اذهب إلى المحتوى

لابدّ أن الانتقال من مجرد مساهم في الشركة إلى قائد فيها قد جال ببال معظم المهندسين في مرحلة من المراحل، ولكن مسؤوليّةً كهذه تتطلب مهارات مختلفةً كليًا، فهي تقتضي تولي زمام المبادرة لتمكين الآخرين من تقديم أفضل ما لديهم. مع ذلك، قد يترك هذا التغيير تأثيرًا هائلًا على مسيرتك المهنيّة.

في هذا المقال، سوف نتناول السبيل للانتقال من مجرد مهندس إلى قائد، وسنوضح بعض العقبات التي قد تواجهك في هذه الرحلة التي توصلك في النهاية لأن تصبح مديرًا وقائدًا ملهِمًا يتمتع بمواهب متنوعة ومزيج فريد من الخبرات التقنيّة والإداريّة.

قد يكون الطريق إلى القيادة وعرًا ومليئًا بالعقبات، لذا يجب أن تختار طريقك المناسب، وأن تتعرف على المهارات التي تعينك على قطع هذا الطريق. حاول أيضًا تعريف مديرك المباشر والمديرين الأعلى منه بمواهبك، فذلك من شأنه أن يفتح أمامك المزيد من الفرص.

تمثل الإدارة مسارًا مهنيًا مثيرًا للاهتمام، ولكنها تقتضي الانخراط في منحنى تعليمي متصاعد، فإذا لم تواظب على التعلم والممارسة المستمرة فقد تستغرق سنوات طويلةً لإجادة المهارات الإداريّة اللازمة.

نصيحتي لك ألا تحاول قيادة فريق هندسي ما لم تكن قد وصلت إلى مرحلة متقدّمة من الخبرة الهندسيّة، ولكن بمجرد أن تبدأ مرحلة التحوّل نحو القيادة، فيجب أن تسعى إلى تطوير نفسك باستمرار من خلال الدورات التدريبيّة، وقراءة الكتب والمقالات. حاول أيضًا تغيير المشرفين من وقتٍ لآخر، واطلب تغذيتهم الراجعة. يمكنك أيضًا مراقبة مديريك والتعلّم من مهاراتهم وأخطائهم أيضًا حتى تعرف ماذا تفعل وماذا تتجنب.

عزز مهاراتك

يمكنك البدء بتعلم بعض المهارات في وقت مبكر خلال عملك مهندسًا. اترك حاسوبك قليلًا وشارك في لجان الشركة المختصة بعقد الأنشطة التطوعيّة والرياضيّة أو عقد الاجتماعات. تساعدك المشاركة في هذه اللجان على توسيع شبكة علاقاتك، وتجريب مهارات القيادة، كما أنها تمنحك فرصة التواصل مع جهات مختلفة بأساليب ووسائل متنوّعة حول مواضيع غير تقنيّة.

كذلك، يمكنك التطوع لتنظيم الفعاليات الترفيهيّة الخاصّة بالفريق، أو الإشراف على الأفراد الجُدد ومتابعة المهام الموكلة إليهم. وإذا كنت تبحث عن وسيلة لتحفيز الذات وتحقيق التقدّم، فيمكنك أن تضع لنفسك أهدافًا واقعيّةً قابلةً للتنفيذ وأن تشاركها مع مديرك. كرر هذه الخطوة كلما تطلب الأمر ذلك، وإذا وصلت إلى مرحلة لم تَعُد تكتسب فيها أي مهارات جديدة، فذلك مؤشر على أنك أصبحت مستعدًا. بالتأكيد، لن تعرف كل شيء من أوّل مرة، ولكنك بمرور الوقت سوف تتطور، لذلك خض غمار التجربة ولا تتردد.

قد يمثل الابتعاد عن مجال خبرتك الأساسي تجربةً مرعبة، وخصوصًا عندما يتعين عليك الجمع بين الدور الإداري الجديد ودورك الهندسي القديم. في الغالب، سوف يتعيّن عليك في البداية العمل كمدير عملي، وهي مرحلة انتقاليّة صعبة ولكنها مفصليّة، إذ يتعيّن عليك الحفاظ على وحدة الفريق وترابطه وتوجيهه إلى العمل، بدلًا من تنفيذ جميع العمل بنفسك. وفي هذه المرحلة، سوف تُضطر إلى مواصلة التوجيه التقني للمشاريع، في ذات الوقت الذي تتابع فيه الأمور الإداريّة، من موازنات وإجازات وتقارير وتوظيف ورواتب وتدريب، وغيرها. وقد تمضي سنوات في هذا الدور الذي تجمع فيه بين عملك الهندسي الذي تتقنه جيدًا، وعملك الإداري الجديد.

ولكن احذر من الاكتفاء بتعلم المهارات الإداريّة الأساسيّة فقط. لا تغفل عن مهاراتك التقنية، فهي التي تمكن فريقك من الإنجاز؛ ووزان بين تعلمك للتقنيات الجديدة واكتسابك للمهارات الإداريّة.

إذا كنت بصدد قيادة فريق كنت في يوم من الأيام فردًا فيه، فيجب أن تجري نقاشات مع كل فرد من أفراد الفريق حول التغيّر في طبيعة دورك، وأن توازن بين أولويات الشركة وأولويات أفراد الفريق لخلق بيئة متناغمة ومنسجمة. قد يستغرق زملاؤك وقتًا لاستيعاب دورك الجديد، بحيث لن تصبح القائد فعليًا حتى يستوعبوا ذلك، ولن يفعلوا ذلك حتى تتصرف أنت كقائد الفريق. وفي هذا الصدد، ربما تضطر إلى بعض التغييرات الرمزيّة، مثل ارتداء ملابس أكثر رسميّة (استبدال القميص الرياضي بقميص مقلم، والحذاء الرياضي بحذاء أنيق). مع ذلك، يجب أن تتحدث إلى أفراد فريقك كما كنت تتحدث إليهم في السابق دون أن يؤثر ذلك من ناحية موضوعيّة على قيادة الفريق. الأمر أشبه بتبديل القبعات، أي يجب أن تعلم متى ترتدي قبعة المدير ومتى تخلعها.

تساهم القيادة الخدميّة في تحقيق التحوّل النفسي عند الانتقال إلى قيادة الفريق، وذلك من خلال تشجيع الآخرين على المشاركة في اقتراح الحلول، وبناء الثقة، وتعزيز المهارات القياديّة. ومع ذلك، يجب أن تقتطع وقتًا لتطوير نفسك باستمرار، في ذات الوقت الذي تواصل فيه توفير الدعم لبقيّة أفراد الفريق، فالقيادة الخدميّة لا يعني أن تكون خادمًا للفريق، فأنت القائد في النهاية. وإذا وجدت نفسك تؤدي جميع المهام نيابةً عن الفريق، فذلك يعني أنك لا تمارس صلاحياتك في تفويض المهام بالقدر الكافي.

للارتقاء في السلم الإداري، يجب أن تكون واعيًا لسلوكياتك، ولتحقيق ذلك، حث الموظفين على تقديم التغذية الراجعة من خلال الاستبيانات، أو السؤال المباشر عن بعض الممارسات الإداريّة. كمدير جديد، يجب أن تسعى في البداية إلى زيادة فعاليّة فريقك.. تعرّف على آليات العمل، ومهارات الأفراد، بالإضافة إلى الأدوات التي قد تؤثر على أداء الفريق. يتضمن الشكل الموضح أدناه مجموعةً من المهارات التي تحتاج إليها لتصبح مديرًا فعالًا، وقد وضعنا المعاملة الحسنة على رأس هذه المهارات. احرص دائمًا على منح الأولويّة للأفراد على العمل، وإذا كان أحد أفراد الفريق يمر بمشكلة، فامنحه المساحة التي يريدها والدعم الذي يحتاجه ليتجاوز هذه الأزمة ويعود ليساهم في الفريق من جديد. اعمل على تطوير المهارات الإداريّة الموضحة أدناه من خلال الدورات التدريبيّة أو الاستعانة بالمشرفين.

001managementskills.png

ولتجنب الغرق في المهام الصغرى، يجب أن تعتاد على تفويض تلك المهام، وأن تثق بفريقك وتسمح له بتنفيذها، بينما تكتفي بالتوجيه العام. قد يكون هذا الأمر صعبًا عندما تكون المهندس الأكثر خبرةً في الفريق، ولكنك الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تطوير أفراد الفريق الآخرين ليصبحوا على ذات القدر من الكفاءة. اسأل المهندسين لديك عن أساليب التنفيذ التي يفضلونها، بدلًا من إعطائهم توجيهات مباشرة. باختصار، يجب أن تتوقف عن التفكير كفرد عادي في الفريق، فالأمر لم يَعٌد مرتبطًا بإنجازاتك الشخصيّة، وإنما بإنجازات الفريق بأكمله.

تُعد هذه المعضلة من أكبر المشاكل النفسيّة التي تواجه المهندسين الناجحين عند الانتقال إلى أدوار إداريّة جديدة، وخصوصًا عندما يكون هؤلاء المهندسون متمرسين في تفاصيل العمل وفنياته. ولكن عند انتقالك إلى منصب المدير، يجب أن ترى نجاحك في نجاح فريق. أشِد بإنجازات فريقك باستمرار، وأثني عليهم في داخل الشركة وخارجها، فقد بات الترويج لإنجازات الفريق يقع على عاتقك.

إدارة المشاريع وتوزيع الأولويات: خارطة الطريق

حتى تصبح قائدًا ناجحًا، يجب أن تمتلك مهارات إدارة المشاريع وتوزيع الأولويّات، إذ يتعيّن عليك في إطار عملك أن تسأل مديرك المباشر والموظفين عن أولويات التسليم لديهم، وأن تجمع أولويات الطرفين من خلال وضع خطة محددة تتضمن نطاق المشروع وموارده وإطاره الزمني. وإذا نجحت في هذه الخطوة، فذلك يعني أنك قطعت شوطًا كبيرًا في إعداد فريقك لتحقيق النجاح. ولكن النجاح في هذا الصدد، يتطلب منك تلقي دورات في إدارة المشاريع وتطبيق الأساليب التي تتعلمها. كذلك يجب أن تضع خريطة طريق بعيدة المدى، وأن تصوغ رؤيةً شاملةً يمكن استخدامها كمحفز للموظفين. أخيرًا، لا بأس بتعديل خارطة الطريق عند تبدّل الأولويات.

إدارة الصراع

لا يخلو العمل من توتر بين الموظفين نتيجة خلافات حول أولويات المشروع، أو مواعيد التسليم، أو العملاء أو بسبب تغيّرات مفاجئة في التوجيهات، أو تداخل الصلاحيات مع فرق أخرى. في جميع الأحوال، يجب أن تعمل على حل هذه الخلافات بأسرع ما يمكن والقضاء عليها في مهدها حتى يظل فريقك مترابطًا ومتماسكًا.

العثور على غايتك

عندما تعمل مهندسًا، فإنك قد تشعر بالحماس والانسجام الشديد نتيجة ما يتطلبه عملك من تركيز طويل ومهام معقدة، ولكن عندما تنتقل إلى عمل إداري بالكامل لتصبح مسؤولًا عن فريقك من خمسة أشخاص أو أكثر، فإنك قد تفتقد هذا الشعور، وعندما تضيف إلى ذلك صعوبات الدور القيادي الجديد، فقد تساورك شكوك داخليّة حول الغاية التي تسعى إليها، والتي تجعلك تشعر بالإنجاز والرضا عن الذات، لذلك يجب على أي مدير جديد أن يسعى لملء هذا الفراغ بطريقة أو بأخرى. على سبيل المثال، يمكن لمشاريع البرمجة الجانبيّة أن تساعدك في ملء هذا الفراغ، وخصوصًا عندما تكون مديرًا عمليًا.

ولكن عندما تقود فرقًا أكبر، فلن يتوفر لديك الوقت الكافي لمشاريع البرمجة، لذلك يجدر بك البحث عن أساليب أخرى غير تقنية تستغرق وقتًا أقل لملء هذا الفراغ، مثل التأمل والكتابة والقراءة والرسم والرياضة والألعاب، وغيرها. تمثل هذه الأنشطة السبيل الأمثل لتصبح قائدًا ملهمًا، فالقائد الملهم هو ذاك الشخص الذي يجيد التعامل مع الناس والتكنولوجيا على حد سواء، ويمتلك أيضًا اهتمامات متنوّعة. القائد الملهم هو الذي يسعى إلى تحسين مهاراته باستمرار، وبناء شخصيّة متكاملة حتى يتمكن من إلهام الآخرين وقيادتهم نحو النجاح.

الاستنتاج

لقد تعلمت من تجربتي الخاصة أنه يجدر بالمهندس أن يقود الآخرين بعد أن يحصل على خبرة واسعة في مجال تطوير البرمجيات، بالإضافة إلى مهارات وخبرات حياتيّة تمكّنه من التواصل الجيّد مع الآخرين. تمثل القيادة الإنسانيّة مفتاح النجاح في بناء فرق عمل فعالة وقادرة على الإنجاز، لذلك احرص على تعلم المهارات القياديّة وتطويرها قبل وبعد الانتقال من مرحلة الهندسة إلى مرحلة القيادة. متى تعرف أنك قائد ناجح؟ عندما يختار أفراد الفريق اتباعك بأنفسهم.

ترجمة -وبتصرّف- للمقال Climbing the Ladder: Transition From Engineer To Leader لصاحبه باتريك مكارثي Patrick McCarthy.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...