اذهب إلى المحتوى

الأخطاء التي يرتكبها المديرون عند إعطاء مراجعات الأداء السنوي


مجد اسماعيل

لا يخفى على أحد أن مراجعات الأداء السنوي لا تقابَل بحماس المديرين ولا الموظفين؛ إذ تمثل بالنسبة للمديرين كمًا هائلًا من العمل الذي عليهم تحضيره، وللموظفين إجهادًا للأعصاب. أذكر أنه قد أصابني توتر شديد بسبب مراجعة الأداء السنوي الأولى لي، لدرجة جعلتْني أفكر جديًا في الاتصال بشركتي لأعتذر عن الحضور إلى عملي بسبب الإعياء الذي صاحب ذلك.

بطبيعة الحال، لا يُعَد النظر إلى الماضي ممتعًا دائمًا، لكن مع ذلك فهو أساسي لتطورنا، لأن استيعاب أخطائنا والتعامل معها يمداننا بالزخم، إذ من الضروري أن تعطي تقييمًا لفريقك، لكن هل يجب أن يجرى ذلك مرةً واحدةً فقط في السنة؟ الجواب باختصار: لا؛ وهناك شركات كبرى مثل جنرال إلكتريك GE، وأدوبي Adobe، وأكسنتشر Accenture، ونتفليكس Netflix تبنت تلك الإجابة بأن توقفت عن إجراء تقييم الأداء السنوي تمامًا. سأتحدث عن ذلك أكثر في سياق هذا المقال. لكني سأتطرق أولًا إلى ما يلي:

توقف عن ارتكاب هذه الأخطاء

يجب التوقف عن ارتكاب اﻷخطاء التالية:

إعطاء أول تقييم يخطر في بالك

من أكثر أخطاء المديرين شيوعًا بشأن إعطاء مراجعة أداء لموظفيهم ألا يحضّروا لها؛ فغالبًا ما يُنظَر إلى هذه الخطوة على أنها لا تُتخذ إلا بعدما يكون العمل المهم قد أُنجز، وليس بوصفها جزءًا مهمًا من العملية الوظيفية ذاتها؛ لذا يعطي المديرون السيئون المراجعات على مضض، ومن دون تكريس التفكير اللازم لها. وهنا تجدر الإشارة إلى أنك إذا لم تكرس جهدًا صادقًا لتقديم مراجعة لأداء موظفك، فلا تتوقع منه تكلّف عناء تطوير أنفسهم.

يمثّل المديرون مثالًا يُحتذى به لتطورهم، وهذا ما يجعل من عمليات التحقق المتكررة والمراجعات الشهرية أفضل بلا شك. وإذا ما تحدثنا واقعيًا، فانتظار المدير سنةً كاملةً قبل إعطاء تلك المراجعة يُعَدّ وقتًا طويلًا جدًا؛ لأننا ننسى الكثير خلال تلك المدة، ولذا قد لا يعود للمراجعة المتأخرة أي قيمة تُذكر.

ولكن إذا لم تحضّر مطلقًا لمراجعة أداء موظفيك، فكأنك توصل لهم الانطباع القائل إن عملك يفوق عملهم أهمية؛ وهو ما يمثل ذهنيةً خطيرةً إذا ما سادت مكان العمل، لذا تجنّب هذه الأخطاء الجسيمة بتكريس جلسات مراجعة أكثر تكرارًا، وتكون أسهل في التحضير لها، وأوثق صلة من حيث توقيتها.

تأثير الحداثة

من الأخطاء الأخرى الشائعة التي يرتكبها المديرون، النظر إلى ما حدث مؤخرًا بدلًا من أخذ الصورة الكاملة بالحسبان. يعني تأثير الحداثة Recency Effect بأن آخر شيء دخل ذاكرتك هو الأكثر حضورًا في ذهنك، وعلى أرض الواقع. ولإثبات أنك لست محصنًا من الوقوع في فخ تأثير الحداثة، جرب هذا الاختبار السريع:

  • دع شخصًا ما يردد على مسامعك من 10 إلى 15 كلمة.
  • لاحِظ أن آخر مجموعة من الكلمات حاضرة في ذهنك أكثر من سابقاتها.
  • لاحظ أن أول مجموعة من الكلمات حاضرة في ذهنك أكثر من تلك التي في الوسط (يسمى هذا تأثير الأولية أو السبق Primacy Effect).

لذا، إن لم تكرس وقتًا -بوصفك مديرًا- لتوثيق الأشياء بالتوازي مع حدوثها، أو لم تلتق بموظفيك مرةً واحدةً في الشهر، فمن المحتمل جدًا ألا تتذكر سوى بداية العام ونهايته بالنسبة لموظفيك. لكن ماذا عما حدث في منتصف العام؟ تخيل أنك تشاهد بداية فيلم ونهايته فقط. قد تحظى بفكرة عامة حول أحداثه، لكنك ستكون قد أضعت الحبكة بالكامل. فكيف يمكنك -والحال كذلك- تقييم ذلك الفيلم على نحو دقيق؟

تتمثل المشكلة العضوية لتقييمات الأداء السنوية في الفجوة الكبيرة بين الماضي والحاضر.

غياب التقدير والإيجابية الكافيين

هناك مَثل يقول أن الناس ميالون إلى تحقيق ما تشجعهم عليه، لا ما تزعجهم بإلحاحك عليهم لبلوغه، فالهدف من مراجعات الأداء السنوي هو توجيه انتقاد بنّاء للموظفين، بقدر ما هو لتشجيعهم، ولكن إياك أن توجه إطراءً فقط لمجرد الإطراء، واحرص على أن يكون التقييم الإيجابي الذي توجهه ذا مضمون واضح، وليس غامضًا.

تجنب هذه الإطراءات الخالية من المعنى:

  • إنك تبلي حسنًا في المجمل.
  • أعجبني العمل الذي أنجزتَه على ذلك المشروع.
  • أنت إضافة للفريق.
  • نقدّر كل ما تفعله.

خصص عباراتك بدلًا من ذلك باستخدام أمثلة محددة نعرض لك بعضها أدناه:

  • أعجبتني فعلًا الطريقة التي تعاملتَ فيها مع المشكلة (الفلانية) في مشروعك الأخير؛ فقد كشفت عن مهارات قيادية لديك.
  • ساعدت فكرتك المتمثلة بإضافة (كذا) إلى المشروع على البدء فيه. أنت شخص ذو مساهمات إبداعية.
  • لاحظتُ أنك تبقى لساعات إضافية خلال فترة الإنتاج، وأريد منك أن تعلم أننا نثمن ذلك عاليًا؛ فتفانيك في العمل يعني لنا الكثير.

ولأن أدمغتنا مدربة على التشبث بالتقييمات السلبية، فاحرص على أن تكون التقييمات الإيجابية التي تعطيها ذات وقع كاف في أذهان متلقيها. من المهم أيضًا أن تستخدم مراجعة الأداء السنوي للنظر إلى الأمام، وليس فقط كعين على الماضي.

يرى أستاذ الإدارة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس UCLA، وهو سام كولبرت Sam Culbert، أن تقييمات الأداء السنوي يمكن أن تكون ضارةً إلى حد بعيد، وهذا ما دفعه إلى تطوير مفهومِ استشراف الأداء Performance Preview الذي يُعَد مقاربةَ أكثر إيجابيةَ للمراجعات، ويعرّفه الأستاذ سام بأنه:

اقتباس

نقاش ذو تفكير تقدمي يتحدث فيه الطرفان عن مهماتهما ومسؤولياتهما لتحقيق النجاح خلال السنة أو الفترة المقبلة.

فكر في الأمر كأنه قيادة سيارة؛ فهناك لحظات عليك فيها النظر في المرآة لترى ما خلف السيارة، لكن الأكثر أهميةً هو أن عليك النظر إلى الأمام.

المراجعة من الشخص الخطأ

أول مراجعة أداءٍ أتلقاها كانت من المشرف عليّ، والذي لم أتحدث معه سوى خمس مرات خلال السنة الأولى من عملي في الشركة. أستوعب مفهوم "المشاهدة من بعيد" و"عيون في الرأس من الخلف" التي تعني أن المدير يرى كل ما حوله، لكن مديري لم يكن يملك فكرةً حقيقيةً عن مساهمتي في العمل. وذلك يمثل مشكلةً كبيرةً في العديد من أماكن العمل.

ثمة فجوة واسعة بين حياة الموظفين اليومية، وبين المديرين الذين يجعلون مسألة إعطاء مراجعة فعالة أمرًا شبه مستحيل. لن تطلب من ناقد سينمائي أن يُعِدّ مراجعةً لفيلم لم يشاهده، فكيف إذًا لمشرف أو مدير، أن يعطي مراجعةً لأداء موظف ليس لديه تواصل يومي كافٍ معه؟

الأمر بدهي؛ إذ ينبغي لمن يعطي مراجعةً لأداء الموظف أن يكون المدير الذي يلتقي به وجهًا لوجه أغلب الوقت خلال الأسبوع.

غياب الإنذار المسبق

من المهم إعلام موظفك مسبقًا ليس فقط بأنه سيخضع لمراجعة أداء، بل وتوقيت إجراء تلك المراجعة. إليك مبررات ذلك:

  1. يمنح ذلك الموظفين الوقت ليصبحوا جاهزين ذهنيًا.
  2. يمنحهم الوقت لتحضير ملاحظات حول الأمور التي يرغبون في مناقشتها.
  3. يكرس لديهم انطباعًا مفاده أنك لا تتركهم لآخر لحظة، بل بأنهم أعضاء مهمون في الفريق، وجديرون بقسط وافر محضر له مسبقًا من وقتك.

لذا، ومن باب احترام وقت موظفيك، احرص على أن ترسل لهم مسبقًا طلب اجتماع. أقترح لك بالنسبة لطلب ذلك الاجتماع أن تضمّنه ملاحظات تشجيعية مع بعض الإرشادات، مثل: "أتطلع للقاء بك في اجتماع ثنائي للحديث عن أدائك خلال السنة. ستكون لديّ بعض الملاحظات المحضرة مسبقًا، لكني أرغب في الاستماع إلى ما تريد قوله!". سيضفي ذلك على الاجتماع جوًا أكثر إيجابيةً، وسيذكّر الموظف بأن ذلك الوقت مكرس له بالمطلق.

ربط المراجعة بالراتب

يرتكب العديد من الشركات الخطأ المتمثل بتأسيس الراتب الذي يتقاضاه الموظف على مراجعة الأداء التي تجرى له. يُشرح هذا الأمر جيدًا في الفقرة التالية:

تكرس مراجعات الأداء المرتبطة بالتعويض ثقافة لوم ضمن الشركة؛ إذ من المعلوم جيدًا أن تلك المراجعات تعزز الهرمية، وتضعف الروح الجماعية، وتعيق حل المشاكل على نحو تعاوني، وتقوض الحديث المباشر والمنفتح؛ كما أنه من السهل جدًا تسييسها. يؤدي ذلك النوع من المراجعات إلى الانهزامية وضعف المعنويات بالنسبة لكل الأطراف.

إن من شأن ربط مراجعة الأداء بالتعويض الذي يتلقاه الموظف أن يضعف قيمة تلك المراجعة بجعلها غير ذات أولوية، ويحكمها المال على نحو رئيسي.

وفي النهاية، يراد من مراجعة الأداء أن تتطرق إلى أداء الموظف، وليس راتبه؛ فإذا ارتبطت بالراتب، فيُحتمل أن يمر الموظف بوقت عصيب وهو يستمع إلى تقييمك، ويفسره ويطبقه، وذلك لأن تركيزه سينصب هنا على النتيجة النهائية فقط؛ أي ما إذا كان سيتلقى زيادة على راتبه أم لا.

لا يلام الموظف في هذا الوضع الذي أشبه ما يكون بانتظار الامتحان في الثانوية، إذ كيف يمكنك التركيز خلال تلقي الدروس وأنت تعلم أن الدرجة النهائية التي تحصل عليها هي المعيار الوحيد للنجاح.

عدم إجراء تقييم

أكبر خطأ قد يرتكبه المدير هو أن لا يقدم أي تقييم لموظفيه. قد لا تصدق أن هناك مدراءً لا يقيّمون أداء موظفيهم، لكن ذلك يحدث غالبًا في الواقع. إنه لأمر سيئ ألا تجري سوى مراجعة أداء واحدة بنهاية السنة، ومن هنا تنبع أهمية التوجه نحو الاجتماعات الثنائية المتكررة، حيث يمكن للمديرين فعلًا مساعدة موظفيهم في تطوير أدائهم. وأشبه ما تكون تلك الاجتماعات الثنائية "بالمحادثات"، إذ تسهم في إزالة كثير من الخوف الذي تسببه كلمة "مراجعة".

يرى روس لاراواي Russ Laraway أن:

اقتباس

النقاشات المهنية -أي الحوارات العميقة ذات المعنى الجاد والمترافقة مع خطط عمل حول أهداف قابلة للقياس- تسهم إلى حد بعيد في الاحتفاظ بالموظفين وبقائهم ضمن الدائرة القريبة من المدير.

فالهدف الحفاظ على استمرار التواصل على نحو منتظم مرة على الأقل في السنة، وتفادي انقطاعه نهائيًا بالتأكيد.

حالة إلغاء مراجعات الأداء السنوي

ربما يكون هناك عمل كثير يجب إنجازه في الشركة، وقد يخرج الوضع عن السيطرة تقريبًا بحسب نوع الشركة، لكن ذلك ليس عذرًا لإلغاء مراجعات تقييم الأداء؛ فالتقييم بمثابة شريان الحياة لمكان العمل.

تشهد جلسات التقييم تواصلًا واتصالًا؛ وهما قيمتان لا غنى عنهما بالتأكيد لنجاح أي شركة. سيكون لدى العديد من المديرين أعذار لإلغاء مراجعات الأداء السنوي؛ مثل:

  • ليست لدينا مواضيع بتلك الأهمية التي تجعلنا نناقشها مع موظفينا؛ فهم يبلون حسنًا، ولا حاجة لنا إلى تقييم أدائهم.
  • لدينا عمل كثير، وإنجازه أولوية بالنسبة لنا.
  • يعلم موظفو شركتي أني أتبع سياسة الشفافية؛ لذا بوسعهم التحدث إليّ في أي وقت يريدون.

يعلم المدير الجيد أن التواصل مهم حتى لو لم يكن هناك أمر شديد الأهمية لمناقشته. وسواء أكان تواصلك مع موظفيك بغرض مناقشة بعض الأمور البسيطة، أو للإشادة ببعض الإنجازات الصغيرة، أو للتعرف إلى كيفية سير العمل؛ فيعد وقت ذلك التواصل معهم مهمًا لجعلهم يشعرون بأن هناك من يرى عملهم ويقدّره ويتواصل معهم.

أفكار رئيسية

  • يجب أن تعطى المراجعات السنوية فقط بالإضافة إلى جلسات التقييم الشهرية.
  • احرص على أن تكون مستعدًا جيدًا لإعطاء مراجعة أداء لموظفيك؛ لأنك إذا لم تكن كذلك، فلن تضيف مراجعتك أي قيمة للموظف، ولذا فإنه لن يتطور.
  • لا تنسَ تقدير موظفيك إيجابيًا؛ فلا يُقصد بمراجعات الأداء توجيه انتقادات لموظفيك، بل تشجيعهم.
  • بالتوازي مع النظر إلى مراجعة أداء الموظفين خلال السنة الماضية، انظر قُدمًا وركز على الأهداف الجديدة للسنة القادمة (استشراف الأداء).
  • بقدر ما تكون الأحداث الأخيرة ماثلةً في ذهنك (تأثير الحداثة)، احرص على النظر إلى الصورة الشاملة للأحداث التي وقعت طوال السنة الماضية.
  • أعلِم موظفيك مسبقًا بأنك ستجري مراجعة أداء، بحيث يستعدون ذهنيًا له ويجهّزون ملاحظاتهم ذات الصلة.
  • احرص على أن يكون المدير الذي يجري مراجعة الأداء قد أمضى وقتًا كافيًا مع الموظف، بحيث يخرج بمراجعة دقيقة.
  • لا تربط مراجعات الأداء السنوي بالراتب؛ إذ يجب الفصل بين التقييم والتعويض.
  • لا تقلّ المراجعات أهمية عن باقي عملك بوصفك مديرًا، ولا عذر لديك لإلغائها، حتى لو لم يكن لديك أمور ملحّة لمناقشتها!

ترجمة وبتصرف للمقال 7‎ mistakes managers make when giving annual performance reviews.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...