في هذا المقال سنسلّط الضوء على آثار كلٍّ من السلطة والمكانة والأهداف ومهارات التواصل على عمليّة التواصل داخل البيئة المؤسساتيّة.
دور المدير
وجد مينتزبرغ (Mintzberg) في دراسة أجراها حول جمهرةٍ من المديرين أنّ معظم أدوارهم الوظيفيّة تدور حول ثلاثة وظائف إداريّة أساسيّة. هي كما يلي:
الأدوار الشخصية
تتطلّب طبيعة عمل المديرين التفاعل مع عدد كبير من الأشخاص خلال أسبوع العمل. يستضيفون حفلات الاستقبال ويصطحبون العملاء والزبائن لتناول العشاء ويلتقون مع الشركاء ويجرون مقابلات التوظيف ويكوّنون تحالفات وصداقات وعلاقات شخصيّة مع العديد من الأشخاص. أظهرت العديد من الدراسات أنّ مثل هذه العلاقات هي المصدر الأساسي للمعلومات وفرص العمل والصفقات للمديرين بسبب طبيعة التعامل المباشرة والشخصيّة مع الشركاء والوُسطاء.
تنشأ ثلاثة أدوار للمديرين مباشرةً من السلطة الرسميّة التي يتمتّعون بها، وتنطوي هذه الأدوار على العلاقات الشخصيّة الأساسيّة. الدور الأوّل هو الدور الصُوَريّ (figurehead role). يجب على كل مدير أداء بعض المهام الاحتفاليّة بصفته رئيسًا. أمضى الرؤساء التنفيذيّون في دراسة مينتزبرغ 12% من وقت التواصل في واجبات احتفاليّة وحفلات الاستقبالات. وخُصّص 17% من بريدهم الوارد للقرارات والطلبات المتعلقة بمنصبهم. أحد الأمثلة على ذلك هو أن يطلب رئيس شركة توفير بضائع مجانيّة لمدرسة لذوي الاحتياجات الخاصّة.
المديرون مسؤولون أيضًا عن عمل الأفراد في وحدتهم أو فريق عملهم الخاص، وترتبط أفعالهم في هذا الصدد ارتباطًا مباشرًا بدورهم القيادي. يظهر تأثير المديرين بشكل واضح في دور القائد وفقًا لمينتزبرغ. تمنحهم السلطة الرسميّة قوّة كبيرة، وتحدّد القيادة إلى حدّ كبير مقدار القوّة والسلطة التي يمتلكها الإداريون.
هل دور القائد مهم؟ اسأل موظفي شركة كرايسلر (Chrysler) (المسمّاة الآن فيات كرايسلر (Fiat Chrysler)). عندما تولّى سيرجيو مارتشيوني (Sergio Marchionne) -الّذي وافته المنية في عام 2018- إدارة الشركة في أعقاب الأزمة الماليّة التي عصفت بها وكانت تودي بصانع السيارات العظيم إلى حالة إفلاس كاملة وعلى وشك الانقراض. أقام سيرجيو علاقات جديدة مع عمال السيارات النقابيّين وأعاد تنظيم الإدارة العليا للشركة كما أقنع الحكومة الفيدراليّة الأمريكيّة بضمان سلسلة من القروض المصرفيّة الّتي من شأنها أن تجعل الشركة قادرة على الوفاء بها مرة أخرى.
يعود فضل تحصيل ضمانات القروض واستجابة النقابة وردّ فعل السوق -خاصّة بالنسبة لعلامة جيب (Jeep) التجاريّة- يعود فضل هذه الإنجازات إلى حد كبير إلى أسلوب قيادة مارتشيوني وجاذبيته الشخصيّة. ومن الأمثلة الأكثر حداثة عودة مؤسس ستاربكس (Starbucks) هوارد شولتز (Howard Schultz) لإعادة تنشيط وتوجيه شركته، بالإضافة إلى الرئيس التنفيذيّ لشركة أمازون (Amazon) جيف بيزوس (Jeff Bezos) وقدرته على الابتكار أثناء الأزمات الاقتصاديّة.
لم تتطرّق الكتب الإداريّة المنتشرة إلى دور التواصل بالتفصيل والوضوح الكافيين إلّا مؤخّرًا. تزداد أهميّة دور المديرين بإنشاء جهات اتّصال والحفاظ عليها خارج سلسلة للقيادة مع كلّ دراسة تقريبًا للعمل الإداري، والمثير للدهشة أنهم يقضون القليل من الوقت مع رؤسائهم. في دراسة روزماري ستيوارت (Rosemary Stewart) عام 1967؛ قضى 160 مديرًا بريطانيًا 47% من وقتهم مع أقرانهم و 41% من وقتهم مع أشخاص داخل وحدة عملهم و12% فقط مع رؤسائهم. كما أظهرت دراسة (Guest) عام 1956 حول مشرفي التصنيع الأمريكيّين نتائج مماثلة.
أدوار إخبارية
يُطلب من المديرين جمع العديد من أنواع المعلومات وتصنيفها وتحليلها وتخزينها ونشرها. ويصبحون بذلك مراكز للمعلومات، وغالبًا ما يخزّنون كمّيّات هائلة من المعلومات في رؤوسهم وينتقلون بسرعة من دور الجامع إلى دور الناشر في دقائق. على الرغم من أنّ العديد من مؤسّسات الأعمال تثبّت أنظمة معلومات إداريّة كبيرة ومُكلفة لأداء العديد من هذه الوظائف، إلا أن هذه الأنظمة لا يمكن أن تضاهي السرعة وقوة البديهة لعقل المدير المدرّب جيدًا في خضمّ معالجة المعلومات. لذلك ليس من المُستغرب أن يفضّل معظم المديرون هذه الطريقة.
يُمحّص المديرون باستمرار بيئة العمل بحثًا عن المعلومات، ويتحدّثون بدأبٍ مع جهات الاتّصال والمرؤوسين وقد يتلقَّون معلومات غير مرغوب فيها تأتي معظمها من شبكة جهات الاتصال الشخصيّة الخاصة بهم. يصل جزء كبير من هذه المعلومات شفهيًّا على شكل ثرثرة وإشاعات وتكهنات غالبًا.
يُمرّرُ المديرون في دور الناشر المعلومات المميّزة مباشرة إلى المرؤوسين الّذين قد لا يتمكّنون من الوصول إليها. يجب على المديرين أن يقرّروا من يجب أن يتلقّى هذه المعلومات وأيضًا مقدارها وبأيّ شكل. يُطلب من المديرين أن يقرّروا حاجة المرؤوسين والأقران والعملاء وشركاء الأعمال وغيرهم إلى الوصول المباشر للمعلومات على مدار 24 ساعة في اليوم دون الحاجة إلى الاتّصال بالمدير مباشرة.
يرسل المديرون في دور المتحدّث الرسميّ معلومات إلى أشخاص من خارج مؤسساتهم: يُلقي المدير التنفيذيّ خطابًا للضغط من أجل قضية تخصّ المؤسّسة أو يقترح المشرف على المورد تعديل المنتج. يُطلب من المديرين أيضًا التعامل مع ممُثّلي وسائل الإعلام الإخباريّة وتقديم الردود الواقعيّة والّتي ستُطبع أو تُبثّ إلى جماهير واسعة مباشرةً أو بعد القليل من التحرير. تُعدُّ المخاطر في مثل هذه الظروف كبيرة وذات وقعٍ قوي، لكن المكافآت المُحتملة كبيرة أيضًا، مثل التعرّف وإشهار العلامة التجاريّة والصورة العامّة والرؤية المؤسّساتيّة.
أدوار اتخاذ القرار الاداري
يتحمل المديرون مسؤوليّة اتخاذ القرارات نيابة عن كلّ من المنظّمة وأصحاب المصلحة المهتمّين بها. غالبًا ما تُتّخذ مثل هذه القرارات في ظلّ ظروف شديدة الغموض ومع معلومات غير كافية. تساعد الأدوار الإداريّة الأخرى المدير في كثير من الأحيان على اتّخاذ قرارات صعبة تكون فيها النتائج غير واضحة أو مبهمة وتتضارب فيها المصالح غالبًا.
يسعى المديرون في دور رائد الأعمال باستمرار إلى تحسين أعمالهم والتكيّف مع ظروف السوق المتغيّرة والاستجابة للفرص. يدرك المديرون الّذين يتمتّعون بنظرة طويلة بعيدة وبصيرة جيّدة يدركون مسؤولياتهم وحاجتهم إلى إعادة تكييف أنفسهم وخطوط منتجاتهم وخدماتهم واستراتيجياتهم التسويقيّة وطرقهم في ممارسة الأعمال التجاريّة حيث تصبح الأساليب القديمة غير مناسبة مع تقدّم عجلة التطوّر واحتداد سوق المنافسة العالميّة.
وفي حين يتمثّل دور رائد الأعمال بالمديرين الّذين يشرعون في التغيير، فإنّ دور التعامل مع الاضطرابات أو الأزمات يصف المديرين الّذين يجب أن يتفاعلوا بشكل لا إراديّ مع الظروف. يمكن أن تنشأ الأزمات لأنّ المديرين السيّئين يفشلون في التكيّف مع الظروف الطارئة أو أنها تخرج عن نطاق السيطرة، ولكن في كثير من الأحيان يجد المديرون الجيّدون أنفسهم في خضمّ أزمة لم يكن بإمكانهم توقّعها ولكن يجب أن يتفاعلوا معها بسرعة وحذر.
الدور الثالث هو دور مُتخصّص الموارد ويشمل اتّخاذ قرارات بشأن مَن مِن الأشخاص يحصل على ماذا وبأيّ قدر ومتى وما الهدف. موارد المؤسسات تكون محدودة عادةً وتشمل التمويل والمعدّات والعمالة البشرية والمكتب أو مساحة الإنتاج وحتّى وقت المدير، والطلب عليها يفوق العرض حتمًا. يجب على المديرين اتّخاذ قرارات عقلانيّة بشأن هذه الأمور مع الاستمرار بالاحتفاظ بأفضل موظّفيهم وتحفيزهم وتطويرهم.
الدور النهائيّ لاتّخاذ القرار هو دور المُفاوِض. يقضي المديرون وقتًا طويلاً في المفاوضات: حول مخصّصات الميزانية واتّفاقيات العمل والمفاوضة الجماعيّة وحلّ النزاعات الرسميّة الأخرى. غالبًا ما يتّخذ المديرون خلال الأسبوع الواحد عشرات القرارات الناتجة فيما يتعلّق بمفاوضات موجزة ومهمّة بين الموظّفين والعملاء والمورّدين وغيرهم ممّن يجب على المديرين التعامل معهم.
التواصل الإداري وسمعة الشركة
التواصل الإداريّ هو تخصص رئيسيّ في دراسة التواصل وسمعة الشركة. إنّ فهم أسلوب اللغة وملكاتها المتأصّلة -جنبًا إلى جنب مع مهارة التحدث والكتابة والاستماع وتكوين العلاقات الشخصيّة- سيحدد ما إذا كانت الشركة ستنجح أو تفشل وما إذا كانت سترقى أم تنحدر سمعتها.
كتب بيتر دراكر (Peter Drucker) في منتصف القرن العشرين: "على المديرين أن يتعلّموا معرفة اللغة لفهم ماهيّة الكلمات وما تعنيه. وربما الأهمّ من ذلك أنّ عليهم اكتساب الاحترام للّغة باعتبارها أثمن هدية وتراث [لنا]. يجب أن يفهم المدير معنى التعريف القديم للبلاغة على أنّه الفن الذي يجذب قلوب الرجال إلى حب المعرفة الحقيقية".
أعاد إيكلس (Eccles) ونوريا (Nohria) لاحقًا صياغة وجهة نظر دراكر لتقديم منظور للإدارة لم يره سوى قلّة من قبل، وهو: "لرؤية الإدارة في منظورها الصحيح ، يجب على المديرين أوّلاً التعامل مع اللغة بجدّيّة." يجب التركيز على ثلاث قضايا: استخدام البلاغة لتحقيق أهداف المدير وتشكيل الهويّة الإداريّة واتّخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف المؤسسة الّتي توظّفنا. كما يقولون: "جوهر ما تعنيه الإدارة [هو] الاستخدام الفعّال للغة لإنجاز الأمور". من الأشياء الّتي ينجزها المديرون إنشاء سمعة الشركة وإدارتها ومراقبتها.
تصبح بالتالي مهمّة المدير الكفؤ والفعّال عبارة في جوهرها فهم اللغة و أسلوب العمل، كما تتضمّن أيضًا تشكيل رؤية الآخرين لك ونظرتهم لدورك الإداري. درس العديد من الباحثين العلاقة المهمّة بين التواصل والعمل داخل المنظّمات الكبيرة والمعقدّة و استنتجوا أن الاثنين يرتبطان مع بعضهما ارتباطًا وثيقًا، فبدون الكلمات الصحيحة المُستخدمة بصواب؛ من غير المحتمل أن تتشكّل السمعة الصحيحة.
يقول إكليس ونوريا أنّ "الكلمات مهمّة للغاية. بدون كلمات ليس لدينا طريقة للتعبير عن المفاهيم الاستراتيجيّة أو الأشكال الهيكليّة أو التصاميم لأنظمة قياس الأداء". وخلَصُوا إلى أنّ اللغة "مهمّة للغاية بالنسبة للمديرين ولا يمكن اعتبارها أمرًا مفروغًا منه ولا يمكن السماح إطلاقًا بإساءة استخدامها."
فإذا كانت اللغة هي مفتاح المدير لإدارة سمعة الشركة، فإنّ السؤال التالي واضح: ما مدى جودة المديرين في استخدام اللغة؟ تعتمد قدرة المديرين على التصرف كلّيًّا على مدى فعالية استخدامهم للتواصل الإداريّ اللفظي، سواءً لتوظيف القوى العاملة الموهوبة أم لتغيير سمعة المؤسّسة أو لإطلاق خط إنتاج جديد. ستحدّد فعاليّة المديرين في حديثهم وكتابتهم مدى قدرتهم على إدارة سمعة الشركة إدارةً جيّدة وستحدّد قدرتهم على الاستماع مدى فهمهم للآخرين ومدى استجابتهم وقدرتهم على تغيير المنظمة استجابةً لتعليقاتهم.
سنستعرض الآن الدور الّذي يلعبه التواصل الإداريّ في تكوين سمعة الشركة وإدارتها وتغييرها والدور الذي يلعبه الخطاب في المنظّمات. سنركّز في مقالاتنا القادمة على الرغم من ذلك على مهارات وقدرات وكفاءات استخدام اللغة ومحاولة التأثير على الآخرين والاستجابة لمتطلبات الأقران والرؤساء وأصحاب المصلحة والمنظّمة الّتي يعمل فيها المديرون والموظفون.
يتعلّق التواصل الإداريّ بحركة المعلومات والمهارات الّتي يمهّد لها أسلوب التحدث والكتابة والاستماع وعمليات التفكير النقديّ. يتعلّق الأمر أيضًا بفهم ماهيّة مؤسّستك (الهوية) وما يعتقده الآخرون عن مؤسّستك (السمعة) والمساهمات التي يمكن للأفراد تقديمها في نجاح أعمالهم مع مراعاة السمعة الحالية لمنظمتهم. يتعلّق الأمر أيضًا بالثقة؛ أي معرفة الفرد وثقته بمدى اتقانه لأسلوب التحدّث والكتابة والاستماع بمهارة كبيرة لما يقوله الآخرون والبحث عن التعليقات الأساسيّة وتقديمها لبناء سُمعة المؤسسة أو إدارتها أو تغييرها.
سينصب تركيزنا في مقالات سلسلتنا القادمة على أن التواصل هو أساس ولُبُّ عمل المديرين من نواحٍ عدّة. سنفصّل أدوار الكتابة والتحدث في الإدارة بالإضافة إلى التطبيقات والتحديات الأخرى الّتي يواجهها المديرون أثناء تأديتهم لدورهم الإداري في بناء سمعة الشركة وصيانتها وتغييرها.
ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Communication) من كتاب Organizational Behavior
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: قنوات التواصل الإداري الأساسية: التحدث والاستماع والقراءة والكتابة
- المقال السابق: أشكال التواصل في المؤسسات
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.