تعتبر مراعاة الجانب الأخلاقي والقانوني عند ممارسة الأعمال والعمل على الريادة فيها، أمرين بالغي الأهمية لكل فرد طموح راغب في الوصول إلى الريادة. وفي هذا المقال سنركز على فهم أهميّة الأخلاقيّات، والدّور الّذي يلعبونه في تطوير منظّمة أخلاقيّة، ومسؤولة، إلى جانب العمل على تمكين روّاد الأعمال من تطوير بوصلة أخلاقيّة، تسمح لهم بقيادة منظّماتهم التّجارية، بطريقة تتماشى مع المبادئ الأخلاقيّة، والقانونيّة.
عندما قرّر مارتن شكريلي رفع سعر دواء فيروس السيدا، المنقذ للحياة من 13.5$ إلى 750$ للحبّة الواحدة، وصف الرّأي العام تصرّفاته على الفور باللَّاأخلاقية، بينما رأى هو موقفه في إطار التصرّف المسؤول، الّذي يخدم مصالح شركته، والمساهمين فيها، وعلى الرغم من أنّ قرار رفع الأسعار كان ضمن إطار قانوني، إلَّا أنّ الرّأي العامّ أدان تصرّفاته.
ولكن، هل ينبغي لرائد أعمال مثل شكريلي أن يهتمّ لاستدامة عمله، أم لتوفير دواء أقلّ تكلفة للمرضى، وبالتّالي أقلّ فائدة لشركته؟ هذا السّؤال الجوهري يقود إلى أسئلة أخرى تتعلّق بأخلاقيات الموقف، وهل كان قرار رفع سعر الدّواء بنسبة 5000% في صالح الشّركة؟ هل كان شكريلي ملمًّا بكلّ الجوانب "الأخلاقية، والقانونية، والمالية، والسّمعويّة، والسّياسيّة" للقرار الّذي اتّخذه؟ الفحص النّقدي لقرارات شخص من أمثال شكريلي، يفرض على المرء امتلاك وعي محسّن يأخذ في الحسبان الفئات العديدة من أصحاب المصلحة من وراء اتّخاذ قرار كهذا القرار، ولا يقتصر على المساهمين فحسب.
أصحاب المصلحة
تتطلّب النّظرة الشّاملة لأخلاقيات العمل، وريادة الأعمال فَهْمًا للفرق بين المساهمين: وهم مجموعة صغيرة تضمّ المالكين (أو حملة الأسهم)، وبين أصحاب المصلحة: وهي مجموعة أكبر، ينضوي تحتها كلّ المنظّمات، والنّاس الّذين يكسبون مصلحة من وراء عمل الشّركة.
إن خدمة مصالح المساهمين -وهو ما اعتقد شكريلي على الأغلب أنّه يفعله- أمر مبنيّ على نظرة ضيّقة للهدف التّنظيمي، هذه النّظرة المعروفة بـمبدأ "أولويّة المساهمين" تعود أصولها إلى قضيّة شهيرة في المحكمة العليا لولاية ميشيغان الأمريكيّة، حيث كان طرفاها شركة السيّارات فورد، ومساهمَين فيها هما الأخوان دودج، اللّذان أنشآ لاحقًا شركة دودج للسيّارات، هذه القضيّة رسّخت فكرة سرت بعدها لعقود؛ مفادها: أنّ أرباح المساهمين هي الأمر الوحيد الّذي ينبغي للمدير التّنفيذي، وشركته الاهتمام به، لكنّ هذا المفهوم استُببدل تدريجيًّا بآخر أكثر تطوّرا، يفرض مراعاة جميع أصحاب المصلحة عند اتّخاذ قرارات حاسمة في الشّركة، ذات نتائج واسعة؛ ومن أمثلة هذا الوعي الجديد نذكر: "ذا بيزنس راوندتيبل" طاولة الأعمال الدّائرية، وهي مجموعة من المديرين التّنفيذيّين في أكبر، وأنجح الشّركات في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وقد أصدرت هذه المجموعة تصريحًا حديثًا حول أخلاقيات العمل، ومهّدوا فيه بالقول: "بالتّعاون مع شركاء من القطاعات العامّة، والخاصّة، وغير الرّبحية، نتعهّد نحن المديرين التّنفيذيّين للبيزنس راوندتيبل، باعتماد حلول تصنع الفرق لصالح العمّال، والعائلات، والشّركات، والمجتمعات باختلاف أحجامها."
جد الحل
التصريح الرسمي لمجموعة بيزنس راوند تيبل حول "هدف الشركة"
طالع التّصريح الآتي حول الهدف من الشّركة، والّذي نشرته مجموعة بيزنس راوند تيبل: "يستحقّ الأمريكيّون اقتصادًا يسمح لكلّ شخص بالنّجاح عبر العمل الجادّ، والإبداع، وبعيش حياة كريمة هادفة، كما نؤمن بأنّ نظام السّوق المفتوح، هو الوسيلة الأنجع لخلق أعمال جيّدة، واقتصاد قويّ مستدام، وتعزيز الابتكار، ودعم المحيط الصحيّ، والفرص الاقتصاديّة للجميع."
كما "تلعب الشّركات دورًا محوريًّا في الاقتصاد، بتوفيرها مناصب الشّغل، ورعايتها الابتكار، وتقديمها الخدمات والسّلع الأساسيّة، وتصنع الشّركات، وتبيع المنتجات الاستهلاكيّة، كما تصنع المعدّات، والمركبات، وتدعم الدّفاع الوطنيّ، وتزرع، وتنتج الطّعام، وتوفّر الرّعاية الصحيّة، وتولّد الطّاقة، وتوزّعها، كما تقدّم خدمات المال، والتّواصل، والخدمات الأخرى، الّتي تدعم النموّ الاقتصادي، بينما تخدم كلّ واحدة من شركاتنا غرضها الخاصّ، فإنّنا جميعا نشارك كلّ أصحاب المصلحة لدينا التزامًا أساسيًّا توضّحه النّقاط الآتية:
- تقديم القيمة لعملائنا: سنعمل على تعزيز التّقاليد الأمريكيّة بشركات تقود الرّكب في تلبية أو حتّى تجاوز توقّعات العملاء.
- الاستثمار في موظّفينا: يبدأ ذلك بدفع أجور عادلة لهم، وتقديم فوائد ضروريّة، وكذا دعمهم بالتّدريب، والتّعليم الضّروريّين لتطوير مهارات جديدة، من أجل مواكبة عالم سريع التغيّر، فنحن ندعم التنوّع، والاحتواء، والكرامة، والاحترام.
- التّعامل مع مزوّدينا بعدل، وأخلاقيّة: فنحن ملتزمون بالعمل في شراكة حسنة مع الشّركات الأخرى، كبيرها وصغيرها، والّتي تساعدنا على تنفيذ مهامنا.
- دعم المجتمعات الّتي نعمل فيها: حيث نحترم النّاس في مجتمعاتنا، ونحمي البيئة من خلال تبنّي الممارسات المستدامة في كلّ أعمالنا.
- توليد قيمة طويلة الأجل للمساهمين: فهم الّذين يمدّون رؤوس الأموال الّتي تسمح للشّركات بالاستثمار، والنموّ والابتكار، لذا فنحن ملتزمون تجاههم بالشّفافيّة، والتّواصل الفعّال.
- ''كلّ ذي مصلحة مهمّ، لذا نلتزم بتقديم القيمة لهم جميعًا، من أجل النّجاح المستقبلّي لشركاتنا، ومجتمعاتنا، ووطننا.
سؤال: هل تعتقد أنّ شكريلي في قضيّته المناقشة سابقًا، أخذ في الحسبان كلّ ذوي المصلحة كما تنصّ عليه وثيقة بيزنس راوندتيبل؟ أم اتّبع في قراره المقاربة القديمة "مبدأ أولويّة المساهمين"؟
يهدف هذا الباب من السلسلة الخاصة بريادة الأعمال إلى شيئين:
أوّلهما- مساعدة روّاد الأعمال على فهم أهميّة الأخلاقيّات، والدّور الّذي يلعبونه في تطوير منظّمة أخلاقيّة، ومسؤولة، وهذا يتضمّن القدرة على تحديد، وتعريف المعضلات الأخلاقيّة، والمشاكل القانونيّة الّتي قد تصادفهم.
ثانيًا- نسعى إلى تمكين روّاد الأعمال من تطوير بوصلة أخلاقيّة، تسمح لهم بقيادة منظّماتهم التّجارية، بطريقة تتماشى مع المبادئ الأخلاقيّة، والقانونيّة.
مثال: المنظّمة التّجارية الأخلاقية، هي كلّ منظّمة تتبع تصريح الغاية المنشودة من بيزنس راوند تيبل؛ مما يعني خلق محيط عمل يحظى من خلاله الجميع بالتّشجيع، والتّمكين، والدّعم الكافي لتطوير القدرات الأخلاقيّة، كيما يفرّق المرء تفريقًا تعوّديًا ونظاميًّا بين الصّواب، والخطأ، وهذا يعني -أيضًا- أنّ على كلّ منظّمة، بعناصرها جميعها، أن تظهر نتائج واضحة، صريحة، ومناسبة في حجمها، ووقتها تجاه كلّ تصرّف غير أخلاقي، أو أفعال غير مسؤولة.
رائد الأعمال الأخلاقي
كلّما فكّرت في التصرّف الّذي تتوقّعه من نفسك، في حياتك الشخصيّة، والاحترافيّة، دخلت حوارًا فلسفيّا مع نفسك، لتعرّف مبادئ التصرّف الّتي تحترمها، وتلك هي أخلاقيّاتك، وربّما تقرّر مثلًا أن تصارح عائلتك، وأصدقاءك، وعملاءك، وزبائنك، وأصحاب المصلحة في عملك، بالحقيقة، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا، فلا بدّ أن تكون الأسباب مقنعة، ويمكن -أيضًا- أن تختار ألاّ تخدع، أو تضلّل شركاء عملك، كما يمكن أن تقرّر -أيضًا- أنّك لا تشترط في سعيك لتحقيق الرّبح، أن تعود الفائدة كلّها إليك، بل توزّع كلّما كفت الأرباح جزءًا منها على أصحاب المصلحة، مثل أولئك الّذين ساعدوك، أو أثّروا بطريقة، أو بأخرى على نجاح عملك، فهذه المجموعة من ذوي المصلحة، تضمّ الموظّفين (مشاركة الأرباح)، والمساهمين (توزيع الأرباح)، والمجتمع المحليّ (الوقت)، والقضايا الاجتماعية، والمنظّمات الخيريّة (التبرّعات).
ولهذا فالنّجاح في عالم ريادة الأعمال ينطوي على أكثر من مجرّد تحقيق المال، وتطوير المشروع، فالنّجاح يعني -أيضًا- معاملة الموظّفين، والعملاء، والمجتمع ككلّ، بصدق واحترام، فقد يأتي النّجاح على شكل الفخر الّذي تحسّ به عند التّعامل بصدق، ليس لأنّ القانون يفرض ذلك، بل لأنّنا نحرص على الصّدق من تلقاء أنفسنا، وقد يكون النّجاح في معرفتنا بأنّ الفائدة الّتي نحقّقها لم تأت على حساب الآخرين، ولذا، فأخلاقيّات التّجارة تقود المنهج الّذي يتّبعه روّاد الأعمال، وشركاتهم، لاتّباع القانون، واحترام ذوي المصلحة لديهم، وخصوصًا عملاءهم، وزبائنهم، وموظّفيهم، والمجتمع، والبيئة المحيطين بهم.
كلّ الأديان، والنّظم الأخلاقيّة، والرّوحية -تقريبًا- تركّز على لبنات التّعامل مع الآخرين باحترام، وتعاطف، وصدق، وتعمل هذه المعتقدات الرّئيسة بدورها على تجهيزنا بمبادئ التصرّف الأخلاقي الّتي تعدّ دلائل مثاليّة في عالم التّجارة، لكنّنا سنحتاج أن نتّبع دينًا، أو نظامًا معيّنا لنعكس تلك الأخلاق في تصرّفاتنا، تجاه بعضنا بعضًا، وعلى رأسها الالتزام بمعاملة الآخرين بإنصاف، وكرامة، في كلّ تعاملاتنا، بما فيها التّجاريّة.
لأجل هذا، نستخدم في هذه السلسلة مصطلحي "المبادئ الأخلاقية" (morals) والأخلاقيات (ethics) استخدامًا ترادفيًّا؛ لأنّنا نرى أنّ ذا المبادئ الأخلاقيّة هو نفسه الشخص المتحلّي بالأخلاقيّات الحميدة، فالسّلوك الأخلاقي ليس الطّريقة الصّحيحة لتصرّف رجال الأعمال وحسب، بل هو ما يكسبهم السمعة المهنية كقادة أعمال نزهاء.
النّزاهة، ونعني بها هنا اتّفاق أفعال المرء مع أقواله، وهي سمة حميدة عالية القدر، لكنّها -أحيانًا- أكثر من مجرّد تناسق الشّخصيّة، فالتصرّف بنزاهة يعني الالتزام بصرامة، بمجموعة من القيم الأخلاقيّة، هذه القيم تؤسّس عادة للقواعد الأخلاقيّة، أو قواعد السّلوك، والقواعد الأخلاقيّة تلك؛ دليل يقود السّلوك، ويمكن جمعها من مصادر مختلفة.
ويمكن أن تكون قواعد سلوك شخصيّة داخليّة، أو قواعد رسميّة تتبنّاها منظّمة تجارية، كما يمكن أن تكون قواعد خارجيّة قائمة على مهنة المرء (مثل قانون المحاسب المالي، أو المحامي أو المخطّط المالي المعتمد، أو غيرهم)، أو قواعد أوسع، قابلة للتّطبيق، مثل قواعد بيزنس راوندتيبل، أو Business for Social Responsibility (المسؤولية الاجتماعية للشّركات) فكونك مهنيّا نزيهًا، يعني سعيك الدّائم لأن تتصرّف كأفضل ما يكون في كلّ تعاملاتك؛ الشّخصيّة منها، والمهنيّة.
تجلب النّزاهة في العمل كثيرًا من المحاسن، ولعلّ من أهمّها؛ كونها عاملًا حاسمًا في تمكين المجتمع، وشركاته، من العمل عملًا صحيحًا، وهي كذلك قاعدة أساسيّة في خلق، وترسيخ الثّقة، وهذه الأخيرة سمة جوهريّة لا بدّ منها في كلّ الالتزامات؛ تعاقديّة كانت، أم لفظيّة، بين الشّركات، وذوي المصلحة فيها.
يفتخر رواد الأعمال الناجحون، والشركات التي يمثلونها بأنفسهم، وخصوصًا إذا كانت أعمالهم التّجارية تمتاز بالشّفافية والنّزاهة، والنّية الحسنة. إنّ من الأخلاقيّات المطلوبة؛ أن تظهر كرامة، واحترامًا في تعاملك مع الزّبائن، والعملاء، والموظفين، وجميع ذوي العلاقة بمشروعك الرّيادي، ذلك لأنّ الممارسات الأخلاقيّة في الأعمال التّجاريّة، تعود بالنّفع على تلك الأعمال على المدى الطّويل، فالعملاء، والزّبائن، والموظّفون، والمجتمع ككل، سيكونون أكثر استعدادًا لرعاية شركة، والعمل باسمها بجدّ، إذا بدا لهم أنّها تهتمّ لأمر المجتمع الّذي تخدمه؛ فأي نوع من الشركات لديها عملاء، وموظفون على المدى الطويل؟ إنها تلك الشّركات الّتي تملك سجلًّا حافلًا بأدلّة الممارسات التّجاريّة النّزيهة.
تشير أبحاث الأداء من "الشّركات الأكثر أخلاقيّة في العالم" (World's Most Ethical Companies اختصارًا إلى WMEC) إلى وجود علاقة مطّردة بين السلوك الأخلاقي، والأداء المالي الناجح على المدى الطويل، وغالبًا ما تتجاوز هذه الشركات توقعاتها في السوق، في فترات ازدهاره، وتراجعه على حدّ سواء، وتظهر قائمة شركات WMEC متوسط عائد فائض سنوي يزيد عن 8 % أعلى من الربحية المتوقعة، ويرجع هذا إلى عدّة الأسباب، من بينها؛ ما يصفه الباحثون بـــ "التّأثير الإيجابي على ثقافة الأعمال، وأصحاب المصلحة، والسّمعة". بعبارة أخرى، فإنّ كونك أخلاقيّا، يؤثّر إيجابيًّا على الموظفين، والمستثمرين والعملاء.
هل أنت جاهز؟
ما هي ثقافة الشركات التي تقدرها؟
تخيّل أنك تمتلك بعد التخرّج فرصة للانخراط في أحد مشروعين رياديّين، الأوّل: مع شركة ناشئة معروفة بتفضيلها العمل الجادّ، وثقافة عدم الاستهتار، حيث يقدّرون ساعات العمل الطّويلة، والجهود الكبيرة، وفي نهاية كلّ عام، تخطّط الشّركة للتبرّع لصالح قضايا اجتماعيّة، وبيئيّة متعدّدة.
أمّا المشروع الثّاني فمع منظّمة غير ربحيّة، معروفة بثقافة عمل مختلفة، إذ تقدّر هذه المنظّمة الموازنة بين حياة الموظّف، وعمله، كما تمنحك الفرصة للسّعي وراء اهتماماتك المهنيّة، أو التطوّع في فترات من أيّام عملك، مع الأخذ بالحسبان، أنّ المشروع الأوّل يدفع لك أجرة أعلى من الثّاني بـ 20%.
- أيّ المشروعين ستختار؟ ولماذا؟
- ما هي النّواحي الّتي تكون فيها مساهمات شركة في قضيّة ما، أكثر تأثيرًا في تلك القضيّة؟ ومن أيّ نواحٍ تكون المساهمات الفرديّة أقوى؟
- إلى أيّ مدى يكون المدخول عاملًا مهمّا؟ وعند أيّ نقطة يطغى المدخول الأكبر على الفوائد غير المتعلّقة بالمال للفرص الأقلّ كسبا؟
يخلط كثير من النّاس بين الالتزام الأخلاقي، والامتثال للقانون، غير أنّ هذين المفهومين ليسا مترادفين، بل ويدعو كلّ منهما إلى مبادئ سلوكية مختلفة؛ إذ نحتاج القانون لخلق مجتمع، والحفاظ عليه، ومن دونه، تعمّ المجتمع الفوضى؛ لذا فالامتثال للقانون أمر إجباريّ، وإذا خالف المرء تلك المبادئ، والقوانين، فهو عرضة للعقوبات الّتي تقرّها القوانين -أيضًا- وعليه، يشير الامتثال غالبًا إلى مدى قيام الشّركات بأعمالها وفقا للتّعليمات، واللّوائح، والقوانين، لكنّ هذا ليس سوى الحدّ القاعديّ الأدنى، ويبنى الالتزام الأخلاقي على هذا الحدّ القاعديّ، ويكشف عن مبادئ قائد الأعمال فرديّا، أو مبادئ منظّمة بعينها، وغالبا ما تكون التصرّفات الأخلاقيّة بدافع طوعي شخصيّ، يستند غالبًا على تصوّرنا الفردي لما هو صواب، وما هو خطأ.
بعض المهن، مثل الطب والقانون، لديها قواعد أخلاقية تقليدية، وراسخة. فعلى سبيل المثال: يتبنّى غالبية عمّال الصّحة من أطباء، وممرضين، وغيرهم، قَسَم أبقراط، على أنّه مقياس مناسب يدينون به دوما للمرضى، كمعيار مناسب -دائمًا- مدين للمرضى من قبل الأطباء، والممرضات، وغيرهم في هذا المجال، وتختلف معايير الأخلاقيّات من شركة إلى أخرى، لكنّ هذا بدأ بالتغيّر، كما يتّضح من مجموعة قواعد السلوك، وبيانات المهام التي اعتمدتها العديد من الشركات خلال القرن الماضي. وتشترك هذه المعتقدات في العديد من النقاط، ولعلّ محتواها المشترك يتمخّض مستقبلا عن قواعد أخلاقية موحّدة، يلتزمها جميع ممارسي التّجارة.
والنّقطة المركزيّة الّتي يمكن أن تساهم في تشكيل مجموعة قواعد موحّدة؛ هي الالتزام بالتّعامل بنزاهة، وصدق مع العملاء، والزّبائن، والموظّفين، وغيرهم من المشتركين في العمل.
القانون مدين عادة للعادات، والتّقاليد، ولا يأتي التّغيير إلاّ إذا دعمته أسباب قاهرة، وغالبًا ما يكون المنطق الأخلاقي أكثر موضوعية، ويعكس تغيّرات الوعي التي يمر بها الأفراد، والمجتمع، ولهذا، يسبق الفكر الأخلاقي القوانين، ويمهّد الطريق لتغييرها.
يتطلّب التصرف -أخلاقيا- تحقيق المعايير الإلزامية للقانون، لكنّ هذا ليس كافيًا، فقد نرفض تصرّفا على الصّعيد الشّخصي، على الرغم من كونه لا يخالف القانون (خذ بالحسبان عدد الّذين رفضوا رفع شكريلي سعر الدّواء رغم قانونيّته). يحتاج روّاد الأعمال اليوم إلى أكثر من مجرّد التّركيز على الامتثال للقانون، إذ عليهم السّعي بجدّ كبير، لتجاوز ذلك المطلب الأساس، وأخذ أصحاب المصلحة بالحسبان، والقيام بما هو صائب.
جد الحل
اختراق بيانات إكويفاكس (Equifax)
بين منتصف شهري مايو، ويوليو من سنة 2017، تمكّن مخترقون من الوصول إلى خوادم تستخدمها Equifax، وهي وكالة رئيسة لتقارير الائتمان، ووصلوا هكذا إلى المعلومات الشخصية لنحو نصف سكان الولايات المتحدة.
بعد اكتشاف مديري Equifax التّنفيذيّين للاختراق؛ أواخر يوليو، وفي انتهاك محتمل لقواعد التّداول من الدّاخل، أقدموا على بيع قرابة مليوني دولار من أسهم الشركة، وقبل أسابيع قليلة من الإعلان عن الاختراق في 07 سبتمبر 2017، تراجعت أسهم الشركة بنسبة 14 في المائة تقريبًا بعد الإعلان، لكن قليلًا كانوا يتوقعون أن يتحمل مديرو Equifax المسؤولية عن أخطائهم، أو يواجهوا أي مساءلة، أو عقوبات جرّاء الاستفادة من أفعالهم.
ولتعويض العملاء في أعقاب الاختراق؛ عرضت الشركة خدمات مجانيّة على غرار مراقبة الائتمان، والحماية من سرقة الهوية، وفي 15 سبتمبر 2017، تقاعد رئيس قسم الأمن، وقسم المعلومات في الشركة، وفي 26 سبتمبر من السّنة ذاتها، استقال الرئيس التنفيذي، قبل أيام من شهادته أمام الكونغرس حول الانتهاك.
جرت العديد من التحقيقات الحكومية، ومئات من الدعاوى القضائية الخاصة نتيجة الاختراق، ومن المتوقع أن تدفع Equifax ما لا يقل عن 650 مليون دولار، مع إمكانية تقديم المزيد، لحل معظم المطالبات الناشئة عن خرق البيانات، حيث ستغطي التسوية 147 مليون مستهلك، أي أقل بقليل من نصف عدد سكان الولايات المتحدة.
ما هي عناصر هذه القضية التي قد تنطوي على قضايا الامتثال القانوني؟ ما العناصر التي توضح التصرف توضيحًا قانونيًّا، لا أخلاقيًا؟ كيف سيبدو التصرف أخلاقيًّا، وبنزاهة في هذه الحالة؟
لنعد إلى حالة مارتن شكريلي، لنفحصها عبر عدسات نظريّة تأسيسيّة مبنيّة على نظريّات أخلاقيّة، حيث تهتم النظريات المعيارية للأخلاقيات في المقام الأول بوضع مقاييس، أو معايير، تحدد السلوك الأخلاقي، ومن الأمثلة الشائعة للنظريات الأخلاقية المعيارية، نجد النّظرية النفعية، وأخلاقيّات الواجب (معروفة -أيضًا- باسم الأخلاقيّات الكانتيّة نسبة إلى الفيلسوف كانت أو "علم الأخلاق")، والأخلاق الفضيلة، وتوفّر هذه النّظريّات الأخلاقية الّتي سنناقشها -لاحقًا- وسيلة منهجية لفحص، وتقييم السلوك التجاري.
من منظور النظرية الأخلاقية، تركّز الأخلاقيّات الكانتيّة أو أخلاقيّات الواجب على النيّة، أو الدافع وراء قرار ما، سواء كان القرار جيّدا، أم سيّئا، فعلى سبيل المثال: إذا كان قرار رفع سعر الدواء المنقذ للحياة بنسبة 5000 % قرارًا أخلاقيًا، ويهدف إلى إضافة قيمة، فإنّ الفرد ملزم برفع السعر.
فيما تركّز الأخلاقيّات النفعية على فائدة أو نفع القرار، وإذا كان قرار رفع السعر يضيف قيمة، وفائدة للمساهمين، فيجب اتخاذ هذا القرار، وتنظر أخلاقيات العمل البروتستانتية إلى القرار من وجهة نظر الرأسمالية، والأسواق الحرة، والشعور بالواجب؛ لضمان أقصى عائد على الاستثمار؛ إذا كان القرار يتعامل مع تغيير سليم، ومفيد من الناحية المالية، وإذا كان هناك عدد كاف من العملاء الذين يحتاجون إلى منتج فيروس نقص المناعة البشرية، ويقدرونه، وهم على استعداد لدفع هذا السعر، فيجب اتخاذ هذا القرار.
أمّا مؤيدو الأخلاق الفاضلة فيزعمون أنّ الأخلاق تتكون من سلسلة من الفضائل الفطرية، ولكن الكامنة، التي ينبغي على الفرد تطويرها بمرور الوقت، وتتحدّد هذه الفضائل في الثّقة، والصّدق المتفرّع عنها، ومن هذا المنظور، إذا كان رفع الأسعار عادلًا، ومنصفًا، وإذا كان هذا تصرّفا مسؤولًا، وإذا لم يتسبب في ضرر للمجتمع، فيجب رفع السعر.
بينما يبقى الأمر أمام المحاكم لتحديد النية الكامنة، والآثار القانونية، والنتائج المترتبة على قرار شكريلي؛ تظهر الأدلة في هذه القضيّة، ودراسة حالات أخرى، أنّ بعض قادة الشركات لم يطوّروا إمكانات أخلاقية، أو لم يكتسبوا بوصلة أخلاقية تمكّنهم من التّمييز بين الصواب، والخطأ.
اكتساب بوصلة أخلاقية
البوصلة الأخلاقية هي حالة ذهنية، يطور الفرد من خلالها القدرات اللازمة للتمييز بين الصواب، والخطأ، أو بين العادل، والظالم، في الظروف الصعبة، فعندما يكون الأفراد قادرين على التصرّف بطريقة أخلاقية، وبتصرف منهجي، معتاد، ودون معاناة في تحديد كيفية التصرف، أو تقرير ما يجب فعله في المواقف الصعبة، فقد اكتسبوا تلك البوصلة الأخلاقية، ويمكن القول بأنّ هؤلاء الأفراد يتمتّعون بشخصيّة جيّدة، وقدرة على كسب الثّقة، وصفات تُعدّ ضروريّة للقيادة.
ولاكتساب، وتطوير بوصلة أخلاقية، يحتاج رائد الأعمال، وأعضاء المنظمة إلى ممارسة، وتطوير (عضلاتهم) الأخلاقية باستمرار، بحيث تشمل هذه العضلات القائمة على الأخلاق صفات مثل: الثّقة، والصّدق، والاحترام، والمسؤولية، والالتزام والرّعاية، والحبّ، والعدالة، ومع ذلك يحتاج رائد الأعمال أوّلًا إلى توفير الإطار التّنظيميّ، والأساس الّذي يمارس فيه الأفراد ووحدات الأعمال هذه الصفات بانتظام، ويضمن هذا الإطار، والأساس تلقّي كلّ شخص التّدريب المناسب، والفرصة لتحديد وسدّ الفجوات في سلوكه، والعرفان، والحوافز التي تعزز السلوك الأخلاقي الجيد، مع وضع عواقب مناسبة في الوقت المناسب، إذا لم يفلح في التّصرّف بمسؤوليّة، وتبدأ هذه الإجراءات، وغيرها في مساعدة الأفراد على اكتساب، وتطوير، بوصلة أخلاقية.
المسائل القانونية في ريادة الأعمال
خلافًا للعمل في بيئة مؤسسية كبيرة، ذات هيكل راسخ؛ غالبًا ما يقوم رواد الأعمال بإنشاء، وتشغيل مشروع تجاري جديد، وفقًا لقواعدهم الخاصة، وذلك الضغط لإنشاء مشروع جديد، ضمن حدود، وقيود، يلهم رواد الأعمال لإيجاد طرق مبتكرة، لتلبية متطلبات السوق المحتملة، ويمكن في الوقت نفسه أن يخلق التحدي -المتمثل في تلبية هذه التوقعات- إغراءاتٍ وضغوطًا أخلاقية، حيث يتخذ رواد الأعمال مجموعة متنوعة من القرارات، وتعجّ المجالات العامّة بالمشاكل القانونيّة المحتملة، وتضمّ العقود، والأضرار، والعمالة، والملكية الفكرية، وتضارب المصالح، والمصارحة، أو الصّدق -ادّعاءات المنتج، أو الخدمة، وفي أدائهما الفعلي، وفي قانون المنافسة، ومكافحة الاحتكار. (الشكل 2.3)
"الشّكل 2.3: تواجه روّاد الأعمال العديد من القضايا القانونيّة، من بينها الملكية الفكريّة، العقود، قوانين مكافحة الاحتكار، التّحايل، التّوظيف، والأضرار. حفظ الحقوق: جامعة رايس، Openstax / ترخيص CC BY 4.0.
الملكية الفكرية: براءات الاختراع، حقوق الملكية، والعلامات التجارية
هناك أسباب متعددة تضطرّ روّاد الأعمال إلى اكتساب دراية بحقوق الملكية الفكرية، بموجب القانون، فعلى سبيل المثال: إذا توصلت شركة ناشئة جديدة إلى اختراع فريد، فمن المهم حماية تلك الملكية الفكرية، إذ بدون هذه الحماية، يمكن لأي منافس نسخ الاختراع بشكل قانوني -حتى لو لم يكن أخلاقيا- ووضع اسمه، أو علامته التجارية عليه، وبيعه كما لو كان ملكًا له، وهذا من شأنه أن يحدّ بشدّة من قدرة صاحب المشروع على كسب المال من منتوج اخترعه، ويتم إنشاء حقوق الملكية الفكرية (IP) بموجب القانون، وحماية الشركات الصغيرة من مشاكل مثل هذه، كما يساعد قانون الملكية الفكرية -أيضًا- على تعزيز الوعي بالعلامة التجارية، وتأمين مصادر الدخل الثانوية.
الملكيّة الفكرية IP (بالإنجليزيّة Intellectual Property) هي حصيلة، أو نتيجة العمل الإبداعي لشخص، أو أكثر، لتحويل فكرة فريدة إلى منتج، أو خدمة عملية، وذات قيمة، هذا المظهر من الأفكار الأصلية، محمي قانونيًا، وتنطبق الملكيّة الفكريّة IP على كلّ حق حصري لشركة، حيث يساعد في تمييزها، ويساهم بمدّها بميزة تنافسية مستدامة، كما يمكن أن يؤدي هذا العمل الإبداعي إلى فكرة منتج، أو اختراع جديد، أو ابتكار محوريّ، أو تحسين منتج، أو خدمة متوفّرة، ويمكن للملكية الفكرية أن تأخذ شكل براءة اختراع، أو حقوق طّبع، ونشر، أو علامة تجارية، أو شكلًا منها يسمّى سر العلامة التجارية.
ومن أجل تطوير ميزة تنافسية مستدامة، يكون رائد الأعمال مسؤولًا عن توفير، وحماية الضّمانات اللازمة، وتطوير الملكية الفكرية للشركة باستمرار، وتتضمن هذه المسؤوليات فهم الأنواع المختلفة لملكيّة شركته الفكرية، وجوانبها التّقنيّة، كما يعني -أيضًا- أنّ عليه الاهتمام بالجانب غير التّقني للملكيّة الفكريّة، وذلك بتطوير ثقافة الإبداع، التي تمكّن المنظّمة من تقديم الملكيّات الفكريّة تقديمًا متواصلًا.
وإذا نظرنا من الجانب التّقني، فإنّنا نجد نوعين مختلفين من براءات الاختراع:
أمّا الأول- فهو براءة التّصميم (الشّكل 3.3): وهي تحمي شكل، ومظهر، فكرة المنتج، وتدوم مدّتها غالبًا لـ 14 سنة.
وأمّا الثاني- فهو براءة المنفعة: والّتي تحمي فكرة المنتج، أو الاختراع الجديد لمدّة محدّدة (تتراوح بين 14 و20 سنة حسب البلد).
"الشّكل 3.3: (أ) حصل رسم محرّك نيكولا تيسلا للتيار المتناوب على براءة الاختراع الأمريكيّة رقم 381968، ويمثّل براءة اختراع منفعة. (ب) حصل تصميم زجاجة كوكاكولا على براءة اختراع تصميم. حفظ الحقوق (أ): تعديل ""US Patent US381968A"" عن Nicola Tesla/Google Patents، مشاع حفظ الحقوق (ب): تعديل ""Coke bottle patent"" بواسطة مجهول /ويكيميديا كومنز، مشاع."
حقوق الطّبع والنّشر، والعلامات التّجاريّة؛ ملكيّة فكريّة محميّة -أيضًا- (الشّكل 4.3). فحقّ الطّبع، والنّشر، يمنح مبتكر العمل الحقّ الحصري في إعادة إنشاء عمله لفترة محدّدة (تنتهي عادة بعد وفاة صاحب الحقّ بـ 70 سنة).
أمّا العلامة التّجاريّة؛ فهي تسجيل يعطي مالكه القدرة على استخدام اسم، أو رمز، أو مقطع غنائي، أو شخصيّة، رفقة منتج، أو خدمة معيّنة، ويمنع الآخرين من استخدامها لبيع منتجاتهم، ويمكن حماية العلامة التّجارية لعدد غير محدود من السنوات، قد يصل عشر سنوات متجدّدة، طالما لا تزال العلامة التّجاريّة قيد الاستخدام.
وأخيرًا، ثمّة فئة خاصّة من الملكيّة الفكريّة تسمّى السرّ التّجاري، وهذا المفهوم يشير إلى المعلومات، أو العمليّات أو المعارف الخاصّة الّتي تساهم في الميزة التّنافسيّة لمنظّمة ما في سوقها، غير أنّها -خلافًا لباقي الملكيّات الفكريّة- ليست محميّة قانونيًّا، لذا على أصحابها إبقاؤها سرّا، والحفاظ عليها عبر قوانين العقود.
على روّاد الأعمال الإلمام -خاصّة- بالتّداعيات القانونية للملكيّة الفكريّة، وكيفيّة تأثيرها على العمل التّجاري، فقوانين الملكيّة الفكريّة مطبّقة بصرامة كبيرة، وما وضعت إلاّ لحماية الاختراعات، وهذه الحماية راجعة إلى أنّ المدّ المتواصل من الابتكارات، يمكن أن يكون مصدر دخل كبيرٍ لأيّ شركة، وكذا دافعا لعجلة تطوير المزايا التّنافسيّة المستدامة، وتمنح الملكيّة الفكريّة القانونيّة الحقّ الحصري لحاملها، أو صاحبها، لاستخدام الاختراع بأيّ طريقة، أو شكل، يراه ضروريَّا، كما تمنحه الحقّ الحصري لمنع، أو حجب، وصول الآخرين إليها، أو لبيع الحقّ في استخدام براءة الاختراع، وتتراوح مدّة الحماية تلك بين 14 و20 سنة، وتفتح المنافسة بعد انقضاء فترة الحماية لينتفع بها أيٌّ شاء.
للشرّكة الحقّ الحصري في امتلاك ملكيّاتها الفكريّة أيّا كان نوعها، ولحماية تلك الحقوق، فإنّ من المهمّ أن تقوم الشّركة بتوثيق كلّ ملكيّة فكريّة بحرص وسرعة، انطلاقًا من عمليّة، ومراحل تطوير الملكيّة الفكريّة، مرورًا بالموارد المستخدمة في تطويرها، وصولًا إلى من يملكها، ومن يحقّ له الوصول إليها، وانتهاءً بكيفية حصول الآخرين عليها، واستخدامها.
"الشّكل 4.3: (أ) تُمنح حقوق الطّبع والنّشر للنّصوص، والأعمال الفنيّة المنشورة، وتنتهي عادة بعد فترة طويلة، كما هو الحال مع إنتاج توماس باين المنهجي المعنون Common Sense. (ب) أقواس مكدونالدز الذّهبية الشّهيرة رمز علامة تجاريّة، وهي عادة لا تنتهي صلاحيّتها ما لم تتخلّ الشّركة عنها. حفظ الحقوق (أ): تعديل ""Commonsense"" بواسطة نيكي ك /ويكيميديا كومنزر، مشاع. حفظ الحقوق (ب): تعديل "على عمل لـ JeepersMediea / فليكر، CC BY 2.0."
يجب على رائد الأعمال التفكير في هذه الأسئلة عند تطوير ملكيّة فكريّة لشركته، وحمايتها:
-
هل قانون الملكيّة الفكريّة قابل للتّطبيق على عملي؟ وكيف يمكنه مساعدتي؟
-
كيف أحدّد أيّ ملكيّة فكريّة أحمي؟
-
ما هي الخطوات الّتي عليّ اتّخاذها للحصول على تلك الحماية؟
بشكل أقل رسمية، تطوير ثقافة الإبداع، والابتكار، واحدة من أهم مسؤوليّات رائد الأعمال، إذ تمكّنه هذه المسؤوليّة من تطوير ميزة تنافسية مستدامة، وهذا يعني أنك لا يجب أن تكون راضيًا عن شرارة عرضية من الإبداع من فرد معين، أو قسم، أو مجال وظيفي داخل مؤسستك (مثل البحث والتطوير)، فقد تحتاج إلى تهيئة بيئة يكون فيها كل عضو في مؤسستك قادرًا على الإبداع، وإضافة القيمة، والمشاركة في التحسين المستمر للشركة.
تعرض قصّة نيكولا تيسلا -المخترع والمهندس والفيزيائي الصربي الأمريكي- تحذيرًا واضحًا عن أسباب دعوتنا روّاد الأعمال إلى الإلمام بجانبي الملكية الفكريّة على حدّ سواء، جانبها التّقني، وثقافتها الإبداعيّة، فبعد تقديمه 300 براءة اختراع، يعدّ كثيرون تسلا أحد آباء الكهرباء الحديثة، فبعد الهجرة إلى الولايات المتحدة، عيّنته شركة Continental Edison، وبدأ تسلا في تطوير تقنية التيّار المتناوب، لكنّ إديسون فضّل التيّار المستمرّ، ولم يدعم أفكار تسلا؛ لذا كان على هذا الأخير أن يستقيل، ويتعاون مع ويستنجهاوس ليفتح شركة Tesla Electric Light. وهناك أطلق العنان لإبداعه، وأفكاره في مشروعه الجديد. وفي نهاية المطاف، صار تيّار تسلا المتناوب هو المعمول به في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وليس تيّار إديسون المستمرّ.
العقود والضرر
كثيرًا ما يبرم رواد الأعمال العقود، وعلى نحو متواصل، ولهذا عليهم اكتساب فهم قاعديّ على الأقلّ حول مفاهيم العقود، وبالمثل، فإنّ أغلب الشّركات ستتعرّض لمواقف تحتاج فيها إلى فهم قانون الضّرر؛ وهو الجانب القانوني الّذي يحمي حقوق النّاس عند تعرّضهم للضّرر البدني، أو المالي، أو أيّ شكل من أشكال الضّرر، مثل: خرق خصوصيّتهم، كما أن بعض مجالات عالم الأعمال تنطوي على مزيج من قانونَي العقود، والضّرر، مثل التقاضي الناجم عن الإقالة غير المشروعة لموظف ما.
ويمكن أن تكون العقود عبارة عن اتفاقات رسمية، أو غير رسمية، فالمفترض طبعًا أنّ عليك استخدام العقود المكتوبة كلما باشرت صفقة هامّة مع طرف آخر، وفي أغلب الحالات، تكون الاتفاقات الشفوية مُلزِمة، لكنّ إثبات شروط الاتّفاق قد يكون صعبًا.
وإذا كنت في خضمّ إطلاق شركتك النّاشئة، فأنت بلا شكّ منهمك بكثير من المجالات، وتحاول إنجاز أكثر من شيء في آن واحد، ولهذا ربّما لا تملك الوقت، ولا المال الكافي لتوظيف محام يعدّ عقودك الرّسمية إعدادًا كتابيًّا، وفي هذه الحالة، يجب عليك -على الأقلّ- التّواصل باستمرار مع كلّ أطراف العقود عبر البريد الورقي، أو الإلكتروني، لتوثيق البنود الرّئيسة لاتفاقاتك معهم، و بهذا ستضمن أدلّة تستند إليها في حال حدوث نزاع حول أحد العقود.
يعدّ مجال الأضرار منطقة محتملة المخاطر بالنّسبة لروّاد الأعمال، وقد تصل طبعًا إلى مخاطر ماليّة نتيجة افتراض المخاطر والتعرّض إليها، ولهذا، فمن المهمّ أن يدير رجال الأعمال هذا المجال، وتتجلّى جديّة الخطر -خصوصًا- في مفهوم المسؤولية بالإنابة، وهو مجال القانون الذي يفرض المسؤولية على شخص ما، لفشل شخص آخر في اتّخاذ جانب الحذر المطلوب، إذ تربطهما علاقة خاصّة مثل صاحب العمل، والموظف.
يفهم معظم أصحاب العمل، أنهم مسؤولون عندما يتسبب موظّفهم في إلحاق الضرر بالآخرين (العملاء، أو زملاء العمل) أثناء خدمته، داخل الشّركة، من خلال استخدام معدّاتها، ومع ذلك، لا يدرك كثير منهم أنّهم مسؤولون -أيضًا- عن الضّرر الّذي يحدثه الموظّف حتّى خارج الشّركة، طالما كان متعلّقا بمجال عمله، كأن يطلب صاحب العمل من موظّفه توصيل شيء إلى مكان ما، ويتسبّب ذلك الموظّف في حادث سير نتيجة إهماله، فقد يكون صاحب العمل مسؤولًا عن الأضرار؛ حتّى ولو كان الموظّف يقود سيّارته الشّخصيّة، وليس سيّارة الشّركة. إنّه وضع شائع جدًا، ويمكن أن يكون له عواقب وخيمة على مشروع رائد الأعمال، إذا لم يوفّر التّأمين المناسب.
مكافحة الاحتكار
لقد وُضعت قوانين مكافحة الاحتكار (أو قوانين المنافسة) للتأكد من عدم إساءة أيّ متنافس لموقعه، وقوته، في السوق، لاستبعاد الآخرين، أو منعهم من دخول السّوق، ومن الأمثلة على قوانين مكافحة الاحتكار؛ نجد في الولايات المتحدة الأمريكيّة قانون شيرمان، وقانون كلايتون، وفي الجزائر سياسة المنافسة الّتي يكلّف مجلس المنافسة بتعزيز قانونها، بينما خصّصت المملكة العربية السّعودية "الهيئة العامّة للمنافسة" لذاك الغرض. وجاءت هذه القوانين لتشجيع المنافسة، وتوفير خيارات للمستهلكين، إذ تمنع هذه القوانين، ومثيلاتها عقد اتّفاقات تحدّ من المنافسة في السّوق.
ومن أمثلة المنافسة غير القانونية؛ حرب المنافسة، وبراءات الاختراع، بين شركتي تصنيع معالجات الكمبيوتر Intel Corporation و AMD (American Micro Devices). إذ رفعت AMD سنة 2009 دعوى قضائيّة ضدّ Intel، تدّعي فيها أنّ الأخيرة قد استخدمت أسلوب الهيمنة لاستبعاد AMD من المنافسة الفاعلة في السّوق، وذلك عبر التّسعير الاستثنائي، والحسومات، وممارسات مماثلة، وقد سوّت الشّركتان النّزاع بدفع Intel تعويضًا قدره 1.25 مليار دولار أمريكيّ لصالح AMD.
تضارب المصالح
يحدث تضارب المصالح عندما يكون للفرد (أو الشركة) مصالح في مجالات متعددة (الاستثمارات المالية، واجبات العمل، والعلاقات الشخصية)، وقد تتعارض المصالح مع بعضها بعضًا، فعلى سبيل المثال: لدى الموظّفين مصلحة في إنجاز العمل المتوقّع لصاحب العمل، لذا فاهتمامهم بمصالحهم الشّخصية، وتعمّد تهميش حقّ صاحب العمل بتجاهلهم، أو إعراضهم عن واجباتهم؛ يعدّ تضاربًا في المصالح، ويمكن أن يكون هذا بسيطًا؛ مثل استخدام وقت الشركة، أو مواردها، للعمل على مشروع شخصي، لم تتم الموافقة عليه، ولن يضيف قيمة للشركة، كما قد يعني هذا -أيضًا- استخدام الموارد المادية، والفكرية للشركة، في شيء من شأنه أن يفيد مصالحك الخاصة، بدلًا من مصالح صاحب العمل، ويعد هذا الإجراء إجراءً غير أخلاقي، لأنك لا تعطي صاحب العمل ما يستحقه، وهو وقتك، ومواهبك، وخدماتك، لقاء مقابل متّفق عليه.
لنأخذ مثال مايك أرينجتون، وهو محام، ورائد أعمال في سيليكون فالي، حيث أنشأ مدونة أسماها TechCrunch. وقد أصبحت المزار المفضّل للمستثمرين، و هواة التّقنية، وكان يغطّي في مدوّنته أخبار الشّركات النّاشئة في سيليكون فالي، ليساعد الرّاغبين على إنشاء شركة، أو منتج جديد ناجح، غير أنّه تلقّى كثيرًا من الانتقادات، بدعوى أنّه يستغلّ مدوّنته لإشهار الشّركات الّتي استثمر فيها، أو عيّنته مستشارا لها، بتغطيته قصصها روتينيًّا، ومع أنّه كان يفصح عن نواياه مسبقا، إلاّ أنّ منتقديه المنافسين له، اتّهموه بتضارب مصالحه، إذ كيف له أن يكون مستثمرًا، وصحفيًّا مستقلًّا في آن واحد، وهو يكتب عن شركاته الّتي له فيها مصالح ماليّة!!. ثمّة حالات كثيرة تشمل صحفيّي أعمال، وتضارب مصالح محتمل، نذكر منها: "وول ستريت جورنال"، و"بيزنس ويك"، ومجلة "تايم"، و"آل، آي هيرالد إكزامينر".
وحالة أخرى تنشأ فيها النزاعات المحتملة، هي في مجال الخدمات المهنية، والتي تجذب كثيرًا من أصحاب الأعمال الشباب المحتملين، فربما ترغب في إنشاء شركة محاسبة CPA خاصة بك، أو شركة استشارات مالية CFP، أو شركة استشارات تقنية المعلومات، وهنا، يجب عليك -كونك مهنيّا- الحذر بجدّ من تضارب المصالح، خاصة في المجالات التي تدين فيها بواجب ائتماني لعملائك، وسيتطلب هذا منك سلوكًا واضحًا، وصريحًا، فالإفصاح التامّ، هو ما يمنعك من لعب دور مزدوج في معاملة واحدة، فعلى سبيل المثال: هل ستنصح -وأنت مستشار في تقنية المعلومات- زبونا باشتراء برنامج كمبيوتر، وهو لا يعلم أنّك تملك أسهما في ذلك البرنامج؟ أو إذا كنت مستشارًا ماليًّا، فهل ستحصل على عمولة من كلا طرفي المعاملة؟
الاحتيال، الصدق، والإفصاح الكامل
يسعى روّاد الأعمال الأخلاقيون باستمرار، إلى تطبيق المفاهيم القائمة على الأخلاقيات في الممارسة، بما في ذلك الصدق والإفصاح الكامل، فهذان المفهومان ليسا مجرّد جزء من نهج أخلاقي لممارسة الأعمال التجارية، ولكنهما -أيضًا- متطلبات أساسية لمجالات قانونية عدة؛ من ضمنها مجال الاحتيال، وتتحمل الشركة التي تصنع، أو تبيع منتجًا، أو خدمة، المسؤولية عن الإفصاح الكامل عن حقيقة منتجاتها، وخدماتها.
إن مشاركة الحقائق، والواقع، والأدلّة الكامنة وراء شيء ما؛ هو الصّدق الّذي نقصده، والشّخص الصّادق؛ هو كلّ من عرض حقائق الموضوع الّذي يتحدّث عنه، وتعامل معه في الواقع، وكان على اطّلاع على أدلّته، ولذا، فالأشخاص الصّادقون يتمتّعون بمستوى من المصداقيّة، والموثوقيّة؛ لأنّ ما يقولونه يوافق ما يفعلونه.
ولهذا فإن النتيجة الحقيقية للصدق، هي الإنصاف، مما يعني أن تكون محايدًا، ومتقيدًا بقواعد، ومعايير السلوك الصّائب والخاطئ، حيث يتعلّق الإنصاف بالفعل الصّائب، والعادل، والمنصف، من ناحية التّطبيق، كما تشكّل ميزة الصّدق أساس الإنصاف.
أمّا الإفصاح؛ فنعني به مشاركة الحقائق، والتّفاصيل المطلوبة حول موضوع ما، بطريقة شفافة، وصادقة، كما يجب أن تكون هذه المعلومات كافية، وفي الوقت المناسب، وذات صلة بالموضوع، لتسمح للمستلم بفهم الغرض، والهدف من المنتج، أو الخدمة، ثمّ اتخاذ قرار جيد بشأن قيمة هذا المنتج، أو الخدمة؛ فأيّ محاولة متعمّدة لإخفاء الحقيقة، أو تغييرها، أو تحويرها، هي إجراء غير أخلاقي، وغير مسؤول، ويخضع للتحقيق الجنائي.
ومثالنا عن هذا: شركة تعرّضت مرارًا، وتكرارًا، للعديد من القضايا القانونيّة، المحرجة، والخطيرة، والمكلّفة، فشركة Eli Lilly. في إحدى القضايا المتعلّقة بـ Zyperxa وهو دواء وافق عليه مكتب إدارة الغذاء، والدّواء الأمريكيّ FDA بوصفه علاجًا للاكتئاب، اعترفت هذه الشركة في المحكمة بأنها قامت بتسويقه بطريقة غير قانونيّة، ليتم استخدامه لأمراض مثل: اضطرابات النوم، ومرض الزهايمر، والخرف، ونتيجة لذلك، غرّمها مكتب التّحقيقات الجنائيّة التّابع لوزارة العدل الأمريكيّة ما مقداره 1.4 مليار دولار سنة 2009.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (The Ethical and Social Responsibilities of Entrepreneurs) من كتاب Entrepreneurship.
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات وريادة الأعمال الاجتماعية
- المقال السابق: أطر العمل التي توجه مساراتك الريادية
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.