من المؤكد أن جميعنا قد سمع جملة "ضع نفسك مكاني" في أحد الأيام! يدخل هذا المثال ضمن ما يسمى التعاطف بصورته العملية، فعندما نريد أن نتعاطف مع أحدهم فليس هناك طريقة أفضل من أن نتخيل أنفسنا مكانه وضمن الظروف التي تحكُمه، وهذه واحدة من المهارات الناعمة Soft Skills المهمة التي تساعد على فهم كيفية تفاعل الآخرين مع الحياة.
وبالمثل فإن خرائط التعاطف تفيد في تحديد احتياجات العميل من خلال إنشاء شخصية مستخدم مفصَّلة ومن ثم وضع أنفسنا مكان هذه الشخصية للتحصل على معلومات قيّمة حول تجربة العميل. يمكن أن تُترجَم هذه المعلومات والتلميحات لاحقًا إلى تحسينات على المنتج، مما يساعد على تطوير إستراتيجية مبيعات قوية.
ما هي خريطة التعاطف؟
خريطة التعاطف Empathy Map هي أداة تساعد على استكشاف كيف يفكر الجمهور المستهدف ويشعر ويتصرف، وبالتالي فهم رغباته واحتياجاته أكثر. وتنقسم الخريطة في الحالة النموذجية إلى أربعة أجزاء وهي:
- التفكير والشعور
- القول والفعل
- النظر
- السمع
قبل استخدام هذه الأداة، سنحتاج أولًا إلى إنشاء شخصية مستخدم أو سيناريو يمثل فردًا من جمهورنا المستهدف. يمكننا بالعموم إنشاء شخصية المستخدم إما عن طريق وصف الشخصية، مثل شخصية المتسوق الواثق أو المشتري الفضولي، لشرح العوامل التي تحفز فئة من الأشخاص بصورة عامة، وتساعد فرق المنتجات والتسويق والمبيعات على فهم جمهورهم العام. عدا ذلك، يمكننا تحديد شخص معين افتراضي، نحدد اسمه وعمره وما يحب وما يكره من أجل تسهيل التعاطف مع الشخصية.
متى نستخدم خريطة التعاطف؟
يمكننا استخدام خريطة التعاطف كلما احتجنا إلى معرفة المزيد عن الجمهور وأخذ فكرة عن طريقة تفكيرهم، وتتجلى فائدتها أكثر في مرحلة التخطيط للمنتج، لكن يمكن استخدامها أيضًا لتحسين المنتج بعد الانتهاء من تصميمه.
تُعَد خرائط التعاطف أيضًا أداةً توجيهيةً للحملات التسويقية وإستراتيجيات المبيعات؛ فسواءً بدأنا من الصفر، أو كنا نبحث عن ثغرات في إستراتيجيتنا الحالية، فإن خريطة التعاطف تقدم لنا الإرشاد والدعم اللازمين لذلك.
من يستخدم خرائط التعاطف؟
يمكن أن تستفيد الفرق التالية من خريطة التعاطف:
- فرق المنتجات: لضمان مراعاة احتياجات المستخدم النهائي أثناء عملية التصميم
- فرق التسويق: لتحسين إستراتيجية العمل التجاري من خلال تحديد المشكلات التي يعاني منها المستخدمون ورغباتهم
- فرق التصميم والتطوير: لأخذ فكرة عن تجربة المستخدم UX وواجهة المستخدم UI
يجري إعداد خريطة التعاطف عبر عمل جماعي يتعاون فيه أعضاء الفريق، ويمكن تحقيق ذلك من خلال عقد جلسات لتبادل الأفكار حول تجربة المستخدم وتوحيد رؤية الفريق حول التصوُّرات الأكثر دقة.
العناصر الأربعة لخريطة التعاطف
تُقسَم خريطة التعاطف إلى أربعة أقسام تتكامل مع بعضها لتعطي معلومات عما يجول في ذهن المستخدم النهائي، تتمثل في:
- التفكير والشعور: ما هي أهم مخاوف المستخدم وأهم تطلعاته؟ وما هي قيمه؟ وما الذي يشغل باله؟
- السمع: مَن هم أبرز المؤثرين في حياة المستخدم؟
- النظر: ماذا يرى المستخدم في البيئة المحيطة التي تؤثر به؟
- القول والفعل: ما الذي يقوله المستخدم ويفعله من أجل تلبية احتياجاته؟
بالإضافة إلى هذه الأقسام الأربعة، سنحتاج أيضًا إلى وصف المشكلات والتطلعات الخاصة بالشخصيات والتي تُعَد دليلًا توجيهيًا، كالتالي:
- المشكلات: ما هي المشكلات التي يعاني منها المستخدم؟ وما هي احتياجاته؟
- التطلعات: ما هي تطلعات المستخدم حول تلبية احتياجاته.
أما الأقسام الأربعة الأخرى، فهي تساعد على استكشاف حياة العميل من منظوره الشخصي.
يمكن ملء معلومات خريطة التعاطف من خلال ربطها بشخصية مستخدم تصف فردًا خياليًا، وبذلك نعرف من يكون المستخدم قبل تقييم طبيعة حياته. وفي حال لم يكن في ذهننا أي شخصية مسبقًا، فيمكننا وصف الشخصية باختصار فوق خريطة التعاطف.
خطوات إنشاء خريطة تعاطف
غالبًا ما يكون لدى الشركة أكثر من شخصية مستخدم، ولفهم جميع الشخصيات، يجب إنشاء خريطة تعاطف لكل واحدة منها على حدة. يمكننا هنا اتباع الخطوات التالية لإنشاء خريطة تعاطف، ثم إدراج خطوات هذه العملية ضمن مسار العمل ليتمكن أعضاء الفريق من تكرارها كلما دعت الحاجة.
1. تحديد الأهداف
نحدد بوضوح أهدافنا من خريطة التعاطف لمعرفة كم يجب أن نتعمق في تفاصيل كل شخصية. من المرجح أن تكون الأهداف عامة، مثل تحسين إستراتيجيات العمل التجاري لكي تلبي احتياجات العميل، لكنّ الأهداف النوعية تسهّل من تقييم ما إذا كانت الخريطة النهائية تحقق التطلعات أم لا.
من الأمثلة على الأهداف:
- الحصول على معلومات حول المستخدمين النهائيين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و35
- توضيح أين يفشل المنتج الحالي في تلبية احتياجات الجمهور
- تحديد كيف يمكن تحسين المنتج من أجل خدمة هذا الجمهور
أثناء العمل على تحديد أهداف خريطة التعاطف، لابد من تحديد نطاق الخريطة أيضًا؛ إذ يكون نطاق الخريطة محصورًا بالسيناريو الذي تمثله، مما يساعد على فهم تجربة المستخدم واحتياجاته وتحدياته في هذا السياق المحدد.
2. استكشاف بيئة المستخدم
علينا هنا وضع أنفسنا مكان المستخدم والبدء من العناصر الظاهرية التي يمكن ملاحظتها. قد تكون لدينا فكرة مسبقة عن كيفية تصرف المستخدم، لكن الهدف من هذه الخطوة هو الحصول على معلومات أدق حول سبب هذا التصرف.
- الفعل: تساعد أبحاث المستخدمين على تحديد أفعال المستخدم وسلوكه، لذا ما علينا سوى جمع بيانات العملاء التي تتماشى مع شخصية المستخدم لدينا، وملاحظة ما إذا كان لديهم أنماط سلوكية مشتركة، مع أخذ معلومات عن التقنيات التي يستخدمونها وكيف يتفاعلون مع الآخرين وكيف يحلون المشكلات التي تطرأ عليهم
- القول: يمكننا إجراء مقابلات مع المستخدمين والإنصات إليهم للتعرف أكثر على ما يقولونه في حالات معينة، كما يمكننا مراقبة مكالمات خدمة العملاء
- النظر: تختلف اهتمامات المشاهدة بين الناس حسب العمر والموقع والشخصية، ومن المؤكد أن كل ما يراه المستخدم من إعلانات عبر الإنترنت أو أخبار أو برامج أو غيرها يؤثر على سلوكه. على هذا الأساس، ما علينا سوى تحديد ما يمكن أن يؤثر على المستخدم مما سبق، اعتمادًا على سلوكه
- السمع: ما الذي يمكن أن يؤثر على المستخدم من بيئته المحيطة؟ على سبيل المثال، قد تهتم الأم التي لديها طفل صغير بخاصية الأمان في المنتج، في حين قد يهتم الطالب الجامعي بتصميم المنتج بسبب اهتمامه بالمظهر الخارجي
3. معرفة ما يجول في عقل المستخدم
بعد الانتهاء من فحص العناصر الظاهرية للمستخدم يتعين علينا الآن الانتقال لمعرفة ما يفكر فيه، ورغم أنه يتعذر الجزم بما يدور في عقل الآخرين، لكن من الممكن وضع تخمينات منطقية.
- التفكير: نتذكر دائمًا أن الأفكار قد تكون السبب الكامن وراء المشاعر، فإذا كان المستخدم يعاني من عدم القدرة على اتخاذ القرار عند اختيار منتج مثلًا، فقد يؤدي ذلك إلى شعوره بالخوف من اتخاذ قرار خاطئ
- الشعور: بناءً على ما نعرفه عن سلوك المستخدم تجاه مشكلة ما، فما هو شعوره برأيك؟ بعض الأشخاص يشعرون بالقلق حيال قرار الشراء، مما يؤدي إلى عدم قدرتهم على اتخاذ القرار؛ في حين أن بعضهم الآخر يكونون مندفعين ويختارون المنتجات بسرعة بعد البحث عنها
لا بأس في عدم انطباق مواصفات "التفكير والشعور" على جميع المستخدمين، فحتى الأشخاص الذين ينتمون لنفس الشريحة المستهدفة يختلفون بالأفكار والمشاعر فيما بينهم؛ مع ذلك حاول أن تجمع أبرز مشاعر المستخدمين وأكثرها انتشارًا.
4. إلقاء نظرة شاملة
بعد أن اكتملت خريطة التعاطف، نحتاج للتأمل فيها وفي تجربة المستخدم، مع ترك أعضاء الفريق يُدلون بآرائهم حول هذا النشاط وما إذا كانت الخريطة قد أعطتهم أفكارًا وتلميحاتٍ جديدة حول آلية المضيّ قُدُمًا أم لا. على سبيل المثال، قد ندرك في هذه المرحلة أن المستخدم مهتم بأمان المنتج أكثر مما كنا نظن، مما يدفعنا للتركيز على مواصفات الأمان في نشاطاتنا التسويقية.
نحتاج للاحتفاظ بخريطة التعاطف ضمن ملف مشترك ليتمكن جميع أعضاء الفريق من الرجوع إليها في المشاريع المستقبلية.
قالب لخريطة التعاطف مع مثال عملي
في الصورة أدناه مثال عن خريطة تعاطف تدور حول شخصية خيالية اسمها إيمان الحكيم، وهي كاتبة بعمر 29 سنة، تعيش في مدينة كبيرة وتعمل عن بُعد. توقف حاسوبُها الشخصي عن العمل، وهي تبحث حاليًا عن حاسوب جديد.
-
المشكلات:
- تعطُّل الحاسوب
- الحاجة إلى حاسوب جديد لتنجز عملها في الكتابة عن بعد
-
التطلعات:
- الحصول على حاسوب بواجهة نظيفة
- إمكانية دفع المزيد لقاء الحصول على حاسوب أطول عمرًا
-
التفكير والشعور:
- تشعر بالإحباط لأن حاسوبها الحالي لم يدُم سوى ثلاث سنوات
- تشعر بالحيرة بسبب كثرة خيارات طراز الحاسوب الجديد
- لسان حالها يقول: أتمنى أن أتخذ القرار الصحيح
-
السمع:
- تقول زميلتها: اخترت حاسوبي بسبب سرعة أدائه
- يقول المدير: اخترت حاسوبي بسبب خفة وزنه
- تفيد المراجعات بأن أجهزة ماك أفضل للعمل الإبداعي، بينما أجهزة أندرويد أفضل للألعاب
-
النظر:
- ترى إعلانات جذابة وعصرية لأجهزة ماك في كل مكان
- ترى جميع الأشخاص من حولها يستخدمون منتجات آبل
- تقرأ مدونة للعمل الإبداعي توصي باستخدام أجهزة ماك
-
القول والفعل:
- أحتاج إلى منتج قيّم
- أريد منتجًا يستحق ثمنه
- تبحث عن مراجعات العملاء وتجارب الاستخدام بلا كلل.
انطلاقًا من هذه الخريطة، يمكننا جعل منتجنا يتمحور حول سلوك إيمان. على سبيل المثال، نستنتج من هذا النشاط أن بإمكاننا رفع سعر منتجك قليلًا بالنسبة لعملاءٍ مثل إيمان طالما أننا نقدم منتجات عالية الجودة، كما ندرك أهمية مراجعات العملاء بالنسبة لإيمان وأمثالها من المستخدمين.
يمكننا استخدام قالب خريطة التعاطف المرفق هنا لدراسة سلوكيات العملاء.
نصائح لإعداد خريطة تعاطف فعالة
نحتاج للتأكد من الحرص على مراعاة الممارسات المثلى التالية عند إعداد كل قسم من أقسام خريطة التعاطف:
- تجنب الانحياز اللاواعي: قد نعاني من الانحياز اللاواعي دون أن إدراك ذلك أحيانًا، الأمر الذي يجعلنا نتجاهل تفاصيل المستخدم ونفوّت بعض المعلومات المهمة. يساعد التعرف على أنواع الانحياز على الانتباه له وتجنب الوقوع فيه. نحتاج هنا أيضًا إلى الحرص على أن تكون جميع الأفكار مدعومةً بالأدلة لتجنب التوصُّل إلى استنتاجات مبنية على الآراء الشخصية
- استخدام بيانات داعمة: لابد من دعم خريطة التعاطف ببيانات حول المستخدمين، فإذا بيننا أن المستخدم يرى إعلانات لمنتجات معينة أو يقرأ مصادر معينة مثلًا، فلابد من تأكيد هذا الكلام بالإحصائيات اللازمة. تساعد البيانات الداعمة على معرفة ما يقرؤه المستخدمون ضمن شريحة معينة وما يظهر لهم عبر الإنترنت من إعلانات
- البحث عن الاحتياجات الخفيّة للمستخدم: بعد الانتهاء من إعداد خريطة التعاطف، علينا استخدامها للبحث عن احتياجات المستخدم غير الظاهرة. على سبيل المثال، لدينا مستخدم تعطل حاسوبه وهو يبحث عن حاسوب جديد، لكن هل هو بحاجة أيضًا إلى برامج لصيانة الحاسوب الجديد؟
- إنجاز تحليل الأسباب الجذرية: قد يشير سلوك المستخدم إلى أفكار ومعتقدات متجذرة في شخصيته، فإذا كان المستخدم مقتدرًا ماديًا مثلًا لكنه يفضل إصلاح الأشياء بدلًا من شراء منتج جديد، فمن المرجح أنه لا ينفق المال دون اكتراث، أو ربما فكرة إصلاح الأشياء تمنحه شعورًا بالإنجاز
خاتمة
ليس من السهل دومًا التعاطف مع الآخرين، فالأمر يتطلب وضع أنفسنا مكانهم وتجاهل وجهة نظرنا تمامًا. يمكننا استخدام خرائط التعاطف لتزويد فريق العمل بمعلومات تساعد على فهم المستخدمين، من ثم تصميم وتسويق منتجات تتماشى مع احتياجاتهم، ولا ننس أن استخدام أدوات إدارة المشاريع يسهل العملية برمّتها ويمكّن الفرق من العمل المشترك بصورة آنية.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Empathy maps: How to understand your customer.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.