هناك مصطلح معروف في عالم ريادة الأعمال وهو "المنتج الفعّال القاعديّ" Minimal Viable Product) MVP). في الواقع بتنا نسمع بهذا المصطلح كثيرًا في لقاءات الرّياديّين، لكن دائمًا يكون كلّ التّركيز منصبًّا على كون المنتج قاعديًّا فحسب.
الجميع عندما ينصحون مؤسّسي الشّركات النّاشئة فإنّهم يشجّعونهم على عدم الانتظار طويلًا قبل إطلاق المُنتج ودخول السّوق، بل البدء بتلقّي التّغذية الراجعة والتّعلم من التّجربة.
هذه نصيحة هامّة بشكل عام، وأنا شخصيًّا من أنصار الإطلاق السّريع عند مقارنته بالإطلاق البطيء. لكن بالنّسبة لي أجدُ أنّ هناك أمرًا صغيرًا يفوتنا هنا، ويقودنا بدوره إلى إساءة تفسير هذه النّصيحة، وبالتّالي الوصول إلى نتائج سيّئة.
"هذا المنتج القاعديّ الذي ستقوم بإطلاقه، مازال بحاجة لأن يكون فعّالًا."
إذا كان المنتَج بسيطًا جدًّا ولم يتمكّن من تحقيق أدنى متطلّبات المستخدم، عندئذٍ لن يقوم أحدٌ باستخدامه، وعلى الأرجح لن يبصر النّور. إذا كان المنتج بسيطًا للغاية لدرجة أنّه لا يحلّ أيّة مشكلة قائمة، ولا يحفّز العميل، ولا يتمكّن من إقناعه باستخدامه مجدّدًا، فلم يعد منتجًا فعالًا، إنّه مجرّد نموذج أوّليّ مبسّط prototype وهنا يكمن الفرق.
"المنتج الفعال القاعديّ هو منتج مكتملٌ جيّدٌ بما فيه الكفاية، ومن الممكن -يومًا ما- تحسينه ليصبح ممتازًا. لكنّ النّماذج الأوّليّة prototypes ليست منتجات مكتملة أصلًا."
اجعله بسيطا، لكن ليس أبسط من اللازم
يقول أينشتاين أنّ كلّ شيء يجب أن يكون أبسط ما يمكن، وليس أبسط من ذلك! يقصد أنّ هناك معضلاتٍ صعبة بطبيعتها وعلينا أن نتقبّل هذه الحقيقة، بعض الأمور لا يُمكن تبسيطها أكثر.
"المنتج الفعّال القاعديّ MVP ليس بسيطًا فحسب، بل هو بسيطٌ وكافٍ في نفس الوقت."
يجب على المنتجِ أن يتضمّن حلّ المشكلة، أو يقترب من حلّها بشكل كبير إلى الحد الذي يجعله مفيدًا وصالحًا للاستخدام. بالتّأكيد ستنقصه بعض المزايا، وبالتّأكيد سيكون مجرّدًا وبأبسط أشكاله، لكنّ المنتج الجيّد يُمكن تميزه بكونه قادرًا على أن يصبح في يوم من الأيّام رائعاً، وقادرًا على حلّ المشكلة بشكل تامّ.
فعاليته Viability تعني حرفيا أنه على قيد الحياة
إذا بحثت عن معنى كلمة viable في المعجم فستجد أنّ أصلها vita أيّ الحياة.
"فعّال يعني حرفيًّا أنّه حيّ"
كيف يُمكن لمنتج أن يكون حيًّا؟
المنتجات اليوميّة التي نحبّها بشدّة تمتلك فعليًا مزيّة الحياة (أو الفعّاليّة viability). إنّها تبدو لنا رائعة، وتستجيب لنا بالشّكل الصّحيح، ويُدهشنا أسلوب عرضها وتفاعلها معنا، وتعجبنا بساطتها والطّريقة التي تحلّ بها مشكلتنا.
إنّها تبدو مختلفة، تبدو حيّة!
هناك فرع من العلوم يسمّى "درجة التّعقيد Complexity" يدرس أنماطًا مشتركةً عبر التخصّصات المختلفة، ويحاول فهم ديناميكيّة الأنظمة المختلفة.
هذا العلم يميّز بين ثلاثة أنواع من الأنظمة: الفوضويّة chaos، والميّتة dead، والحيّة alive. الأنظمة التي تُعتبر حيّة تقع على حافّة كونها فوضويّة. إنّها تمتلك قدرًا كافيًا من الدّيناميكّة ضمنها، لكنّها ليست خارجة عن السّيطرة.
مفهوم المنتَج الفعّال القاعديّ MVP يقوم على أنّك بإمكانك أن تحصل على منتج يحوي عددًا هائلًا من المزايا، لكنّه في هذه الحالة سيكون فوضويًّا وعسير الفهم. وعلى الجانب الآخر، يُمكن الوصول إلى منتج فيه عدد ضئيل من المزايا لكنّها غير كافية لجعله منتجًا جيّدًا، هذا المنتجُ ميْت ببساطة.
المنتج الفعّال القاعديّ يقع في المنتصف بين هذا وذاك، إنّه قاعديّ أي لا يحتوي الكثير من المزايا، لكنّه بنفس الوقت حيّ وقابل للاستخدام. وطريقك إلى قابلية الحياة هذه هو تضمين حلقات التّغذية الرّاجعة.
كيف تفكر بمنتجك الفعال القاعدي
وصلنا إلى أنّ الطّريق للوصول إلى منتج فعّال حقًّا هو حلقات التّغذية الرّاجعة. هذا ما يجعل الأنظمة الطّبيعيّة حيّة، وهذا ما يجعل البرمجيّات الرّائعة التي نستخدمها كلّ يوم حيّة أيضًا.
"احرص على أن تصنع منتجًا قاعديًّا يحتوي على حلقات تغذية راجعة صحيحة"
- الخطوة صفر: تحدّث مع عملاء يؤكّدون لك بأنّك تعمل على أمر مفيد. وقم بالمهام غير القابلة للتّوسّع unscalable التي تعينك على التّحقّق من صلاحية المنتج.
- الخطوة 1: ضع تصوّرًا للمنتج الفعّال القاعديّ بناءً على خبرتك وفهمك للسّوق.
- كرّر الخطوات من 2 إلى 4 حتى الانتهاء:
- الخطوة 2: قم بإزالة المزايا التي تبدو لك غير ضروريّة.
- الخطوة 3: قم بدمج المزايا التي من الممكن دمجها، بكلمات أخرى: بسّط قدر الإمكان.
- الخطوة 4: تأكّد من صحّة وسهولة تدفّق حلقات التغذية الرّاجعة. هل أنت فعلًا تحلّ المشكلة التي قرّرت أن تعمل على حلّها؟ هل النّظام ديناميكيّ بما فيه الكفاية؟ هل يمكنه أن يُبصر النّور ويستمرّ؟
ما تفعله عادة هو أنّك تركّز على أن تحصل على أقلّ عدد ممكن من المزايا، لكنّك لا تنتبه إلى الضّريبة التي تدفعها من وجهة نظر الفعاليّة viability. أحيانًا بعد أن تتخلّى عن مجموعة من المزايا قد تضطرّ إلى إضافة أمور أخرى من جديد، وهكذا.
مفهوم الحياة، في مجالات مختلفة
إنّ التّحديد الدّقيق لقدرة المنتج على الحياة متعلّق بشدّة بمجال هذا المنتج، فلا يمكننا وضع معايير ثابتةً لذلك، لكن هناك بعض القواعد الأساسيّة المشتركة. سنعرض هنا بعض الأمثلة لنأخذ فكرة أوضح.
التطبيقات الموجهة للأفراد / التطبيقات الاجتماعية
بالنّسبة للمنتجات القائمة على مساهمة المستهلك (مثل تويتر – فيس بوك)، فإنّ التّفعيل activation والحفاظ على العميل retain هما أهمّ حلقتين للتغذية الرّاجعة. إذ لا يمكن للمنتج أن يصبح حيًّا مباشرةً إذا لم يتمكن من إثارة اهتمام العملاء بشكل يجعل حساباتهم مُفعّلة. وبشكل مشابه، لن يكون قادرًا على البقاء، إذا لم يتمكّن من إقناع الزّبون بإعادة استخدامه مجدّدًا في وقت لاحق.
التّفعيل عادة في هذه الحالة هو إجراءٌ واحدٌ أو أكثر على المستخدم أن يقوم بفعله، ليصل إلى مرحلة يُمكن بعدها أن يعود ليستخدم الخدمة من جديد، وبالتّالي الحفاظ على هذا المستخدم. في تويتر على سبيل المثال، يُعتبر المستخدم مُفعّلا إذا كان يتابع على الأقلّ عشرة مستخدمين آخرين، وقام بنشر تغريدة واحدة. والحفاظ على المستخدم يعني أن يعود إلى الموقع على الأقلّ مرّة في كلّ شهر ليقرأ تغريدة واحدة.
المنصات Marketplaces
عندما تقدّم خدمتك على أنّها منصّة تجاريّة فيها باعة ومشترون، فإنّ أهمّ أمرٍ عليك أن تركّز عليه هو الوفرة liquidity. لنأخذ على سبيل المثال موقع Airbnb، لن يكون كافيًا لهذا الموقع أن يعرض الشّقق المتاحة للاستئجار فحسب، أو أن يكتفي بعَرض حاجة بعض الأشخاص لمكان يمكثون فيه لفترة مؤقّتة. كلا الأمرين يجب أن يكونا موجودين في المكان الصحيح. لكن هذا أيضًا لا يكفي، لابدّ أن يتضمّن الموقع آليّةً تصِل المشتري المناسب بالبائع المناسب. عادة يُمكن تحقيق هذه الآليّة بالبحث والاستكشاف، وهناك طرقًا أخرى يمكن إضافتها حسب طبيعة السّوق والسّلع المتداولة فيه.
مرّة أخرى، هناك حاجّة لوجود حلقة تغذية راجعة تتعلّق بتحفيز المستخدم، فيجب على كلّ بائع ومشترٍ ناجحين أن يجرّبا متعة الصّفقة الأولى. والخطوة التي ستجري بعد ذلك هامّة جدًّا وستحدّد قدرة هذه الخدمة على الاستمرار. على سبيل المثال، هل تتصوّر أنّه يمكن لموقع Airbnb أن يعمل إذا أزلنا مزيّة تقييم البائع وتقييم المشتري؟ على الأرجح لا. ربّما حلقة التّغذية الرّاجعة هذه أساسيّة للتّأكد من أنّ السّوق قادرٌ على تنظيم نفسه واستبعاد اللّاعبين السّيّئين. لذلك في هذه الحالة، تضمين -أو عدم تضمين- مزيّة التّقييم في المنتج القاعديّ هو قرار جوهريّ.
التجارة الإلكترونية
في حالة المشاريع المُتعلّقة بالتّجارة الإلكترونيّة، فإنّ تسهيل إيجاد وشراء المنتجات هو الأمر الأهمّ. ومن ثمّ عمليّة الشّراء نفسها هي حلقة التّغذية الرّاجعة. لكن هناك بعض الأشياء الأخرى التي يجب أن تعمل جيّدًا، على سبيل المثال تخيّل موقع متجرٍ إلكترونيّ ليست فيه مزيّة البحث. لا بأس بذلك إن كان يحتوي على عدد قليل فقط من المنتجات، لكن عندما يصبح عدد المنتجات في موقع المتجر كبيرًا جدًّا، ألا تعدّ عندها مزيّة البحث أساسيّة في المنتج القاعديّ حتى يكون ناجحًا؟
أمّا من أجل الحفاظ على الزّبائن، عليك أن تقرّر ما الذي سيجعل المستخدمين يعودون مجدّدًا لاستخدام الخدمة، هل هي الخصومات؟ أم تخصيص الموقع حسب تفضيلات كل مُستخدم؟ ربّما الاشتراك في الرّسائل البريديّة هو ما سيدفعهم للعودة مستقبلًا. وربّما مزيج من كلّ ما سبق. فكّر بأقلّ استثمار يمكنك وضعه في المنتج، بحيث تحقّق أكبر فرصةٍ لعودة المستخدم لاحقًا وحرصه على البقاء معك.
البرمجيات الخدمية Saas
عندما تكون شركتك قائمة على خدمة إلكترونيّة تقدّمها من خلال برمجيّة قمتَ أنتَ ببنائها، عندها فإنّ التّفعيل الحقيقيّ للعملاء Activation هو أن يقوموا بالاشتراك في هذه الخدمة، والحفاظ عليهم يكون بأن لا يتخلّوا عنك بعد أن يجرّبوا خدماتك. لن يشترك العميلُ لديك إلّا إذا وجد عددًا من المزايا الّتي تثير اهتمامه ويبحث عنها. أمّا عن الحفاظ عليه، فيجبُ أن يستخدم هذه الخدمة بشكل متكرّر. بالتّأكيد إنّه لأمر صعب أن تهيّئ خدمتك بحيث تدفع العميل إلى الاستخدام المتكرّر، لكن هذا أمر مهمّ وجوهريّ وعليك أن تجد له حلًّا!
هذه صورة تُلخّص الفكرة بشكل جيّد.
حسابات ودقة، لا ضربة حظ!
هناك طريقة للوصول إلى منتجٍ يحقّق هذه الثّنائيّة بشكل ممتاز، طريقة تعينك على إحياء منتجٍ بأقلّ قدر من المزايا، مع الحفاظ على أن يبقى مناسبًا وكافيًا في الوقت نفسه.
"لا تعتمد على الحظّ أو كون المنتج قاعديًّا فحسب، بل عليك أن تحسب كلّ شيء بدقّة"
المنتج الفعّال القاعديّ MVP يعتمد بشكل أساسيّ على حساباتٍ تجريها على الورق، وليس مجرّد شيفرة تكتبها بدون أي تخطيط. بل على العكس من ذلك، كلّ ما يتطلّبه هو أن تفكّر بعمق.
بالتّأكيد لا يمكننا التنبّؤ بالمستقبل، لكن ألا يُمكننا أن نفعل أكثر من مجرّد ضربة حظّ قد تصيب وقد تُخطئ؟
يمكننا أن نفكّر بمنتجنا بذكاء، بجعله بسيطًا، بتضمين حلقات تغذية راجعة، والتّأكّد من أنّه صالح ليُبصر النّور ويبقى على قيد الحياة.
وأنت ماذا عنك؟ شاركنا تجربتك مع المنتجات الفعّالة القاعديّة MVP. ما الأمور التي تظنّ من الواجب فعلها أو تركها للوصول إليه؟
متَرجم -وبتصرّف- عن المقال Your MVP is minimal, but is it viable? لكاتبه Alex Iskold.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.