في بابنا العاشر من سلسلة مقالاتنا الفريدة عن مبادئ الإدارة سنسلّط الضوء على إحدى أهم الأسس والقواعد التي يقوم عليها عالم إدارة الأعمال وهو الهياكل التنظيمية والتغيير التنظيمي، سنتطرّق في المقالات القادمة إلى الهياكل التنظيمية بنوعيها الميكانيكي والعضوي ونستعرض الفرق بين كلا النوعين، كما سنستعرض الأبعاد الأساسية للتغيير داخل المؤسسات، وسنتحدّث أيضًا في المقال الأخير من هذا الباب عن كيفية تعامل المديرين مع التغيير في البيئة الداخلية لمؤسساتهم.
استكشاف المهن الإدارية
جاكي سميث من مؤسسة CareSource
تُعدُّ جاكي سميث خبيرة في الموارد البشرية والتدريب والتطوير التنظيمي، وتزيد خبرتها عن 20 عامًا. عملت جاكي في العديد من المؤسسات والمجالات المتنوعة في القطاع الربحي والقطاع غير الربحي.
جاكي هي نائب رئيس جامعة CareSource المتخصِّصة في الرعاية الصحية، وهي تتولَّى الإشراف على هذه الجامعة بالإضافة إلى عمليات إدارة الأداء والتعيينات وتحديد الأهداف. قدَّمت جامعة CareSource في عام 2017 أكثر من 240000 ساعة تعليمية، ودرَّبت 300 من القادة، وساهمت في تهيئة 1100 من الموظفين الجدد. اشتهرت جامعة CareSource على المستوى الوطني على مدار سبع سنوات بأنَّها ضمن قائمة أفضل 125 مؤسسة تدريبية، والتي تُنشر في مجلة Training، وقد كان ترتيبها ضمن أفضل 19 مؤسسة في هذه القائمة على مدار ست سنوات، وكانت أيضًا من ضمن الفائزين بجائزة «Learning Elite» العالمية في عام 2017؛ إذ احتلت المرتبة 18 بين المؤسسات العالمية. عملت جاكي -قبل العمل في CareSource- رئيسًا لشركة Reflections on Learning المتخصِّصة في تقديم الاستشارات المتعلِّقة بالأداء، وعملت -أيضًا- مستشارًا أولًا في مجال التطوير التنظيمي، ومديرًا إقليميًا للموارد البشرية، وأخصائي تدريب، ومديرًا في مجالات الخدمات المالية والبيع بالتجزئة والنقل.
ينصبُّ اهتمام جاكي في مجال التدريس على تطوير المهارات القيادية، إذ تصمِّم عددًا من البرامج منها:
- تطوير الرؤية القيادية
- القيادة عن طريق التغيير الاستثنائي
- تغيير أداء الفريق عن طريق الحوار
- بناء استراتيجية مستدامة باستخدام التحري التقييمي
إنَّ جاكي حاصلة على درجة البكالوريوس في التربية من جامعة ميامي وأوهايو ولوكسمبورغ، وعلى درجة الماجستير في التطوير التنظيمي والقيادة من جامعة القديس يوسف في فيلادلفيا. بالإضافة إلى ذلك، عملت جاكي عضو هيئة تدريس مساعد في جامعة أنطاكية مكجريجور، وهي منسقة معتمدة لمجموعة متنوعة من برامج التدريب والتطوير وتقييمات المؤسسات ومؤشرات أنماط الشخصية (مثل مايرز-بريجز)، وتعمل أيضًا قائدةً لفريق متكامل، وتنسِّق جلسات حول استراتيجية العمل في عدة دول في العالم تتضمَّن الإكوادور والأردن وغينيا والسنغال.
يتناول هذا الباب من سلسلة مقالاتنا عدة مفاهيم مرتبطة بالأساليب التي يستخدمها القادة لتطوير المؤسسات وتشكيلها. إنَّ إدراك المفاهيم الواردة في المقالات القادمة ضروري بالنسبة للقادة الذين تتطلَّب طبيعة عملهم حث الأشخاص على العمل معًا لإنجاز المهام الأساسية بطريقة متناسقة ومتناغمة مع مرور الوقت.
الهياكل التنظيمية والتصميم التنظيمي
في مقالنا هذا سنبيِّن بعض المفاهيم المرتبطة ببعضها وهي: الهيكل التنظيمي، والتصميم التنظيمي، والتغيير التنظيمي، والتطوير التنظيمي.
الهيكل التنظيمي هو الإطار الذي تتحدَّد من خلاله طريقة إنجاز الأنشطة والعلاقة فيما بينها داخل المؤسسة. يعتمد الأفراد على الهياكل لمعرفة الأعمال التي ينبغي عليهم إنجازها، وكيف تكمِّل أعمالهم الأعمال التي يؤدِّيها الموظفون الآخرون أو تعتمد عليها، وكيف تُسهم جميع هذه الأعمال والأنشطة في تحقيق أهداف وغايات المؤسسة.
التصميم التنظيمي هو عملية تشكيل الهياكل التنظيمية مع مراعاة احتياجات المؤسسة وتحديد درجة التعقُّد التي تنطوي عليها عملية تحقيق أهداف العمل الخاصة بالمؤسسة.
يشير التغيير التنظيمي إلى التحوُّلات المستمرة التي تحدث داخل المؤسسة، مثل: تعيين موظفين جدد أو استقالة آخرين، أو حدوث تغيُّرات في أوضاع السوق، أو تغيير المورِّدين الذين تتعامل المؤسسة معهم، أو إدخال تعديلات على طرق تأدية العمل. يستطيع قادة المؤسسات بواسطة عملية إدارة التغيير إحكام السيطرة على التغييرات التي تحدث في المؤسسة مع تقدُّم الزمن.
التطوير التنظيمي هو اسم مجال التخصُّص الذي يدرس إدارة التغيير. يعتمد المتخصِّصون في مجال التطوير التنظيمي على العلوم الاجتماعية لتحديد مسار عمليات التغيير التي تساعد الشركات على بلوغ أهدافها، إلى جانب توفير بيئة عمل ملائمة للموظفين وتحقيق فوائد مستدامة للمجتمع في الوقت نفسه. ينبغي على القادة الذين يرغبون في زيادة إمكانيات مؤسساتهم وتحسينها على المدى الطويل فهم إجراءات التطوير التنظيمي فهمًا جيّدًا.
إنَّ إدراك المديرين لجميع المفاهيم السابقة سوف يساعدهم على معرفة الطريقة المثلى لتأسيس الشركات وإدارتها وتوجيهها نحو النجاح في تحقيق الأهداف الاستراتيجية.
تأمَّل المثال التالي لكي تفهم دور الهيكل التنظيمي: جاستن مدير شاب يعمل في شركة متخصِّصة في مجال النقل والخدمات اللوجستية، وقد أدَّى نجاحه في إدارة التغيير في الولايات المتحدة إلى ثقة القادة المسؤولين عنه بقدرته على التعامل مع المهمة الصعبة المتمثِّلة في إدارة سلسلة توريد جديدة ونظام توزيع لصالح شركة في شمال أوروبا. لقد أصبح جاستن -بين عشية وضحاها- مسؤولاً عن توظيف الأشخاص الأكفاء، ودفعهم إلى العمل يدًا يد، وتدريبهم، وإنشاء البنية التحتية اللازمة من أجل تحقيق نجاح دائم في هذا السوق الجديد.
ماذا ستفعل إذا أُسندت إليك مثل هذه المهمة؟ كيف ستدير موظفيك وتنظم العلاقات فيما بينهم؟ كيف ستساعدهم على تجاوز التحديات والعقبات المصاحبة لتأسيس نظام جديد؟ تتطلَّب الإجابة عن هذه الأسئلة فهمًا لمصطلحات الهيكل التنظيمي والتصميم التنظيمي والتغيير التنظيمي والتطوير التنظيمي.
أولى المسائل التي ينبغي على جاستن التعامل معها هي كيفية هيكلة النظام الذي سيُديره؛ أي أنَّ عليه اتخاذ القرارات بشأن الهيكل التنظيمي للمؤسسة. إنَّ هذه المسألة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التصميم التنظيمي، ومن المهم أن يُدرك كل من يرغب في وضع التصميم التنظيمي للمؤسسة أنَّ هناك نوعين أساسين للهياكل التنظيمية. لكن قبل أن نتطرَّق إليهما، سوف نبيِّن التنظيمين الأساسيين المُعتمَدين عمومًا في المؤسسات وهما: التنظيم الرسمي والتنظيم غير الرسمي.
التنظيم الرسمي هو عبارة عن مجموعة العلاقات والمسؤوليات والصِلات المحدَّدة رسميًا داخل المؤسسة. يبيِّن المخطَّط التالي شكل الهيكل التنظيمي التقليدي، هذا المخطَّط هو الطريقة الأكثر شيوعًا لتوضيح التنظيم الرسمي، إذ تتكوَّن المؤسسة التقليدية من هيكل هرمي تُحدَّد فيه الأدوار والمسؤوليات التي يؤدِّيها أفراد المؤسسة بوضوح.
التنظيم الرسمي
(حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))
يتوجَّب على جاستن عندما يبدأ بإنشاء التنظيم الرسمي أن يرسم معالم المسؤوليات الإدارية وهياكل الاتصال التي ينبغي أن تكون في المؤسسة، وأن يبيِّن كيف ستتدفَّق المعلومات والموارد بداخلها، وأن يحدِّد الوظائف الأساسية التي يجب أن تكون جزءًا من نظامها، ويجب عليه أيضًا أن يوظِّف عددًا من الأفراد لكي يشغلوا هذه الوظائف، وأن يعمل بعد ذلك على مساعدة الموظفين على أن يتعلَّموا كيف يؤدُّون وظائفهم وأن يدركوا كيف ترتبط هذه الوظائف ببعضها بعضًا.
التنظيم غير الرسمي هو مصطلح يُطلق أحيانًا على الشبكة غير المرئية من العلاقات الشخصية والتي تجسِّد طريقة تواصل أفراد المؤسسة مع بعضهم بعضًا لأداء الأنشطة الموكلة إليهم. يتكوَّن التنظيم غير الرسمي بطريقة عشوائية ويتغيَّر بناءً على التفاعلات التي تحدث داخل المؤسسة، وهذا يعني أنَّه يتشكَّل من خلال المحادثات والعلاقات التي تسود بين الأفراد، والتي غالبًا ما تنشأ تلقائيًا عندما يتفاعلون ويتواصلون مع بعضهم أثناء العمل. عادةً ما يكون التنظيم غير الرسمي معقَّدًا، ومن الصعب جدًّا التحكُّم في الطريقة التي يتشكَّل من خلالها، ولكنَّه يؤثِّر إلى حدٍّ كبير على نجاح المؤسسة.
يُمكن رسم مخطَّط يبيِّن التفاعلات التي تحدث في التنظيم غير الرسمي كما هو واضح في الشكل التالي، ولكنَّه عادة ما يكون مختلفًا تمامًا عن مخطَّط التنظيم الرسمي. يسمَّى المخطط التالي الخريطة الشبكية (network map) لأنَّه يصوِّر العلاقات التي تحدث بين مختلف أفراد المؤسسة. نلاحظ أنَّ بعض الأفراد يكونون أكثر مركزية من غيرهم ويتفاعلون مع عدد أكبر من الناس، وقد تختلف قوة العلاقة بين أي فردين أو مجموعتين من الأفراد. إنَّ هذه العلاقات في حالة تغيُّر مستمر، إذ قد تطرأ عمليات تفاعل بين أفراد جدد وتتطوَّر العلاقات القائمة؛ ومن ثمَّ تتغيَّر المؤسسة بمرور الوقت.
التنظيم غير الرسمي
(حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))
بالرجوع إلى مثال جاستن، فإنَّ التنظيم غير الرسمي سوف يتشكَّل عندما يبدأ الناس في التعامل والتفاعل مع بعضهم لإنجاز أعمالهم، إذ سيبدأ الأفراد حينها في التواصل مع بعضهم لفهم أدوارهم وعلاقاتهم الجديدة. عادةً ما يشكّل التنظيم غير الرسمي انعكاسًا مباشرًا للتنظيم الرسمي، ولكنَّه غالبًا ما يكون مختلفًا عنه. في الواقع، يدرك الناس سريعًا من هم الأفراد الأكثر تأثيرًا داخل المؤسسة، ومن ثمَّ يبدؤون في الاعتماد عليهم في إنجاز مهام المؤسسة. تجدر الإشارة إلى أنَّ التنظيم غير الرسمي قد يساهم في نجاح المؤسسة ككل أو قد يعرقل ذلك النجاح ويؤدي إلى تراجعها.
يمكننا أن نقول باختصار أنَّ التنظيم الرسمي يبيِّن كيف ينبغي أن يسير عمل المؤسسة، في حين أنَّ التنظيم غير الرسمي يبيِّن كيف يسير عمل المؤسسة على أرض الواقع. تتحدَّد معالم التنظيم الرسمي عندما يعمل جاستن على توظيف الأفراد وتوزيع الأدوار المختلفة عليهم، كما أنَّ بإمكان جاستن التأثير على مخطَّط التنظيم غير الرسمي في المؤسسة من خلال إعطاء أفرادها فرصًا لبناء العلاقات فيما بينهم أثناء عملهم وتفاعلهم معًا. إنَّ كلًّا من التنظيمين الرسمي وغير الرسمي يسهمان في تحديد أنماط السلطة والإدارة والقيادة التي قد تنشأ داخل المؤسسة.
سنُكمل فيما يلي حديثنا عن المواضيع المتصلة بالتصميم التنظيمي والهياكل التنظيمية، إذ سنتطرق إلى المزيد من المعلومات التي تساعد على فهم التنظيم الرسمي فهمًا أعمق وأدق.
أنواع الهياكل التنظيمية الرسمية
ينبغي على جاستن تحديد النظام الإداري الذي سيجري بناءً عليه تفويض المهام وتشكيل آليات الإشراف والرقابة وتقديم التغذية الراجعة وإعداد التقارير المتعلِّقة بالأداء، وسيفعل ذلك عن طريق تصميم هيكل تنظيمي رسمي تُحدَّد من خلاله الواجبات والمسؤوليات المرتبطة بالوظائف التي سيجري العمل على تأديتها داخل أروقة المؤسسة. سنتناول أدناه العوامل التي ينبغي على المديرين أخذها في الحسبان عند تصميم الهياكل التنظيمية.
البيروقراطية
النموذج البيروقراطي من النماذج الأكثر شيوعًا والتي تقوم عليها الهياكل التنظيمية، وقد وضعه ماكس فيبر الذي يُعدُّ أحد علماء الاجتماع البارزين في القرن التاسع عشر. لقد افترض فيبر أنَّ المؤسسات ستكون أكثر كفاءة عندما تُقسّم مهام العمل وتُتاح للأفراد فرصة التخصُّص في مجال معين، وعندما تكون هنالك هياكل لتنظيم الأعمال المختلفة الموزَّعة عليهم، وذلك ضمن تسلسل هرمي للمسؤوليات. بالإضافة إلى ذلك، اقترح فيبر خمسة عناصر للبيروقراطية تساعد المؤسسات على تحديد هيكل تنظيمي يناسب احتياجاتها وظروفها. هذه العناصر الخمسة هي: التخصُّص، والسيطرة والمراقبة، ونطاق الإشراف، والمركزية، والرسمية.
التخصُّص
يُشير التخصُّص إلى مستوى تنظيم الأفراد في وحدات عمل فرعية بناءً على مجالات خبرتهم، مثل: إدارة الموارد البشرية، أو التمويل، أو التسويق، أو التصنيع. قد يتشعَّب من تلك الوحدات تخصُّصات أخرى أيضًا، فمثلًا؛ قد يكون الأفراد الذين يعملون داخل وحدة التصنيع على دراية تامة بجميع جوانب عملية التصنيع، أو قد يوزَّعون على وحدات متخصِّصة تركِّز كل واحدة منها على جانب معين من جوانب عملية التصنيع، مثل: وحدة المشتريات، ووحدة تجهيز المواد، ووحدة التجميع، ووحدة مراقبة الجودة، وما إلى ذلك.
السيطرة والمراقبة
يرتبط هذا العنصر بالإدارة والرقابة في المؤسسة. يُقصد بالسيطرة والمراقبة طريقة تفاعل الأفراد أو اتصالهم ببعضهم للتنسيق بين جهودهم والتأكُّد من أنَّها تصبُّ في مصلحة إنجاز أعمال المؤسسة.
نطاق الإشراف
يشير نطاق الإشراف إلى مقدار العمل الذي يكون الفرد في المؤسسة مسؤولًا عنه. على سبيل المثال، عادةً ما يكون القادة الذين يعملون في أعلى الهرم الإداري مسؤولين عن جميع أعمال مرؤوسيهم، في حين يقع على عاتق القادة الذين يعملون في المستويات الإدارية الوسطى مسؤوليات أقل، أمَّا الموظفون الذين يعملون في قاعدة الهرم الإداري فإنَّهم عادةً ما يؤدُّون مهام محدَّدة جدًّا. يمكننا القول بأنَّ كل مدير أو موظف في الهيكل التنظيمي للمؤسسة يعمل ضمن نطاق إشراف مدير آخر أعلى منه في المستوى.
المركزية
ترتبط المركزية بكيفية إدارة تدفق الموارد والمعلومات داخل المؤسسة. تتركَّز الموارد في المؤسسات ذات المركزية الشديدة في موقع واحد أو في عدد قليل جدًا من المواقع، أو يكون عدد الأفراد المُصرَّح لهم فيها باتخاذ القرارات المتعلِّقة بكيفية استغلال الموارد قليلًا. في المقابل، تُوزَّع الموارد في المؤسسات اللامركزية على نطاق واسع عبر المؤسسة، بالإضافة إلى أنَّ صلاحية اتخاذ القرارات المتعلِّقة بكيفية استغلال الموارد فيها لا تقتصر على فئة محدودة.
الرسمية
تُشير الرسمية إلى درجة تحديد الأدوار التي تُؤدَّى داخل المؤسسة. إنَّ النظام الذي يتمتَّع بدرجة عالية من الرسمية (مثل النظام العسكري) لديه تعليمات وقواعد محدَّدة بدقة وهيكل تنظيمي جامد وصارم، إذ تكون جميع الوظائف والمسؤوليات وهياكل المُساءلة فيه مفهومة وواضحة للغاية. في المقابل، فإنَّ النظام الذي يتمتَّع بدرجة منخفضة من الرسمية (مثل المؤسسات غير الربحية الصغيرة) لديه هيكل تنظيمي أكثر مرونة ويعتمد كثيرًا على العلاقات التي تنشأ بداخله.
الهياكل التنظيمية الميكانيكية والعضوية
يستطيع المديرون -أمثال جاستن- تشكيل العديد من الهياكل التنظيمية المختلفة بواسطة استغلال عناصر البيروقراطية الموضَّحة أعلاه والاستفادة من مزايا كل من التنظيم الرسمي وغير الرسمي. عمومًا، يؤدِّي التحكُّم بهذه العناصر إلى تشكيل هيكل تنظيمي ناتج عن المزج بين خصائص النوعين الأساسيين من الهياكل التنظيمية، كما هو موضَّح في الجدول التالي.
(حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))
النوع الأول هو الهياكل التنظيمية الميكانيكية التي تُعدُّ هياكل هرمية مصمَّمة لفرض درجة عالية من الرسمية والسيطرة، وغالبًا ما تكون هذه الهياكل عمودية أو "طويلة"، ويرجع ذلك إلى احتوائها على العديد من المستويات الإدارية. تُحدَّد الأدوار والإجراءات في الهياكل التنظيمية الميكانيكية من خلال أنظمة روتينية صارمة وقواعد عمل ثابتة.
في المقابل، تعتمد الهياكل التنظيمية العضوية على قدرة الأفراد على التنظيم وتحديد الإجراءات المناسبة بأنفسهم واتخاذ القرارات دون أن يتلَّقوا الكثير من التوجيه وتستند إلى قدرتهم على التكيُّف بسرعة مع الظروف المتغيِّرة، وغالبًا ما تكون هذه الهياكل أفقية، إذ تتيح الهياكل العضوية لأفراد المؤسسة المشاركة في اتخاذ القرارات. يُطلق على الهياكل التنظيمية العضوية أيضًا اسم التنظيمات المسطحة لأنَّها غالبًا ما تحتوي على عدد قليل من المستويات الإدارية.
يمكن استغلال عناصر البيروقراطية الموضحة سابقًا والتحكُّم فيها بطرق مختلفة لتشكيل هياكل تنظيمية تحمل مزايا كلٍّ من الهياكل التنظيمية الميكانيكية والعضوية، ويعتمد ذلك على ظروف المؤسسة والأهداف التي يُحدِّدها المديرون.
على سبيل المثال، يعتمد مستوى التخصُّص المطلوب في أي مؤسسة على حجمها ومدى تعقُّد الأنشطة التي تسعى إلى إنجازها. قد تشجِّع المؤسسة ذات الهيكل التنظيمي العضوي موظفيها على امتلاك معرفة متخصِّصة وعامة على حد سواء، لكي يكونوا أكثر إدراكًا وانتباهًا لفرص الابتكار الممكنة في المؤسسة.
في المقابل، قد تحثُّ المؤسسة ذات الهيكل التنظيمي الميكانيكي على وجود مستوى عالٍ من التخصُّص لكي تكون الإجراءات والأنشطة الأساسية الُمنفَّذة في مختلف وحدات المؤسسة أكثر دقةً وانسجامًا. إنَّ الأهداف العامة التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها هي التي تحدِّد إلى أي مدى تحتاج المؤسسة إلى التخصُّص. فمثلًا؛ تزداد حاجة المؤسسات التي تتطلَّب الابتكار في أعمالها إلى استخدام الهياكل التنظيمية العضوية، في حين تزداد حاجة المؤسسات التي تتطلَّب الدقة والكفاءة في أعمالها إلى استخدام الهياكل التنظيمية الميكانيكية.
وعلى نحو مماثل، يختلف مستوى السيطرة والمراقبة المطلوب في المؤسسات باختلاف ظروف كلٍّ منها. عادة ما تكون المؤسسات التي تمتلك نظام سيطرة ومراقبة قوي بحاجة إلى هياكل تنظيمية عمودية وطويلة. في المقابل، تكون المؤسسات الموجودة في بيئات عمل غير مستقرة أو ظروف غامضة بحاجة إلى إشراك الموظفين في عملية اتخاذ القرارات، لذلك غالبًا ما تميل هذه المؤسسات إلى استخدام الهياكل التنظيمية الأفقية والمسطحة.
يُحدِّد نطاق الإشراف الذي يقع ضمن صلاحيات المدير ما إذا كانت المؤسسة ستتجه إلى استخدام الهيكل التنظيمي الميكانيكي أم العضوي. إنَّ حجم المسؤوليات التي يستطيع أي مدير أن يتولَّاها محدودة؛ إذ إنَّ الواقع يثبت أنَّ مقدار العمل الذي بإمكان أي شخص إنجازه محدود. عادةً ما يتمتَّع المدير الذي يعمل في مؤسسة ذات هيكل تنظيمي عضوي بنطاق إشراف واسع، ويدفعه ذلك إلى الاعتماد أكثر على الموظفين في اتخاذ القرارات. في المقابل، يكون نطاق إشراف المدير الذي يعمل في مؤسسة ذات هيكل تنظيمي ميكانيكي ضيِّقًا ممَّا يجعله قادرًا على إعطاء المزيد من التوجيهات. نستنتج ممَّا سبق أنَّ زيادة نطاق إشراف المدير يجعل الهيكل التنظيمي مسطَّحًا بدرجة أكبر، في حين أنَّ تضييق نطاق الإشراف يؤدِّي إلى زيادة المستويات في الهرم الإداري.
تتأثَّر درجة المركزية داخل المؤسسات بالافتراضات المتعلِّقة بكيفية تحسين كفاءة العمل فيها. على سبيل المثال، تفترض المؤسسة ذات الهيكل التنظيمي الميكانيكي أنَّ نظام العمل سيكون أكثر كفاءة إذا كانت عمليات إدارة الموارد واتخاذ القرارات تحدث بطريقة مركزية. في المقابل، تفترض المؤسسة ذات الهيكل التنظيمي العضوي أنَّ كفاءة العمل ستزداد عندما توزَّع تلك الموارد وتُنظَّم من قِبل مستخدمي الموارد. قد يكون كلا الافتراضين السابقين صحيحًا ولكن يعتمد ذلك على ظروف المؤسسة.
يمكن للمديرين أيضًا أن يُحدِّدوا المسؤوليات والأدوار الرسمية التي سيؤدِّيها أفراد المؤسسة بدقة أو أن يتركوا لهم مجالًا لاختيار ما يلائمهم. إنَّ المديرين الذين يُفضلون الهيكل التنظيمي العضوي (غير الرسمي) سوف يرفضون فكرة تحديد الأدوار والمسؤوليات ورسم معالمها بدقة، وسوف يشجِّعون الموظفين ويتيحون لهم تنظيم أعمالهم وتحديد الأدوار التي يرغبون في تأديتها بأنفسهم. في المقابل، سوف يستخدم المديرون الذين يُفضلون الهيكل التنظيمي الميكانيكي بعض الأساليب من أجل تحديد ما هو متوقَّع أداؤه من قِبل الموظفين وفرض ضوابط معينة عليهم، ومن هذه الأساليب: وضع إجراءات التشغيل القياسية (SOPs) أو كتابة مجموعة من السياسات التي تحدِّد سير العمل.
يعمل الهيكل التنظيمي بطريقة جيِّدة عندما تجد المؤسسة نقطة التوازن المناسبة لجميع عناصر البيروقراطية، ويحدث ذلك في الحالات التالية:
- عندما يتخصَّص الموظفون في أداء وظائف محدَّدة ويصبحون خبراء فيها وفي الوقت نفسه يدركون أهداف العمل الكبرى للمؤسسة.
- عندما يتلقَّى الموظفون توجيهات كافية من المديرين حتى يتمكَّنوا من التماشي مع الأهداف العامة للمؤسسة.
- عندما يستغل المديرون نطاق الإشراف الذي يتمتَّعون به الاستغلال الأمثل عن طريق تقديم التوجيهات المناسبة للموظفين مع الثقة بهم والاعتماد عليهم في تأدية الأدوار المسندة إليهم.
- عندما تُدار الموارد المتاحة وتُتخذ القرارات اللازمة لتحقيق أهداف المؤسسة بكفاءة.
- عندما يكون هناك توازن مناسب بين مقدار الامتثال للسياسات والقواعد الرسمية ومقدار الحث على الابتكار وتشجيع الإبداع في المؤسسة.
الهياكل الوظيفية
غالبًا ما تحدِّد المؤسسات هياكلها التنظيمية وفقًا لحاجاتها الوظيفية؛ أي وفقًا للخصائص التي تلزمها والتي تجعلها قادرة على النجاح في ظل إمكانياتها المتاحة والظروف الكامنة في بيئات عملها المحيطة. إنَّ الهياكل الوظيفية مصمَّمة خصيصًا لتلبية الحاجات الوظيفية للمؤسسات، ويُعدُّ كلٌّ من هيكل المنتج والهيكل الجغرافي من الأشكال الشائعة لهذا النوع من الهياكل التنظيمية وهما موضَّحان فيما يلي.
يُستخدم هيكل المنتج (product structure) عندما ترغب المؤسسة في تنظيم الموظفين في مجموعات بناءً على خطوط الإنتاج، وتكون كل مجموعة من الموظفين في هذه الحالة مسؤولة عن خط إنتاج أو منتج واحد. على سبيل المثال، يمكن تنظيم الموظفين في شركات السيارات بناءً على طراز السيارة التي يساهمون في إنتاجها أو في تقديم الخدمات المتعلِّقة بها، ويمكن تنظيم الموظفين في الشركات الاستشارية بناءً على نوع الاستشارات التي يُقدِّمونها. ينخرط الموظفون في هيكل المنتج في الأعمال المرتبطة بخط الإنتاج المسؤولين عنه، وتنصبُّ جهودهم عليها.
يُستخدم الهيكل الجغرافي (geographic structure) عندما ترغب المؤسسات في تقديم مجموعة من المنتجات في مناطق أو أقاليم جغرافية معينة، وتُقسَّم في هذه الحالة وحدات أعمال المؤسسات بناءً على تلك المناطق أو الأقاليم، ويُشرف المديرون المسؤولون عن كل وحدة من وحدات العمل على جميع الأعمال الخاصة بتلك المنطقة الجغرافية.
سوف يُشرف كل مدير -في أيٍّ من الهيكلين الوظيفيين السابقين- على جميع الأنشطة المرتبطة بالقسم الوظيفي المسؤول عنه، مثل: التسويق، والتصنيع، والتوصيل، وأنظمة دعم الزبائن، وغيرها. يمكننا تشبيه كل قسم في الهيكل الوظيفي بنسخة مصغَّرة من المؤسسة ككل، إذ يحتوي كل قسم على نسخة مصغَّرة من الأنظمة واللوائح التي تُوجد داخل المؤسسة.
تجدر الإشارة إلى أنَّ من عيوب الهياكل الوظيفية أنَّ الموظفين يركّزون في أداء الأعمال التي تقع ضمن نطاق وحدتهم الوظيفية وينحصر تركيزهم ضمنها لدرجة أنَّهم قد يفشلون في فهم الأنشطة الأخرى في المؤسسة أو التفاعل معها. قد يؤدِّي استخدام الهياكل الوظيفية إلى فصل الموظفين عن بعضهم وبناء حواجز وهمية فيما بينهم، إذ قد تنشأ هذه المشكلة عندما لا تتمكَّن الأقسام ووحدات العمل المختلفة في المؤسسة من التواصل بطريقة فعَّالة مع بعضها بعضًا.
تستخدم بعض المؤسسات ما يُعرف بالهيكل المصفوفي (matrix structure) من أجل تقليل احتمالية حدوث تلك المشكلة. تتألَّف المؤسسة التي تستخدم الهيكل المصفوفي من جهتين مسؤولتين عن الموظفين، إذ قد يتوجَّب على الموظف المتخصِّص في العمل في خط منتج معين تقديم التقارير للمدير المسؤول عن إدارة العمليات المرتبطة بذلك المنتج وعن الالتزام بتطبيق الاستراتيجية العامة للمؤسسة ولمدير المنطقة الجغرافية التي يعمل فيها أيضًا، ويخضع هذا الموظف للتوجيهات والمساءلة من كلا المديرين. من الجدير بالذكر أنَّ الموظفين الذي يخضعون لأكثر من جهة يواجهون تحديًا عندما تكون التوجيهات التي يتلقّونها من مديريهم متعارضة وغير متوافقة. لكن على الرغم من ذلك، فإنَّ من فوائد استخدام الهيكل المصفوفي أنَّه يجعل الموظفين يدركون الوظائف المختلفة التي تحتاجها المؤسسة في نفس الوقت.
ترجمة -وبتصرف- للفصل Organizational Structures and Design من كتاب Principles of Management
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: التغيير التنظيمي في المؤسسات
- المقال السابق: قياس أداء الخطط الاستراتيجية وتقييمها
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.