تُعدُّ كلٌّ من أنظمة إدارة الأداء وأنظمة المكافآت من الآليات المهمة التي يمكن استخدامها لتعزيز أداء الأفراد والمجموعات وتحفيزهم، بالتالي الارتقاء بالأداء العام للمؤسسة ورفع معدلات إنتاجيتها ونموها. إنَّ أنظمة الأداء وأنظمة المكافآت جزء من ثقافة الشركة؛ إذ إنَّها تُبيِّن الطريقة المُستخدمة لإدارة أداء (أو ضعف أداء) الموظفين الذين يعملون فيها، ودرجة استعدادها لتقدير أولئك الموظفين ومكافأتهم على أدائهم. لقد ظهرت خلال السنوات الماضية العديد من وجهات النظر حول أفضل الاستراتيجيات والطرق التي تُفضي إلى تقدير الموظفين ومكافأتهم، والتي تُسهم أيضًا في تعزيز أدائهم ودافعيتهم.
نظام المكافآت والحوافز
يجب في البداية توضيح مصطلح نظام المكافآت والحوافز قبل الحديث عن أفضل الاستراتيجيات والنتائج المرتبطة به. إنَّ أنظمة المكافآت (rewards systems) هي الإطار الذي تضعه المؤسسة (بواسطة قسم الموارد البشرية في معظم الأحيان) وتستخدمه لتقديم نوع من المكافأة (النقدية أو غيرها) للموظفين مقابل أدائهم، والهدف هو تعزيز دافعيتهم وتحفيزهم لكي يواصلوا العمل لصالح المؤسسة. تتكوَّن أنظمة المكافآت في الأساس من البرامج والسياسات المرتبطة بالتعويضات، ولكن قد تشمل أيضًا الامتيازات التي سوف تُقدَّم للموظفين وغيرها من المكافآت الإضافية التي تلبِّي احتياجاتهم.
ينصبُّ التركيز الأساسي لأنظمة المكافآت التي تُحدِّدها إدارة الموارد البشرية على النجاح في تطبيق نظام التعويضات داخل المؤسسة. إنَّ معظم المؤسسات تسعى إلى تطبيق برنامج الدفع مقابل الأداء (pay-for-performance) الذي يُقدِّم أجورًا تنافسية في سوق العمل ويقدّم تعويضات مختلفة للموظفين بناءً على أدائهم. تتبنَّى المؤسسة التي تُطبِّق برنامج الدفع مقابل الأداء فلسفة تهدف إلى مكافأة أفضل الموظفين أداءً بهدف جعلهم رمزًا يُحتذى وترغيب الموظفين الآخرين في المكافآت وتحسين الأداء العام للمؤسسة، وإيلاء اهتمام خاص بالموظفين الأكثر تأثيرًا.
يُشير ستيفن ميلر في إحدى المقالات المنشورة بعنوان «دراسة: الدفع مقابل الأداء يؤتي ثماره» على الموقع الإلكتروني لجمعية إدارة الموارد البشرية (SHRM) في عام 2011، يشير إلى أنَّ أهم أربعة عوامل تدفع الشركات للبدء في تطبيق استراتيجية الدفع مقابل الأداء هي:
- تقدير الأفراد ذوي الأداء العالي ومكافأتهم (46.9%)
- زيادة احتمالية تحقيق أهداف الشركة (32.5%)
- تحسين الإنتاجية (7.8%)
- نبذ ثقافة الاستحقاق (7.8%)
أظهرت الدراسة أيضًا أنَّ دوافع الشركات لتطبيق استراتيجية الدفع مقابل الأداء كانت مختلفة، وذلك يعتمد على ما إذا كانت الشركة ذات أداء مرتفع أم منخفض. لقد صرَّحت نصف المؤسسات ذات الأداء المرتفع تقريبًا بأنَّ تقدير أفضل الموظفين أداءً ومكافأتهم كان الدافع الأساسي الأول لتطبيق الاستراتيجية، ويتضح من ذلك أنَّ المؤسسات ذات الأداء المرتفع التي تُطبِّق هذه الاستراتيجية تؤمن بفكرة التمييز في المكافآت بين الأفراد ذوي مستويات الأداء المختلفة. في المقابل، يبدو أنَّ المؤسسات ذات الأداء المنخفض ليست متأكدة من حقيقة دوافعها لتطبيق استراتيجية الدفع مقابل الأداء، وقد كان تحقيق أهداف الشركة هو الدافع الأول الذي أشارت إليه هذه المؤسسات.
وفقًا لتقرير "Compensation Programs and Practices Report" الذي أعدَّته جمعية WorldatWork في عام 2015، يستمر استخدام برنامج الدفع مقابل الأداء في النمو، وقد ذكرت (72%) من الشركات بأنَّها تربط زيادة الأجور بالأداء الوظيفي، وأشارت (67%) من الشركات إلى أنَّ الزيادات التي يحصل عليها الموظفون ذوو الأداء العالي أكثر بـِ 1.5 مرة على الأقل من تلك التي يحصل عليها الموظفون ذوو الأداء المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أنَّ نتائج الاستطلاع تشير إلى أنَّ تقبُّل الموظفين لفلسفة المؤسسة فيما يتعلَّق بالتعويضات يزداد عندما يكون هناك فرق أكبر بين الزيادات التي يحصل عليها كلّ من ذوي الأداء المتوسط وذوي الأداء العالي، إذ إنَّ ذلك يُؤكد على أنَّ الشركة جادَّة بشأن الدفع مقابل الأداء.
يتكوَّن برنامج الدفع مقابل الأداء من عدة عناصر، ويواجه قسم الموارد البشرية صعوبة في تصميم تلك العناصر المختلفة وتحليلها وتعميمها وإدارتها حتى يُنفَّذ البرنامج بأسلوب مناسب وقانوني. يتوجَّب على قسم الموارد البشرية أن يُشرك إدارة الشركة في وضع عناصر برنامج الأجر مقابل الأداء والتي تتضمَّن:
- تحديد فلسفة المؤسسة فيما يتعلَّق بالأجور. ينبغي على إدارة الشركة أن تصادق على أنَّها سوف تُشجِّع الثقافة القائمة على مكافأة الموظفين على الأداء القوي.
- دراسة الآثار المالية المترتبة على إحداث تغييرات لتطبيق برنامج الدفع مقابل الأداء. ما مقدار الفرق في الأداء لدينا؟ ما هي تكلفة تطبيق ذلك؟
- تحديد أي ثغرات موجودة في العمليات الحالية، مثل: إدارة الأداء، وزيادة الجدارة، والمكافآت قصيرة الأجل وطويلة الأجل. إذا كانت سياسات الموارد البشرية والتعويضات الحالية تتعارض مع برنامج الدفع مقابل الأداء، فيجب مراجعتها وتغييرها. إذا كان هناك مواطن خلل في عملية إدارة الأداء، فيجب تصحيحها قبل تنفيذ برنامج الدفع مقابل الأداء؛ وإلَّا ستقل ثقة أفراد المؤسسة فيه. يجب أيضًا الرجوع إلى بيانات السوق عند وضع هيكل الرواتب حتى تتأكَّد المؤسسة من أنَّ سياسة التعويضات الخاصة بها ستمكِّنها من أن تكون في الموضع الذي ترغب فيه في السوق.
- تحديث العمليات المرتبطة بالتعويضات، وذلك بإدخال عناصر برنامج الدفع مقابل الأداء الجديدة فيها، ويتضمَّن ذلك تصميم مصفوفة الجدارة (merit matrix)، التي تربط الزيادات السنوية في أجور الموظفين بأدائهم، بالإضافة إلى تصميم مصفوفة المكافآت قصيرة الأجل واستراتيجية المكافآت طويلة الأجل. بعبارة أخرى، ينبغي الإجابة عن الأسئلة التالية: كيف يؤثِّر الأداء على مدفوعات المكافآت؟ ما هو الفارق (أو مقدار الزيادة) لكل مستوى؟
- تبليغ المديرين والموظفين بفلسفة برنامج الدفع مقابل الأداء والتغييرات التي سوف تطرأ وتدريبهم عليها. ينبغي توضيح التغييرات في ضوء الثقافة العامة للمؤسسة؛ إذ تُعدُّ هذه الخطوة استثمارًا طويل الأجل للمواهب والأداء في المؤسسة.
استراتيجية المكافآت الإجمالية
يؤدِّي متخصِّصو إدارة الموارد البشرية دورًا رئيسيًا في تحديد أنظمة المكافآت، وتُعدُّ التعويضات التي تُقدَّم للموظفين مجرَّد أساس واحد فقط (ولكنَّه الأساس الأكثر أهمية) من «المكافآت الإجمالية». تشير جمعية (WorldatWork) إلى أنَّ المكافآت الإجمالية هي علاقة ديناميكية بين أصحاب العمل والموظفين. تُشير الجمعية أيضًا إلى أنَّ استراتيجية المكافآت الإجمالية (total rewards strategy) هي الاستراتيجية التي تضعها المؤسسة لجذب الموظفين وتحفيزهم والاحتفاظ بهم وإدماجهم، تتكوَّن هذه الاستراتيجية من ستة عناصر هي:
- التعويضات: الأجر الذي يقدمه صاحب العمل لموظفيه مقابل الخدمات التي يؤدّونها (أي مقابل الوقت والجهد والمهارة)، ويشمل هذا كلًّا من الأجر الثابت والأجر المُتغير المرتبط بمستويات الأداء.
- الامتيازات: البرامج الإضافية التي يُطبِّقها صاحب العمل إلى جانب التعويضات النقدية التي يُقدِّمها للموظفين، ومن الأمثلة عليها: البرامج الصحية وبرامج حماية الدخل وبرامج الادخار وبرامج التقاعد، التي توفِّر الأمن للموظفين وأسرهم.
- فعالية العمل والحياة: يُقصد بها مجموعة محدَّدة من الممارسات والسياسات والبرامج التنظيمية، إلى جانب فلسفة قائمة على دعم الجهود المبذولة من أجل مساعدة الموظفين على النجاح والتوفيق بين الحياة العملية والحياة الشخصية.
- التقدير: برامج رسمية أو غير رسمية تُقرُّ أو تهتمُّ بشكل خاص بإنجازات الموظفين وجهودهم أو سلوكياتهم وأدائهم، وتُشجِّع استراتيجية العمل من خلال تعزيز السلوكيات المرغوب فيها (مثل الإنجازات المميزة) والتي تساهم في نجاح المؤسسة.
- إدارة الأداء: التنسيق بين أنشطة المؤسسة وفِرق العمل والأفراد في سبيل تحقيق أهداف العمل ونجاح المؤسسة ككل. تتضمَّن عملية إدارة الأداء تحديد التوقعات، وعرض المهارات، والتقييم، والتغذية الراجعة، والتحسين المستمر.
- تنمية المواهب: توفير الفرص والوسائل التي تساعد الموظفين على تطوير مهاراتهم وكفاءاتهم المهنية على المدى القريب والبعيد.
نموذج المكافآت الإجمالية وفق جمعية WorldatWork (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))
دوافع تحفيز الأفراد
إنَّ إدارة الموارد البشرية هي المسؤولة عن تحديد العناصر المختلفة لاستراتيجية المكافآت الإجمالية الخاصة بالمؤسسة والتحقُّق من أنَّها مناسبة لجذب الموظفين الجيدين والاحتفاظ بهم. من المعلوم أنَّ هناك العديد من المكافآت المختلفة التي يمكن أن تحفِّز الأفراد بناءً على دوافعهم الشخصية، وقد نشرت مجلة هارفارد بزنس ريفيو في عام 2008 مقالًا بعنوان «Employee Motivation: A Powerful New Model»، "تحفيز الموظفين: نموذجٌ فعّال معاصر" ، وأشار مؤلفو هذا المقال إلى أنَّ هناك أربعة دوافع تعمل على تحفيز الأفراد، وأكَّدوا على أنَّ هذه الدوافع مغروسة في عقولنا وتؤثِّر بشكل مباشر على عواطفنا وتصرُّفاتنا. هذه الدوافع الأربعة هي: حب التملُّك، وحب الانتماء، وحب المعرفة، والحماية. سنوضِّح فيما يلي كلّ دافع من هذه الدوافع وكيف يمكن التعامل معها في إطار المؤسسة.
يشير دافع حب التملُّك إلى أنَّنا جميعًا نمتلك رغبةً في الحصول على السلع النادرة التي تعزِّز من شعورنا بالرفاهية، ويبدو أنَّ هذا الدافع نسبي (أي أنَّه يعتمد على مقارنة ما لدينا بما لدى الآخرين) ولا يُمكن إشباعه إشباعًا تامًّا (أي أنَّنا نرغب في الحصول على المزيد دائمًا). تتعامل المؤسسة مع هذا الدافع من خلال نظام المكافآت، وتتخذ الإجراءات من أجل التمييز بين مستويات الأداء ومكافأة للموظفين بناء على أدائهم وتقديم أجور تنافسية.
يشير دافع حب الانتماء إلى أنَّ البشر لا يرتبطون فقط بالأفراد؛ بل يرتبطون أيضًا بالمؤسسات والجمعيات والدول. يُشبَع هذا الدافع داخل المؤسسة عندما يشعر الموظفون بالفخر لأنَّهم جزء من المؤسسة وبالسرور لكونهم أعضاء في فريق العمل، ويُغرس ذلك الشعور من خلال ثقافة المؤسسة وما تتخذه من إجراءات لتعزيز المسؤولية المشتركة والصداقة بين الموظفين وتقدير التعاون والعمل الجماعي وتشجيع المشاركة واتباع أفضل الاستراتيجيات أثناء العمل.
يشير دافع حب المعرفة إلى أنَّنا جميعًا نرغب في فهم العالم الذي نعيش فيه وبناء النظريات والتصوُّرات المختلفة لتفسير حقيقة الأشياء، ومن بين الأمور التي تُحفِّز الأفراد هي توقهم إلى أن يتجاوزوا التحديات التي تواجههم وأن يكون لهم دور وبصمة في هذه الحياة. تستطيع المؤسسات إشباع هذا الدافع لدى الموظفين من خلال تصميم وظائف تتضمَّن تأدية أدوار متميِّزة ومهمة في المؤسسة، بالإضافة إلى وظائف بنَّاءة تعزِّز الشعور بالمساهمة والإنجاز لدى الموظفين.
يشير دافع الحماية إلى غريزتنا للدفاع عن أنفسنا وعائلاتنا وأصدقائنا، ويرتبط بالمواقف الدفاعية التي نتخذها لمواجهة التهديدات الخارجية، ويكشف أيضًا هذا الدافع عن مستوى مقاومتنا للتغيير والأسباب التي تجعل بعض الموظفين يتصرَّفون بطريقة وقائية أو عاطفية. تتعامل المؤسسات مع هذا الدافع من خلال عمليات إدارة الأداء وتخصيص الموارد، وتتخذ الإجراءات في سبيل زيادة الشفافية والعدالة وتعزيز ثقة الموظفين بها من خلال تحقيق العدل بينهم في المكافآت والمسؤوليات وتقدير الجهود التي يبذلونها.
تُعدُّ أنظمة التعويضات والمكافآت مجالًا معقَّدًا للغاية من مجالات إدارة الموارد البشرية، وتهتمُّ المؤسسات بها بشكل أساسي؛ إذ تُعدُّ التعويضات والمكافآت من أهم الدوافع التي تُحفِّز الأقراد ضمن المجتمعات. ينبغي على إدارة الموارد البشرية أيضًا الأخذ بالحسبان مختلف عناصر استراتيجية المكافآت الإجمالية التي بيَّناها في هذا المقال، بالإضافة إلى الدوافع والوسائل التي يمكن استغلالها لتحفيز الموظفين.
ترجمة -وبتصرف- للفصل Influencing Employee Performance and Motivation من كتاب Principles of Management
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: سياسة التوظيف: إعداد المؤسسة للمستقبل
- المقال السابق: إدارة الأداء في عملية إدارة الموارد البشرية
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.