طوّر باحثون في مركز أبحاث (Xerox Palo Alto Research Center أو اختصارًا PARC) شبكة الإيثرنت (Ethernet) في منتصف السبعينات، ثم أصبحت في النهاية تقنية الشبكات المحلية المهيمنة، التي انبثقت عن مجموعة من التقنيات المنافسة، وتتنافس اليوم بصورةٍ أساسية مع الشبكات اللاسلكية 802.11، ولكنها لا تزال تحظى بشعبية كبيرة في شبكات الحرم الجامعي ومراكز البيانات. الاسم الأعم للتقنية الكامنة وراء الإيثرنت هو تحسس الحامل، والوصول المتعدد مع كشف التصادم (Carrier Sense, Multiple Access with Collision Detect أو اختصارًا CSMA / CD).
شبكة الإيثرنت عبارة عن شبكةٍ متعددة الوصول، مما يعني أن مجموعةً من العقد ترسل وتستقبل الإطارات عبر رابطٍ (link) مشترك، لذلك يمكنك التفكير في شبكة الإيثرنت على أنها مثل الحافلة التي لديها محطات متعددة متصلة بها. يعني المصطلح carrier sense في CSMA / CD أن جميع العقد يمكنها التمييز بين الرابط الخامل والرابط المشغول، ويعني المصطلح collision detect أن العقدة تستمع أثناء الإرسال، فيمكنها اكتشاف ما إذا كان الإطار الذي ترسله قد تداخل أو تصادم مع إطارٍ مُرسَل بواسطة عقدة أخرى. تعود جذور الإيثرنت إلى شبكة رزمٍ راديوية قديمة تسمى ألوها (Aloha) طُوِّرت في جامعة هاواي لدعم اتصالات الحاسوب عبر جزر هاواي. إن المشكلة الأساسية التي تواجهها شبكة إيثرنت، مثل شبكة ألوها، هي كيفية التوسط في الوصول إلى وسيط مشترك بصورة عادلة وفعالة (كان الوسيط في شبكة ألوها هو الغلاف الجوي، بينما الوسيط في شبكة إيثرنت في الأصل هو الكبل المحوري). الفكرة الأساسية في كلٍّ من شبكتَي ألوها وإيثرنت هي خوارزمية تتحكم في وقت إرسال كل عقدة.
أصبحت روابط إيثرنت الحديثة الآن إلى حد كبير من نقطة لنقطة، أي أنها تصل مضيفًا واحد بمبدّل إيثرنت (Ethernet switch)، أو أنها تربط المبدّلات ببعضها، نتيجة لذلك لا تُستخدَم خوارزمية الوصول المتعدد كثيرًا في شبكات إيثرنت السلكية حاليًا. لكن يُستخدم البديل الآن في الشبكات اللاسلكية، مثل شبكات 802.11 (المعروفة أيضًا باسم Wi-Fi). اخترنا وصف الخوارزمية الكلاسيكية هنا نظرًا للتأثير الهائل لشبكة إيثرنت، ثم سنشرح كيف تكيفت مع شبكة Wi-Fi في القسم التالي، وسنركز على كيفية عمل رابط إيثرنت واحد في الوقت الحالي.
انضمت شركتا Digital Equipment Corporation و Intel Corporation إلى مركز Xerox لتحديد معيار إيثرنت بسرعة 10 ميجابت في الثانية في عام 1978. ثم شكّل هذا المعيار أساسًا لمعيار IEEE 802.3، والذي يحدد أيضًا مجموعة أكبر بكثير من الوسائط الفيزيائية التي يمكن لشبكة إيثرنت العمل عليها، بما في ذلك إصدارات 100 ميجابت في الثانية و 1 جيجابت في الثانية و 10 جيجابت في الثانية و 40 جيجابت في الثانية و 100 جيجابت في الثانية.
الخصائص الفيزيائية (Physical Properties)
نُفِّذت مقاطع إيثرنت في الأصل باستخدام كبل محوري بطول يصل إلى 500 متر، وكان هذا الكبل مشابهًا للنوع المستخدَم في تلفاز الكابل. تستخدم شبكة الإيثرنت الحديثة أزواجًا نحاسية ملتوية (twisted copper pairs) وعادةً ما يكون نوعًا معينًا يُعرف باسم Category 5، أو الألياف الضوئية، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون أطول بكثير من 500 متر. يتصل المضيفون بمقطع إيثرنت من خلال وصله به. يكتشف جهاز الإرسال والاستقبال (transceiver)، وهو جهاز صغير متصل مباشرة بالقابس (tap)، إذا كان الخط خاملًا، كما أنه يقود الإشارة عندما يرسل المضيف، ويستقبل الإشارات الواردة. جهاز الإرسال والاستقبال بدوره متصلٌ بمحوّل (adaptor) إيثرنت يوصَل بالمضيف. يظهر هذا الإعداد (configuration) في الشكل التالي:
يمكن ربط مقاطع الإيثرنت المتعددة معًا بواسطة المكرّرات (repeaters)، أو جهازٍ متعدد المنافذ مغايرٍٍ عن المكرّر، يسمى الموزع (hub). المكرّر هو جهاز يمرر الإشارات الرقمية، كمكبّر صوت يمرر الإشارات التناظرية، حيث لا تفهم المكررات البتات أو الإطارات، ولا يمكن وضع أكثر من أربعة مكررات بين أي زوج من الأجهزة المضيفة، مما يعني أن شبكة الإيثرنت الكلاسيكية يبلغ إجمالي وصولها 2500 متر فقط، فاستخدام مكررين فقط على سبيل المثال بين أي زوج من الأجهزة المضيفة يدعم ضبطًا مشابهًا للضبط الموضح في الشكل التالي، أي يمتد المقطع الأساسي أسفل المبنى مع وجود مقطعٍ في كل طابق:ِ
تُبَث أي إشارة توضع على شبكة الإيثرنت بواسطة مضيف عبر الشبكة بأكملها، أي أن الإشارة تنتشر في كلا الاتجاهين، وتعيد المكررات والموزعات توجيه الإشارة على جميع المقاطع الصادرة. تمتص الوصلات النهائية (Terminators) المتصلة بنهاية كل مقطع الإشارة وتمنعها من الارتداد والتداخل مع الإشارات اللاحقة. استخدمت مواصفاتُ إيثرنت الأصلية مخططَ ترميز مانشستر الموضَّح سابقًا، بينما يُستخدم تشفير 4B / 5B (أو مخطط 8B / 10B المماثل) اليوم على شبكات إيثرنت عالية السرعة. من المهم أن تفهم أنه إذا كانت شبكة إيثرنت معينة تمتد على مقطع واحد، أو على تسلسل خطي من المقاطع المتصلة بواسطة مكررات، أو مقاطع متعددة متصلة في إعداد شبكة نجمة (star)، فإن البيانات التي يرسلها أي مضيف واحد على شبكة الإيثرنت هذه تصل إلى جميع المضيفين الآخرين، وهذه هي الأخبار الجيدة، أما النبأ السيئ فهو أن كل هؤلاء المضيفين يتنافسون للوصول إلى نفس الرابط، ونتيجة لذلك يقال إنهم في نفس مجال التصادم (collision domain). يتعلق الجزء متعدد الوصول من الإيثرنت بالتعامل مع المنافسة على الرابط الذي ينشأ في مجال التصادم.
بروتوكول الوصول (Access Protocol)
وجّه انتباهك الآن إلى الخوارزمية التي تتحكم في الوصول إلى رابط إيثرنت مشترك. يُطلق على هذه الخوارزمية اسم التحكم في الوصول إلى الوسائط (media access control أو اختصارًا MAC) الخاص بشبكة إيثرنت، ويُنفَّذ عادةً في الأجهزة الموجودة على محوّل الشبكة. لن نشرح العتاد في حد ذاته، ولكن بدلًا من ذلك سنركز على الخوارزمية التي تنفّذها، وسنشرح أولًا صيغة إطار وعناوين إيثرنت.
صيغة الإطار (Frame Format)
يُعرَّف كل إطار من إطارات إيثرنت بالتنسيق الوارد في الشكل الآتي، حيث تسمح المقدمة (preamble) ذات 64 بت للمستقبل بأن يتزامن مع الإشارة، وهذه المقدمة هي سلسلة من الأصفار والواحدات المتناوبة. يُحدَّد كل من مضيفَي المصدر والوجهة بعنوان 48 بت. يعمل حقل نوع الرزمة كمفتاح فك دمج (demultiplexing key)، حيث يحدِّد أي من بروتوكولات المستوى الأعلى التي يجب تسليم هذا الإطار إليها. يحتوي كل إطار على ما يصل إلى 1500 بايت من البيانات، ويجب أن يحتوي الإطار على 46 بايتًا على الأقل من البيانات، حتى لو كان هذا يعني أن المضيف يجب أن يحشو الإطار قبل إرساله، والسبب في هذا الحجم الأدنى للإطار هو أن الإطار يجب أن يكون طويلًا بما يكفي لاكتشاف التصادم. أخيرًا، يتضمن كل إطار 32 بت لفحص التكرار الدوري (CRC) من أجل كشف الأخطاء. بروتوكول إيثرنت عبارة عن بروتوكول تأطير موجَّهٌ بالبت مثل بروتوكول HDLC الموضّح سابقًا. لاحظ أنه من منظور المضيف، يحتوي إطار إيثرنت على ترويسة ذات 14 بايتًا: عنوانان مؤلفان من 6 بايتات وحقل نوع مؤلف من 2 بايت، ويضيف محولُ الإرسال المقدمةََ وحقل CRC قبل الإرسال، ثم يزيلهما محوّل الاستقبال.
العناوين (Addresses)
يملك كل مضيفٍ على شبكة إيثرنت، بالأحرى كل مضيف إيثرنت في العالم، عنوانَ إيثرنت فريد. ينتمي العنوان إلى المحوّل وليس إلى المضيف، ويُحرَق عادةً على الذاكرة ROM. تُطبع عناوين إيثرنت عادةً في شكلٍ قابلٍ للقراءة من خلال سلسلةٍ من ستة أرقام مفصول بينها بنقطتين. يقابل كل رقم بايتًا واحدًا من العنوان المكوّن من 6 بايتات، حيث يُوفَّر من خلال زوجٍ من الأرقام الست عشرية، أي رقمٌ لكل 4 بتات من البايت الواحد، وتُهمل الأصفار البادئة. العنوان 8:0:2b:e4:b1:2
على سبيل المثال هو تمثيلٌ قابل للقراءة لعنوان الإيثرنت التالي:
00001000 00000000 00101011 11100100 10110001 00000010
تُخصَّص بادئةٌ (prefix) مختلفة لكل مُصنِّعٍ لأجهزة إيثرنت والتي يجب أن تُضاف في بداية العنوان الموجود على كل محولٍ مُنشَأ لضمان حصول كل محول على عنوان فريد، حيث تُسنَد بادئة مكونة من 24 بت 080020
أو 8:0:20
للأجهزة الدقيقة المتقدمة (Advanced Micro Devices) على سبيل المثال، ثم تتأكد الشركة المصنّعة أن لواحق (suffixes) العنوان التي ينتجها فريدة.
يُستقبَل كل إطار مُرسَل عبر إيثرنت بواسطة كل محول متصل بشبكة إيثرنت، ويتعرّف كل محول على تلك الإطارات الموجهة إلى عنوانه ويمرر تلك الإطارات فقط إلى المضيف، ولكن يمكن أيضًا برمجة المحول ليعمل في الوضع العشوائي (promiscuous mode)، حيث يسلّم جميع الإطارات المستلمة إلى المضيف في هذه الحالة، لكن ليس هذا الوضع العادي. يُعامَل أيضًا عنوان إيثرنت الذي يتكون من كل الواحدات كعنوان بث إذاعي (broadcast address) بالإضافة إلى عناوين البث الأحادي (unicast addresses). تمرر جميعُ المحوّلات الإطاراتِ الموجهة إلى عنوان البث الإذاعي إلى المضيف. وبالمثل، يُضبَط البت الأول من العنوان بالقيمة 1 ولكنه ليس عنوان بث إذاعي بحيث يُسمى عنوان البث المتعدد (multicast address)، يمكن لمضيفٍ معين برمجة محوّله لقبول مجموعة من عناوين البث المتعدد. تُستخدم عناوين البث المتعدد لإرسال رسائل إلى مجموعة فرعية من المضيفين على شبكة إيثرنت (جميع خواديم الملفات على سبيل المثال)، حيث يستقبل محول الإيثرنت جميع الإطارات ويقبل ما يلي:
- إطارات موجهة إلى عنوانها الخاص.
- إطارات موجهة إلى عنوان البث الإذاعي.
- إطارات موجهة إلى عنوان البث المتعدد، إذا وُجِّه للاستماع إلى هذا العنوان.
- جميع الإطارات إذا وُضَعت في الوضع العشوائي.
ولكنه يمرّر إلى المضيف فقط الإطارات التي يقبلها.
خوارزمية المرسل (Transmitter Algorithm)
إن جانب المستقبل من بروتوكول إيثرنت بسيط، وتُعرَّف خوارزمية المرسل على النحو التالي: ينقل المحوّل الإطار على الفور دون وجود تفاوضٍ مع المحولات الأخرى عندما يملك المحول إطارًا لإرساله ويكون الخط خاملًا. يعني الحد الأعلى البالغ 1500 بايت في الرسالة أن المحول يمكنه شغل الخط لفترة زمنية ثابتة فقط.
إذا ملك المحولُ إطارًا لإرساله ولكن الخط مشغول فإنه ينتظر أن يصبح الخط خاملًا ثم يرسله على الفور، حيث تنتظر جميع المحولات 9.6 ميكرو ثانية بعد نهاية إطار واحد قبل البدء في إرسال الإطار التالي، وينطبق هذا على كل من مرسل الإطار الأول والعقد التي تستمع إلى الخط حتى يصبح خاملًا. يُقال إن إيثرنت هو بروتوكول واحد ثابت (1-persistent) لأنه مع وجود إطارٍ لإرساله، يرسل المحول هذا الإطار باحتمال 1 عندما يصبح الخط المشغول خاملًا، وترسل خوارزمية p-persistent باحتمال 0≤ p ≤1 بعد أن يصبح الخط خاملًا وتتأخر باحتمال q = 1 - p. السبب وراء اختيار p < 1 هو أنه قد يكون هناك محولات متعددة في انتظار أن يصبح الخط المشغول خاملًا، ولا نريد أن يبدأ كل منهم بالإرسال في نفس الوقت. إذا أرسل كل محول على الفور باحتمال، 33% مثلًا، فيمكن أن ينتظر ما يصل إلى ثلاثة محولات للإرسال بحيث يبدأ محولٌ واحد فقط الإرسال عندما يصبح الخط خاملًا، ولكن يرسل محول إيثرنت دائمًا وفورًا بعد ملاحظة أن الشبكة أصبحت خاملة وهذا فعالٌ جدًا.
قد تتساءل عن المدة التي يتعين على المرسل، الذي يقرر التأجيل، أن ينتظرها قبل أن يتمكن من الإرسال بالنسبة لبروتوكولات p-persistent عندما تكون p < 1. كانت الإجابة بالنسبة لشبكة ألوها، التي طوَّرت في الأصل هذا النمط من البروتوكول، هي تقسيم الوقت إلى فترات منفصلة، بحيث تتوافق كل فترة مع طول الوقت الذي يستغرقه إرسال إطار كامل، وكلما كان للعقدة إطار لإرساله واستشعرت فترةً فارغة (خاملة)، فإنها ترسل باحتمال p وتؤجل حتى الفترة التالية ذات الاحتمال q = 1 - p. إذا كانت الفترة التالية فارغة أيضًا، تقرر العقدة مرة أخرى الإرسال أو التأجيل، مع الاحتمالين p و q على التوالي. إذا لم تكن الفترة التالية فارغة، أي أن بعض المحطات الأخرى قررت الإرسال، فإن العقدة تنتظر ببساطة الفترة التالية الخاملة وتتكرر الخوارزمية.
أما بالنسبة لشبكة إيثرنت، فنظرًا لعدم وجود تحكم مركزي، فمن الممكن لمحوّلين (أو أكثر) بدء الإرسال في نفس الوقت، إما لأن كليهما وجد الخط خاملًا أو لأنها ينتظران خطًا مشغولًا ليصبح خاملًا، وبالتالي يُقال أن الإطارين (أو أكثر) يتصادمان على الشبكة عندما يحدث ذلك. يستطيع كل مرسل تحديد وجود تصادم نظرًا لأن الإيثرنت يدعم اكتشاف التصادم. يتأكد المحوّل أولًا من إرسال سلسلة تشويش (jamming sequence) مؤلفة من 32 بت في اللحظة التي يكتشف فيها أن إطاره يصطدم بآخر ثم يوقف الإرسال، وبالتالي سيرسل جهاز الإرسال 96 بتًا على الأقل في حالة حدوث تصادم: مقدمة (preamble) مؤلفة من 64 بت بالإضافة إلى سلسلة تشويش (jamming sequence) مؤلفة من 32 بت.
تُستخدَم إحدى الطرق التي يرسل بها المحول 96 بتًا فقط، حيث يسمى أحيانًا إطارًا ضعيفًا (runt frame) وهو إطار أصغر من أدنى حجم، إذا كان المضيفان قريبان من بعضهما البعض. إذا كان المضيفان بعيدان عن بعضهما البعض، فيجب عليهما إرسال إطارات أطول، وبالتالي إرسال المزيد من البتات قبل اكتشاف التصادم. يحدث أسوأ سيناريو عندما يكون المضيفان على طرفي شبكة إيثرنت، فقد يحتاج المرسل إلى إرسال ما يصل إلى 512 بتًا للتأكد من أن الإطار الذي أرسله للتو لم يتعارض مع إطار آخر، لذلك ليس من قبيل الصدفة أن يكون طول كل إطار إيثرنت 512 بتًا (64 بايتًا) على الأقل: 14 بايتًا ترويسة بالإضافة إلى 46 بايتًا من البيانات و 4 بايتات لحقل CRC.
لماذا 512 بتًا؟ تتعلق الإجابة بسؤال آخر قد تطرحه عن شبكة إيثرنت: لماذا يقتصر طول هذه الشبكة على 2500 متر فقط؟ لماذا ليست 10 أو 1000 كم؟ تتعلق الإجابة عن هذين السؤالين بحقيقة أنه كلما تباعدت عقدتان، كلما ازداد الوقت الذي يستغرقه الإطار الذي ترسله إحداهما للوصول إلى الأخرى، وتكون الشبكة عرضة للتصادم خلال هذا الوقت.
يوضح الشكل السابق السيناريو الأسوأ، حيث يكون المضيفان A و B على طرفي الشبكة. افترض أن المضيف A يبدأ في إرسال إطار في الوقت t، كما هو موضح في القسم (أ) من الشكل السابق، حيث يستغرق الأمر وقت استجابة (latency) رابط واحد (يُشار إلى وقت الاستجابة d) حتى يصل الإطار إلى المضيف B، وبالتالي يصل البت الأول من إطار المضيف A إلى المضيف B في الوقت t + d كما هو موضح في القسم (ب) من الشكل السابق. افترض وجود لحظة قبل وصول إطار المضيف A (كأن يرى المضيف B أن الخط مازال خاملًا مثلًا)، فيبدأ المضيف B في إرسال إطاره الخاص. سيتصادم إطار المضيف B على الفور مع إطار المضيف A، وسيكتشف المضيف B هذا التصادم كما في القسم (ج) من الشكل السابق. سيرسل المضيف B سلسلة التشويش 32 بت (سيكون إطار B عبارة عن إطار ضعيف). لن يعرف المضيف A حدوث التصادم حتى يصل إطار المضيف B إليه لسوء الحظ، وسيحدث وقت استجابة رابط واحد لاحقًا في الوقت t + 2 × d، كما هو موضح في القسم (د) من الشكل السابق. يجب أن يستمر المضيف A في الإرسال حتى هذا الوقت لاكتشاف التصادم، أي يجب أن يرسل المضيف A لمدة 2 × d للتأكد من أنه يكتشف جميع التصادمات المحتملة، وبما أن طول إيثرنت المضبوط بحد أقصى هو 2500 متر، وأنه قد يكون هناك ما يصل إلى أربعة مكررات بين أي مضيفين، فقد حُدِّد تأخير الرحلة ذهابًا وإيابًا (round-trip) ليكون 51.2 ميكرو ثانية، والذي يتوافق مع 512 بت على شبكة إيثرنت 10 ميجابت في الثانية. الطريقة الأخرى للنظر إلى هذا الموقف هي أننا بحاجة إلى تقييد أقصى وقت استجابة لشبكة إيثرنت إلى قيمة صغيرة إلى حد ما، 51.2 ميكرو ثانية على سبيل المثال، حتى تعمل خوارزمية الوصول، ومن ثم يجب أن يكون الحد الأقصى لطول شبكة إيثرنت في حدود 2500 متر.
ينتظر المحول قدرًا معينًا من الوقت بمجرد أن يكتشف المحوّل تصادمًا ويوقف الإرسال ثم يحاول مرة أخرى، حيث يضاعف المحول مقدار الوقت الذي ينتظره قبل المحاولة مرة أخرى في كل مرة يحاول الإرسال ويفشل. تدعى هذه الإستراتيجية لمضاعفة فاصل التأخير الزمني بين كل محاولة لإعادة الإرسال باسم التراجع الأسي (exponential backoff)، أي يؤخر المحول أولًا إما 0 أو 51.2 ميكرو ثانية، حيث يُختار عشوائيًا، وإذا فشل ذلك، فإنه ينتظر عندئذٍ 0 أو 51.2 أو 102.4 أو 153.6 ميكرو ثانية (يُختار عشوائيًا) قبل المحاولة مرة أخرى، أي هو k × 51.2 من أجل k = 0..3، ثم ينتظر k × 51.2 من أجل k = 0.23 - 1 بعد الاصطدام الثالث، ويُختار مرة أخرى عشوائيًا. تختار الخوارزمية عشوائيًا k بين 0 و 2n - 1 وتنتظر k × 51.2 ميكرو ثانية، حيث n هو عدد التصادمات التي حدثت حتى الآن. يستسلم المحول بعد عدد معين من المحاولات ويبلّغ عن خطأٍ في الإرسال إلى المضيف. تعيد المحوّلات عادةً المحاولة حتى 16 مرة، على الرغم من أن خوارزمية التراجع تحدد n بالقيمة 10.
طول عمر شبكة إيثرنت (Longevity of Ethernet)
كانت شبكة إيثرنت هي تقنية الشبكات المحلية المهيمنة لأكثر من 30 عامًا، ولكن تُنشَر اليوم عادةً لشبكات من نقطة لنقطة بدلًا من توصيلها على كبلٍ ملتوٍ، وغالبًا ما تُشغَّل بسرعات 1 أو 10 جيجابت في الثانية بدلًا من 10 ميجابت في الثانية، وتسمح برزم ضخمة تصل إلى 9000 بايت من البيانات بدلًا من 1500 بايت، ولكنها تظل متوافقةً مع المعيار الأصلي. هذا يجعل الأمر يستحق قول بضع كلمات حول سبب نجاح الإيثرنت، حتى نتمكن من فهم الخصائص التي يجب أن نحاكيها أية تقنية تحاول استخدامها بدلًا من شبكة إيثرنت.
أولًا من السهل للغاية إدارة وصيانة شبكة إيثرنت: لا توجد جداول توجيه أو ضبط يجب تحديثها، ومن السهل إضافة مضيف جديد إلى الشبكة، فمن الصعب تخيل شبكة أبسط لإدارتها. ثانيًا إنها غير مكلفة: الكبل / الألياف رخيصة نسبيًا، والتكلفة الأخرى الوحيدة هي محوّل الشبكة على كل مضيف. أصبحت شبكة إيثرنت راسخة بعمق لهذه الأسباب، وإن أي نهج قائم على التبديل (switch) يطمح إلى استبدالها يتطلب استثمارًا إضافيًا في البنية التحتية كالمبدّلات (switches)، بالإضافة إلى تكلفة كل محوّل. نجحت الشبكات القائمة على التبديل المغايرة عن شبكة إيثرنت في النهاية في استبدال الإيثرنت متعدد الوصول، ولكن هذا استبدال أولي لأنه يمكن نشره بصورة تدريجية مع بعض المضيفين المتصلين عن طريق روابط من نقطة لنقطة بالمبدّلات، بينما بقي المضيفون الآخرون متصلين بالأسلاك الملتوية إلى المكررات أو الموزعات مع الحفاظ على بساطة إدارة الشبكة.
ترجمة -وبتصرّف- للقسم Multi-Access Networks من فصل Direct Links من كتاب Computer Networks: A Systems Approach
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.