد الأعمال الذين يمتلكون بالفعل المهارات المطلوبة في الصناعة. ولكن سواءً امتلكت تلك المهارات أو افتقدتها، فأنت أقرب للنّجاح في الحالتين، إذا أضفت إلى فريقك خبراء الصّناعة الّتي ستدخلها، ممّن يعرفون عموميّاتها، وخصوصيّاتها، وخباياها.
مع اهتمام متخصِّص الصناعة بالعمل الفعليّ، يمكن لرائد الأعمال الجديد التركيز على الجوانب التّجاريّة لنشاطه، بينما يكتسب خبرة الصناعة والبصيرة من خلال الممارسة، حيث يكتشف العديد من رواد الأعمال الجدد في عامهم الأول أنّهم سيقضون وقتًا أقلّ في الجوانب الفنية للعمل، ووقتًا أطول في إدارة الأعمال التجارية نفسها وتطويرها، ويزيد التعاون الجيّد بين الفني ورائد الأعمال من فرص النجاح على المدى الطويل.
عندما تبدأ في البحث عن هؤلاء المستشارين ومحاورتهم -من محامين، ومحاسبين، ومصرفيّين، ووكلاء تأمينات، وخبراء صناعة- لتكوين فريقك (الشّكل 6.12)، فيجب عليك اتباع بعض المبادئ الأساسية.
أولاً والأهم: أنت صانع القرار. فأصحاب الأعمال هم من يجنون ثمار القرارات الجيدة، ويتحملون تكلفة القرارات السيئة، وليس أعضاء الفريق الاستشاري. حيث يكتفي المستشارون بتوصيل، وشرح الخيارات والمخاطر، ومشاركة نتائج آخرين في مواقف مماثلة، وتقديم التّوصيات، إذ لا يتمثل دور المستشار في اتخاذ القرارات أو فرض وجهة نظر معيّنة. ثانيًا، يجب مناقشة التوقّعات والرسوم قبل الانطلاق بأيّ عمل فعليّ، فقد تُجرى زيارة قصيرة أحيانًا مع أحد المحترفين مجانًا حتى يتمكّن كلّ طرف من تحديد ما هو مطلوب، وما إذا كان المحترف لديه الوقت والمهارات اللازمة لتلبية احتياجات العميل، وما إذا كان العميل قادرًا على تحمُّل الرسوم.
الشكل 6.12: يجدر بفريقك الاحتواء على مستشاري ومقدّمي خدمات محترفين. حفظ الحقوق: تصميم مسجّل باسم جامعة رايس، OpenStax، تحت ترخيص CC BY 4.0
عليك الأخذ في حسبانك أيضًا أنّ جميع المهنيين لديهم قيود، فالمحترفون المرخصون مثل المحامين والمحاسبين، هم خبراء في مجالات تخصصهم، لكنهم ليسوا بالضرورة خبراءً في العمليات أو الإستراتيجيّات التجارية العامة. كما أنّ خبراء الصّناعة قد يملكون درايةً كبيرةً بالعديد من جوانب العمل، لكن لديهم أيضًا حدود.
أخيرًا، لابدّ من اعتماد اختيار الخبراء لتقديم المشورة لك بشأن الأمور المصيريّة، على الكفاءة والتوافق، وليس على الرسوم فقط. يُعَدّ تأمين خدمات المحترف أمرًا مفصليًّا، ويجب التعامل معه على هذا النحو، ومع ذلك فهو خطوة أخرى في مجال الأعمال تخضع لعوامل السوق التقليدية، مثل: جودة الخدمة، والقدرة على تحمل التكاليف، وإمكانية الوصول، والتغيير بمرور الوقت.
بناء فريق متعدد التخصصات
نادرًا ما يبدأ المشروع الريادي أو يعمل بسبب جهد شخص واحد فقط. لذا يُعَدّ التنوع سمةً أساسيةً للمنظمات المدارة بنجاح، كما يُعَدّ التوافق والتعاون مهمّان أيضًا، فكلّ موظَّف ملزم بالعمل مع الموظفين الآخرين، ودعمهم، ومساعدتهم عند الضرورة، فوجود موظفين يتمتّعون بمهارات تكميلية ويتعايشون مع الآخرين يزيد من احتمالية نجاح مشروع جديد.
يقدّم المطعم الجديد مثالًا رائعًا على كيفية تجميع الموظفين ذوي المواهب والخبرات والمسؤوليات المتنوعة لجعل المؤسسة الصاخبة مربحة. فبالنسبة للمالك الجديد، يُعَدّ الموظف الأول هو المدير، إذ يعني تعيين مدير جيد من ذوي الخبرة صرف راتب أكبر له، ولكنّه يعني أيضًا إنتاج أرباح ماليّة أكبر على المدى الطويل، حيث يشرف المدير الجيّد على جميع الموظفين، بالإضافة إلى جميع الوظائف التشغيلية، مثل: الجدولة، والشراء، والتسعير، والتسويق، والامتثال للّوائح الصحية. وربما يكون التّعيين الرئيسي الثاني هو كبير الطبّاخين، وهو المسؤول عن إنشاء قائمة الطّعام، وتمييز المطعم عن منافسيه، وجذب عملاء متكرِّرين يرغبون في الحصول على وجبات شهيّة عالية الجودة.
يلعب المضيفون، والنّوادل، والمنظّفون أدوارًا مهمةً كونهم واجهة المطعم، ووجوهه وأصواته، حيث تُخلِّف تجربة العميل الأولى في المطعم أثرًا طويل الأمد فيه، ولهذا يكون الموظّفون الذين يقابلون العملاء هم مطالبين بالظّهور والتصرّف باحترافيّة طول الوقت. يُعَدّ النّوادل الفئة الأكثر تعاملًا مع العملاء، وهم فريق البيع في هذا النّشاط التّجاري، ونقطة الرّبط بين الطبّاخ وزبائنه، كما يعتمد دخلهم اعتمادًا كبيرا على البقشيش، وخدمة الطّاولات، ولذلك فمن المهمّ بالنّسبة لهم تنظيف الطّاولات وتجهيزها بأسرع وقت ممكن. ولهذا فهم يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على المنظّفين لأداء تلك المهامّ الهامّة، وفي كثير من المطاعم نجد أنّ المنظّفين يتلقّون جزءًا من البقشيش الّذي يكسبه النّادلون. وهذا يخلق اعتمادًا متبادلًا بين هذين المنصبين.
المناصب الأخرى في المطعم هي نادل المشرب، وغاسل الأواني، وعاملة التّنظيف، ومسؤول الرّواتب، والمحاسب وغيرهم ممّن يتعيّن عليهم أداء مهاهم بدقّة وكفاءة. ذلك أنّ الخدمة الرّديئة في أيّ من هاته المناصب من شأنها خلخلة استدامة المطعم، ولذا فكلّ موظّف في كلّ منصف ومستوى عامل يُعَدّ مفصليًّا فرديًّا، وجماعيًّا في استمرار الخدمة.
من الهياكل التّنظيميّة الشّائعة للمشاريع الجديدة التّنظيم المسطّح flat organization، الّذي يتكوّن من أفراد العائلة، والأصدقاء، والزّملاء المحترفين، الّذين يستلمون مسؤوليّات في مهامّ مختلف. لكنّ الرّابطة الّتي تجمع كلّ هؤلاء لا تجلب معها بالضّرورة كلّ المهارات، والقدرات، والرّؤى، وصفات الشّخصيّة الّتي تقود إلى النّجاح طويل الأمد. ولهذا فتوسيع الموارد البشريّة في الفريق لتتجاوز الأعضاء المؤسّسين الّذين يديرون الشّركة أمر لا مفرّ منه، وهذا لا يعني بالضّرورة توظيف جميع من تحتاج إليه، ولكنّ إمكانية الوصول إليهم ضرورة حتميّة.
قد لا يرغب رائد الأعمال صاحب العقليّة الإبداعيّة الّتي ترى الصّورة الأكبر دومًا، في الانشغال بالنّشاطات اليوميّة، ولهذا يجب أن يكون الفرد المحلّل شخصًا غيرهم في الشّركة، بحيث يكون ذا التّفكير الخطيّ الّذي يمكنه تحليل المعلومات والمعطيات لاتّخاذ قرارات صائبة. وبعد دراسة الوضع، وجمع المعلومات، وتحليل كلّ المعطيات المؤثّرة على النّشاط التّجاري، يوصي حلاّل المشاكل problem solver رائدَ الأعمال بالتصرّف الّذي ينبغي اتّخاذه، والتّوزيع الأمثل للمهام على الموظّفين، ومتى ينبغي تنفيذ الحلّ، وكم من المال يجب تخصيصه لحلّ تلك المشكلة. بعبارة أخرى، يصبح حلّال المشاكل مستشارًا عالي المستوى للمدير رائد الأعمال، فإذا كان رائد الأعمال المبدع وجهًا من القطعة النّقديّة، فحلاّل المشاكل وجهها الآخر. وحين يعمل ذلكما الوجهان في اتّفاق، فقد تزدهر الأعمال.
في المقابل، قد يكون رائد الأعمال خبيرًا وظيفيًا أو محترفًا مرخَّصًا ملزمًا بأداء المهام بنفسه، مثل: فنيّ تدفئة وتبريد، أو طبيب أسنان، أو سائق محترف. ففي هذه الحالة تكون هناك حاجة إلى مدير أعمال لإدارة الجانب التجاري للشركة، حيث تُعَدّ القواعد واللوائح والمواعيد النهائية للأنشطة التجارية خارج نطاق اهتمام صاحب المشروع الوظيفي، ولكن يجب الالتزام بها بدقة وفي الوقت المناسب، وإلا فقد يُغلَق العمل. ومثلما يعيّن المؤسِّس المبدع مديرًا للنّشاطات اليوميّة، فسيحتاج رائد الأعمال إلى توظيف شخص خصّيصًا للوظائف التّجاريّة.
يتابع أصحاب الأعمال الناجحة المقاييس بدقة، حيث يصنِّفون ويتتبّعون النفقات ويحلِّلون هوامش الربح، وتحسُّن أو تراجع أداء الإنتاج، وحضور الموظفين، والأنشطة الأخرى القابلة للقياس. حيث يوفٍّر التفسير الدقيق للأداء المالي والتشغيلي للشركة من خلال الأرقام، المعلومات التي يحتاجها فريق الإدارة لاتخاذ قرارات سليمة، ويُعَدّ وجود شخص في الفريق لديه القدرة على التعامل مع الأرقام أمرًا بالغ الأهمية.
ومع ذلك، فحلول المشكلات ليست دائمًا داخل الصندوق، إذ يُعَدّ التفكير غير الخطي، المعروف أيضًا باسم الإبداع، أو "التفكير خارج الصندوق"، مطلوب أحيانًا لحل المشكلات، فالإبداع هو مصدر العديد من الأفكار والمنتجات والعمليات الجديدة.
بمرور الوقت، ومع نمو الأعمال التجارية، ينتقل رائد الأعمال من مالك ومشغِّل شركة ناشئة خلال مرحلة الأعمال الصغيرة إلى كونه مالك ومشغل لشركة ناضجة. إذ يحتاج رواد الأعمال في نهاية المطاف إلى إجراء التحول الواعي من العمل في حالة من الغموض، إلى الأداء المنهجي في بيئة يمكن التنبؤ بها، ويُعَدّ نموذج العمل الذي يحدث فيه الروتين والتكرار والقدرة على التنبؤ أكثر ملاءمةً للأعمال التجارية القائمة، ذلك كونه يجلب الاستقرار والثقة للموظفين، والعملاء، والمقرِضين، والمستثمرين على حدٍّ سواء. وقد يتجنب رائد الأعمال المآزق التي قد تقضي على شركة ناشئة في المراحل المبكرة، باستخدام أساليب العمل المختبرة والمؤكّد، والتعلم من التجارب السابقة.
تعتمد كلّ منظمة، سواءً كانت منظمة هادفة للربح، أو غير هادفة للربح، أو سياسية، أو دينية، أو اجتماعية؛ على الإيرادات. حيث تعتمد الشركات الربحية على المبيعات مصدرًا رئيسيًا لإيراداتها، فيما تعتمد المنظمات غير الربحية، مثل: المنظمات المجتمعية، أو الجماعات السياسية، أو المجموعات الدينية؛ على التبرعات، والمساهمات، والهبات، والمنح. أمّا بعض المنظمات غير الربحية، مثل: الدوريات الرياضية للشباب، أو مجموعات الفنون المسرحية المجتمعية، أو مجموعات الكشافة؛ فهي تجلب الأموال من خلال جمع التبرعات، أو من خلال بيع التذاكر للأحداث الّتي تقيمها. فيما تعتمد الحكومات عادةً على ضرائب مختلفة مصادرًا للدخل. يُعَدّ وجود تدفقات إيرادات متعدِّدة محسّنًا للتدفق النقدي، كما يزيد من احتمالات النجاح على المدى الطويل.
يجب أن يكون تعيين الشخص الذي سيولِّد دخلاً للمنظمة أولويةً عاليةً خلال المراحل الأولى، وربما حتى قبل العمليات الرسمية من العمل. بالنسبة لمندوب المبيعات، أو كاتب المنح، أو منسِّق المانحين، أو أيّ مسمّى آخر يشير إلى وظيفة مدرة للدخل، فقد يتعيّن على مؤسسة بدء التشغيل تقديم حزمة تعويض أفضل من المعتاد، وإذا كان الشخص قادرًا على تحقيق إيرادات وتوليد تدفق نقدي يزيد عن التكلفة الإجمالية للتوظيف، فسيستحق تكاليف العمولات الأعلى والمكافآت الأكبر.
من المحتمل أن تكون محاولة تحسين الأداء المالي قصير الأجل وزيادة الأرباح عن طريق تقليل تعويض الموظَّف الرئيسي ضارةً على المدى الطويل، فقد يؤدّي فقدان مندوب مبيعات جيّد إلى جعل الشركة عرضةً لفقدان عملاء مهِمّين للغاية ومربحين. كما قد يكون الفشل في الاحتفاظ بكاتب المِنح الفعال بدايةً لتقهقر الشّركة، أو على الأقل عثرةً كبيرةً في طريقها. وبالنسبة لمنظمة غير ربحية، يدفع رواد الأعمال الأذكياء لمنتجي إيراداتهم بطريقة مناسب، حتى لو كان ذلك يعني دفع أكثر مما يدفعه رواد الأعمال لأنفسهم.
من خلال ما تطرقنا إليه في هذا المقال حول الكيفية التي يجب اعتمادها لتشكيل فريق ريادي مثالي، فبهذا تكون قد أدركتَ الاحتياجات الأساسيّة من الموارد للمشاريع الرّياديّة وفهمت قيمة تطوير فريق متعدّد الوظائف.
ترجمة وبتصرف للفصل Building Networks and Foundations من كتاب Entrepreneurship.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.