اذهب إلى المحتوى

في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال سنتعرف على ما يعرف باعتبارات التصميم المؤسسي، والتي هي مجموعة المعايير أو الأمور الواجب على كل مدير مؤسسة الانتباه لها، وأخذها بالحسبان من أجل تحديد الهيكلة الأنسب للمؤسسة والتي تتميز بخصائص وعوامل تختلف عن باقي المؤسسات الأخرى.

فقد أصبحتَ الآن على بيّنةٍ من الطرق المختلفة لهيكلة المؤسسة، ولكن بوصفك مديرًا، كيف تقرر أيّ تصميم سينجح بشكل أفضل بالنسبة لشركتك، أو مشروعك التجاري؟ إنَّ ما ينجح مع مؤسسة ما قد لا ينجح مع أخرى، وسنطّلعُ في هذا القسم على نوعين اثنين من النماذج العامة لتصميم المؤسسات، وسندرس بإيجازٍ مجموعة من العوامل الطارئة التي تخدم كلَّ واحد من تلك النماذج.

الصورة-7,8-من-الفصل-7.png

الصورة 7.8 وسَّعَت شركةُ والت ديزني (Walt Disney) مملكتها الترفيهية منذ ما يزيد على عقد من الزمن، بشرائها لعملاق الرسوم المتحركة، استديوهات بيكسار (Pixar Studios)، وهي الشركة صاحبة الأفلام المشهورة مثل توي ستوري (Toy Story)، فايندينغ دوري (Finding Dory)، و كارز (Cars)، و أب (Up). وبعد صفقة الشراء البالغة 7.4 مليار دولار، استوعبت شركةُ والت ديزني شركةَ استديوهات بيكسار ضمن القسم التابع للأولى، والمسمى ديزني استديو إنترتينمنت (Disney Studio Entertainment)، وهو أحد الأربع الوحدات التشغيلية التابعة لديزني، إلى جانب الأقسام التابعة لها، وهي: باركس آند ريزورتس (Parks and Resort)، ميديا نيت ووركس (Media Networks)، وكونسومر برودكتس آند إنترأكتف ميديا (Consumer Products and Interactive Media).

الهيكليات الآلية (الميكانيكية) والهيكليات العضوية

ينحصرُ التصميمُ الهيكليُ بشكل عام بين اثنين من النماذج الرئيسة الموصوفَين في الجدول 7.3، وهما الهيكليات الآلية، والهيكليات العضوية، فالمؤسسة ذات الهيكلية الآلية (Mechanistic Organization) تتصف بدرجة عالية نسبيًا من التخصص الوظيفي، والتشعيب الجامد، ومستويات إدارية عديدة (وتحديدًا إدارة متوسطة)، ونطاقاتِ رقابةٍ ضيقة، وعملية اتخاذ قرار مركزية، وسلسلة قيادة طويلة، وينتج عن تركيبة العناصر تلك ما يُعرَف بالهيكلية المؤسسية العالية / المرتفعة، ومن الأمثلة على تلك المؤسسات: الجيشُ الأمريكي، ومنظمة الأمم المتحدة.

وبالمقابل، تتصف المؤسسة ذات الهيكلية العضوية (Organic Organization) بدرجة منخفضة نسبيًا من التخصص الوظيفي، وبالتشعيب المرن، وقلة المستويات الإدارية، ونطاقاتِ رقابة واسعة، وعملية اتخاذ قرارات لامركزية، وسلسلة قيادة قصيرة، وينتج عن تركيبة العناصر تلك، ما يُعرَف بالهيكلية المؤسسية المسطَّحة، فالجامعات، والكليات، لديها هيكلية مؤسسية مسطحة، وذلك في ظل وجود مستويين إداريين، أو ثلاثة بين الكلية، والرئيس، ويُظهِرُ الجدولُ 7.9 أمثلةً على كل من الهيكليات المؤسسسية العالية، والمسطَّحة.

العوامل المؤثرة على الاختيار بين الهيكليات الآلية والعضوية

على الرغم من صعوبة العثورِ على مؤسساتٍ ألية بالمطلق، أو عضوية بالمطلق، فأغلبُها يميل نحوَ نوعٍ واحد منهما أكثر من الآخر، وهناك عدد من العوامل التي تتحكم في اختيار التصميم الهيكلي للمؤسسة، وتحديد ما إذا كان آليًا، أم عضويًا، مثل: السياسات العامة للمؤسسة، أو الشركة، وحجمها، واستقرار بيئتها الخارجية، بالإضافة إلى عوامل أخرى.

وينبغي للهيكلية المؤسسية لشركة ما أن تُمكِّنها من تحقيق أهدافها، لأن تحديد أهداف المؤسسة هو جزءٌ من عملية التخطيط البعيد المدى والشمولي لشركة ما، فهيكلية تلك المؤسسة تعتمد على خططها البعيدة المدى، ومن شأن ذلك الاتساق بين الهيكلية، والأهداف؛ أن يمثل تحديًا للشركات التي تسعى جاهدة لتحقيق أهداف متعددة، فعلى سبيل المثال: ستحتاج شركةٌ ذاتُ خطط إبداعية إلى المرونة، والحركة الانسيابية للمعلومات، اللذَّين توفرهما المؤسسات ذات الهيكلية العضوية، أما المؤسسةُ التي تتّبع سياسات طويلة المدى لضبط النفقات، فستحتاج إلى الكفاءة، والرقابة الصارمة، التي تتمتع بهما المؤسسة الآلية، وغالبًا ما تحاول الشركاتُ التي تواجه صعوباتٍ مالية، زيادةَ الابتكار، وضبط المصاريف في آنٍ واحد، وقد يمثل ذلك تحدياتٍ مرتبطة بهيكلية المؤسسة بالنسبة للمديرين، وهذا هو الحال في شركة مايكروسوفت (Microsoft) عندما ألغى رئيسُها التنفيذي، ساتيا نادالا (Satya Nadella)، ما يزيد على 18,000 وظيفة في العام 2014، بعد تولّيه قيادتها، وقد جاءَ ذلك الإلغاءُ نتيجة استحواذ شركة مايكروسوفت الفاشل على مجال الهواتف المحمولة، الخاص بشركة نوكيا (Nokia)، ومنذ فترة أقرب، ألغت مايكروسوفت وظائف إضافية في مجالَي المبيعات، والتسويق -أغلبها في شركاتها الواقعة خارج الولايات المتحدة- تزامنًا مع تحوُّلها من تطوير البرمجيات، إلى خدمة توصيل برمجيات الحوسبة السحابية (cloud computing software delivery service). وفي الوقت ذاته، يحاول الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا نادالا، تشجيع المديرين، والموظفين على إلغاءِ الحواجز التي تفصل بين أقسام الشركة المختلفة، وتوسيعِ نطاق الابتكار عبر المؤسسة.

الجدول: 7.3 الهيكلية العضوية مقابل الهيكلية الآلية
الخصيصة الهيكلية آلية عضوية
التخصص الوظيفي مرتفع منخفض
التشعيب جامد مَرِن
الهرمية الإدارية (مستويات الإدارة) مرتفعة / عالية (مستويات عديدة) مسطحة (مستويات قليلة)
نطاق الرقابة ضيق واسع
سلطة اتخاذ القرار مركزية لامركزية
سلسلة القيادة طويلة قصيرة

 

الصورة-7.9-من-الفصل-7.png

الصورة 7.9: الهيكليات المؤسسية المسطحة مقابل العالية

ويعدُّ الحجمُ -كذلك- من العوامل التي تؤثر في تحديد شكل الهيكلية المؤسسية العضوية، أو الآلية لشركةٍ ما، وهذا ما أكدته كثير من الأبحاث التي أجريت حول ذلك؛ فالشركات الصغيرة تميلُ إلى اتباع نموذجٍ هيكليٍّ أكثرِ عضويةً؛ لأنها تستطيع ذلك، وهذا جزءٌ من السبب الذي يدفعها إلى اتباع ذلك النموذج، ويعد تحقيقُ النجاح أسهلَ بكثير مع عملية اتخاذ قراراتٍ لامركزية، في حال كان لديك خمسون موظفًا على سبيل المثال، ويزيد -بالنسبة لشركة بحجمِ موظفين قليلين- احتمالُ تمتُّعِها بدرجة أقل من التخصص الوظيفي بين الموظفين، وذلك بفضل حجمها الصغير، ويعود السبب في ذلك إلى أنه: كلما قلَّ عددُ الناس الذين يؤدّون العمل، كانوا أكثر مَيلًا إلى استيعاب العملية برمَّتها استيعابًا أكبر، وبالتوازي مع نموّ الشركة، تصبح ذاتَ هيكلية أميَل إلى الآلية؛ بسبب إحداثِ أنظمةٍ لقيادة العدد المتزايد من الموظفين، وتحلُّ الأنظمة، والقواعد، والأنظمة، محل المرونة، والابتكار، والاستقلالية، ولكنَّ تحقُّقَ ذلك ليسَ حتميًا دائمًا، فشركة دبليو. إل. غور (W.L. Gore) لديها حوالي 10,000 موظف، وتحقق عائداتٍ سنويةً تفوق 3 مليارات دولار، ولكنها تعتمدُ هيكليةً مؤسسية عضوية صارمة، مثلما ذكرنا -سابقًا- فموظفوها ليس لديهم رؤساءُ عمل، ويعملون ضمن فرق عمل، وغالبًا ما يُحدِثون أدوارًا لأنفسهم لسدِّ الثغرات الوظيفية داخل الشركة.

وأخيرًا، يلعبُ مجالُ العمل التجاري الذي تمارسه الشركةُ دورًا بالغَ التأثير على هيكليتها المؤسسية، إذ تحتاج الشركاتُ التي تعمل وسطَ بيئةِ عملٍ معقدة، ونشطة، وغير مستقرة، إلى تنظيم هيكليةٍ تتسم بالمرونة، أي على هيكليتها المؤسسية الاستجابةُ للتغيرات السريعة وغير المتوقعة في بيئة العمل التجاري، أما بالنسبة للشركات العاملة وسط بيئةٍ مستقرة، فلا تبرزُ حاجةٌ مُلِحَّةٌ للمرونة، وتُعَدُّ طبيعة تلك البيئة قابلةً للتنبؤ بها، وتستفيدُ الشركات من أوجه الكفاءة التي تتيحها الهيكليةُ المؤسسية الآلية في بيئة العمل البسيطة، والمستقرة.

إدارة التغيير

غوغل تتعلم الأبجدية

منذ حوالي عشرين عامًا، أنشأ كل من لاري بايج (Larry Page) وسيرجي برين (Sergey Brin) محرِّكَ بحثٍ استخدمَ الروابط لتحديد أهمية الصفحات الشخصية على الشبكة العنكبوتية (الويب Web)، أما اليوم، فقد شهدت شركةُ غوغل (Google) نموًّا وصل إلى أكثر من 60,000 موظفٍ موزعين على 50 بلدًا مختلفًا، وفي حين أن غوغل دائمةُ الحضور في القوائم التي تتضمن أفضلَ أماكن العمل، والشركاتِ التي تقدِّم للموظفين أفضل المزايا، فلم يخلُ طريقُها نحو ذلك النمو الهائل من عقبات.

وقد كُتِبَ الكثيرُ حولَ هيكلية غوغل المؤسسية غير الرسمية، التي أوجدت بيئة إبداعية لا نظيرَ لها، وفي وقتٍ ما، كان مؤسسا تلك الشركة يتشاركان غرفةً بدت أشبه بغرفة سكنٍ جامعي، ملأى بألواح التزلج، والكراسي الإسفنجية، والطائرات المُتحَكَّم بها عن بُعد، أما اليوم، فمكاتب تلك الشركة المتوزعة حول العالم، مصمَّمَةٌ لتكون أكثر أماكن العمل إنتاجية، ومنها ما يحتوي على غرف اجتماعات مصممة على هيئة شاحنات التخييم (مكاتبها في أمستردام عاصمة هولندا مثالٌ على ذلك)، أو على شكل أروقةٍ مزخرفة بفتحات تهوية وصنابير إطفاء الحريق، مثل التي تُشاهَد في محطات المترو (مدينة نيويورك في الولايات المتحدة).

ومع توسُّع هذه البيئة الإبداعية، اعتمدت شركة غوغل على ثقافتها الابتكارية، والتنافسية، لإنتاج أكثر المنتجات استخدامًا على مستوى العالم، مثل يوتيوب (You Tube)، ونظام التشغيل آندرويد (Android operating system)، وجي ميل (Gmail). وتزامنًا مع نمو تلك الشركة، يزدادُ العبءُ على هيكليتها غير الرسمية، وفي الفترة الأولى لتأسيسها، وبسبب قبولها موظفين جددًا بشكل يومي، احتاجت غوغل إلى إيجاد توازنٍ بين الحفاظ على الابتكار، والإبداع، وبين إدارة مؤسسةٍ ذات نمو سريع.

في العام 2001، عيَّن مؤسسا غوغل، بايج وبرين، رئيسًا تنفيذيًا من خارج الشركة، وهو إيريك شميت (Eric Schmidt) الذي سُمّي مديرَ موارد بشرية، ثم قسَّمَ الموظفين إلى فِرَق عمل على أساس المُنتَج، أو الوظيفة، وقد بدا أن تلك الهيكلية كانت تعمل جيدًا، حتى بدأت غوغل تستخوذ على شركاتٍ أخرى، أو تطوِّرُ منتجاتٍ جديدة لتضيفها إلى مجموعة المشاريع التجارية الخاصة بها، ومن بينها خدمَتا دبل كليك (Double Click) وغوغل نيست (Google Nest)، وفي الوقت ذاته، لم يغفل بايج و برين عن مشاريعهما التي تمثل "غاية الطموح، والأقرب للخيال"، وهي ابتكاراتٌ قد تغيِّرُ قواعدَ اللعبة، والعالمَ، مثل: السيارات ذاتية القيادة، والتي قد تكون مشاريع مُربِحةً، أو قد لا تكون كذلك.
وبالانتقال سريعًا إلى العام 2015، فقد قرَّر مؤسسا غوغل، أنها باتت أكبر من أن تحتويها شركةٌ واحدة، فأسسا شركة ألفابت (Alphabet) وهي اليوم شركةٌ قابضة تتضمن شركةَ غوغل، وغيرَها العديد من المشاريع التجارية، فقرار مؤسِّسَي شركة غوغل المتمثل بإعادة توجيهها، وبإخراج أنشطة أخرى من مجال عملها تحت مظلة شركة ألفابت (Alphabet) أسبغَ عليها شفافية، وتبسيطًا في هيكليتها المؤسسية، وقد تولّى ساندار بيتشاي (Sundar Pichai)، منصبَ الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، والذي حقق نجاحًا لافتًا، أثناء إدارته لمحرك البحث غوغل سيرش (Google Search). أما لاري بيج، فاختير لمنصب الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، في حين كان منصب رئيسها من نصيب سيرجي برين، (وتقلد الرئيسُ التنفيذي السابق لشركة غوغل، وهو إيريك شميت، منصب رئيس مجلس إدارة شركة ألفابت).

وقد سمحت إعادة تنظيم الشركة تلك لكل من بيج، وبرين، بالتركيز على المشاريع التي شغفوا بها، ومنها مشروع لوون (Loon Project)، وهو شبكة من المناطيد المُعلَّقة في الفضاء على ارتفاعات عالية، والتي تزوّد المناطقَ البعيدة بالاتصال بالشبكة العنكبوتية (الويب)، في حين تركا إدارة شركة غوغل، ومشاريعها الناجحة لرئيسها التنفيذي ساندار بيتشاي، وفريقه. وقد حظيت المديرة المالية الموظَّفة مؤخرًا لدى شركة ألفابت، وهي روث بورات (Ruth Porat) المديرة المالية السابقة في مؤسسة مورغان ستانلي (Morgan Stanley)، حظيت بالإشادة والإطراء، لدورها في مساعدة المديرين التنفيذيين للشركة على تقييم النفقات عن كثب، بالتوازي مع استمرارها في تشجيع الابتكار، والإبداع، اللذَين نجح مؤسسا غوغل في تحقيقهما كما يبدو، وعلى الرغم من صعوبة الأمر، يبدو أنَّ الهيكلية المؤسسية الجديدة تُبسِّطُ العملياتِ، بجعلها أكثر كفاءةً مع السماح للمجالات التجارية المختلفة، ضمن الشركة بتحقيق نموٍّ مستقل خاصٍ بكل منها.

أسئلة التفكير الناقد:

  1. لوِ افترضنا أنك موظف لدى شركة غوغل منذ وقتٍ طويل، كيف ستشعر حيال التغيير في هيكليتها المؤسسية؟
  2. هل تعتقد بأنَّ بيئة العمل الإبداعي التي عززها مؤسسا شركة غوغل قد تأثرت سلبًا بهيكلية شركة ألفابت الجديدة؟ لِمَ، أو لمَ لا؟
  3. ما هي إيجابيات، وسلبيات تأسيس شركات مستقلة لمشاريع الشركة التي تعد غايةً في الطموح؟

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Designing Organizational Structures) من كتاب introduction to business


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...