سنتابع في سلسلة مقالاتنا الفريدة في جُزءها العاشر في موضوع جوهريّ آخر متمّمٍ للجُزء السابق، فقد تحدّثنا وفصّلنا عن طبيعة المجموعات والعلاقات التي تسودها داخل المؤسسة، وسنكمل هذا الموضوع في هذا الجُزء، حيث سنتطرّق إلى فهم فرق العمل وكيفيّة وإدارتها إدارةً مُثلى ضمن المؤسسة.
سنخوض في رحاب مقالاتنا في فوائد العمل على شكل فرق عمل، وسوف نستعرض كيف تتطور الفرق مع مرور الوقت والاعتبارات الأساسية في إدارة هذه الفرق، وسنبحث في فوائد التنوّع والاختلاف ضمن الفريق الواحد وكيف لهذا التنوّع أن يحسّن عمليّة اتخاذ القرار وحل المشاكل، وسوف نُنهي هذا الباب من السلسلة بذكر بعض التحدّيات وأفضل الاستراتيجيات في إدارة الفرق متعدّدة الثقافات والعمل معها.
استكشاف المهن الإدارية
إيفا هارتمان (Eva Hartmann) من شركة ترِليس ذ.م.م. (Trellis LLC)
تمتلك إيفا هارتمان قرابة العشرين عامّة من الخبرة في كونها قائدة استراتيجيّة وإبداعيّة مع خبرة عريضة في استراتيجيّات الموارد البشريّة وتطوير الموهبة والقيادة والكفاءة الإداريّة. عملت إيفا في مجالات عدّة من التصنيع إلى الاستشارة في (Fortune 500). إيفا هي مُختصّة في التغيير تحويليّ قامت بتطوير وقيادة برامج استراتيجيّة رأس المال البشريّ ومبادرات المواهب في العديد من بيئات العمل المُتحدّية حول العالم. إيفا شغوفة بتحسين كلّ من الأداء الفرديّ والأداء الوظيفيّ.
بدأت إيفا مسيرتها في إحدى شركات الاستشارة الإداريّة "الستّ الكبرى" حينها وعادت بسرور إليها بعد عدّة سنوات للاستشارة. هي مديرة ومؤسّسة شركة (Trellis LLC) وهي شركة استشارة وتوظيف في رأس المال البشريّ في ولاية فرجينيا في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
قبل تأسيسها لشركتها كانت إيفا مسؤولة الموارد البشريّة لمصنع عالميّ كبير لمنتجات بلاستيكيّة وكانت مسؤولة عن استراتيجيّات الموارد البشريّة والعمليّات للقسم العالميّ من الشركة، والبالغ قيمته 600$ مليون. في هذا الدور قادت إيفا فريقًا عالميًّا من مديري الموارد البشريّة في الأمريكيّتين وأوروبّا وآسيا لدعم مبادرات الموارد البشريّة حول العالم ورفع سقف النتائج وبناء رأس المال البشريّ والأداء في هذا القسم.
كما تولّت إيفا العديد من المناصب القياديّة والإداريّة في كلّ من الموارد البشريّة ووظائف الجودة في عدّة شركات أمريكيّة أو عالميّة منها (Wachovia Securities) و(Genworth Financial) و(Sun Microsystems) و(Anderson Consulting). إيفا حاصلة على ماجستير إدارة الأعمال (MBA) من جامعة ويليام وماري (College of William and Mary) في ويليامزبرغ في ولاية فرجينيا الأمريكيّة وعلى إجازة البكالوريوس في العلوم الإنسانية من جامعة فرجينيا (University of Virginia) في ولاية فرجينيا الأمريكيّة. وهي أيضًا أستاذ مساعد في جامعة (Richmond Robins School of Business). وهي حاليًا في هيئة جمعيّة إدارة الموارد البشريّة في ريتشموند في فيرجينيا الأمريكيّة.
تتطلّب أغلب الأعمال المُنجزة في المنظّمات في يومنا هذا التركيز على عمل الفريق. القدرة على العمل ضمن فريق، كما القدرة على قيادة الفرق، هي ميّزة مهمّة جدًّا ضمن القوى العاملة. بالإضافة إلى إدارة الأفراد، يجب إدارة الفرق بحدّ ذاتها للنجاح. نعرف جميعًا اقتباس أرسطو الّذي يقول فيه "الكل أكبر من مجموع الأجزاء". تلخّص هذه المقولة طبيعة الفريق تلخيصًا مثاليّا؛ هناك طاقة تآزريّة تأتي من العمل بفريق لا يمكن للأفراد منفردين أن يحقّقوها. نستطلع في مقالاتنا القادمة تفاصيل أهميّة العمل في فرق والفوائد الّتي يمكن جنيها من ذلك، كما نناقش بعض الطرق الّتي تزيد من نجاح فرقنا.
عمل الفريق في مكان العمل
لم يكن عمل الفريق أهمّ ممّا هو عليه اليوم أبدًا. سواءً كنت تعمل في بيئة تصنيع وتستخدم فرق عمل موجّهة نحو الفرد أم كنت تعمل في "اقتصاد المعرفة (Knowledge economy)" وتستمدّ الفوائد من التعاون بين أعضاء الفريق، ففي الحالتين أنت تحصد قوّة الفريق.
يُعرّف الفريق وفقًا لكاتزنباخ (Katzenbach) وسميث (Smith) في مقالتهما "انضباط الفرق" في مجلّة (Harvard Business Review) كما يلي: "هم أشخاص منظّمون مُهيّئون ومستعدون للعمل بتعاون ضمن مجموعة واحدة". العناصر الخمسة الّتي تجعل الفريق يعمل هي:
- الالتزام والهدف المشترك.
- أهداف أداء محدّدة.
- الالتزام بكيفيّة إنجاز العمل.
- المحاسبة المشتركة.
حسب كتاب (Wisdom of teams) "لدى الفريق هدف محدّد يعمل لأجله ويمتلك أدوار قيادة واضحة ولديه محاسبة فرديّة ومشتركة. الفريق يتناقش معًا ويتّخذ القرارات معًا ويؤدّي العمل المطلوب معًا ويقيس أداءه عبر تقييم إنتاج الأعضاء المشترك." هذا مختلف جدًّا عن مجموعة العمل (working group) الاعتياديّة في المؤسّسات، والّتي تتكون من قائد موجّه ومحاسبة فرديّة ومنتجات عمل ويكون هدف المجموعة هو نفسه هدف المؤسّسة العامّ. خذ مثالًا على ذلك منظّمة ماليّة أو وحدة عمل محدّدة في شركتك، هؤلاء حقيقةً هم مجموعات عمل كبيرة تأخذ على عاتقها جُزءًا من مهمّة المنظّمة الأساسيّة. هذه المجموعات منظّمة تحت قيادة قائد محدّد وتُقاس كفاءتها عبر تأثيرها على الآخرين ضمن العمل (مثل الأداء الماليّ للعمل).
إذًا ما الّذي يجعل الفريق يعمل بكفاءة حقًّا؟ وفقًا لمقال "انضباط الفرق" المذكورة هناك عدّة إجراءات لاحظها الكاتبان في الفرق الناجحة وتتضمّن:
- أسِّس معايير واتجّاه أداء ملحًّا ومطلوبًا من الجميع. تعمل الفرق بشكل أفضل عندما تمتلك سببًا مقنعًا لذلك، وهذا ما يؤدّي عادةً إلى نجاح الفرق أكثر وتحقيقها لتوقّعاتها. شاهدنا جميعًا فرق تُشكّل لمناقشة "مبادرة مهمّة" للشركة لكنّها تفقد اندفاعها فتفشل بدون سبب مقنع وراء تشكيلها أو اتجّاه واضحٍ لعملها.
- اختر الأعضاء وفقًا لمهاراتهم وإمكانيّاتهم لا وفقًا لشخصيّاتهم. هذا الأمر ليس بالسهولة الّتي يبدو عليها في بادئ الأمر وذلك لعدّة أسباب. أوّلًا، معظم الأشخاص يفضّلون كون أصحاب الشخصيّة الجيّدة والسلوك الإيجابيّ في فرقهم لتكوين بيئة عمل اجتماعية مريحة. هذا طبيعيّ ولكن احرص على أن يمتلك هؤلاء الأفراد المهارات المطلوبة (أو إمكانيّة تعلّم أو اكتساب هذه المهارات) للجزء المطلوب منهم من المشروع. السبب الثاني هو أنّك لا تعلم دائمًا ما هي المهارات المطلوبة لمشروع معيّن قبل أن تباشر فيه. فكّر لبعض الوقت في هدف المشروع والأهداف المطلوب منك تحقيقها وفكّر مليًّا في المهارات المحدّدة الّتي تحتاجها في فريقك.
- أعِر اهتمامًا للاجتماعات والأفعال الأولى. بمعنى أنّ الانطباع الأوّل مؤثّر جدًّا وهو مهمّ للفريق كما للأفراد. سيتفاعل الفريق مع الجميع بدءًا من الخبراء الوظيفيّين وصولًا للقيادة العليا ويجب على الفريق أن يبدو مؤهّلًا وأن يراه الآخرون كذلك. راقب مستويات الذكاء العاطفيّ (emotional intelligence) لدى أعضاء فريقك، ذلك مهمّ للغاية سيحسّن من سمعة فريقك وقدرته على التعامل مع أصحاب المصلحة في المؤسّسة.
- حدّد قواعد سلوك واضحة. مررنا جميعًا بالعديد من الاجتماعات والمواقف الّتي لم يقف فيها الفريق عند "القواعد الأساسيّة (ground rules)" كما يجب وذلك بسبب افتراضنا أنّها بديهيّة وأنّ الجميع سيكتب نفس القواعد. من المهمّ جدًّا أن يأخذ الفريق وقته لتحديد القواعد الأساسيّة الخاصّة من أجل الحفاظ عليها. القواعد الّتي تخصّ مجالات الحضور والنقاش والسرّيّة ومقاربة المشروع والنزاع هي قواعد أساسيّة لإبقاء أعضاء الفريق منخرطين وعلى صفّ واحد.
- حدّد بعض الأهداف ومهام الأداء الفوريّة. لماذا؟ لأن تحقيق بعض الأهداف بسرعة يُشعر الفريق بأنّهم ينجزون شيئًا وأنّهم يعملون جيّدًا سويًّا. هذا الأمر مهمٌّ جدًّا لثقة الفريق بنفسه، كما هو أساسي لكي يعتاد الفريق على العمل معًا. النجاح في المهامّ الأكبر سيأتي في الوقت المناسب، فالمهام الكبيرة هذه في الحقيقة هي عبارة عن مجموعة من المهامّ الصغيرة المجتمعة معًا.
- تحدّى المجموعة باستمرار بمعلومات وحقائق جديدة. أي استمرّ بالبحث وجمع المعلومات لتأكيد ما تعرفه عن مشروعك أو التحدّيات التي تحيط به. لا تفترض أنّ كلّ الحقائق ثابتة وأتّك تمتلك ما يكفي من المعلومات والبيانات منذ بداية المشروع. كما ذكرنا لا تستطيع أن تعرف جميع تفصيلات المشروع قبل أن تبدأ بالعمل في المشروع. إنّ سرعة التغيير في العالم الآن كبيرة جدًّا ما يطرح معلومات جديدةً يجب أخذها بالحسبان في السياق العامّ للمشروع.
- دع الفريق يمضي الكثير من الوقت معًا. هذه الفكرة واضحة لكن عادةً يتمّ تجاهلها. الأشخاص مشغولون جدًّا لدرجة تنسيهم أنّ جزءًا مهمًّ من تكوين الفريق هو قضاء الوقت معًا والتفكير معًا وتشكيل الروابط. الوقت الّذي يمضيه الفريق معًا وجهًا لوجه أو على الهاتف أو ضمن اجتماع كلّه مهمّ لبناء الترابط والثقة فيما بينهم.
- استغلّ قوّة تبادل الآراء والاعتراف والمكافآت. التعزيز الإيجابيّ هو دافع يساعد الأعضاء على الشعور براحة أكبر عند المشاركة كمّا يعزّز السلوكيّات والتوقّعات الّتي تسعى لتعميمها ضمن الفريق. بالرغم من كون العديد من المكافآت الخارجيّة قادرة على دفع الأعضاء إلّا أنّ بدء الفريق بالشعور بنجاحه وأدائه الخاصّ (المكافآت الداخلية) أكثر فعاليّة من المكافآت الخارحيّة.
-
التشارك (collaboration) هو مفهوم أساسيّ آخر وآليّة يمكن من خلالها أن تعمل الفرق بنجاح شديد. يبدو جمع فريق من الخبراء من أنحاء الشركة للعمل على مشروع واحد فكرةً لامعةً في أيّ موقف. تطرّق غراتان (Gratton) وإريكسون (Erickson) في مقالتهما "ثمانية طرق لبناء فرق تشاركيّة" (Eight Ways to Build Collaborative Teams) إلى أنّ التشاركيّة تنقص بشدّة عندما يعمل الفريق على مبادرة مشروع معقّدة. اختبر الباحثان في دراستهم 55 فريقًا كبيرًا وحدّدوا الفرق الّتي تمتلك تشاركيّة عالية بالرغم من التعقيد. ولاحظوا ثمانية عوامل نجاح لامتلاك مهارات تشاركيّة قويّة:
- ممارسات "مميّزة" في العلاقات بين الأشخاص.
- نماذج للتشارك بين المديرين.
- تأسيس ثقافة "إهداء" يشرف فيها المديرون على الموظّفين.
- التدريب في مهارات العلاقات.
- شعور بالمجتمع.
- قادة بارعين ماهرين في قيادة المهامّ والأشخاص.
- استغلال جيّد للعلاقات السابقة.
- وضوح الدور والتعليمات.
عندما تنمو الفرق في الحجم والتعقيد لا تعود الإجراءات الّتي كانت معتمدة مع الفرق الصغيرة تعمل معها. يجب أن تفكّر المنظّمات في كيفيّة بناء التشارك ضمن الفرق وكيف تستفيد من الممارسات المذكورة أعلاه في يناء العلاقات والثقة.
تطور الفريق مع مرور الوقت
إن كُنتَ جزءًا من فريق ما من قبل فلا بدّ أنّك قد استشعرت ـ"المراحل" المختلفة الّتي يمرّ بها تطوّر الفريق. تنطلق الفرق والأعضاء عادةً بُجرعةٍ عاليةٍ من الودّ المتبادل والحماس حول مشروعٍ ما أو طموحٍ ما، لكن يمكن أن يتعكّر صفو العلاقات ضمن الفريق بسرعة شديدة حالما يبدأ العمل الحقيقيّ. في عام 1965، طوّر عالم النفس التربويّ بروس تاكمان (Bruce Tuckman) من جامعة أوهايو نموذجًا من أربعة مراحل يشرح التعقيدات الحاصلة في تطوّر الفرق. سُمِّيَ النموذج الأصليّ "مراحل تاكمان لتطوّر المجموعات" وأضاف إليه مرحلة خامسة "الفضّ" في عام 1977 لشرح تفكّك الفريق بعد الانتهاء من المشروع. المراحل الأربعة لنموذج تاكمان هي:
- التشكيل
- التصارع
- التوافق
- الأداء
الفضّ
الشكل 10.3 نموذج تاكمان لتطوّر المجموعات (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
تبدأ مرحلة التشكل (Forming) عادةً بتقديم وتعارف الأعضاء. تُدعى هذه المرحلة "المرحلة المهذّبة" ويركّز الفريق فيها بشكلٍ أساسيّ على إيجاد التشابهات ونقاط التوافق مع الأعضاء الآخرين، كما ترجع المجموعة للقائد بحثًا عن البنيّة والتوجّه العام لسير العمل. يكون الأعضاء متحمّسين في هذه المرحلة ويكون النقاش حول قضايا عموميّة وعالميّة. يبدأ هنا تشكّل النظام الهرمي للمجموعة بشكل غر رسميّ لكن الأعضاء لا يزالون ودودين مع بعضهم.
تبدأ مرحلة التصارع (Storming) عندما يبدأ الأعضاء بالتنافس على القيادة وبتجربة عمليّات المجموعة. تُعرف هذه المرحلة باسم "مرحلة الربح-الخسارة" ففيها يتصادم الأعضاء للحصول على قيادة المجموعة ويبدأ الأعضاء بالتحزّب. يبدأ السلوك العام للفريق والمشروع بالانحدار ويسود الجوّ الإحباط حول الأهداف والمهامّ والأداء.
يمكن لمرحلة التوافق (Norming) أن تبدأ بعد عمليّة التصارع الطويلة والمؤلمة. يبدأ أعضاء الفريق خلال هذه المرحلة بتحسين أدائهم المشترك وبالإيمان بأهداف الفريق. يشكّل الفريق القواعد والحدود الأساسيّة ويحافظ عليها في جوّ من المسؤوليّة. يبدأ الأعضاء في هذه المرحلة بتقدير بعضهم واحترام الأعضاء الآخرين ومساهماتهم.
أخيرًا يدخل الفريق في مرحلة الأداء (Performing) حينما يبني زخمه ويبدأ بحصد النتائج. يكون الفريق في هذا المرحلة قائمًا بذاته ويتطلّب تدخّلًا محدودًا من الإدارة لا أكثر. يمتلك الفريق هنا الثقة والكبرياء والحماس ويحدث انسجام بين الفرد والفريق ورؤية الفريق. كما يمكن أن ينجح الفريق في أن يصبح فريقًا عاليَ الأداء. الفريق عالي الأداء هو الفريق الّذي حسّن أداء مهمّته والعلاقات بين أفراده بأفضل شكل؛ أي أنّه يرفع الأداء والكفاءة لأقصى حدّ. بيّن الباحثان (Katzenberg) و(Smith) في دراستهما حول الفرق "منحنى أداء الفريق"، وهو شكل بيانيّ يعبّر عن رحلة الفريق منذ بدئه على شكل مجموعة عمل أوليّة وصولًا إلى الفريق عالي الأداء. يظهر منحنى أداء الفريق في الشكل 10.5.
الشكل 10.5 منحنى أداء الفريق (حقوق النشر: جامعة Rice، منظّمة OpenStax، مرخّصة برخصة المشاع الإبداعيّ CC-BY 4.0).
عمليّة الوصول للفريق عالي الأداء ليست عمليّة مباشرة، وكذلك الأمر فيما يخصّ المراحل الأربع لنموذج تاكمان لتطوّر الفريق، فهي ليست مباشرة أيضًا، كما توجد عوامل قد تؤدّي لنكس أو تراجع أداء الفريق في مرحلة ما. وقد يحدث ذلك أيضًا إن كانت مهمّة المشروع غير واضحة أو مُقلِقة للفريق. تذكّر تجاربك الشخصيّة ضمن الفرق والتراجعات الّتي تعرّضت لها عند انضمام عضو جديد. من الممكن أيضًا أنّك شاهدت نفس هذه التراجعات عندما يحرّف قائد الفريق أو راعي المشروع المهمّة قليلًا أو عند إضافة مهمّة جديدة. يجب على الفريق أن يمرّ بالمراحل من جديد ويعيد التشكيل والتصارع قبل أن يعود لمرحلة الأداء.
اكتساب الروح المؤسساتية
إطلاق الفرق المبتدئة لا شيء أكثر إثارةً من الشركات المبتدئة حيث يكون الحماس عاليًا والأشخاص المشاركون متشوّقون للمغامرة والآفاق الجديدة. وتبعًا لوضع الشركة فقد تتلقّى تمويلًا من مستثمرين أو قد تنمو وتموّل نفسها ذاتيًّا في المراحل الأولى. وفي جميع الأحوال تواجه الشركة المبتدئة تساؤلات مختلفة، في البداية تمتلك أثرًا كبيرًا على نموّها وأدائها المستقبليّين. ومن أهمّ هذه الأسئلة الّتي قد تواجه أي شركة مبتدئة -أو غير مبتدئة- هي من سيقود الفريق؟ رأس المال البشريّ هو أهمّ المقوّمات الّتي قد تمتلكها الشركة، وقرار تحديد القائد مهمّ للغاية ضمن الشركات المبتدئة على وجه الخصوص؛ بسبب امتلاكها لموارد محدودة وبسبب أهميّة هذه الموارد من أجل بناء الشركة من الصفر.
يقول (Noam Wasserman) في مقالته "تشكيل فريق الشركة المبتدئة Assembling the Startup Team" المنشورة ضمن منشورات جامعة هارفرد للأعمال (HBSP) في يناير عام 2012:
اقتباسلا شيء يسيء للشركة الناشئة أكثر من حدوث مشاكل بين الأشخاص فيها. في الواقع ينسُب المستثمرون وأصحاب رؤوس الأموال 65% من المشاكل الحاصلة في الشركات الناشئة إلى مشاكل ضمن طاقم الإدارة، وذلك في بحث أُجْرِيَ حول أداء الشركات المبتدئة. وفي دراسة أخرى طُلِب فيها من المستثمرين أن يحدّدوا المشاكل الّتي قد تواجه الشركات الناشئة، أشارت 61% من الإجابات إلى مشاكل في الفريق. تنجم هذه المشاكل غالبًا من الاختيارات الّتي يقرّرها المؤسّسون عند إضافتهم لأعضاء جدد…
هذه الإحصائيّات مبنيّة على مشاكل الأشخاص في الشركات الناشئة، وبالتالي من غير الواضح ما هي نسبة الفشل في الشركات الكبيرة التي يمكن أن نعزوها إلى المشاكل بين الفرق والأشخاص. لكن في معظم الأحيان تلعب الإضطرابات ضمن مجموعات وفرق العمل في أي مؤسسة (كبيرةً رائدة كانت أم صغيرة ناشئة) دورًا أساسيًا في تراجع أداء الشركة. أثر مشاكل الأشخاص والفرق مهمّ للغاية في المنظّمات الناشئة الّتي لا تزال في بداية انطلاقتها وتسعى لتكوين العلاقات الصحيحة واتّخاذ القرارات المناسبة. إن كان أحد أصدقائك يدير شركةً ناشئة فلا بدّ أنّك لاحظت اختياره لأفراد العائلة والأصدقاء المقرّبين وزملاء العمل السابقين ليشاركوه في الفريق الناشئ في مرحلة البداية. وحالما تنمو الشركة الناشئة إلى حدّ معيّن؛ تصبح بحاجة لمدير تنفيذيّ خبير ليستلم قيادتها. وفي أيّ حال، تواجه الشركات الناشئة باكرًا أسئلة مهمّة حول بناء الفريق بالشكل الأمثل والأضمن للنجاح.
وفي المقالة المذكورة، يشير الكاتب إلى عناصر ثلاث أساسيّة يجب إدارتها بكفاءة لتجنّب المشكلات على المدى الطويل وهي: العلاقات والأدوار والمكافآت (3 Rs: Relationships, Roles and Rewards). تعني العلاقات الأفراد المُختارين للفريق، وهنا يجب الحذر من عدّة أمور. قد يبدو اختيار الأقارب أو الأصدقاء المقرّبين فكرةً سديدة في بادئ الأمر ولكنّ المخاطر بعيدة المدى لمثل هذا القرار (حسب البحث المذكور) تتخطّى الفوائد المكتسبة منه. قد يتشابه تفكير الأقارب والأصدقاء مع تفكير المؤسّس بشكل كبير، وهو ما يفقد الفريق فوائد تنوّع وجهات النظر وتنوّع العلاقات. الأدوار مهمّة أيضًا بسبب أهميّة توزيع العمل والمهام وتخصيص الدور المناسب للشخص المناسب. يجب أن يفكّر الفريق الناشئ مليًّا في تبعات تعيين الأشخاص لأدوار محدّدة؛ لأنّ ذلك قد يُملي على الشخص مدى سلطة قراراته. أخيرًا، قد يكون من الصعب تحديد مكافآت وتعويضات الفريق الناشئ على المدى الطويل والقصير. هذا القرار صعب خاصّةً لدى مؤسّسي الشركات الناشئة؛ لحاجتهم إلى الموازنة بين توزيع المكافآت وبين المحافظة على الموارد البشريّة الضروريّة لنجاح الشركة. من الضروريّ بالنسبة للشركات الناشئة التفكيرُ مليًّا في الحفاظ على التوازن بين المقوّمات الثلاثة السابقة وبين تعاملاتها، وخاصّةً في قراراتها الباكرة. من السهل جلب أفراد العائلة والأصدقاء للشركات الناشئة بسبب الثقة فيهم ولكن يجب أخذ العوامل الثلاثة بالحسبان لاتّخاذ قرارات مجدية على المدى الطويل.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding and Managing Work Teams) من كتاب Organizational Behavior
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: ما يجب أخذه في الحسبان عند إدارة الفرق
- المقال السابق: نظرية التوقع وتأثيرها على الدافعية في العمل
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.