لا ترتبط ثقافة الشركة بامتلاك مكان عملٍ فاخر؛ بل ترتبط بامتلاك فريق عمل منتج ينسجم أعضاؤه مع بعضهم بعضًا ويعملون تجاه تحقيق هدفٍ مشترك.
يختار العديد من الموظفين في وقتنا الحالي العمل عن بعد لكي يستمتعوا بحياتهم ويحصلوا على المزيد من الحرية؛ فمع تطور التكنولوجيا، أصبح من السهل على الناس أن يعملوا من المكان الذي يريدونه وفي الوقت الذي يرغبونه مع حفاظهم على مستوى عالٍ من الإنتاجية.
يذكر كتاب Remote: Office Not Required:
«تتمثل النقلة النوعية المتعلقة بوجود قوة عاملة موزَّعة في التحوِّل من أسلوب التعاون المتزامن إلى التعاون غير المتزامن، إذ إلى جانب عدم وجود ضرورة في أن يتواجد الجميع في نفس البقعة الجغرافية لكي يعملوا سويًا، فليس هناك -أيضًا- ضرورةً في أن يعملوا سويًا في وقتٍ واحد.»
مزايا وعيوب العمل عن بعد
إنّ العمل عن بعد ليس حلًا مثاليًا لا عيب فيه، ولكن له مزايا عديدة منها:
1. سهولة تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والحياة الشخصية
يمنح العمل عن بعد الموظفين إحساسًا بالحرية التي تجعلهم قادرين على تنفس الحياة خارج جدران العمل، إذ يمكنهم تنظيم يومهم بحيث يشمل قضاء وقت مع العائلة، وحضور المواعيد، وأمور شخصيّة أخرى.
الوقت الذي يقضيه الناس للذهاب إلى العمل في الوظائف الاعتيادية (والتوتر الذي ينشأ عنه) لا يجعل الموظفين يتمتّعون بتوازن جيّد بين الحياة المهنية والحياة الشخصية.
2. مُحصِّلة عدد الساعات التي يعملها الموظفون عن بعد أكبر
بيّنت تجربة أجراها باحثون من جامعة ستانفورد أنّ الأفراد الذين يعملون من المنزل سجَّلوا عدد ساعاتٍ أكثر من أولئك الذين يعملون في المكاتب أثناء فترة مناوبتهم المعتادة، كما أنّهم أخذوا إجازات مَرَضية أقل؛ وهذا يعني أنّهم استطاعوا العمل لساعاتٍ أكثر بالمجمل.
وقد أظهرت دراسة أجرتها شركة غالوب (Gallup) أنّ عدد ساعات العمل التي يقضيها الموظفون عن بعد أكثر بمعدل أربع ساعات في الأسبوع من تلك التي يقضيها نظراؤهم الذين يعملون في المكاتب.
3. الموظفون عن بعد أكثر إنتاجية
لا يعمل الموظفون عن بعد لساعاتٍ أكثر فحسب؛ بل إنّهم –أيضًا- يكونون عادةً أكثر إنتاجيّة نتيجة وجودهم في بيئة أكثر هدوءًا، كما أنّ طاقتهم لا تُستنزف بسرعة لأنّهم قادرون على تحقيق التوازن في حياتهم على نحوٍ أفضل، وهذا يُمكِّنهم من الحفاظ على معدل إنتاجيّتهم لمدة أطول.
4. معدل دوران الموظفين عن بعد أقل
يُقصد بدوران الموظفين: ترك الموظفين لوظائفهم الحاليّة والانتقال إلى وظائف أخرى.
في تجربة جامعة ستانفورد سابقة الذكر، تبَيَّن أيضًا أنّ معدل دوران العاملين من المنزل كان أقل بنسبة 50% تقريبًا مقارنةً بالمجموعة الضابطة. إنّ هذه الإحصائية مهمّة للغاية إذا ما توقفت للتفكير بها.
رغم أنّ كلّ ما سبق يبدو رائعًا، إلا أنّه ليس مثاليًا تمامًا، إذ هناك بعض العيوب المتعلِّقة بالسماح للموظفين بالعمل من المنزل منها:
1. ضرورة أن يكون الموظفون عن بعد منظمين بدرجة كبيرة
من السهل جدًا أن يتشتّت انتباهك أو أن تفتر همَّتك عندما تعمل عن بعد (ألا ترغب في الاسترخاء ومشاهدة بعض مقاطع الفيديو عبر Netflix؟).
معظم الناس ليس لديهم التركيز أو التنظيم الكافي الذي يؤهِّلهم لكي يكونوا من ضمن الموظفين الجيّدين العاملين عن بعد، ولذلك يقع على عاتقك -بصفتك مديرًا- التأكّد من أنّ الموظفين عن بعد لديهم كل ما يؤهّلهم لإنجاز عملٍ جيّد.
2. صعوبة بناء ثقافة مشتركة
لا شكّ أنّ بناء ثقافة مشتركة مع الموظفين عن بعد أمرٌ ممكن، ولكنّه أصعب من عملية بنائها مع الذين يعملون في المكاتب التقليدية. وبطبيعة الحال، كلّما اجتمع أعضاء الفريق مع بعضهم بعضًا، توطَّدت علاقاتهم وزادت الثقافة المشتركة بينهم.
صحيحٌ أنّ الأدوات والبرامج يمكنها أن تُبقيَ الجميع على اتصال وأن تخلق شعورًا بوجود غاياتٍ مشتركة، ولكنّها حتمًا تتطلّب الكثير من الجهد والالتزام.
3. عملية التواصل أصعب
هناك حاجة إلى وجود أفراد يجيدون التواصل؛ بل وحتى أفراد يجيدون الكتابة ضمن فريق العمل. ينبغي -برأيّي- أن تكون الكتابة هي المهارة الأولى التي يبحث عنها المديرون عند توظيف أحد الموظفين عن بعد.
الكثير من عمليات التواصل ستتم عبر المحادثات المكتوبة أو البريد الإلكتروني، لذلك أنت في حاجة إلى التعامل مع أشخاص يستطيعون توضيح أفكارهم ويمتلكون سرعة في الفهم، كما أنّك في حاجة إلى التواصل بطريقة أفضل وأوضح حتى يفهم أي أحد قد ينضم للمحادثة لاحقًا الموضوع بالضبط.
إذا كنت تعتقد أنّ مزايا العمل عن بعد تفوق عيوبه، وكنت لا تمانع من أن يكون لديك موظفون عن بعد، فإنّ السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهنك هو: كيف أبني ثقافة مشتركة مع الموظفين عن بعد؟
نصائح لبناء ثقافة مشتركة مع الموظفين عن بعد
إنّ أساس بناء ثقافة مشتركة مع الموظفين عن بعد هو التواصل المستمر. لذا، ينبغي عليك أن تبذل جهدًا إضافيًا للتأكد من أنّ جميع الأفراد يشعرون أنّهم جزءٌ لا يتجزأ من فريق العمل، ومن المهم أيضًا أن تدرك أنَّ الامتيازات الرائعة ومكاتب العمل الفاخرة وملابس العمل ليست هي ما يؤدي إلى بناء ثقافة عظيمة للشركة؛ بل إنّ الأهداف السامية والقيم الأساسية المؤثّرة ووجود الكثير من الثقة والاحترام هي الأمور التي تؤدي إلى وجود ثقافة جيّدة للشركة.
فيما يلي بعض النصائح التي تساعد في تفاعل الموظفين عن بعد واندماجهم:
1. الثقة هي المفتاح الأساسي
إنّ المفتاح الأساسي للنجاح في توطيد العلاقات مع الموظفين عن بعد هو الثقة بهم. لكن، إذا وجدت موظفيك «غير متصلين بشبكة الإنترنت» لمدة ساعةٍ أو ساعتين وبدأت تفكّر فيما إذا كانوا يعملون بالفعل أم أنهّم يلعبون ألعاب الفيديو، فهذا يعني أنّك لا تثق بهم ثقةً تامة.
إذا كنت قد وثقت بهؤلاء الأشخاص لدرجة جعلتك تقوم بتوظيفهم وبدفع المال لهم، فعليك أيضًا أن تثق بهم بدرجة كافية في إنجاز الأعمال المطلوبة منهم. إنّ الثقة طريق ذو اتجاهين؛ فإذا أظهرت للموظفين أنّك تثق بهم، سيثقون هم بك وسيكافئونك من خلال اجتهادهم في العمل.
2. الاستثمار في الأدوات والبرامج المناسبة
يجب التأكد من أنّ جميع أعضاء فريق العمل يشاركون في اتخاذ القرارات وقادرون على التعاون والعمل بكفاءة، ومن الرائع أيضًا أن يستمتعوا ببعض المرح.
من الأدوات والبرامج التي تساعد في ذلك:
3. الاجتماع وجهًا لوجه
يجتمع أفراد عدد من الشركات كشركة Buffer وجهًا لوجه بضعة مرّات في السنة «اجتماعات لإعادة شحن الطاقة» لضمان تواصل جميع الموظفين عن بعد مع بعضهم بعضًا، وهذا الأمر يجعل عملية إقامة العلاقات بين أعضاء الفريق ممكنة حتى لو لم يتواجدوا دائمًا في مكانٍ واحد. قد يبدو هذا الامر مكلِّفًا، ولكنّ من المؤكد أنّ توفير هذه الفرصة للجميع يستحق تلك التكلفة.
4. إجراء عدد أكبر من الاجتماعات
يجب أن تتأكد من أنّ الجميع يشارك في اتخاذ القرارات، لذلك ينبغي عليك إجراء عددًا أكبر من الاجتماعات مع فريق العمل، ومن الأفضل أن تتم هذه الاجتماعات عبر الفيديو. ينبغي عليك أيضًا أن تعقد على نحوٍ دوريّ اجتماعاتٍ فردية مع كل موظف على حدة، وأن تسألهم عن حياتهم الشخصيّة.
إحدى الأفكار الجيّدة هي أن تجتمع فرديًا مع كل موظف مرةً في الأسبوع، ثمّ تعقد اجتماعًا للفريق كلّه مرةً كل أسبوعين.
5. تعزيز مشاركة فريق العمل
يجب أن تكون واضحًا وصريحًا مع أعضاء فريق العمل الخاص بك، وأن تحرص على مشاركتهم في اتخاذ أكبر عددٍ من القرارات. إنّ العمل عن بعد قد يجعل الأفراد يشعرون بالوحدة، لذلك من المهم أن تبذل قصارى جهدك لكي تُشعِر الموظفين عن بعد أنّهم جزءٌ لا يتجزأ من فريق العمل.
حان دورك الآن لتترك تعليقًا تخبرنا من خلاله عمّا إذا كان لديك أية نصائح أخرى تساعد في بناء ثقافة مشتركة مع الموظفين عن بعد.
ترجمة -وبتصرف- للمقال Building Culture On Remote Teams لصاحبته Alison Robins
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.