اذهب إلى المحتوى

تؤكد البيانات أن سوء الإدارة قضية حقيقية وهامة، فحسب دراسة لمؤسسة Gallup فإن واحدًا من كلّ اثنيْن تركا العمل اعترف بأنه فعل ذلك للفرار من مدير سيء. في الواقع، %70 من العوامل التي تساهم في سعادة الموظَّف في العمل مرتبطة مباشرةً بمديرك. ورغم ذلك فمديرون قلّة يطرحون على أنفسهم ذلك السؤال الصعب: هل أنا حقا سبب في رحيل الأشخاص من الشركة؟ وهل كان ذلك بسبب شيء اقترفته، أم بسبب شيء فاتني أن أقوم به؟

main.png

أستطيع القول، من خبرتي الخاصة، أن المديرين يعانون من شيء ما شبيه بتأثير دانينغ-كروجر Dunning-Kruger effect، فهم يفترضون أن المشكلة ليست فيهم إنما في موظفيهم.

Quote

تأثير دانينغ-كروجر هو نمط من الانحراف في اتخاذ الأحكام يشير إلى ميل الأشخاص غير المؤهلين للمبالغة في تقدير مهاراتهم؛ إما بسبب عدم قدرتهم على التنافس والمعرفة و التفريق بين الشخص الكفء وغير الكفء، أو لأنهم يعانون من وهم التفوق.

ما عليك إلا أن تلقي نظرة على البيانات لترى لمن يوجه المدراء اللوم. أظهر استطلاع للرأي على عيّنة شملت 5247 مديرا وظّفوا أكثر من 20 ألف شخص أن هؤلاء المديرين يرون - بعد مرور 18 شهرا على التوظيف - أن 46% من الموظفين الجُدد أخفقوا في عملهم، بينما نجح 20% فقط. بالنسبة لأسباب الإخفاق فهي - حسب المديرين - على النحو التالي:

  • القابليّة للتعلّم: 26%.
  • الذكاء العاطفي: 23%.
  • انعدام الحافز: 17%.
  • المزاج: 16%.
  • الكفاءة العملية (التقنية): 11%.

وما أهم ما تعلمه المديرون الذين شاركوا في الاستطلاع؟ أنهم كانوا بحاجة لطريقة أفضل في إجراء مقابلات التوظيف ليقتلعوا الفشل قبل وصوله إلى فريقهم!

بالنسبة لأي انسان عاقل فلن يكون لهذا الكلام (الخلاصة) أي معنى. فالقاسم المشترك ليس 46% من الموظفين، بل المدير. هل كانت المشكلة حقا أن نصف الأشخاص لم يكن بمقدورهم تعلم وظيفتهم أو الاهتمام بها؟ أم أن أولئك المديرين، الأقل عددا بكثير، قد بالغوا في تقدير قدراتهم في تعليم ودمج وإلهام موظفيهم الجدد؟

لقد قدت فرقا من المهندسين لعقد تقريبا، وعندما أنظر إلى مسيرتي المهنية في الإدارة أكتشف أني كنت أفكر باستمرار أني “مدير جيد”، بل وعظيم أحيانا. كنتُ أنسب كل المشاكل التي واجهتها إلى الناس الذين كانوا تحت إمرتي وليس لنفسي. وبإعادة النظر الآن أجد أنه من الواضح أني كنت حقيقةً مديرًا غِرًّا وساذجًا جدا، مفرطًا في الثقة وغير ماهر بالقدر الكافي. كنت ذلك المدير الذي يرتكب أخطاء كثيرة.

هذا الإفراط في الثقة في طريقة الإدارة إنما هو فخ أرى كثيرين يسقطون فيه، ولكن لحسن الحظ يمكن تجنب ذلك الفخ باتباع بعض الخطوات المشروحة أدناه.

واظب على طلب النصيحة

يعرف مهندس البرمجيّات أنه يحتاج، مهما كانت خبرته، لمن يراجع شفرته البرمجيّة قبل نشرها في بيئة إنتاج. المخاطرة بنشر تعديلات غير مُراجعة لا تحدث إلا في حالة الطوارئ القصوى.

بالمثل؛ على الأشخاص الذين يمارسون الإدارة أن يطلبوا من الأقران رأيهم في المشاكل التي تواجههم في إدارة الأشخاص، قبل اتخاذ أي قرار؛ سواء تعلق الطلب بمديريهم المباشرين، مديرية الموارد البشرية أو غيرهما. وكلما كانت العواقب المحتملة لإجرائك أكبر زاد اجتهادك وإصرارك في طلب الحصول على المساعدة ومراجعة الأقران قبل القيام به.

شخصيًا، أناقش تقييم أداء الموظّف مع أقراني ورئيسي قبل تسليمه؛ وإن حدث ووجدت أن في فريقي أفرادًا لا يؤدون أعمالهم على نحو حسن، فإني أطلب المساعدة في كيفية تدريبهم بطريقة مختلفة. يمكنك حتى فعل ذلك في جميع الأمور تقريبا. سواء كانوا أشخاصًا ذوي صلة أو لا، فسوف تحصل على نتائج أفضل في النهاية.

بمجرد اعتقادك أنك حقًا أتقنت مهاراتك الإدارية فإنك حينئذ معرض بدرجة كبيرة كبير للإخفاق.

لا تلق اللوم، تحمّل المسؤولية

المشاركة في المسؤولية هو أحد قيم فريق الهندسة لدينا ويُطبَّق أيضا لإدارة الأشخاص تماما كما يُطبَّق في مجال الهندسة. ليس من ثقافتنا أن تقول “تلك ليست مشكلتي” أو أن تقول ” ليس هذا خطئي”.

لا أيسر للمدير من التبرأ من المسؤولية ولوم شخص في الجهة المقابلة من الطاولة إذا لم يؤدّ عمله على النحو الذي يرضيك. الواقع أن كل شخص من مرؤوسيك منفرد ومختلف عن الآخرين. إذا لم يؤت أسلوب إدارة ثماره مع الشخص الجالس أمامك، رغم أن هذا الأسلوب نجح مع ثلاثة فرق عمل سابقة فهذا فليس معناه بالضرورة أن ذلك خطؤه.

يمكن النظر إلى المديرين كما يُنظَر إلى مدربي الفرق الرياضية الجيدين؛ إذ أن الحكم على المدرب لا يكون على أساس أداء لاعبي فريقه كل على حدة، ولكن من خلال مجهود الفريق بأكمله. بالمثل فإن المسؤولية تقع على عاتقك لتتأكد أن أسلوب الإدارة المستخدم مع مرؤوسيك هو الأسلوب الأمثل لهم.

يجب عليَّ مراجعة نفسي على الدوام لأتأكد أني أتحمل قدرا من المسؤولية يبقي على العلاقات داخل الفريق جيدة؛ كما أساعد بفعل كل ما أستطيع القيام به لجعل الأمور أفضل. وبدلا من إلقاء اللوم على الآخرين عندما تسوء الأمور، فإني أحاول أن أستكشف دوري في هذا الوضع: ما هي الأشياء التي فعلتها وما هي الأشياء التي لم أفعلها والتي ساهمت جميعها في المشكلة التي أمامنا؟

إن وجدت أي مشكلة في تحديد تلك النقاط، فإني أرجع للوراء للخطوة الأولى أعلاه. وأطلب النصيحة من أقراني.. وفي أحيان كثيرة، فإني بعد ممارسة ذلك التمرين أكتشف ان الخطوة السليمة التالية ليست إعطاء”ردود ارتجاعية بناءة” لأحد أفراد فريقي عن أخطاءه، ولكن الخطوة السليمة التالية يجب أن تكون الحصول على رد ارتجاعي عن كيفية دعمهم على نحو أفضل في المستقبل.

كن متعاطفا في ردودك الارتجاعية

أكثر أداة فاعليةً لتنمية العاملين تحت إمرتك وتطوير فريقك هي الردود الارتجاعية؛ إلا أنها من أصعب الأمور انجازًا على نحو سليم. تسبّب الردود الارتجاعية إذا ما استخدمت على نحو خاطئ في تأثير ضار ملازم غير مرغوب فيه إطلاقا.

أنتظر دائما وقتا قبل تسليم ردي الارتجاعي حتى أفهم كيف يُحتَمل أن يتلقى الشخص الآخر ذلك الرد. هل من الممكن أن أرى في الأرجاء مصافحات حماسية للتهنئة؟ أم أن الموظف سيشعر بالألم والانزعاج؟ حاول أن تولي عناية خاصة بالآثار العامة المترتبة على الرد الارتجاعي الذي تقدمه. الرد الارتجاعي الصريح يمكنه أن يكون محفزًا للمهندس المحنك الذي يرنو بعينيه لخطوة أعلى توصله للمستوى التالي، ولكنه في الوقت ذاته عقبة في طريق الموظف الغِر والذي يجد صعوبة في الاستقرار. . استعمل الذكاء العاطفي والتعاطف. و يمكنك دائما إرجاء ردك الارتجاعي لوقت آخر ولوضع أكثر خصوصية أو أقل توترا.

تذوق طعم نجاحك

أحد أفضل الاشياء بخصوص كونك مهندسا في شركة ناشئة هو حلقات الرد الارتجاعي. يمكنك أن تبني أولوياتك وتصمم وتبني وتنقل السلع لأيدي المستخدمين. كل ذلك خلال أسبوع وربما يوم أو يومين على الأكثر. وحلقات الرد الارتجاعي تلك هي وقود لمعنويات فريقك، ولها تأثير إيجابي في إنتاجيّته كما أنها تُمدّ كل عضو في الفريق بالسعادة والرضا عن الوظيفة.

لسوء الحظ فإنه من السهل بالنسبة للمدير أن ينغمس وحده طوال الوقت في التطلع للمستقبل، خصوصا بالتركيز على المشاكل. عندما تقوم بذلك فإن مناعة فريقك ستضعُف إذ سيشعر أعضاءه بعدم التقدير وأنهم مجرّد موظّفين عاديين لا أهمية لهم.

تأكد من الاحتفال بنجاح فريقك وتأكد أن أعضاء فريقك يعلمون أنهم مؤثرون. ليس من الضروري أن تعلق الرايات في السقف ويمكن ان يكون ذلك الاحتفال من البساطة بمكان، كإعطاء أحدهم ردًّا ارتجاعيًّا مفصلًا في أمر قد أداه تماما على نحو جيد ، أو تمرير بعض الردود الارتجاعية الايجابية والتي تلقيتها من رئيسك عن عمل حديث قام به فريقك، أو الحديث إيجابيا عن عمل أحدهم على منصة التواصل داخل الشركة.

المدير العظيم يُشيِّد شركات عظيمة

عندما تستمر في التواضع، طلب النصيحة، تحمّل المسئولية بدلا من اللوم وتقديم ردود ارتجاعية متعاطفة فأنت على النهج السليم لتكون مديرًا جيّدًا. لكن، كما رأينا، النجاح في الإدارة يولّد الرضا، وهو ما يجعل الوقوع في فخ العادات السيئة كالغرور أو الثقة المفرطة أمرا سهلا. بمجرد إحساسك أنك أحكمت مهاراتك في الإدارة تكون على شفا التعرض للإخفاق. أنت في حاجة مستمرة لتكرار مراجعتك لما يلزمك لتكون مديرا جيدا، وإلا فأنت تخاطر بفقد أفضل الأفراد العاملين تحت إمرتك للأبد.

ترجمة - بتصرف - لمقال People leave managers, not companies. Don’t let that manager be you لصاحبه Rich Archbold.

حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...