اذهب إلى المحتوى

تُظهر حالة آيباك باك (iBackPack) بأنّ مجرّد تأمين التّمويل لا يضمن للشّركة النّجاح الرّياديّ، فصحيح أنّ صناديق التّمويل هي رأس المال اللاّزم لبعث تجارة أو فكرة إلى الوجود، لكنّ التّمويل وحده لا يمكنه تعويض قلّة الخبرة، وسوء الإدارة، ولا إنجاح منتج لا يملك سوقًا واقعيّة، ومع ذلك فتأمين التّمويل يُعَدّ من أولى الخطوات، بل هو مطلبٌ جدّ ضروريّ لبدء نشاط تجاريّ.

لنبدأ باستكشاف الاحتياجات الماليّة، والاعتبارات التّمويليّة لمنظّمة بسيطة، ولنفترض اتخاذك قرارًا مع زميلك بالسّكن الجامعيّ بالبدء بفرقة موسيقيّة، فقد كنت تعزف دائمًا أيّام الثّانويّة، أين وفّرت لك المدرسة كلّ مستلزمات العزف، ولهذا ففي مسعاك الجديد ستضطرّ إلى شراء أو استئجار أدواتك بنفسك، وبناءً على هذا، ستبدأ مع زميلك في تحديد المستلزمات الأساسيّة من قيثارات، ودفوف، ومكبّرات صوت، وملاقطه، وما إلى ذلك.

وفي خضمّ حماسك، تنطلق في تصفّح مواقع التسوّق الإلكترونيّة، مالئًا سلّة مشترياتك منها، وما تلبث حتّى تدرك أنّ هذه الأدوات الأساسيّة وحدها قد تكلّف آلاف الدّولارات، فهل تملك هذا المبلغ حاليًا لشرائها جميعًا؟ أم تراك تملك مصادر تمويل أخرى، مثل: القروض، أو الائتمان؛ أم ستفكّر في استئجار أغلب أدواتك الموسيقيّة؟ وهل يمكن لأصدقائك وأفراد عائلتك الاستثمار في مغامرتك هذه؟ حدّد الفوائد، والمخاطر المصاحبة لكلّ نوع من أنواع التّمويل تلك.

ينبغي لأيّ نشاط تجاريّ كان المرور عبر هذه المرحلة في كلّ جزء من خطّة عمله، إذ عليك أوّلًا تحديد المتطلّبات الأساسيّة لبدء نشاطك، فما هي الأدوات الّتي ستحتاج إليها؟ وما نوع المهارة اللاّزمة؟ وكمّ اليد العاملة؟ وما هي المرافق، أو المواقع الّتي تحتاج إليها لتحويل هذا النّشاط إلى حقيقة؟ ثمّ تساءل ثانيًا: ما كلفة هذه المستلزمات؟ فإن لم تمتلك المبلغ الكافي لتغطية التّكاليف المتوقّعة، فعليك تحديد طريقة تؤمّن عبرها المبلغ النّاقص. سنحرص في هذا المقال على تعريفك بعموميات تخص التمويل الريادي، مع ذكر انواعه التي ستساهم في حلك لمشكلة عدم توفر النقدية في حال واجهت مشكلة مشابهة للتي ذكرناها هنا، أو غيرها.

رائد أعمال في الميدان

أسّس تيد هيرجت شركته جيرهاد آوتفيترز (Gearhead Outfitters) سنة 1997 في جونزبارو، ولاية آركنسا. حيث كانت شركته متمثّلةً في سلسلة محلاّت بيع بالتّجزئة، تبيع سلع التّخييم للرّجال والنّساء والأطفال، ويحتوي مخزونها على الملابس، وأحذية الركض والمشي، ومعدّات التّخييم، وحقائب الظّهر، والملحقات. وقع هيرجت في حبّ أسلوب الحياة الخارجيّ بعمله مدرّب تزلّج على الجليد في كولورادو، وأراد جلب ذلك الإحساس معه إلى موطنه آركنسا، وهكذا وُلدت جيرهاد في موقع صغير وسط مدينة جونزبارو، حيث حقّقت نجاحًا كبيرًا بمرور السّنين، لتتوسّع إلى مراكز عديدة في ولاية صاحبها، مع محلاّت في لويزيانا، وأوكلاهوما، وميزوري.

كان هيرجت مطّلعًا على مجال عمله حين بدأ شركته. ولكنّه مثّل كثيرين غيره من روّاد الأعمال، حيث واجه مشاكل ماليّة وقانونيّة جديدةً عليه، وكان أغلبها مرتبطًا بالمحاسبة، وتوافر معلومات اتّخاذ القرارات الّتي توفّرها أنظمة المحاسبة، مثل: قياس العوائد والتّكاليف، وتقديم معطيات التّدفق النّقدي للدّائنين المحتملين، وتحليل استدامة التّدفق النّقدي الموجب للسماح بالتّوسّع، وكذا إدارة مستويات المخزون، والمحاسبة، وتحضير البيانات الماليّة من ميزانيّة عموميّة، وبيان مداخيل، وبيان تدفقات ماليّة. بحيث يوفّر كلّ هذا لمالكي الأعمال من أمثال هيرجت ميكانيزمات تسمح لهم باتّخاذ قرارات صائبة بخصوص نشاطاتهم.

بمجرّد تطوير خطّة عمل، أو العثور على استحواذ محتمل، يأتي وقت بدء التّفكير في التّمويل، وهو عمليّة جمع المال لغرض محدّد، وذاك الغرض في حالتنا هذه هو تدشين نشاط تجاريّ جديد، وعادةً ما يرغب المموّلون منطقيًّا في ضمانات تحفظ حقّهم في استرداد أموالهم ولو بعد حين، وهذا يتطلّب تواصلًا بين المستثمرين وملاّك النّشاط لتحديد كيف يحدث هذا التّمويل، وهذا يوصلنا إلى مفهوم المحاسبة، التي هي عبارة عن النّظام الّذي يستخدمه ملاّك العمل التّجاري لتلخيص، وإدارة، وإيصال عمليّات نشاطهم الماليّة، وأدائه؛ حيث تتمخّض المحاسبة عن بيانات ماليّة، وتوفّر لغةً مشتركة تسمح لملاّك النّشاط التّجاري فهم مشاريعهم، واتّخاذ قرارات مبنيّة على معطيات ماليّة، كما تسمح للمستثمرين بالنّظر إلى خيارات استثمار متعدّدة لتسهيل المقارنة بين قرارات الاستثمار.

التمويل الريادي عبر دورة حياة الشركة

قد يسعى رائد الأعمال خلف أكثر من طريقة في التّمويل، ويعدّ تحديد المرحلة الّتي تمرّ بها شركته في دورة حياتها أمرًا من شأنه مساعدته على تقرير أيّ فرص التّمويل أنسب لحالته.

انطلاقًا من تصوّر الأفكار، ووصولًا إلى نجاحها، ينمو تمويل النّشاط التّجاري خلال ثلاثة مراحل:

  1. مرحلة البذرة.
  2. المرحلة المبكّرة.
  3. مرحلة النّضج.

فأمّا الشّركة في مرحلة البذرة فهي في أبكر مراحل دورة حياتها، وهي مبنيّة على فكرة المؤسّس لمنتج، أو خدمة جديدين، فإذا عمل على رعايتها رعايةً صحيحة، فستنمو في نهاية المطاف إلى نشاط تشغيليّ. والمشاريع في هذه المرحلة لا تولّد مدخولًا في العادة، إذ لم يحوّل مؤسّسوها فكرتهم بعد إلى منتج قابل للبيع؛ أمّا تمويل الشّركة في هذه المرحلة فيتكوّن غالبًا من مدّخرات مؤسّسها، بالإضافة إلى استثمارات صغيرة من أفراد عائلته، وقبل استثمار فرد خارجيّ في النّشاط التّجاري، فسيتوقّع أن يكون رائد الأعمال قد استنفد كلّ ما يمكنه من تمويل العائلة والأصدقاء قصد تقليل المخاطرة، وبثّ الثّقة في نجاح النّشاط المحتمل.

Lifecycle.jpg

الشكل 2.9: تتغيّر استراتيجيات التّمويل عبر المراحل المختلفة من دورة حياة الشّركة.

تبدأ الفكرة بعد الاستثمار فيها من المقرّبين في كسب بعض الجاذبيّة، ولفت انتباه مستثمرٍ ملاك، فالمستثمرون الملائكة هم أفراد أثرياء يسعون وراء خيارات الاستثمار ذات العائد المحتمل الأكبر، والّذي من المتوقّع تجاوزه لعائد المتاجرة في الأسهم المعروضة للتّداول العلنيّ، على أنّ هذا يشكّل مخاطرةً أكبر. ولهذا ففي الولايات المتّحدة الأمريكيّة هم مطالبون بتجاوز فحصٍ اعتمادٍ تجريه هيئة الأوراق الماليّة والبورصات الأمريكيّة، كما ينبغي لثرواتهم معادلة أو تجاوز مقدارٍ محدّد من تلك الهيئة. ومع ذلك يُسمح للمستثمرين غير المعتمدين في ظروفٍ خاصّة بالاستثمار في التّمويل الجماهيريّ، القائم على الحماية للشّركات النّاشئة، ومن بين فرص الاستثمار الّتي يأخذها المستثمرون الملائكة بالحسبان نجد الشّركات النّاشئة، وتلك الموجودة في مرحلتها المبكّرة.

تكون الشّركة في المرحلة المبكّرة قد بدأت تطوير منتوجها، وقد يكون ذلك إثباتًا تقنيًّا على وجود نقص في بعض التّعديلات قبل أن يصبح المنتج جاهزًا للاستهلاك، أو نموذجًا من الجيل الأوّل لمنتج يحقّق بعض المبيعات لكنّه يتطلّب تعديلات ليدخل مرحلة التّصنيع والإنتاج الكبيرين؛ ويمكن للمستثمرين في هذه الشّركة عند هذه المرحلة إدخال مستثمرين خارجيّين، بما في ذلك أصحاب رؤوس الأموال المخاطرون.

وصاحب رأس المال المخاطر هو فرد أو شركة استثماريّة تتخصّص في تمويل الشّركات في مراحلها المبكّرة، ويختلف هؤلاء عن المستثمرين الملائكة من جهتين، فؤلاهما، أنّ ذوي رأس المال المخاطرين ينشطون أساسًا في الاستثمار في النّشاطات التّجاريّة، بينما قد يكون المستثمر الملاك مديرًا متقاعدًا، أو صاحب تجارة يملك مدّخرات معتبرة يستثمر فيها؛ وأمّا الفرق الثّاني فهو أنّ ذوي رؤوس الأموال المخاطرون، أفرادًا كانوا أو شركات، ينشطون على مستوى أعلى، إذ يلمّون عادةً بتخصّصٍ ما في صناعات محدّدة، مع قدرتهم على الاستفادة من خبراتهم في تلك الصّناعة لاستثمار أموالهم بمعرفة أكبر، وعادةً ما يستثمرون مبالغ أكبر من المستثمرين الملائكة. رغم أنّ هذا التوجّه صار ينحرف إلى الاتّجاه المعاكس مع ظهور مجموعات الاستثمار الملائكيّ، والمستثمرين الملائكة "الخارقين" الّذين يضحّون أموالًا أكثر في المشاريع.

يُعَدّ الاستثمار في الأسهم الخاصة قطاعًا سريع النّمو، ويأتي عادةً متأخّرًا عن ذوي رؤوس الأموال المخاطرين، فإمّا أن يحوّل مستثمرو الأسهم الخاصّة شركةً عامّة إلى شركة خاصّة، أو يستثمروا مباشرةً في شركة خاصّة (ومنه جاءت التّسمية أسهم خاصّة)، وتتمثل الأهداف النّهائية لمستثمري الأسهم الخاصّة عمومًا في تحويل شركة خاصّة إلى شركة عامّة من خلال الطّرح الأوليّ للاكتتاب العامّ (Initial Public Offering أو اختصارًا IPO). أو عن طريق إضافة دين، أو حقوق ملكية إلى الميزانيّة العموميّة للشّركة، ومساعدتها على تحسين المبيعات والأرباح من أجل بيعها إلى أكبر شركة في قطاعها.

حين نتحدّث عن شركة في مرحلة النّضج، فنحن نقصد بلوغها لجدواها التّجاريّة، فهي في هذه المرحلة تعمل وفق الطّريقة الموضّحة في خطّة العمل، من خلال توفير قيمة للمستهلكين، وتوليد المبيعات، وجمع المدفوعات من المستهلكين في وقتها؛ لهذا ينبغي أن تكون الشّركات في هذه المرحلة ذاتيّة الاكتفاء، ولا تتحتاج إلى الاستثمار الخارجيّ إلاّ قليلًا، أو ربّما لا تحتاجه أصلًا للحفاظ على عمليّاتها الحاليّة. ففي حال شركة تصنّع منتجًا، فهذا يعني قدرتها على التّصنيع الواسع، أي بكميّات كبيرة؛ أمّا في حال شركة برامج أو تطوير تطبيقات مثلًا، فهو يعني تحقيق المبيعات، أو الاشتراكات تحت نموذج البرمجيّات الخدميّة (Saas) (وهي اختصار Software as a Service)، وكذا تحقيق مداخيل إعلانيّة باستغلال قاعدة الزّبائن.

تختلف احتياجات التّمويل للشّركات في مرحلة نضجها عنها في المرحلتين السّابقتين، إذ كان التّركيز سابقًا على صنع المنتج، وإنشاء البنية التّحتيّة الرّابطة بين التّصنيع، والمبيعات؛ أمّا عند مرحلة النّضج، فتكون الشّركة قد وصلت إلى مستوى ثابت من المبيعات، ومع ذلك ف قد تسعى إلى التوسّع إلى مناطق وأسواق جديدة. وهذا يتطلّب عادةً استثمارًا معتبرًا، لأنّ التوسّع المقترح قد يساوي في غالب الأحيان مستوى التّشغيل الحاليّ، ممّا يعني أنّ توسّعًا في هذا المستوى قد يعني مضاعفة حجم النّشاط التّجاري بأكمله، ولتوفير هذا القدر من الاستثمار، تلجأ بعض الشّركات النّاضجة إلى التّفكير في بيع جزء من الشّركة، إمّا إلى مجموعة أسهم خاصّة، أو عبر طرح عامّ أولي للاكتتاب.

يحدث الطّرح العام الأوليّ للاكتتاب (IPO) في أوّل مرّة تعرض الشّركة أسهم ملكيّة للبيع في بورصة عامّة، وتُعدّ الشّركة قبل هذا شركةً خاصّة يمتلكها مؤسّسوها، والمستثمرون الخاصّون، وما إن تطرح أسهمها للاكتتاب العامّ للنّاس في البوصة، حتّى تتحوّل إلى شركة ذات ملكيّة عامّة. وتنطوي هذه العمليّة عادةً على شركة مصرفيّة استثماريّة تتولّى مسألة توجيه الشّركة، إذ تحثّ هذه الشّركة المصرفيّة المنظّمات الاستثماريّة على شراء الأسهم، لتبيعها هذه المنظّمات لاحقًا إلى المستثمرين الأفراد، وعادةً ما تأخذ شركة الخدمات المصرفيّة الاستثماريّة نسبةً مئويّةً من الأموال المجموعة عمولةً مقابل خدماتها.

تتمثّل فائدة الاكتتاب العام في اكتساب الشّركة لإمكانيّة الوصول إلى جمهور كبير من المستثمرين المحتملين؛ أمّا الجانب السلبيّ، فيكمن في تخلّي المالكين عن المزيد من الملكيّة في العمل، إلى جانب خضوعهم للعديد من المتطلّبات التّنظيمية المكلّفة. وعمليّة الاكتتاب العامّ في الولايات المتحدة الأمريكيّة تخضع لتنظيمٍ شديد من قبل هيئة الأوراق الماليّة والبورصات، ولهذا على الشّركة الّتي تنوي طرح اكتتاب عامّ أولي لأسهمها تقديم معلومات شاملة مسبقًا للمستثمرين المحتملين، قبل إتمام الاكتتاب العام، كما يجب أيضًا على هذه الشّركات المتداولة علنًا نشر بيانات ماليّة ربع سنويّة، والتي يجب تدقيقها من قبل شركة محاسبة مستقلّة.

على الرغم من وجود فوائد للاكتتاب العام للشّركات في مرحلة لاحقة، إلّا أنّه قد يكون مكلفًا للغاية في البداية وعلى أساس مستمر؛ أمّا الخطر الآخر، فهو إمكانيّة انخفاض قيمة الشّركة إذا لم تلبّ توقّعات المستثمرين، وهذا يعيق خيارات النّمو المستقبليّة.

وبالتالي، تؤثر مرحلة دورة حياة النّشاط التجاري كثيرًا على استراتيجيات تمويله، وكذا على صناعته، حيث تفضي الصّناعات المختلفة إلى احتياجات وفرص تمويليّة مختلفة، فإذا كنت مهتمًا مثلًا بفتح مطعم بيتزا، فستحتاج إلى موقع فعليّ، وأفران بيتزا، وأثاث حتّى يتمكّن العملاء من تناول الطّعام هناك، وتُترجم هذه المتطلّبات إلى إيجار شهريّ لموقع المطعم، وشراء الأصول الماديّة المتمثّلة في الأفران والأثاث، ولهذا يتطلّب هذا النوع من الأعمال استثمارًا أعلى بكثير في المعدات الماديّة ممّا تتطلّبه شركة خدمات، مثل: شركة تطوير مواقع الويب، إذ يمكن لمطّور مواقع الويب العمل من المنزل، ومن المحتمل بدء نشاطه التّجاري باستثمار ضئيل للغاية في الموارد الماديّة، ولكن باستثمارٍ كبير من وقته، فسيكون متطلّب التّمويل الأوليّ لمطور الويب موافقًا لبضعة أشهر من نفقات المعيشة حتى يصبح النّشاط التّجاري مكتفيًا ذاتيًا.

بمجرد معرفة المرحلة الّتي تمرّ بها الشّركة في دورة حياتها، والصّناعة التي تعمل فيها، يمكننا التّعرف على متطلّبات التّمويل الخاصّة بها. وبمقدور أصحاب الأعمال الحصول على التّمويل بطرائق مختلفة لكلّ منها مزاياها، وعيوبها.

أنواع التمويل

على الرّغم من قدرة العديد من الأفراد والمؤسّسات على تقديم الأموال للأعمال التّجاريّة، إلا أنّ هذه الأموال تنقسم عادةً إلى فئتين رئيسيّتين هما التّمويل بالدَّين، والتّمويل بالأسهم (الجدول 1.9)، وعلى روّاد الأعمال أخذ مزايا ومساوئ كلّ نوع بالحسبان، قبل اتّخاذ قرار بأيّ من المصدرين يعتمدون في دعم أهداف مشروعهم المتوسّطة وطويلة الأجل.

  التّمويل بالدَّين التّمويل بالأسهم
الملكية لا يمتلك المقرٍض حصّةً في الشّركة. يمتلك المقرِض حصّةً في الشّركة.
النّقد يتطلّب تدفّقًا ماليًا مبكّرا ومنتظمًا. لا يحتاج تدفّقًا نقديًّا فوريًّا.

الجدول 1.9

التمويل بالدين

التمويل بالدّين هو عمليّة اقتراض الأموال من طرف آخر، ولابدّ في نهاية المطاف من سداد هذه الأموال للمُقرض، بالإضافة إلى فائدة ربويّة عادةً، ويمكن الحصول على هذه القروض من عدّة مصادر، سواءً كانت بنوكًا، أو بطاقات ائتمان، أو من العائلة والأصدقاء حتّى، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. وكما تختلف مصادر الدّين، فقد يختلف تاريخ استحقاقه أيضًا، بمعنى سداده كاملًا، كما تختلف مبالغ السّداد، والجدول الزّمني ما بين التّأمين إلى الاستحقاق، ونسبة الفائدة، ولهذا على رائد الأعمال موازنة كلّ هذه العناصر قبل اتّخاذ قرار التّمويل بالدّين.

ميزة التّمويل بالدّين هي أنّ الدّائن يفقد حقّ الملكيّة في العمل بمجرّد سداد المدين دينه كاملًا؛ أمّا عيب هذا النّوع فيكمن في كون سداد القرض يبدأ عادةً على الفور، أو بعد فترة قصيرة جدًّا، ولذلك تقع الشّركة النّاشئة تحت ضغط توفير التدفّق النّقدي توفيرًا سريعًا.

ومن مصادر التّمويل بالدّين في الولايات المتّحدة الأمريكيّة إدارة الأعمال الصّغيرة (Small Business Administration)، أو اختصارًا SBA. وهي وكالة حكوميّة تأسّست بموجب قانون الأعمال الصّغيرة الصّادر سنة 1963، ومهمّتها هي "إعانة، وتقديم المشورة، ومساعدة، وحماية مصالح الأعمال الصّغيرة قدر الإمكان"[6]، حيث تتعاون SBA مع مؤسسات الإقراض، مثل: البنوك، والاتّحادات الائتمانيّة لتوفير القروض للشّركات الصّغيرة، إذ تضمن SBA عادةً ما يصل إلى 85 بالمائة من المبلغ المقرض، وهذا ما يقلّل من مخاوف البنوك عند إقراضها أموالًا للشّركات الجديدة غير مضمونة النّجاح.

لتوضيح فكرة قرض SBA، نأخذ القروض المسمّاة the 7(a) Small Loan program، ويقابلها بالعربيّة برنامج القرض الصّغير 7(أ)، دلالة على رقم البند الّذي جاء فيه ذكر هذا النّوع في قانون هذه الإدارة. وتنقسم القروض المدعومة من قبل SBA عادة إلى إحدى فئتين: رأس المال العامل والأصول الثابتة.

فأمّا رأس المال العامل، فهو ببساطة الأموال المتوفّرة لدى الشّركة للعمليّات اليوميّة، فإذا امتلكت لدى الشّركة ما يكفي من المال لدفع الفواتير المستحقّة حاليًّا، فهذا يعني أنّه ليس لديها رأس مال عامل، ووضعها هكذا غير مستقرّ، ولهذا ستحاول تأمين قرض لمساعدتها في هذه الأوقات العصيبة؛ وّأمّا الأصول الثّابتة فهي عمليّات الشّراء الكبيرة، سواءً كانت السّلعة أراضي، أو مباني، أو معدّات، ولذا فمبالغ الأصول الثّابتة أعلى بكثير من قروض رأس المال العامل، الّذي قد يغطّي بضعة أشهر من النّفقات فحسب.

بالنّسبة للقروض التي تزيد عن 25000 دولار، تطلب SBA من المقرضين المطالبة بضمانات، والضمان هو شيء ذو قيمة يتعهّد به صاحب العمل مقابل الحصول على قرض، وهذا يتيح للبنك أخذ شيء من المالك إذا لم يتمكّن من سداد دينه، ولهذا قد يطلب منك البنك رهن منزلك، أو استثمارات أخرى، لتأمين القروض الأكبر، ويكون ضمان القروض العقاريّة هو ذاته العقار الّذي تشتريه بالقرض، ما يعني بطريقة مخالفة للمتوقّع أنّ مخاطرة البنوك في تقديم قروض لمشتريات كبيرة تكون أقلّ منها في تقديم قروض أخرى، مع إمكانية اختلاف هذا من عقار إلى آخر. وفي نقطة أخيرة، تسمّى القروض الّتي لا تتطلّب ضمانات بـ "القروض غير المضمونة".

لمعرفة كيف يمكن لمالك النّشاط التّجاري استخدام قرض SBA، دعنا نعود إلى مثال مطعم بيتزا، حيث لا تمتلك جميع النّشاطات التّجاريّة المباني التي تعمل فيها، بل تلجأ الكثير منها إلى الاستئجار، وبهذا يحتاج صاحب مطعم البيتزا إلى قرض أصغر في هذه الحالة من حاجته لو كان سيشتري مساحة العمل. حيث إذا وجد موقع إيجار كان مطعمًا في السّابق، فكلّ ما يحتاجه هو بعض التّحسينات السّطحيّة قبل افتتاح عمله، وفي هذه الحالة يكون القرض الصّغير غير المضمون من SBA اختيارًا مناسبًا؛ وفي مثالنا، يخصّص صاحب مطعم البيتزا بعض الأموال للتحسينات، مثل: الطلاء الجديد، والأثاث، واللّافتات، والباقي لدفع أجور الموظّفين، والإيجار، إلى حين بدء مداخيل مطعم البيتزا في تغطية التّكاليف.

وبالإضافة إلى القروض الصغيرة، يتيح برنامج SBA أيضًا قروضًا تصل إلى 350.000 دولار - فوق عتبة 25000 دولار-، وعلى البنك المقرِض اتّباع إجراءات الضّمان الخاصّة به في هذه الحالة، وقد يكون من الصّعب ضمان شركة جديدة لقرض كبير، إذا لم تمتلك أصولًا مناسبةً لترهنها ضمانًا مقابله. ولهذا تنطوي العديد من قروض SBA على بنود العقارات، فالعقارات أكثر الضمانات قبولًا عن غيرها، إذ لا يمكن نقلها، ولا تقلّ قيمتها كثيرًا بمرور السّنوات. وبالعودة إلى مثالنا، يمكن لصاحب مطعم البيتزا الاستفادة من قروض أكبر إذا اشترى المساحة الّتي سيفتتح فيها مطعمه، على تخصيص النّسبة الأكبر من هذا القرض لدفع كلفة شراء المساحة.

التمويل بالأسهم

استثمارات الأسهم - في نطاق فرص الاستثمار- هي تلك الاستثمارات التي تنطوي على شراء حصّة ملكيّة في شركة ما، وذلك عادةً عبر شراء أسهم فيها؛ وعلى عكس الدّيون التي يتمّ سدادها مستقبلًا وينتهي الاستثمار بذلك، نجد أنّ التّمويل بالأسهم هو تمويل مقدّم مقابل ملكيّة جزئيّة في النّشاط التّجاريّ. ومثل نظيره التّمويل بالدّين، يمكن الحصول على التّمويل بالأسهم من عدّة مصادر مختلفة، بما في ذلك الأصدقاء والعائلة، أو غيرهم من المستثمرين المحترفين؛ وربّما صادفت هذا النّوع من الاستثمار في البرنامج التّلفزيوني شارك تانك (Shark Tank)، ونظيره العربي تحدّي الهوامير، اللذان يُقدّم فيهما المشاركون فكرة نشاط جديد بغية تجميع المال الكافي لبدء أو توسيع شركتهم، فإذا أراد المستثمرون "الهوامير" الاستثمار في الفكرة، فإنهم يقدّمون عرضًا مقابل حصّة ملكيّة، ويمكن تقديم 200.000 دولار مقابل 40% من ملكيّة النّشاط.

ميزة التّمويل بالأسهم -على عكس التّمويل بالدّين- هي غياب ضرورة توفير تدفّق نقديّ فوريّ لسداد الأموال؛ وأمّا عيبه فهو تمليك المستثمر حصّةً من شركتك، حيث يأخذ حسب مثالنا 40% من الأرباح المستقبليّة، إلاّ إذا اشتريت حصّته مجدّدًا، مقابل تقييم أعلى يتناسب عادةً مع السّعر الّذي يدفعه المستثمر إذا أراد الحصول على الشّركة كاملةً.

يتّضح هذا في المثال الواقعيّ لشركة أوبر (Uber)، حيث كانت بنتشمارك كابيتال (Benchmark Capital) من أوائل المستثمرين في الشّركة، وفي الجولة الأولى من تمويل رأس المال الاستثماري، قدّموا 12 مليون دولار لأوبر في مقابل أسهم ملكيّة. وكانت قيمة حصّة الملكيّة تلك يوم طرحها للاكتتاب العام في مايو 2019 مقدّرةً بما يفوق 6 مليارات دولار. وذلك هو المبلغ الّذي على المؤسّسين دفعه إذا أرادوا استعادة حصّة ملكيّة بنتشمارك.

بعض مصادر التّمويل ليست ديونًا ولا حقوق ملكيّة، مثل: الهدايا من أفراد الأسرة، والأموال من مواقع التّمويل الجماعي أمثال كيكستارتر (Kickstarter)، والمنح من الحكومات، أو الصناديق الاستئمانيّة، أو الأفراد.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Entrepreneurial Finance and Accounting) من كتاب Entrepreneurship.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...