وضع علماء اﻹدارة اﻷوائل اﻷسس التي مكَّنتِ المديرين من فهمٍ أفضل لعمالهم، والطريقة المثلى لتحفيزهم، ومنذئذ، زودتنا بنظريات جديدة، وبفهم أفضل لتحفيز العامل، ويشرح هذا المقال أربعًا من تلك النظريات، وهي: نظرية التوقع، ونظرية المساواة، ونظرية تحديد اﻷهداف، ونظرية التعزيز.
نظرية التوقع
إن أفضل نظريات التحفيز دعمًا، وأكثرها قبولًا على نطاق واسع، هي نظرية التوقع Expectancy Theory، التي تركز على العلاقة بين التحفيز، والسلوك، وبحسب هذه النظرية، تعتمدُ احتمالية تصرُّف الفرد بطريقة ما على قوة اعتقاده بأن التصرف ستكون له نتيجة معينة، وعلى ما إذا كان ذلك الفرد يُقدِّر تلك النتيجة، وتعتمد الدرجةُ التي يُحفَّزُ فيها الموظف على ثلاث علاقات مهمة تُبيِّنُها الصورةُ 9.6، وهي:
- العلاقة بين الجهد، واﻷداء، أو قوة توقع الفرد، بأن قدْرًا معينًا من الجهد سيؤدي إلى مستوى أفضل للأداء.
- العلاقة بين اﻷداء، والنتيجة، أو قوة توقُّع أن مستوى معينًا من اﻷداء سيؤدي إلى نتيجة معينة.
- العلاقة بين النتائج، واﻻحتياجات الفردية، أو الدرجة التي يتوقع معها الفرد أنَّ النتائج المنشودة تُشبِعُ اﻻحتياجاتِ الشخصية، ويوجد في بعض النتائح تكافؤٌ، أو قيمة، للأفراد أكثر مما في نتائج أخرى.
الصورة 9.6 كيف يمكن للتوقعات أن تقود إلى التحفيز.
نظرية المساواة
هناك تفسير آخر مُعاصر للتحفيز -أيضًا- وهو نظرية المساواة Equity Theory التي تستند إلى تصورات اﻷفراد عن كيفية التعامل معهم بمساواة، بالمقارنة مع زملائهم في العمل؛ فالمساواة تعني العدل، أو اﻹنصاف؛ وفي مجال العمل، تشير إلى الإنصاف الذي يشعر به الموظفون من الطريقة التي يُعامَلون بها، والمكافآت التي يكسبونها، فمثلًا: تصوَّر أنه قُدِّمَت إليك وظيفةٌ بعد التخرج براتب 55,000 دولار سنويًا، مع مكاسب ومزايا كبيرة، فمن المتوقع أنك ستشعر بسعادة غامرة، وستزداد سعادتك لوِ اكتشفتَ أن زميلك في المكتب المجاور كان يجني 45,000 دولار سنويًا -فقط- مقابل الوظيفة ذاتها، ولكن ماذا لو كان زميلُك ذاتُه يجني 59,000 دولار على الوظيفة ذاتها؟ من المحتمل أنك ستعدُّ ذلك ظلمًا، وخاصة إذا كان لدى زميلك المؤهلاتُ ذاتها التي لديك، وبدأ العمل في الوقت ذاته؛ الذي بدأت فيه أنت. إن تحديدك لعدالة الوضع سيعتمد على كيفية إحساسك تجاه مقارنتك مع الآخَر، فالموظفون يقيّمون نتاجاتهم (مثل الراتب، والمزايا) بالنسبة إلى مدخلاتهم (مثل: عدد ساعات العمل، والتعليم، والتدريب) ثم يقارنون نسبة نتاجاتهم مقابل مدخلاتهم مع واحد مما يأتي:
- تجربتهم السابقة في منصب مختلف في الشركة الحالية.
- تجربتهم السابقة في شركة مختلفة.
- تجربة موظف آخر في الشركة الحالية.
- تجربة موظف آخر خارج الشركة.
وبحسب نظرية المساواة، إذا وجدَ الموظفون أنَّ هناك ظُلمًا، فسيتخذون واحدًا من الخيارات التالية:
- تغيير عاداتهم في العمل (سيبذلون جهدًا أقل في وظائفهم).
- تغيير دخلهم، والمزايا التي يحصلون عليها في الوظيفة (سيطالبون بزيادة أجورهم، ويسرقون من رب العمل).
- تشويه نظرتهم إلى أنفسهم (كأن يقول أحدُهم: " كنت لوقتٍ طويل أظن نفسيَ ذكيًا، ولكنني اﻵن متأكد من أنَّ زملائي في العمل أذكى مني بكثير).
- تشويه نظرتهم إلى اﻵخرين ("إنَّ وظيفة زميلي جو هي حقًا أقل مرونة بكثير من وظيفتي").
- النظر إلى الوضع من زاوية مختلفة ("أنا لا أقوم بكثير من العمل مثل: رؤساء اﻷقسام اﻷخرى، لكنني أنجز أكثر بكثير من معظم مصممي الجرافيك).
- التخلص من الوضع الذي يشعرون فيه بالظلم (يتخلون عن الوظيفة).
وبوسع المديرين استعمالُ نظرية المساواة لتحسين رضا العمال، ومع علمهم بسَعي كلِّ موظفٍ إلى معاملة عادلة ومنصفة؛ يغدو المديرون قادرين على بذل جهدٍ لفهم تصورات الموظف عن اﻹنصاف، واتخاذِ خطوات للحد من المخاوف بشأن الظلم.
الصورة 9.7: يؤمن مؤسِّسا شركة الآيس كريم بن آند جيري Ben & Jerry، وهما بن كوهين Ben Cohen، وجيري غرينفيلد Jerry Greenfield، إيمانًا راسخًا بالمبدأ القائل "احصدِ النجاحَ بفعل الخير". وقد أدت هذه المثالية بالمؤسسين إلى أن يقسِما ذات مرة قسمهما الشهير، ومفاده أنْ لا أحدَ من مديري شركتهما سيحصل على أكثر من سبعة أضعاف مرتب أدنى عمالها، ولكن، عندما تطلَّبَ النمو اجتذاب إدارة استثنائية عالية المستوى، تخلتِ الشركةُ في النهاية عن النسبة المفروضة ذاتيًا عليها؛ بين أدنى معدلات التعويض، وأعلاها.
نظرية تحديد اﻷهداف
تعتمد نظرية تحديد الأهداف Goal-Setting Theory على افتراض أنَّ نية الفرد في العمل لتحقيقِ هدفٍ ما؛ هي مصدرٌ أساس للتحفيز، فما إن يحددُ الفردُ هدفًا ما، حتى يوضِّح له ذلك الهدفُ ما يجب إنجازه، ومقدارَ الجهد المطلوب ﻹكماله، ولهذه النظرية ثلاثة مكونات رئيسة، هي:
- تؤدي اﻷهداف المحددة إلى مستوى أداءٍ أعلى من اﻷهداف العامة ("ابذل قُصارى جهدك").
- تؤدي اﻷهداف اﻷكثر صعوبة إلى أداء أفضل من اﻷهداف السهلة (بشرط أن يتقبل الفردُ الهدفَ).
- تُعزِّزُ التقييماتُ التي تُعطى حول التقدُّم باتجاه الهدف الأداء المُنجَز. ولتلك التقييمات أهمية خاصة ﻷنها تساعد الفرد على تحديد الفجوة بين الواقع (اﻷداء الفعلي) والمثالية (النتيجة المرجوّة التي حددها الهدف). وبالنظر إلى التوجُّه الخاص بتمكين الموظفين في أماكن العمل، فهناك المزيد من الموظفين الذين يساهمون في عملية تحديد الأهداف.
وفي العام 2017، وبهدف مساعدة الموظفين أثناء موسم الذروة في تسليم الطرود أيام العُطَل، فقد منحتهم شركاتُ يو بي إس UPS، وفيديكس Fedex، والخدمة البريدية للولايات المتحدة US. Postal Service أجرًا إضافيًا مقابل العمل الإضافي الذي أدَّوه لمساعدتها في تحقيق أهدافها؛ حتى إن شركة يو بي إس نشرت بعضَ موظفي المكاتب؛ للمساعدة في تسليم الطرود، ووضعت أهدافًا لفِرَق العمل، لضمان وجود تعاون، كما شاركتِ المكافآتِ مع موظفيها من أقسام مختلفة ضمن الشركة. ويبدو أنَّ تلك الاستراتيجية قد كُلِّلَت بالنجاح، إذ وردت تقارير من تلك الشركة المذكورة تفيد بتحقيق نسبة تسليم طرود بلغت 99.1% خلال الأسبوع الذي سبق عيد الميلاد.
نظرية التعزيز
تقول نظرية التعزيز Enforcement Theory إن السلوك تابعٌ لعواقبه (نتائجه)، أو ناتجٌ عنها؛ أي، بعبارة أخرى: يفعل الناسُ أشياء بذاتها، ﻷنهم يعرفون أن أشياء أخرى ستتبعها؛ لذا، واعتمادًا على نوع العواقب التي ستأتي بعد الفعل، فإما أن يأتيَ الناسُ بتصرُّفٍ ما، أو أن يمتنعوا عنه، وهناك ثلاثة أنواع رئيسة من العواقب، أو النتائج، وهي: إيجابية، أو سلبية، أو لا شيء مما سبق. ونحن بشكل عام نفكر في العواقب اﻹيجابية على أنها مكافآت، ولكن المكافأة هي أي شيء يزيد من سلوكٍ أو تصرُّفٍ ما. وبالمقابل، فإن العقاب هو أي شيء يقلل منه.
قد يكون التحفيزُ باستخدام نظرية التعزيز خادعًا، لكونها نظريةً وظيفيّة. وتُحدَّدُ جميعُ مكوناتِها من خلال وظيفة تلك المكونات بدلًا من هيكليتها، أي: إن العواقب يمكن أن تأتيَ بشكل مختلف بالنسبة ﻷشخاص مختلفين، وفي مواقف مختلفة، وفي الواقع، ما يعُدُّه أحدٌ ما عقابًا، قد يكون مكافأةً بالنسبة لشخص آخر، ومع ذلك، يمكن للمديرين استخدامُ نظرية التعزيز بنجاحٍ لتحفيز العمال نحوَ الإتيان بتصرفات محددة، وتَجَنُّبِ أخرى، وغالبًا ما يستخدم المديرون كلًا من المكافآت، والعقوبات لتحقيق النتائج المرجوّة.
فعلى سبيل المثال: يحتاج تجار التجزئة منذ فترة طويلة إلى مساعدة إضافية خلال أيام الذروة في المبيعات مثل: الجمعة السوداء Black Friday، والاثنين الخرافي Cyber Monday في الولايات المتحدة، وللمساعدة في تلبية هذه اﻻحتياجات، قامت شركة البيع بالتجزئة المسمّاة أُربن آوتفيترز Urban Outfitters بتشغيل عمال برواتب للعمل بالتناوب في ورديات من ست ساعات في منشأتها الجديدة؛ لتلبية احتياجات الزبائن، ومساعدة بعض زملائهم، وحثَّتِ الفكرة الموظفين ذوي الرواتب بوصفها فعاليةَ بناء فريق، وقد جرى تأمين وسائل النقل، ووجبات طعام لهم، وطُلِبَ منهمُ انتعال أحذية مريحة، وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن إلزاميًا، فقد صرَّحَ المتحدثُ الرسمي باسم تلك الشركة بالقول: "بعد الافتتاح الناجح لمركز تلبية الطلبات الجديد في شهر يونيو، طلبنا من موظفينا العاملين في مقر الشركة الرئيس، الذين يتقاضون رواتب، التطوعّ للعمل ضمن ورديات من شأنها أن تساعد في دعم المركز الجديد خلال شهر أكتوبر؛ الذي يشهد ازدحامًا في الزبائن، ولم يكن مستغربًا أن نتلقى استجابة هائلة من موظفينا، ومن ضمنهم العديد من أعضاء إدارتنا العليا".
ترجمة -وبتصرف- للفصل Motivating Employees من كتاب introduction to business.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.