اذهب إلى المحتوى

مفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات وريادة الأعمال الاجتماعية


هشام دهرار

في هذا المقال سنشرح مفهوم ريادة الأعمال الاجتماعية، ودور رجل الأعمال المسؤول اجتماعيا. الذي لفهم دوره من المهم أن ننظر أولًا إلى المبادئ الرئيسة للمسؤولية المجتمعيّة للشركات (Corporate Social Responsibility واختصارا CSR)، والسّببِ الكامن وراء وجود هذا المفهوم، فالقليل من القرارات في مجال الأعمال، يمكنها تجاوز المهمة الأساسية لتوسيع ثروة المساهمين، واليوم -وهذا يعني بشكل خاصٍّ زيادة الأرباح ربع السّنويّة- يؤدّي مثل هذا التركيز المكثف، على متغير واحد خلال فترة زمنية قصيرة (منظور قصير المدى) إلى نظرة قاصرة لما يشكل نجاح الأعمال.

يتطلّب قياس الرّبحية الحقيقية، منظورًا طويل المدى، فلا يمكننا قياس النجاح بدقة في غضون ربع عام، إذ غالبًا ما يستغرق المنتج، أو الخدمة، وقتًا طويلًا للعثور على السّوق المناسب، واكتساب جاذبيّة موازنة بالمنافسين، أو حتّى يظهر مفعول سياسة عمل جديدة، ذلك أن تلبية طلبات المستهلكين، والحفاظ على البيئة، وتحمّل المسؤولية الاجتماعية، وتجاوز المتطلّبات الأساسيّة؛ كلّ ذلك يستغرق بعض الوقت، والمال، ولكنّ التّكلفة، والجهد الإضافيّين، يعودان بالفائدة على المدى الطّويل.

وإذا كان قياس النّجاح من هذا المنظور الأطول، فمن المرجّح أن نفهم التأثير الإيجابي للسّلوك الأخلاقي على جميع الأشخاص المرتبطين بنشاط تجاري.

المسؤولية المجتمعية للشركات CSR

إذا كنت تقدّر حقّا مواقف ذوي المصلحة من عملك، فأنت في الطّريق الصّحيح لفهم معنى المسؤولية المجتمعيّة للشّركات CSR، مما يعني ممارسة تدفع الشّركة للنّظر إلى ذاتها في سياق أوسع كعضو في المجتمع، إذ عليها واجبات اجتماعيّة ضمنيّة، وقضايا، واعتبارات بيئيّة، وهناك -كما أسلفنا- فرق بين الامتثال للقانون، وبين المسؤوليّة الأخلاقيّة، فالقانون لا يتعرّض لكلّ المعضلات الأخلاقيّة الّتي تواجهها الشّركات، لذا فالـ CSR تضمن أن تسير الشّركة وفق ممارسات، ومبادئ أخلاقيّة سليمة، تتوافق وثقافة الشّركة، ومهمّتها، بما يفوق أيّ معايير قانونيّة ملزِمة.

فالشّركة الّتي تمارس المسؤوليّة المجتمعية، لا ينبغي أن يكون هدفها الرّئيس توسيع ثروة المساهمين فيها -فقط- لأنّ هذا الهدف لا بدّ أن يأتي على حساب ذوي المصلحة في مجتمع الشّركة، فعلى سبيل المثال: شركة التّنقيب الّتي تهمل مسؤوليّاتها المجتمعيّة، قد تتعدّى على حقّ مجتمعها المحليّ في الهواء النقيّ، والماء العذب؛ إذا سعت وراء الرّبح وحده، وعلى العكس من ذلك، تضع المسؤولية المجتمعية كلّ ذوي المصلحة في إطار اعتبار أوسع.

وتعطي المسؤولية المجتمعية للشركات منظورًا آخر، يتلخّص في أنّ قادة الأعمال الأخلاقيّين، يختارون القيام بالعمل الخيّر، بالإضافة إلى العمل الجيّد، وهذا تلخيص مبسّط، لكنّه يوضّح كيف تؤثّر المسؤولية المجتمعية في أداء، وتنظيم أيّ شركة، فالفكرة هي أنّ للشّركة حقًّا في جني الأموال، لكنّها لا ينبغي أن تكتفي -فقط- بذلك، إذ عليها -أيضًا- التصرّف كجار حضاري في المجتمع، تسعى لتطويره، وتطوّره، وخلال سعيها لتحقيق أهداف الرّبح المشروع؛ عليها تحسين أوضاع المجتمعات الّتي هي جزء منها، فهذان الهدفان ليسا مرتبطين بالضّرورة، فيمكن تحقيق أحدهما دون الآخر، ولكنّ السّعي لتحقيقهما معًا ممكن، بل وجدير بالثّناء، وعندما تنتهج الشّركة هذا الأسلوب في أعمالها؛ فإنّها في طريقها نحو تحقيق المسؤولية المجتمعية.

ومن أمثلة الشّركات المسؤولة مجتمعيّا؛ نجد رولكس (Rolex) الّتي حافظت على مركزها ضمن أكثر 10 شركات مسؤولية مجتمعيّة خلال 4 سنين متواصلة (2015~2019). لدى هذه العلامة التّجارية مقدرة خاصّة على ربط المنتجات بالشّركة، وتحفيز مشاعر ذوي المصلحة فيها بالتّعاقد مع شخصيّات شهيرة تعبّر عن قيم الشّركة، فعلى سبيل المثال: روجر فيدرر، بطل التّنس السّويسري، مثال حيّ للمثابرة، والجودة المطلقة، وهذه الأخيرة قيمة تفتخر بها رولكس في منتجاتها، وكذا عالمة الأحياء البحريّة سيلفيا إيرل تستكشف المحيط، وتحمي النّظم البيئيّة، وهي قيمة توليها رولكس كثيرًا من العناية، والاهتمام.

وانطلاقًا من المنظور التّاريخي؛ لم تكن عمليّة تطوّر المسؤولية المجتمعية للشركات بالأمر الهيّن، منطلقة من نقاط ضعيفة، وإخفاقات أخلاقيّة كارثيّة (الجدول 1.3). مرورًا بتطوّر كبير في عدد النّقاط المسجّلة، والتصرّفات المحسّنة، نتيجة القوانين والضّوابط المتّخذة ردًّا على الإخفاقات السّابقة، وصولًا أخيرًا -بعد تلك الفضائح- إلى شقّ بعض الأفكار الأخلاقية الطّوعية طريقها إلى عالم الشّركات، مثل CSR ومواطنة الشّركات، وبينما قدّمت هذه المفاهيم الاستراتيجيّات، والأدوات؛ لتقوية الدّعائم الأخلاقيّة في الشّركات،استمرّت الفضائح، لتظهر بالمقابل استراتيجيّات جديدة لمجابهتها.

إن إخفاقات أخلاقيّة من مثيلات فضيحة مايكل ميلكين، ودريكسيل بورنهام لامبرت، وحديثًا فضيحة الرّهن العقاري في الولايات المتّحدة الأمريكيّة سنة 2008، كل ذلك، وغيره دفع الكونغرس الأمريكي إلى سنّ قوانين جديد، مثل Sarbanes-Oxle، وقانون التّداول من الدّاخل، وقانون مكافحة الاحتيال المالي، وقانون Dodd-Frank. كما أن الفشل الأخلاقي مثل فضيحة مايكل ميلكين/ دريكسيل بورنهام لامبرت، وانهيار إنرون، والعديد من الآخرين، بما في ذلك فضيحة صناعة الرهن العقاري/ المشتقات الأخيرة لعام 2008/2009 ، كل ذلك دفع الكونغرس لسن قوانين جديدة، تشمل الأمثلة على الإصلاحات القانونيّة التي سنّتها الحكومة الفيدرالية استجابةً للإخفاقات الأخلاقية؛ قوانين مثل قانون Sarbanes-Oxley ، وقانون التعاملات الداخلية من أجل إنفاذ قوانين الاحتيال في الأوراق المالية، وقانون Dodd-Frank، وزيادة على سنّ إصلاحات قانونية، أصدرت العديد من الوكالات الحكومية لوائح جديدة، في محاولة لمنع الشركات من الانخراط في أنشطة غير أخلاقية، وغير قانونية، وجالبة للمفسدة، تشمل الأمثلة على الوكالات التي وضعت لوائح جديدة استجابة للإخفاقات الأخلاقية في قطاع الأعمال مثل: هيئة الأسواق، والأوراق المالية (SEC)، ومجلس مراقبة حسابات الشركات العامة (PCAOB)، ومكتب الحماية المالية للمستهلكين (CFPB)، هيئة تنظيم الصّناعة الماليّة (FINR).

إن القيام بما هو أخلاقيّ، واحترام القانون، وردّ الجميل إلى المجتمع، كلّها مفاهيم مرتبطة ببعضها.

المسؤولية المجتمعية للشركات، الأخلاقيّات، والقانون

مجال المسؤولية النتيجة المرجوة الجهة المطالِبة
قانونيّة الامتثال للقوانين، والضّوابط الحكومة
ماليّة الأرباح المساهمون
أخلاقيّة التصرّف المنصف/تجنّب الإيذاء يتوقّعها ذوو المصلحة
اجتماعيّة/خيريّة لغدوّ شركة مواطنة جيّدة يستحسنها المجتمع

الجدول 1.3 لاحظ أيّ الواجبات، أو المسؤوليّات إلزاميّة، وأيّها تقديريّ.

نذكر في الجدول الآتي (الجدول 2.3) نماذج لشركات خاضت إخفاقات أخلاقيّة، جرّت عليها مشاكل كبيرة، وخسائر بملايين الدّولارات، ولكلّ منها تأثير عميق، طويل المدى على حياة الأفراد، والمجتمع، الّذي تنشط فيه، مع حالات أثّرت في المحيط البيئي العالمي، هذه المشاكل الّتي أدّت إلى وفيات، وبطالة، وتحطيم ملكيّات، واستنزاف مدّخرات، وكوارث بيئيّة، إنّما نشأت جميعها جرّاء مشاكل أخلاقيّة، أو نوعيّة.

نماذج من مشاكل المسؤولية في شركات مليارية

المنظمة مجال الإخفاق
مؤسّسة شيفرون كارثة إلقاء النّفايات السامّة في الأمازون
مجموعة فولسفاغن فضيحة انبعاثات الدّيزل
مؤسّسة تاكاتا خلل الوسادات الهوائية
جينرال موتورز خلل مفتاح التّشغيل
ويلس فارغو للخدمات المالية ممارسات مصرفيّة غير أخلاقيّة
النّفط البريطاني BP P.L.C كارثة التسرّب النّفطي في خليج المكسيك
مؤسّسة ENRON ممارسات مصرفيّة غير قانونيّة
يونيون كاربيد إنديا الكارثة النّووية في بوبال Bhopal
إيلي ليلي تسويق احتياليّ
سلاح المهندسين الأمريكي كارثة الحماية من إعصار سيرج
مؤسّسة تويوتا موتور تسارع خارج عن السّيطرة في السيّارة
مؤسّسة نايكي خرق قوانين العمل، وقواعد السّلوك
مؤسّسة إنتل قضيّة احتكار في الاتحاد الأوروبي
فلينت ميشيجان كارثة المياه في فلينت، ميشيجان
Phar-Mor, Inc أكبر احتيال في المحاسبة
برنارد ل. مادوف للاستثمارات الماليّة LLC احتيال مادوف بمخطط بونزي

الجدول 2.3

إن من أهم نقاط الضّعف في التّدابير المتّخذة لمعالجة هذه الفضائح؛ أنّها لا تمنع بالضّرورة من تكرار المشكلة، لأنّها مبنيّة على الخوف، والامتثال في بعض الحالات، وبدل منع النّشاطات غير الأخلاقيّة، يعمد النّظام إلى تمكين قادة الأعمال غير الأخلاقيّين من اتّخاذ أبسط الإجراءات، ودفع أقلّ الغرامات، عوض تصحيح نشاطاتهم، أو تغيير مناهجهم.

جد الحل

إخفاق جنرال موتورز في أخذ ذوي المصلحة بالحسبان

عانت جنرال موتورز مع صورتها، وعلاماتها التّجاريّة على مرّ السّنين، فقد تخلّت عن بعضها، مثل Oldsmobile وPontiac. وباعت أخرى، قبل أن تبزغ من جديد بعد إفلاسها سنة 2009 وإعادة تنظيمها، لكنّ الشّركة مصنّعة السّيارات تلك، كانت تخفي مشكلة أكبر مثل: مفتاح التّشغيل في كثير من سيّاراتها؛ فقد كان ميّالا إلى التعطّل، وقد تسبّب في 124 حالة وفاة و 273 إصابة، لتقف جنرال موتورز أخيرًا في المحكمة، فقد وصلت سنة 2014 إلى تسوية بقيمة 900 مليون دولار، واسترجعت 2.6 مليون سيّارة من السّوق.

وتوضّح هذه الحالة الصّراع بين مفهومي: "الهدف الوحيد للعمل؛ وهو الرّبح، لذا فالتزام رائد الأعمال الوحيد هو تحقيق أقصى ربح للمساهمين" من جهة، وبين "الالتزامات الأخلاقية" الّتي تدين بها الشّركة لأصحاب المصلحة الآخرين من جهة أخرى، فقد أغفلت جنرال موتورز مصلحة زبائنها، وذوي المصلحة فيها، باختيارها عدم الإفصاح عن احتمال فشل مفاتيح التّشغيل، مما أدّى إلى انهيار أخلاقي في عمليّاتها، وكلّفها، وعملاءها الشيء الكثير، فمعاملتها هذه للعملاء -على أنّهم مجرّد أداة تستغلّها للوصول إلى غايتها- معناه تخلّيها عن جيل من الزّبائن الأوفياء.

  • ما هي القيم، والفضائل المشتركة بين الزّبائن، الّتي قامت جنرال موتورز بخيانتها بإخفائها الخطر الكامن في سيّاراتها؟
  • كيف تعتقد أنّ تلك الخيانة أثّرت في العلامة التّجارية للشّركة؟ وكيف تتخيّل شعور المشتري تجاهها؟ وكيف أثّرت الشّركة بهذا في رؤية مساهميها لها؟

تبنّى كثير من المنظّمات في السّنوات الأخيرة المسؤوليّة المجتمعيّة للشّركات CSR، حيث لم تتوقّف النّشاطات المتوقّعة من الشّركة عند تصنيع منتج ممتاز، وتسعيره بإنصاف، مع هامش ربح معقول، ودفع أجور مناسبة للعمّل، بل تتجاوز ذلك إلى الاهتمام بالبيئة، والتّفاعل مع القضايا الاجتماعية الأخرى، وفي هذا المجال، نرى أنّ العديد من المنظّمات تطلق مشاريع اجتماعيّة، وتشارك تلك المعلومات مع عملائها، والمجتمعات الّتي تنشط فيها.

وفي حال تصرّف المنظّمات حسب المسؤولية المجتمعية CSR، وانطلاقًا من إيمانها به؛ فإنّ ذلك يعود بالنّفع عليها، وعلى ذوي المصلحة فيها على حدّ سواء، وهذا أوضح في حالة ذوي المصلحة الّذين لا تولى لهم أهميّة كبيرة عادة، ولا يملكون ما يدفعون به شرّ الشّركات عنهم: مثل البيئة المحيطة، وأفراد المجتمع المقيمين قرب موقع الشّركة، ومراكز التّصنيع.

قد تضطرّ المسؤولية المجتمعية للشركات، المديرين إلى إظهار الجانب الاجتماعي الجيّد في منتجاتهم، ومشاريعهم الجديدة، حيث يمكن أن يكون ذلك استجابة لردود الأفعال الغاضبة، الّتي طالما واجهتها الشّركات على خلفيّة اتّهامات إضرارها بالبيئة، والمجتمعات في سعيها للفاعليّة، والرّبح.

وقد يمثّل الاتّجاه نحو تبنّي المسؤولية المجتمعية للشركات CSR فرصة لتحرّكٍ أكبرَ، ومشاركةٍ أوسع، لمجموعات طال تجاهلها حتّى الآن، بفضل موجة النمو الاقتصادي للشّركات الّتي تعيد تشكيل العالم الصّناعي.

ريادة الأعمال الاجتماعية

تصف الريادة الاجتماعية المشاريع الّتي يطلقها روّاد أعمال داعمون؛ بالقضايا الاجتماعية، وهم مع ذلك قادرون على الاستفادة من تلك القضايا بجعلها منصّة لتطوير منظّمة اقتصاديّة، والحفاظ عليها، ويرسخ هؤلاء الأفراد رؤية واسعة، أو هدفًا ساميًا، ويستغل هذا النّوع الجديد من رواد الأعمال كلّا من قوّة مواقفهم، ومكانتهم في مجتمعهم، والتّآزر المحتمل، وقدرة الشركةِ على خلق الثّروة، ويجعلونها وسيلة، أو منصّة لتعزيز أهدافهم الاجتماعيّة، ورؤاهم الشّخصيّة، وتنطوي تلك القضايا الاجتماعيّة -عادةً- على حلّ مشكلةٍ اجتماعية مستعصيةٍ، ومكلفة، أو ألم، أو ظلم اجتماعيّ ينبغي رفعه، أو حتّى مشكلة عالميّة تغاضى عنها المجتمع، والمنظّمات، أو همّشوها.

إن الهدف الأوّل، والغاية الأخيرة لرائد الأعمال المسؤول اجتماعيًّا؛ هو تحقيق الثّروة، لذا نجد أنّ الهدف الأسمى لرائد الأعمال الاجتماعيّ؛ هو خدمة قضيّة ما، من خلال جمع المال لدعم تلك القضيّة؛ ممّا يعني أنّ رائد الأعمال الاجتماعي يعمل لتطوير المجتمع، عوضًا عن جمع ثروة أكبر للمساهمين، ويشترك رواد الأعمال الاجتماعيّون -عادة- في صفات مثل عقليّة الإيثار، وحسّ الواجب، والمسؤوليّة تجاه شخص، أو شيء ما، والعزم شديد على تحقيق التّغيير، ومقاومة الفشل، وتحمّله.

وثمّة كثير من الأمثلة عن شركات تبنّت مفهوم المسؤولية المجتمعيّة CSR، بل أكثر من ذلك، نجد أنّ بعض رواد الأعمال أطلقوا شركات ناشئة هدفها الوحيد هو ردّ الجميل إلى المجتمع، وقد نالت أغلبها الشّهرة، ومن تلك الشّركات: تومز للأحذية (TOMS Shoes)، بومباس للجوارب (BOMBAS Socks)، وووربي باركر للنظّارات، فكلّ واحدة من تلك الشّركات تعتمد منهج المسؤولية المجتمعية CSR، وتتبرّع بمنتج من منتجاتها عن كلّ منتج مباع، وبعض الشّركات تتجاوز ذلك بتحولها إلى شركات B-Corporate معتمدة، وهو نوع من الـ CSR.

ريادة الأعمال البيئية

على غرار الرّيادة الاجتماعية، تدعو الريادة البيئية إلى قضية اجتماعيّة مفيدة، ومهمّة، وكذا ذات نفع اقتصادي، ويتعامل هذا الاتجاه البيئي مع مبادرات تحمي نظامنا المعيشي مثل: الطّاقة النظيفة، والمتجدّدة، وإدارة النّفايات، وبرامج مجابهة الاحتباس الحراريّ، والموارد المائيّة المحسّنة، وحماية التنوّع الحيويّ، وتقليل التصحّر، والتّدهور البيئيّ، وهذه المبادرات سليمة من ناحية تجاريّة، على أنّها فوق هذا لا تلوّث، أو تخرّب، أو تدمّر، أو تترك أثرًا سيّئا على البيئة.

كما يمكن لرائد الأعمال إظهار التزامه بالوعي البيئيّ بطرائق عدّة:

إحداها: امتلاك شركة تساعد مباشرة على تنظيف البيئة المحيطة، مثل Ocean Cleanup (تنظيف المحيط)، فهذه المؤسّسة غير الرّبحيّة، بدأها رائد أعمال يبلغ خمسًا وعشرين سنة من العمر، سعيًا منه لتنظيف تجمّع النّفايات في المحيط الهادئ.

ومن الطّرائق الأخرى؛ امتلاك شركة اعتياديّة في القطاع الخاصّ، على أن تلتزم بالعمل وفق طريقة مسؤولة بيئيّا، ومثالنا: باتاجونيا (Patagonia)، وهي شركة ملتزمة بالمسؤوليّة في جلب مصادرها، ومبادرات أخرى.

الطّريقة الثّالثة: وهي الانضمام إلى منظّمة مؤيّدة، ومثالنا E2، وهي عبارة عن "مجموعة وطنية، وغير حزبية، مكونة من قادة الأعمال، والمستثمرين، وغيرهم، ممن يدفعون إلى سياسات ذكية في صالح الاقتصاد، وفي صالح البيئة." وتسعى هذه المجموعة على مستوى الولاية، فالإقليم، فالوطن، إلى تغيير السّياسات الّتي تهتمّ بالطّاقة، والمناخ، والمحيطات، والمياه، والنّقل، والتطوّر الذكيّ، وهي سياسات هدفها الأساس تحسين الهواء، والماء، والصحّة العامّة، وكذلك خلق فرص العمل في تلك المجالات، ومن أمثلة المبادرات النّاجحة لهذه المجموعة، نجد أوّل اتّفاق على معايير انبعاثات السيّارات في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

لقد تجاوبت الشّركات في العقود الأخيرة مع انشغالات ذوي المصلحة حول البيئة، والاستدامة، وقد بدأت شركة داو جونز سنة 1999 بنشر قائمة سنويّة للشّركات المهتمّة بالاستدامة؛ ونعني بالاستدامة في هذا السّياق ممارسة الحفاظ على الموارد، والعمل بطريقة مسؤولة بيئيّا على المدى الطّويل. وتعدّ مؤشرات داو جونز للاستدامة "معايير للمستثمرين الّذين يدرجون الاهتمام بالاستدامة في محافظهم الماليّة." وثمّة قناعة متزايدة بأن تصرّفات البشر يمكنها الإضرار بالبيئة، بل وقد أضرّت بها سلفا، حيث إن تدمير البيئة هذا، يقود إلى موارد أندر، وفرص عمل أقل، ومستوى معيشي أسوأ.

ويدرك رواد الأعمال المنفتحون بأنّ الرّبح ليس إلا جزءًا واحدًا من إيجابيات العمليات التجارية، فإدارة هذه الأعمال التّجارية تتيح لرواد الأعمال فرصًا لردّ جميل المجتمع بطريقة مسؤولة، بالإضافة إلى حماية البيئة، وهناك مساهمات أخلاقيّة أخرى يمكن لرواد الأعمال أخذها بالحسبان، مثل: افتتاح المدارس، والعيادات الطبيّة في الأحياء الفقيرة، ومنح الأعمال الخيريّة المفيدة في التجمّعات التي تنشط بها الشّركات.

ولقد أجريت في العقود الأخيرة العديد من الدّراسات حول تأثير النشاطات التجارية على كوكبنا، ويشير توني جونيبر في إحداها، إلى أنّ النموّ السكاني، وما يصحبه من طلب على الموارد الطّبيعيّة، بالإضافة إلى ما تحدثه الكوارث الطّبيعيّة، قد أثّرت جميعها تأثيرا عميقا، ومستدامًا على الكوكب. ويقول جونيبر بأنّنا زدنا من استهلاكنا للموارد الطّبيعيّة عشرة أضعاف، ورفعنا إنتاج الحبوب أربعة أضعاف، وزدنا استهلاك المياه العذبة خمسة أضعاف، بينما زاد صيد السّمك، أربعة أضعاف. وضاعفنا استهلاكنا لمنتجات الأرض المتجدّدة، كما رفعنا من تركيز الغازات الدفيئة في الجوّ.

لقد ناقشنا باقتضاب -آنفًا- الآثار المدمّرة للبيئة، الناجمة عن السلوك السيء لشركات التّنقيب عن النّفط، من أمثال: تيكساكو، وشيفرون، لأنّك حينما تنقّب عن النّفط في واحدة من أغنى بقاع العالم تنوّعا حيويًّا، مثل: غابات الأمازون الماطرة في الإكوادور، ثمّ تلقي 70 مليار لتر من البقايا، والنّفايات في غابات الأمازون وأنهاره، فأنت -بلا شكّ- تترك أثرًا سلبيا على الكوكب، وإذا ما درست بدقّة، الحياة البريّة المحليّة، والنّباتات، وباقي الخصائص في منطقة ما، قبل تخليتها لبدء نشاطك (قلع الأشجار لأجل الحطب، والنّباتات لأجل التّداوي، والتّنقيب عن النّفط)، ثمّ أعدت المنطقة إلى سابق عهدها بعدما تنتهي، فأنت تلغي أثرك على الكوكب، بينما إذا حسّنت، وقوّيت المنطقة، ففتحت المدارس، ووفّرت مناصب العمل، وعلّمت المحليّين كيفية الحفاظ على مواردهم الطّبيعيّة، وتنميتها. فأنت بهذا تترك أثرًا إيجابيًّا على الكوكب، لهذا فإنّ على رواد الأعمال تعلّم الأثر الّذي تخلّفه كلّ نواحي شركاتهم، وموازنة الاختيارات، ثمّ اختيار سياسة لا تؤذي الكوكب، بل تنفعه.

الاستدامة

تتعلّق الاستدامة بالنّشاطات، وأساليب الحياة الّتي تأخذ بعين الاعتبار استمرار الأجيال المستقبليّة، وهي مرتبطة ارتباطًا عميقًا بفعل ما هو أخلاقيّ، وصائب، فليس من العدل اتّخاذ إجراءات تنفع الجيل الحالي، على حساب الأجيال القادمة، وهذا يعني أنّ الرّيادي المهتم بالاستدامة، أو الريادي الاستداميّ، مدفوع، ومدافع عن مقاربة مسؤولة اجتماعيًّا في امتلاك، وإدارة أيّ شركة، والاستفادة من الاحتمال الاقتصادي للموارد الجاهزة، والمتجدّدة؛ بغية إضافة قيمة إلى العالم الّذي تنشط فيه، ومع هذا فإنّ الاستدامة تعني أكثر من مجرّد الوعي البيئيّ، ومن التّعريفات البسيطة للاستدامة؛ أنّها القدرة على الحفاظ على مستوى، أو معدّل ثابت، وهذا لا يخصّ البيئة وحسب، بل ينسحب إلى الموارد الطّبيعية، والبشريّة، وسلاسل توريد المنتج، ومفاهيم عديدة مرتبطة بالنّشاط التّجاريّ. وعليه، فإذا كان رائد الأعمال استداميًّا، فإنّ عليه أخذ مجموعة واسعة من المسائل بعين الاهتمام، ومنها الاستخدام المسؤول للماء، والكهرباء، أو المشاركة في تنويع الموردين، وبرامج التّوريد المسؤولة، أو تمويل مبادرات صحّة العمّال، ذلك أنّ فكرة الاستدامة في جوهرها تعني التّفكير على المدى الطّويل لا القصير.

وبالنّظر إلى ارتفاع صوت حركة البيئة، والاستدامة عالميّا، فإنّه لا ينبغي لأيّ شركة اليوم، أن تدير أعمالها دون الالتفات إلى التّوازن الدّقيق بين سلامة البيئة، وأرباح الشرّكة، ومن الجيّد أن يدرك مديرو الشّركات، أنّ استدامة شركاتهم على المدى الطّويل، وحتّى ربحيّتها؛ تعتمدان اعتمادًا كبيرًا على حماية المحيط الطّبيعي، وبما أنّ كلّ الشّركات تعتمد على الموارد الطّبيعيّة بشكل أو بآخر، فإنّ تجاهل هذا التّرابط بين العمل، والبيئة، لا يأتي -فقط- بلعنات الرّأي العام، وانتباه صنّاع القرار، الّذين يستمعون إلى من يمثّلونهم، بل يعرّض الشّركات ذاتها إلى خطر الاندثار.

الرواد المسؤولون، وفرص الريادة الاجتماعية

القدرة على تدشين مشروع جديد امتيازٌ، وفرصة محمّسة، والعزم على تخطيط، وإطلاق مشروع جديد، بطريقة مسؤولة؛ يساعد على مواصلة تشكيل عالم أفضل، كما أنّ تطوير مشروع جديد، يأخذ بالحسبان، وعيًا وحسًّا بالتّأثيرات الفورية، والأخرى طويلة المدى؛ إنّما يعكس قيم، وأهداف رائد الأعمال على الصّعيد الشّخصي، وعلى صعيد منظّمته.

يبدأ بعض رواد الأعمال شركاتهم بمشروع مجتمعي، حيث يستفيد المجتمع من القوّة، والتّآزر، والموهبة، والمقدرة، والموارد المتوفّرة فيه، لإضافة القيمة، وتغيير العالم تغييرًا إيجابيًّا، كما أنّ هذه المقاربة تكرّس إبداع أبناء المجتمع، وآراءهم وأحاسيسهم للابتكار، وإضافة القيمة إلى البيئة المحليّة.

رائد أعمال في الميدان

قصة بلايك ميكوسكي ريادي TOMS Shoes على لسانه

اقرأ سرد بلايك ميكوسكي لكيفيّة تأسيسه TOMS Shoes:

"أخذت سنة 2016 عطلة من العمل لأسافر إلى الأرجنتين، كنت في التاسعة والعشرين وقتها، حيث أدير شركتي الرّياديّة الرّابعة: برنامج تعليم السّياقة على الإنترنت للمراهقين، وكانت الأرجنتين إحدى الدّول الّتي سابقتُ فيها مع أختي بَيج سنة 2002 في البرنامج المذاع على قناة CBS "السّباق المذهل - The Amazing Race".

"هناك، قابلت امرأة متطوّعة تبحث عن الأحذية، وقد شرحت لي أنّ الأطفال يفتقرون إلى الأحذية، حتّى في دولة متطوّرة نسبيّا مثل الأرجنتين، وغياب الأحذية هذا، يتجاوز خطره تصعيب حياتهم اليوميّة، مثل: الذّهاب إلى المدرسة، وسقي الماء، إلى تعريضهم إلى مجموعة واسعة من الأمراض، وقد جمعت منظّمتها الأحذية من المتطوّعين، وقدّمتها للأطفال، واعتماد الأطفال على التبرّعات يعنى ألّا خيار لهم في تحديد وقت، وإمكانية الحصول على الأحذية."

لقد "كانت ردّة فعلي الأولى التّفكير في إنشاء منظّمة خيريّة للأحذية، ولكن بدل الاعتماد على التبرّعات بالأحذية، سأطلب إلى عائلتي، وأصدقائي، التبرّع بالمال لاشتراء الأحذية المناسبة للأطفال، على وتيرة دائمة، إذ لديّ عائلة كبيرة، والعديد من الأصدقاء، ولم يكن من الصّعب إدراك أنّ قائمة معارفي تلك، ستنتهي عاجلًا، أم آجلًا. ثمّ ماذا؟ فهؤلاء الأطفال يحتاجون أكثر من مجرّد تبرّعات الغرباء غير المستمرّة بالأحذية. "

و"عندها خطرت لي فكرة: لماذا لا أنشئ شركة ربحيّة لتوفير الأحذية لهؤلاء الأطفال؟ لماذا لا أخرج بحلّ يضمن توفّر الأحذية على الدّوام، ولا يعتمد فقط على استعداد النّاس للتبرّع؟ ومقابل كلّ زوج أحذية أبيعه، أتبرّع بزوجٍ لطفل محتاج. لا نسب مئويّة، ولا صيغ حسابيّة -فقط- وفق هذا المفهوم البسيط: بع زوج أحذية اليوم، وتبرّع بآخر غدا."

وهنا "شعرت بأنّ شيئًا ما حول هذه الفكرة صائب جدًّا، على الرغم من افتقاري للخبرة، وحتّى المعارف في عالم تجارة الأحذية، لكنّني امتلكت شيئًا واحدًا وقتها، جاءني مباشرة؛ وهو اسم شركتي الجديد: أسميتها TOMS. لأنّني كنت أفكّر في عبارة: "Shoes for a better tomorrow" بمعنى "أحذية لغد أفضل" والّتي تحوّلت إلى: "Tomorrow"s Shoes" بمعنى "أحذية الغد"، والّتي صارت TOMS. والآن تعرفون لماذا أسمّى بلايك، بينما شركتي هي تومز! لأنّ الفكرة لا تدور حول شخص، بل حول وعد: غد أفضل."

حصلت على دفعة بفضل تقرير حول الشّركة في مجلّة LA Times. وبنهاية اليوم وصلتنا 2200 طلبيّة، وكان هذا الخبر الجيّد، أمّا السيّء فكان امتلاكنا لـ 160 زوج أحذية -فقط- موضوعة في شقّتي، وقد وعدنا على الموقع بالتّوصيل خلال 4 أيام، فما العمل؟"

"أنقذني Craiglist (موقع إعلانات أمريكي لمختلف الحاجيات)، نشرتُ إعلانًا لطلب مساعدين، واخترت ثلاثة مترشّحين متميّزين، بدأوا العمل معي في الحال، بعنا في ذلك الصّيف الأوّل 10000 زوج من الأحذية، جميعها من شقّتي في البندقيّة."

بلايك ميكوسكي: "كيف فعلتها: قصّة TOMS"، مجلّة Entrepreneur، سنة 2011.

تنطلق أنواع مختلفة من النّشاطات التجاريّة، بهدف اجتماعي في الحسبان، ويتمتّع رواد أعمال المنظّمات غير الرّبحية (وحتى تلك الّتي تبدأ ربحيّة مثل TOMS) بإمكانيّة السعي وراء أرباحهم، هذه المنظّمات تشترك -عادة- مع منظّمات حكوميّة، أو مؤسّسات عامّة، أوخاصّة، أو جمعيّات، أو حتّى أشخاص يتمتّعون بالمال، والمواقف المجتمعيّة، وهذا من أجل خدمة المجتمع العامّ، ومن أمثلة المبادرات غير الرّبحيّة؛ نذكر جمعيّة الكبد الوطنيّة في أريزونا، الولايات المتّحدة الأمريكيّة، هذه المنظّمة تبحث عن حلول لأمراض الكلى، والمسار البولي عبر التّعليم، والوقاية، والعلاج.

يستفيد المشروع التّعاوني من مهارات أعضاء المنظّمة، ومواردهم المالية، والفكريّة، للعمل، وتقديم الفائدة لهم، وبهذا يختلف المشروع التّعاوني عن المنظّمة غير الرّبحية في كيفيّة عودة المال إلى المجتمع، ففي حالة المنظّمة غير الرّبحية، لا يمكن للمسيّرين توزيع الأرباح على الأعضاء، أو المستثمرين، لتحتفظ المنظّمة بالمال المتبقّي. وأمّا في حالة المشروع التّعاوني، فإنّ بالإمكان -عادةً- توزيع الأرباح على الأعضاء وفق مساهماتهم، ونسب امتلاكهم، ومن أمثلة المشاريع التّعاونيّة نذكر The Unity One Credirt Union، وهو مشروع يمتلكه أعضاؤه، تعاوني غير ربحيّ، يعمل لفائدة أعضائه.

وثمّة نوعان آخران من المنظّمات، يمكن عدّهما نوعًا واحدًا، وهما: الشّركات الاجتماعيّة، والشّركات اجتماعيّة الأهداف. وهي شركات يدفعها أساسًا قضيّة اجتماعيّة مهمّة، ويمكن فيهما لرواد الأعمال الاجتماعيّين تنفيذ غاياتهم، وأهدافهم الاستراتيجيّة، بتقديم فائدة مضافة، أو منتج، أو خدمة، تسدّ عجزًا، أو تحلّ مشكلة، أو تزيح ألمًا، أو ترفع ظلمًا، فالشّركة الاجتماعيّة مصمّمة -عادة- لتكون ذاتيّة التّمويل، ومن أمثلتها: The Grameen Bank الّذي أسّسه محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسّلام، والّذي ابتكر مصطلحي الإقراض الصّغير، والتّمويل الصّغير، ونجح بنكه هذا عبر تقديم قروض صغيرة إلى الأشخاص الّذين لا يكادون يمتلكون أيّ ضمانات، لكنّهم يريدون بدء نشاط تجاريّ لإعالة أسرهم.

وأمّا الشّركة اجتماعيّة الأهداف، فتسمّى -عادة- بـ B-Corp أو شركة ربحيّة (B إشارة إلى Benefit بمعنى الرّبح)، وعمليّة التحول إلى شركة B معتمدة، هي عمليّة رسميّة، تتطلّب الامتثال لمجموعة من المعايير، وتدقيقًا في هذا الامتثال، تديره منظّمة الـ B-Corp وتشرف عليه. وجوهر شركات B الجديدة هذه هو: "إدراك ضرورة عدم الإضرار، وخلق تأثير إيجابي خلال سلسلة القيمة كلها."، ووفقًا لمنظّمة B-Corp، هذه، فإن الشّركات المعتمدة، مطالبة قانونيّا بالأخذ بالحسبان، تحمل كلّ آثار قراراتها على عمّالها، وعملائها، ومزوّديها، والمجتمع، والمحيط، وثمّة حاليًا وحسب موقع B-Corps أكثر من 2500 B-Corp معتمدة رسميّا في أكثر من 50 بلدًا، تغطّي أكثر من 150 صناعة مختلفة.

ومن أمثلة الـ B-corps نذكر كيك ستارتر (Kickstarter)، موقع التّمويل الجماهيري، وهو واحد من أكبر مجتمعات التّمويل للمشاريع الإبداعيّة، بدءًا بالأفلام، فالألعاب، ثمّ المطاعم، مرورًا بالفنّ، والتّصميم والتقنية، وهو يتيح لروّاد الأعمال سبيلًا لتمويل مشاريعهم، إذا لم يتمكّنوا من الاقتراض من البنوك.

المشروع الهجين: ويستخدم هذا النوع استراتيجيّة مدمجة لتمكين المنظّمة من تحقيق الرّبحيّة، والخدمات، أو المنتجات، ذات القيمة المجتمعيّة، ويجذب المشروع الهجين اهتمام مستثمرين مختلفين، ويعتمد على فرص استثمار مختلفة، بينما يدعم مهمّة محورها قضيّة اجتماعيّة مهمّة، وهدف أسمى، ومن أمثلة المشاريع الهجينة نذكر: Embrace Innovations، مصنّع حاضنات الأطفال الخدّج، والّذي بدأ كمنظّمة غير ربحيّة، وهو مثال للعلاقة بين التّعليم الأكاديميّ، وعالَمِ الأعمال، إذ كانت فكرته جزءًا من درس خاصّ في جامعة ستانفورد، تحت مسمّى "برنامج ستانفورد للتّصميم ميسور التّكلفة"، وهو موجّه لفرق الطّلاب الّذين يبحثون عن مزيد من الدّعم (مختبر الريادة الاجتماعيّة، ومختبر التّصميم تحديدًا)، وقد انطلق Embrace سنة 2007، وأسّست الشّركة سنة 2008، لتطلق أوّل نسخة من منتجها سنة 2011، ويوزّع المنتج حاليّا في عيادات في الهند، حيث استفاد منه عشرات المواليد الخدج، وقد أقامت الشّركة شراكات عدة، مع منظّمات متعدّدة الجنسيّات قصد توزيع المنتج.

عند تدشينك شركة اجتماعية، ينبغي عليك الأخذ بالحسبان الجوانب التقنية، وكذا القضيّة، أو الهدف وراء إنشائها على حدّ سواء، وبينما تُطوّرُ نموذج عملك، واستراتيجيّة تسويقك، وباقي جوانب دعم مشروعك؛ لا بدّ أن تحافظ على الهدف الاجتماعي الأساس المثبت في خططك، وقراراتك.

تعريف مهمتك، وقيمك

القيم الّتي نختارها، ونقدّرها، هي جوهر شخصيّاتنا، نحملها معنا حيثما حللنا، أو عشنا، أو عملنا، أو لعبنا، وكما أسلفنا، فإنّ مسارك الرّيادي الّذي تختاره، ينبغي أن يعكس قيمك، سواء أنشأت منظّمة بدافع الرّبح، أو سواه، ويمكنك -أيضًا- إنشاء شركة ربحيّة، ثمّ التطوّع بجد، وإخلاص، أصالة عن نفسك، أو نيابة عن شركتك، في القطاع غير الرّبحي، وأيّا يكن مسارك الرّيادي، فإنّ من المهمّ ألاّ تسمح للذين لا يقدّرون الوفاء، والجديّة بتحطيم قيمك.

ليست ريادة الأعمال منافسة لا يربح فيها إلا من ينهيها بأكبر محفظة ماليّة، أو أسرع سيّارة!! إذ لا مجال للمقارنة بين ذلك، وبين معاملة الآخرين بنزاهة، واحترام، وإحاطة نفسك برموز حقيقيّة لمسار وظيفيّ ناجح: عائلة، وأصدقاء، وزملاء يشهدون بالنزاهة الّتي أبديتها في عملك، فإن تحقيق النجاح يكون بمقدار ما حقّقت من قيمٍ شريفة في الحياة.

كيف تحافظ على قيم شخصيّة كالنّزاهة، والعدل، والاحترام؟ لعل أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو كتابتها، وجعلها أولويّة، ثمّ دمجها في بيان مهمّة شخصيّ، فأغلب الشّركات تملك بيانات مهمّة، ويمكن للبشر اقتباس ذلك، فبيانك سيقودك خلال مسارك، ويدفع عنك الملهيات في الطّريق، ويساعدك في تصحيح أيّ خطوات اتخذتها بالخطأ، وينبغي أن يكون مسارك مرنًا -أيضًا- ليستوعب تغيّرك الشخصيّ، وتعديل أهدافك، فليس بيان مهمتّك نظام تحديد عالميّا، بقدر ما هو بوصلة تقودك نحو اكتشاف نفسك، واكتشاف ما يدفعك قدُمًا. [الشّكل 4.3].

Compass.jpg

الشّكل 4.3: على رواد الأعمال اكتساب بيان مهمة شخصي، لئلا يضلّوا عن مسارهم، ويصبح البيان بوصلة أخلاقيّة تقودهم خلال حياتهم الشّخصيّة، والمهنيّة. حفظ الحقوق: تعديل "Adventure Compass Hand Macro" بواسطة "Pexels"/Pixaby، ترخيص CC0.

لنكتب إذًا بيان مهمّتك، ولنبدأ -كونه سيعكس قيمك- بتحديد مجموعة من القيم الّتي تهمّك، ويمكنك الحصول عليها بالإجابة عن الأسئلة في (الجدول 3.3). وربّما يفيدك -أيضًا- اتّخاذ مفكّرة لتكتب، وتحدّث فيها إجاباتك باستمرار.

تحديد قيمك

1. من بين كلّ القيم الّتي تهمّك، عدّد الخمسة القيم الأهمّ.
2. اكتب -لاحقًا- من أين تعتقد أنّك اكتسبت كلّ واحدة.
3. اكتب تحدّيًا حقيقيّا، أو محتملًا، قد تواجهه في تمثيلك لكلّ قيمة، واجعل الإجابة مخصّصة كأحسن ما يمكن.
4. التزم بنشاطٍ تعزّز فيه كلّ قيمة، وحاول مجدّدًا التّخصيص.

الجدول 3.3

يمكنك الآن دمج هذه القيم في بيان مهمّة عملك التّجاري، إمّا سرديًّا، أو كنشاط، ويمكنك اتّباع العديد من الصّيغ، لكنّ الفكرة الأساس هي توحيد قيم الأهداف الّتي تحدّدها لنفسك، ولعملك، ويمكنك -مثلًا- ربط الفائدة الّتي تريد توليدها، والسّوق، أو الجمهور الّذي تستهدفه، مع الحاصل الّذي ترجو الوصول إليه. ودائما: اختصر بيانك.

يريد ريتشارد برانسون، مؤسّس the Virgin Group "الاستمتاع في رحلته في الحياة، والتعلّم من أخطائه." أمّا دينيس موريسون، المدير التّنفيذي لـ Campbell Soup فيسعى إلى: "الخدمة قائدًا، والعيش حياة متوازنة، وتطبيق المبادئ الأخلاقيّة لتشكيل فريق مهمّ."، ويمكن لبيانك أن يكون ببساطة: "الاستماع إلى الآخرين وإلهامهم". أو "ترك أثر إيجابي على كلّ الّذين التقيتهم."

امتحان قيمك، وبيان مهمتك

ربما لن تجد وضعًا أفضل لاختبار قيمك الشخصية، ومهمتك، من القيام بدور ريادي، إذ لا يمكن تشغيل الشركات الناشئة على المفاهيم وحدها، فهي تتطلّب -أكثر من أي نوع آخر من المشاريع- حلولًا عملية، وأساليب فعالة، وعادة ما يبدأ رواد الأعمال بتحديد منتج، أو خدمة، يصعب الحصول عليها في سوق معينة، أو قد تكون متاحة بكثرة، ولكنها بسعر مبالغ فيه، أو من مصدر غير موثوق، فما يلهم الشّركة النّاشئة أساسًا هو تنفيذ مهمّتها، والّتي تملي الحصّة الأكبر من توجّه الشّركة، بما في ذلك تحديد العملاء المحرومين، والموقع الجغرافي للعمليات، والشّركاء، والموّردين، والموظّفين، والتّمويل الّذي يساعد الشّركة على الانطلاق، ثمّ التوسّع، ولكن من أين تأتي المنظّمة الجديدة تمامًا، بتلك المهمّة؟

يعمل مؤسس الشركة، أو مؤسسوها على تطوير مهمّتها مباشرة، من معتقداتهم الشخصية، وقيمهم، وخبراتهم، وينطبق هذا خاصّة على المنظّمات غير الرّبحية، ويكون الإلهام -أحيانًا- ببساطة، إدراك حاجة غير ملبّاة، كارتفاع الطّلب العالمي المتزايد على الغذاء.

إذا رسمنا مخطّطًا للعلاقة بين قيم المؤسسين، ومهمة ريادة الأعمال، فستبدو كما يأتي:

اقتباس

القيم الشخصية ← بيان المهمة الشخصية ← بيان المهمة الريادية

يمكن أن يتغيّر بيان المهمة الشّخصية بمرور الوقت، وبالتالي، يتغيّر بيان مهمة الشّركة، ليتناسب مع الظّروف المتغيّرة، وتطوّرات المجال، واحتياجات الزّبون، فشركة TOMS Shoes سالفة الذّكر، مثال على نشاط تجاري، وسّع بيان مهمته لتوفير نظّارات، وتحسين الوصول إلى المياه العذبة لمواطني الدّول النّامية، وهذا فوق المهمّة الأساسيّة المتمثلة في توفير الأحذية للمحتاجين، وها هي تسمّي نفسها شركة "واحدة بواحدة" (One to One)، إذ يعِدُ مؤسّسها بلايك ميكوسكي أنّ "لكلّ منتج تشتريه، نساعد شخصًا محتاجًا".

إن الفكرة الجوهرية، هي أنّك إذا وضّحت قيمك، وبيان مهمتك الشّخصي، فلا حدّ لعدد الطّرائق الّتي يمكنك تطبيقها على أهداف عملك، وقراراتك، لتجوِّدَ، وتُحسن في مسارك الرّيادي، والغرض من العمل هو العلاقات، وتعتمد جودة العلاقات على قبولنا لذاتنا، واهتمامنا بالآخرين، وتتطوّر هذه العلاقات من خلال فضيلتين ثنتين: التّواضع من جهة، والشّجاعة من جهة أخرى، ومهمّتنا في الحياة ممارسة الفضيلتين كلتيهما، وبتلك الطّريقة، بل ربّما بها وحدها دون غيرها، يمكننا أن نكون بشرًا صالحين، ومهنيّين ناجحين.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (The Ethical and Social Responsibilities of Entrepreneurs) من كتاب Entrepreneurship.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...