اذهب إلى المحتوى

مقدِّمة

توجد دائمًا العديدُ من العوائق التي تقِف في طريقك أثناء الانتقال بين مختلف مراحل دورة التّطوير حتى الوصول إلى مرحلة الإنتاج. فإضافة إلى التّأكّد من سلامة عمل التّطبيق في بيئات مختلفة، فقد تُواجهك مشاكلَ مع تتبّع الاعتماديّات Dependencies، التوسّع Scaling، وتحديث كل واحد من العناصر المكوِّنة للتّطبيق دون أن يُؤثِّر ذلك على التطبيق ككلّ.

يُحاول Docker التغلّب على العديد من هذه المشاكل عن طريق الحاويّات Containers وأسلوب التّصميم خَدَميّ التّوجّه Service-oriented الّذي يعتمده. تُقسَّم التّطبيقات إلى عناصِر وظيفيّة، تُحَزَّم منفردةً مع كامل اعتماديّاتها، يُمكن إدارتُها ونشرُها بسهولة على مِعماريّات Architectures مُتباينة. تمنح هذه الطّريقة أيضًا سهولةً أكبر أثناء التّوسّع أو التّحديث.

نستعرِض في هذا المقال فوائدَ استخدام الحاويّات، وكيفَ يُساعد Docker في حلّ بعض المشاكل المذكورة أعلاه. Docker هو العنصر المركزي في النّشر المُوزَّع للحاويّات، حيثُ يوفِّر سهولةً في الإدارة وقابليةً للتّوسّع.

تاريخ مُختصَر لإعداد الحاويّات على Linux

تدعمُ بعض أنظمة التّشغيل الشّبيهة بيونيكس Unix-like OS تقنيّات إعداد الحاويّات منذُ أكثر من عقد من الزّمن، فمفهومَا الحاويّة Container والعزل Isolation ليسَا جديديْن في عالم الحواسيب. على سبيل المثال، أُضيفَت بيئة LXC، التّي شكّلت قاعدةً لتقنيات تاليّة في إعداد الحاويّات، إلى النّواة Kernel في العام 2008. مَزَجت LXC بين استخدام مجموعات التّحكم Control groups (تسمح بعزل وتتبّع استخدام موارد الجهاز، يُشار إليها بـ cgroups اختصارًا) الموجودة في النّواة وفضاءات الأسماء Namespaces (عزل المجموعات بحيثُ لا تشعُر كل مجموعة بوجود أخرى) لإجراء عمليّة عزل بسيطة.

قُدِّم Docker في ما بعد بوصفه طريقةً لتبسيط الأدوات المطلوبة لإنشاء وإدارة الحاويّات، فاستخدَم أوّلًا LXC كتعريف Driver للتّنفيذ، قبل أن ينتقل إلى استخدام مكتبة Library تُدعَى libcontainer أُعدَّت خصّيصًا لهذا الغرض. لم يُضِف Docker العديد من الأفكار غير الموجودة أصلًا، إلّا أنّه جعل إنجازَ هذه الأفكار متاحًا لشريحة أكبر من المُطوِّرين ومديري الأنظمة عن طريق تبسيط العمليّة وتوحيدها عبر نفس الواجهة وهوّ ما أدّى إلى تحفيز الاهتمام بإعداد الحاويّات على Linux بين المطوِّرين.

تجدُر الإشارة إلى أنّه رغم تركيزنا هنا على حاويّات Docker التّي أوصلتْها شعبيّتُها المتناميّة إلى مرتبة المعيار Standard، إلّا أنّ بعضَ ما سنذكُره ينطبِق على الحاويّات بشكل عامّ.

ما الّذي تُضيفه الحاويّات؟

تأتي الحاويّات بالعديد من الفوائد الّتي تجذِب إليها كلًّا من المطوِّرين، مديري الأنظِمة، وفِرق العمليّات. في ما يلي بعضٌ من هذه الفوائد.

1- عزل نظام التّشغيل المُستضيف عن التّطبيق الموجود في الحاويّة

تهدِف الحاويّات إلى أن تكون معياريّةً بالكامل؛ يعني هذا أنّ الحاويّة تتّصل بالمستضيف وبكل ما يوجد خارج الحاويّة عن طريق واجهات مُعرَّفة. يجب ألّا ينشغل تطبيقٌ يعمل عبر حاويّة بمعرفة تفاصيل موارد المُستضيف أو معماريّته. يُسهِّل هذا الأمر من افتراضات المطوِّر عن بيئة عمل التّطبيق. بالمثل، يتعامل المُستضيف مع كلّ حاويّة على أنّها صندوق أسود؛ فلا يهتمّ بتفاصيل التّطبيق الموجود بداخلها.

2- سهولة التّوسّع

وهوّ أحد فوائد عزل المُستضيف عن التّطبيق. يُصبِح التوسّع سهلًا للغاية عند استخدام أسلوب تصميم جيّد أثناء تطوير التّطبيق. يُشكّل التّصميم خدميّ-التّوجّه (سنناقشه لاحقًا) عند دمجه بإعداد الحاويّات؛ اللّبنة الأساسيّة لسهولة التّوسّع . يُمكن -مثلًا - لنظام مُكوَّن من عدّة حاويّات أنشأه مطوّر على حاسوبه الشّخصي أن يتوسَّع أفقيًّا ضمن منطقة الإدراج Staging أو الاختبار Testing، وعند نقل الحاويّات إلى بيئة الإنتاج يستمرّ في التّوسّع مجدّدًا.

ملحوظة: المقصود بالتّوسّع الأفقي Horizontal scaling هو استعمال عدّة خواديم وتشغليها بحيث تظهر وكأنّها خادوم واحد، أما التّوسّع العمودي Vertical scaling فيُقصَد به إضافة موارد جديدة لنفس الجهاز (زيادة حجم ذاكرة الوصول العشوائي RAM على سبيل المثال). لا يحتاج التّوسّع الأفقي في الغالب لإعادة تشغيل الجهاز أو الخادوم.

3- إدارة سهلة لاعتماديّات وإصدارات التّطبيق

تُمكِّن الحاويّات المُبرمجين من تجميع تطبيق - أو عنصُر منه - مع كامل اعتماديّاته والتّعامل معه كوحدة مستقلّة. لا يهتمّ النّظام المُستضيف بالاعتماديّات الخاصّة بتطبيق معيَّن، فكل المطلوب منه هوّ أن تكون لديه القدرة على تشغيل حاويّات Docker. تجعل هذه الطّريقة من إدارة الاعتماديّات أمرًا سهلًا؛ كما أنّها تُسهّل من إدارة إصدارات البرنامج Versions، فالأنظمة المُستضيفة وفرق العمليّات ليست مسؤولة عن إدارة الاعتماديّات المطلوبة من طرف التّطبيق، فكل ما يحتاجه التّطبيق - إذا استثنينا علاقته بالحاويّات الأخرى - موجود داخل الحاويّة.

4- بيئات تنفيذ Execution معزولة وخفيفة جدَّا

على الرّغم من أن الحاويّات لا توفّر نفس المستوى من العزل الّذي توفّره الحوسبة التّخيّلية Virtualization إلّا أنّها تفضُلُها من ناحية خفّة بيئة التّنفيذ. تُعزَل الحاويّات على مستوى العمليّات Process Level وتشترك في نواة المُستضيف. يعني هذا أنّ الحاويّة لا تتضّمّن نظامَ تشغيل كاملًا وهو ما يؤدّي إلى بدْء تشغيل يكاد يكون لحظيًا.

يُمكن للمطوّرين تشغيل مئات الحاويّات على حواسيبهم الشّخصيّة دون أيّة مشاكل.

5- طبقات مُشتركة Shared layering

جانب آخر تتجلّى فيه خفة الحاويّات هو تقاسمُها لنفس الطّبقات الأساسيّة. يعني اشتراكُ عدّة حاويّات في نفس الطّبقة، الحدَّ من الاستنساخ/التّضاعف Duplication؛ أي استخدامًا أقلّ لمساحة القرص الصّلب والموارِد بشكل عامّ عند إنشاء حاويّات جديدة.

6- قابليّة التّجميع والتّنبّؤ Composability and Predictability

تُعرِّف ملفّات Docker بالضّبط الإجراءاتِ المطلوبةَ لإنشاء صورة جديدة من حاويّة، وهو ما يُمكِّن من كتابة بيئة التّنفيذ كما لو كنتَ تكتب أسطُرًا برمجية وحفظها عن طريق نظام لإدارة الإصدارات Version Control System (أو VSC اختصارًا) إذا رغبتَ في ذلك. يُنتِج نفس ملف Docker عند إنشائه في نفس البيئة، يُنتِج دائمًا صورةً لنفس الحاويّة.

استخدام ملفّات Dockerfiles لعمليّات البناء المُتكرّرة المُتماثِلة

يُمكن بناء صوّر Images من حاويّات Docker بطريقة تفاعليّة ولكن من الأفضل غالبًا وضع خطوات الإعداد بعد الانتهاء من تحديدها في ملف Dockerfiles. ملفّات Dockerfiles هيّ ملفّات بناء بسيطة تُعرِّف آليةَ بناء حاويّة انطلاقًا من نقطة بدْء معروفة. استخدام هذه الملفّات بسيطٌ جدًّا ولديها العديد من الفوائد، نذكر منها:

  • سهولة إدارة الإصدارات: يُمكِن حفظ ملفّات Dockerfiles ضمن برنامج لإدارة الإصدارات لتتبّع التّغييرات والتّراجع عن أي أخطاء عند اكتشافها.

  • قابليّة التّنبّؤ: بناء الحاويّات انطلاقًا من ملفات Dockerfiles يُساعِد في التّقليل من الأخطاء البشريّة أثناء عمليّة إنشاء الحاويّات.

  • قابليّة المُحاسبة Accountability: من الجيّد عند التّخطيط لمشاركة صوّر الحاويّات، توفيرُ ملف Dockerfile المُستخدَم لإنشاء الحاويّة لاستخدامه كوسيلة للتّدقيق في عمليّة البناء، حيثُ يُمكن النّظر إليه باعتباره سجِلًّا للأوامر التي نُفِّذَت لإنشاء الحاويّة.

  • المرونة Flexibility: يسمح إنشاءُ حاويّات انطلاقًا من ملفّات Dockerfiles بتجاوز الخيّارات الافتراضيّة المُعطاة في عمليّات البناء التّفاعليّة. يعني هذا أنّك عند استخدام Dockerfiles لن تحتاج لتغيير كل الإعدادت الافتراضيّة الّتي لا تُناسِب احتيّاجاتِك.

من هذا المُنطَلَق فإن ملفّات Dockerfiles أداة رائعة لأتمتة Automate إنشاء الحاويّات والتّأسيس للعمليّات المتكرّرة.

بُنية التّطبيقات الّتي تعمل عبر الحاويّات

بُنية التّطبيق هيّ أحد أهم المشاغِل الّتي يجب أخذها بالاعتبار عند تصميم تطبيقات مُعدّة للنّشر عبر حاويّات.عمومًا، تعمل الّطبيقات المنشورة عبر حاويّات بشكل أفضل عند تنفيذ تصميم خَدَمي التّوجّه.

تُقسِّم التّطبيقات الّتي تتبع تصميمًا خَدَمي التّوجّه وظيفتَها بين عدّة عناصر متمايِزة تتواصَل في ما بينها عبر واجهات مُعرَّفة جيّدًا. تُشجّع تقنيّة الحاويّات بذاتها هذا النّوع من التّصميم إذ أنّه يسمح لكلّ عنصُر بالتّوسّع والتّرقية بشكل منفصل عن بقيّة العناصِر.

يجب أن تتوفّر الخصائص التّاليّة في التّطبيقات الّتي تتبع طريقة التّصميم خَدَمي التّوجّه:

  • لا تعتمد على أي وظيفة خاصّة بنظام تشغيل مُستضيف مُحدّد.

  • يُوفّر كل عنصُر واجهة تطبيقات برمجيّة API مُتجانِسة يُمكن للزّبائن عبرها الاتّصال بالخدمة.

  • يجب أن تأخذ الخدمةُ متغيّراتِ البيئة Environmental variables الّتي تعمل بها أثناء الإعداد الابتدائي.

  • يجب أن تُحفَظ بيانات التّطبيق خارج الحاويّة في تجزئات مُرَكَّبة Mounted volumes على النّظام أو في حاويّات خاصّة بالبيانات.

تُمكِّن هذه الإستراتيجيّات من استبدال أي عنصُر أو تحديثه بشكلٍ مستقل شرطَ الحفاظ على واجهته البرمجيّة، كما أنّها تُساعد في التّركيز على التّوسّع الأفقي حيثُ يُوَّسَّع العنصُر الذي يُعرقل أداء التّطبيق (نقطة ضعف).يُمكن لكل عنصر تعريفُ قيّم افتراضيّة يُمكن الإقلاع باستخدامها في فترة معقولة، بدلًا من برمجة قيّم خاصّة مباشرَةً في التّطبيق. يُمكن للعنصُر استخدامُ هذه القيّم في الحالات الطّارئة مع تفضيل قيّم يُمكن الحصول عليها عن طريق بيئة العمل. يُتَحصَّل على قيّم من بيئة العمل عادةً عن طريق أدوات مُساعدة على استكشاف الخدمة، يستطيع العُنصر إرسال استعلامات إليها أثناء بدْء التّشغيل.

يُسهِّل إخراج بيانات الإعداد من الحاويّة ووضعُها في بيئة العمل من إجراء تعديلات على سلوك التّطبيق دون الحاجة لإعادة بناء الحاويّة، إضافةً إلى إمكانيّة التّأثير على نماذج عدّة من نفس العُنصُر عن طريق إعداد واحد.

على العموم فإنّ أسلوب التّصميم خَدَمي التّوجّه يندمج جيّدًا مع إستراتيجيّات الإعداد عن طريق بيئة العمل، فكلّ منهما يسمح بعمليّات نشر مرنة وتوسّع أكثر مباشرة.

استخدام سجلّ Docker Registry لإدارة الحاويّات

تحدّثنا عن الخطوة الأولى المُتمثِّلة في تقسيم التّطبيق إلى عناصر وظيفية مُعدَّة للتّواصل بشكل صحيح مع بقيّة الحاويات وقيّم الإعداد الموجودة في بيئة العمل. نأتي الآن للخطوة الثّانية وهي جعل صوّر الحاويّات مُتاحة عبر سجل. رفع صوّر الحاويّات إلى سجل يُعطي مستضيفات Docker إمكانيّة تنزيل هذه الصوّر بمجرَّد معرفة أسمائها ثم إنشاء حاويّات مُماثلة لها بعد ذلك (نظائر Instances).

توجد العديد من سجلّات Docker متوفّرة لهذا الغرض؛ بعضُها عمومي يُمكن للجميع عرض واستخدام الصّوّر الموجودة فيها، والآخر خاص. يُمكن أيضًا إضافة وسوم Tags لتسهيل الوصول إلى وتحديث الحاويّات.

خاتمة

يضع Docker القواعدَ الأساسيّة اللّازمة للنّشر الموزَّع للحاويّات. يجعل عزل عناصر التّطبيق في حاويّات خاصّة بها من التّوسّع الأفقي عمليّةً سهلة تقتصِر على إطلاق نظائر جديدة لنفس العُنصُر أو إيقاف أخرى. يُوفِّر Docker الأدوات المطلوبة ليس فقط لبناء حاويّات بل أيضًا لإدارتها وتشاركها مع مستخدمين أو مُستضيفين جُدُد.

في المقال التّالي من هذه السّلسلة سنتطرّق للكيفيّة الّتي تُساهِم بها استكشاف الخدمة ومخازن الإعداد المُوزَّعة عمومًا في نشر الحاويّات عبر عنقود من المُستضيفات.

 

ترجمة -وبتصرّف- للمقال The Docker Ecosystem: An Overview of Containerization

تم التعديل في بواسطة محمد أحمد العيل


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...