في عام 1993، جلب أبي إلى البيت هاتفًا محمولًا كبيرًا على شكل حجر من الطوب، كنا جميعًا متحمسين جدًا لهذه التكنولوجيا الجديدة، ولم يخطر ببال أحد منا أنه سيكون لها تأثيرٌ ضخم على حياتنا. إنني في الواقع لا زلت أعتبره أداة سحرية، وقد قام بعض أصدقائي بشرائه بعد عدة سنوات.
أما اليوم، فهناك ستة مليارات مؤيد للهواتف المحمولة حول العالم؛ مما يعني أنه إذا امتلك كل واحد منهم هاتفًا، فسيمتلك 87% من سكان العالم هواتفًا محمولة، وهذا عدد ضخم جدًا مقارنة بأن هناك أقل من ثلاثة مليارات شخص فقط يمتلكون حواسيبًا مكتبية.
من الواضح جدًا أن الهواتف النقالة سوف يستمر بقاؤها لفترة طويلة؛ وتبقى معها أيضًا مجموعة من القيود (والفرص) الجديدة للمصممين؛ لذا دعونا نلقي نظرة عن كيف يمكننا تطوير نهجنا في التعامل.
كيف تختلف الهواتف عن غيرها؟
إن أول شيء علينا فهمه حول تصاميم الهواتف هو أنها مختلفة، ليس فقط بشأن الحجم؛ فبِنْية ومواصفات الجهاز المحمول تعطينا تصاميمَ مختلفة القدرات والمتطلبات. ونحن نجد أن الهواتف المحمولة أنسب في الاستخدام لكونها خفيفة وسهلة الحمل والتنقل، ومع استخدامها المنتظم تتكون لدينا معها رابطة عاطفية مميزة.
البنية والمواصفات
تمتلك معظم الهواتف المحمولة شاشات لمسية، حيث يتفاعل معها المستخدمون معتمدين على الإيماءات، بالإضافة إلى واجهة ذات عناصر بسيطة. ونظرًا لصغر أبعاد هذه الأجهزة، نتوقع أيضًا أن تكون بنية المحتوى بسيطة وصغيرة. أيضًا لمحدودية عرض النطاق الترددي والاتصال (bandwidth and connectivity) لهذا الأجهزة، فإنها تتطلب تصميمًا يجمع بين المثالية في وقت التحميل، والانخفاض في استهلاك بيانات الهاتف.
كيف، أين ومتى
نميل لاستخدام هواتفنا المحمولة في كثير من الأحيان؛ ولذلك لأن لدينا وصولًا مستمرًا إليها، فهي معنا في وسائل المواصلات، وحين نتمشى في الشارع، أو حين نشاهد التلفاز، بل نحن غالبًا ما نستخدمها بينما نقوم بعمل آخر، وهذا يعنى أن بعضنا ربما يستخدم جهازه تحت ظروف عرض صعبة، أو بين العديد من المشتتات.
كيف نتصرف ونشعر
لدينا طرقًا وسلوكيات وأولويات مختلفة في استخدامنا للهواتف المحمولة؛ ففي جزء من دراسة Going Mobile 2012، وجدت وكالة User Experience Design agency Foolproof أن الهواتف أعطتنا شعورًا جديدًا من الحرية والتحكم؛ لذا يشعر بعض المستخدمين بمودة حقيقية بينهم وبين هواتفهم! فقد وجدت وكالة Foolproof أن 63% من الناس يفتقدون هواتفهم إذا لم يستطيعوا الوصول إليها بسهولة، ووصفوا هواتفهم بأنها (على قيد الحياة)، وأنها جزء من أجسامهم وشخصياتهم.
ولأن الهواتف المحمولة قد غيرت توقعات المستخدم جذريًا، فمن المهم جدًا لنا- نحن المصممين- أن نتبع عملية التصميم التي تركز على المستخدم للوصول إلى حلول، فالمشكلة الوحيدة هي أن أفضل ممارساتنا التقليدية قد لا تفلح دائمًا.
كيف تؤثر الهواتف على المصممين
إن اختلافات الهواتف المحمولة تؤثر بشكل مباشر على جميع أجزاء عملية التصميم التي تركز على المستخدم، بداية من أبحاث المستخدم وحتى التطوير النهائي واختبار الحلول، وأكبر الأجزاء المؤثرة في العملية هي: طرق التقديم والعرض، وهندسة المعلومات.
طرق التقديم والعرض
على عكس مواقع الإنترنت التقليدية، هناك أربع طرق شائعة لتقديم محتوى الهواتف المحمولة: بالنسبة للمستخدمين الذين يفضلون عرض المحتوى على المتصفح، فتناسبهم المواقع المخصصة للهواتف (mobile-specific site)؛ أو المواقع المتجاوبة (responsive site) التي تعيد ترتيب واجهتها بحيث تتناسب مع أبعاد الهاتف. أما بالنسبة للذين يفضلون تحميل التطبيقات على هواتفهم المحمولة، فيناسبهم إما تحميل التطبيقات المخصصة (native app)؛ أو التطبيقات الهجينة (hybird app). التطبيقات المخصصة مستقلة بذاتها؛ فكل صفحة من صفحات التطبيق محددة في تصميمها من الألف إلى الياء. أما التطبيقات الهجينة ففيها بعض المرونة؛ إذ أنها تستطيع عرض المحتوى من الإنترنت كالمتصفحات، مع الاحتفاظ بواجهة مستخدم شبيهة بواجهة التطبيقات.
إن كل طريقة من طرق تقديم المحتوى لديها إيجابيات وسلبيات. اختر ما تراه مناسبًا لك بِناءً على متطلبات تصميم المشروع. (في الجدول التالي مقارنة بين الطرق الأربعة المذكورة أعلاه، وكلما زادت عدد النجوم كلما كان أفضل).
المأخوذ في الاعتبار | المواقع المخصصة للهواتف | المواقع المتجاوبة | التطبيقات المخصصة | التطبيقات الهجينة | ملاحظات |
مصممة خصيصًا لأولويات المستخدم | ★★★ | ★★ | ★★★ | ★★★ | يمكن للمواقع المخصصة أن تزيد من تقييم استجابة التصميم إلى ثلاث نجوم |
تقديم المحتوى | ★★ | ★★★ | ★★ | ★★★ | من السهل فهرسة المواقع المتجاوبة (والتطبيقات الهجينة) في محركات البحث |
الوظائف | ★★ | ★★ | ★★★ | ★★★ | تُوفر التطبيقات المخصصة إمكانية الدخول إلى مميزات الجهاز (مثل نظام تحديد المواقع، والكاميرا) مما يسمح بتجربة أكثر فاعلية وجاذبية |
التوافق | ★★ | ★★★ | ★ | ★ | من السهل عرض التصميم المتجاوب على أي شاشة؛ أما المواقع والتطبيقات المخصصة فهي معتمدة بالأساس على الجهاز الذي صُممت من أجله |
تكاليف التطوير | ★★ | ★★★ | ★ | ★★ | بالاعتماد على كونك تطور موقعًا كاملًا من الصفر، فإن التصميم المتجاوب يحتاج بناؤه لمزيد من الوقت، لكن ليس بقدر التصميم التقليدي المخصص |
تكاليف الصيانة | ★★ | ★★★ | ★ | ★★ | في التطبيقات المخصصة، تلزمك صيانة كل تطبيق منها على حدة؛ بينما في التصميم المتجاوب فلا يلزمك إلا صيانة الموقع المحتاج لذلك، وستُعمم النتائج |
هندسة معلومات الهواتف المحمولة
تمتلك الهواتف المحمولة مجموعتها الخاصة من أنماط هندسة المعلومات أيضًا؛ وبينما تُبنى المواقع المتجاوبة باتباع أنماط معيارية؛ توظِّف التطبيقات المخصصة- على سبيل المثال- هياكل متنقلة مستندة على علامات التبويب.
ليست هناك طريقة (صحيحة) لهندسة مواقع أو تطبيقات الهواتف المحمولة؛ بدلًا من ذلك، دعونا نلقي نظرة على بعض الأنماط الشائعة: نمط التسلسل الهرمي (Hierarchy)، المحور والعجلة (Hun & Spoke)، الدمية المنزلية (Nested doll)، العرض المُبوّب (Tabbed view)، صندوق بينتو (Bento box)، والعرض المُصفّى (Filtered view):
التسلسل الهرمي (Hierarchy)
يعد نمط التسلسل الهرمي بناءً معياريًا للموقع، مع صفحة فهرس ومجموعة من الصفحات الفرعية. إذا كنت تصمم موقعًا متجاوبًا فربما ستُضطر لاتباع هذه النمط؛ بينما إدخال أنماط أخرى سوف يسمح لك بتفصيل التجربة على الهاتف المحمول.
إن مبادرة Luke Wroblewski في كتابه Mobile First تساعدنا في التركيز على الأمور المهمة أولًا: المميزات، ورحلات المستخدم (user journeys)؛ حيث ستساعدنا تلك الأمور على إيجاد نماذج أفضل لتجارب المستخدم.
الإيجابيات: يستطيع التسلسل الهرمي ترتيب هيكل مواقع معقدة، مثل تلك التي تحتاج إلى اتباع هياكل مواقع سطح المكتب.
السلبيات: يمكن أن تمثل هياكل التنقل متعددة الأوجه (Multi-faceted navigation structures) مشكلة لمن يستخدمون الشاشات الصغيرة.
المركز هو المحور (Hub)، والفرعيات هي العجلة (Spoke)
المحور والعجلة (Hub & Spoke)
يعطيك نمط المحور والعجلة فهرسًا في المركز يمكنك التنقل من خلاله إلى المحتويات، وهذا هو النمط الافتراضي في أجهزة Apple’s iPhone. لا يستطيع المستخدمون التنقل بين العجلات، بل عليهم العودة إلى المحور؛ هذا النمط مستخدم منذ فترة طويلة في سطح المكتب حيث يتم وضع قيود على سير العمل (غالبًا ما تقود قيودًا تِقَنية، مثل الموجودة في نموذج لعملية شراء)؛ ومع ذلك، فبمرور الوقت يصبح هذا النمط أكثر انتشارًا على الهاتف المحمول؛ لأن المستخدم صار يركز على مهمة واحدة، كما أن عامل تكوين الجهاز يجعل التنقل الشامل أصعب في الاستخدام.
الإيجابيات: وجود أدوات متعددة الوظائف، لكل منها مهمة وتنقل داخلي مستقل.
السلبيات: غير مناسب لمن يفضل القيام بمهام متعددة.
الدمية المنزلية (nested doll)
إن نمط الدمية المنزلية يقود المستخدم في شكل خَطيّ إلى محتوى فيه المزيد من التفاصيل. هذه طريقة سهلة وسريعة للتنقل حين يكون المستخدم في ظروف صعبة، كما أنها تعطي المستخدم شعورًا قويًا حول مكانهم في هيكل المحتوى؛ بفضل إمكانية التحرك للأمام ثم الرجوع للخلف.
الإيجابيات: يمكن لهذا النمط أن يُستخدم كقسم فرعيّ داخل نمط من الأنماط الأساسية، مثل نمط الهرم التسلسلي أو نمط المحور والعجلة؛ وذلك في المواقع أو التطبيقات ذات الموضوعات الأحادية أو وثيقة الصلة ببعضها.
السلبيات: لن يستطيع المستخدمون التنقل سريعًا بين الأقسام، لذا من الجيد النظر فيما إذا كان هذا سيكون مناسبًا، أم عائقًا أمام استكشاف المحتوى.
العرض المُبوّب (Tabbed view)
هذا النمط سيكون مألوفًا لمن يستخدم التطبيقات بانتظام؛ إنه عبارة عن أقسام فرعية مرتبطة ببعضها عبر قائمة شريط الأدوات، وهذا يسمح للمستخدم أن يفصح ويفهم سريعًا وظيفة التطبيق كاملة من أول مرة يفتحه فيها.
الإيجابيات: مناسب للتطبيقات المتفقة الموضوع والمعتمدة على الأدوات، ولديه القدرة على القيام بمهام متعددة.
السلبيات: التعقيد؛ فهذا النمط مناسب جدًا للمحتويات ذات البنية البسيطة.
مربع بينتو (Bento box)
إن نمط مربع بينتو أو لوحة القيادة يجلب المزيد من المحتوى التفصيلي مباشرة إلى شاشة الفهرس باستخدام مكونات لعرض أجزاء من الأدوات المترابطة أو المحتوى. هذا النمط يناسب الجهاز اللوحي (Tablet) أكثر من الهاتف المحمول لكونه- أي النمط- أكثر تعقيدًا. أنه مميز حقًّا؛ إذ يتيح للمستخدم أن يفهم المفاتيح الأساسية في لمحة واحدة، لكنه يعتمد بشكل كبير على امتلاك واجهة ذات تصميم جيد مع معلومات مقدمة بشكل واضح.
الإيجابيات: مناسب للأدوات متعددة الوظائف، وللمحتوى المعتمد على تطبيقات الشاشات اللوحية والتي لها مواضيع مماثلة.
السلبيات: إن شاشة الجهاز اللوحي تعطيك مساحة أكبر لاستخدام هذا النمط جيدًا؛ ومع ذلك، فمن المهم فهم كيف سيتفاعل المستخدم مع وبين كل جزئية من المحتويات؛ وذلك للتأكد من كون هذا التطبيق سهلًا، فعالًا وممتعًا للاستخدام.
العرض المُصَفّى (Filtered view)
وأخيرًا، يسمح نمط العرض المُصفى للمستخدم بالتنقل ضمن مجموعة من البيانات عبر تحديد خيارات التصفية لإنشاء طريقة عرض بديلة للمحتوى؛ فالتصفية (Filtering) وطرق البحث متعددة الأوجه (faceted search methods)، تعتبر خيارات ممتازة تسمح للمستخدم باستكشاف المحتوى بالطريقة التي تناسبه.
الإيجابيات: مناسب للتطبيقات والمواقع ذات الكميات والمحتويات الكبيرة، مثل: المقالات، الصور وأشرطة الفيديو. يمكن أن يكون أساسًا جيدًا لتطبيق لموقع أو مجلة، أو كنمط فرعيّ ضمن نمط تنقليّ آخر.
السلبيات: يمكن أن يكون من الصعب عرض نظام التصفية وطرق البحث متعددة الأوجه على شاشة صغيرة نظرًا لكون هذه الأنماط معقدة.
الخطوات القادمة
لقد مر تقريبًا عقدين من الزمن منذ رأيت هذا الهاتف الحجريّ الكبير أول مرة، وحوالي عشرين سنة منذ اشتريت أول هاتف محمول لي، والآن نمتلك أنا وأبي وتقريبًا كل من أعرف هواتف محمولة؛ حيث نستخدمها أكثر الوقت في التفاعل والتواصل وإدارة حياتنا. في كل عام تقفز التكنولوجيا قفزة جديدة، ومن الواضح أن علينا أن نواكبها جنبًا إلى جنبٍ.
إن تطوير هندسة معلومات صديقة للهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية، هي الخطوة الأولى في تقديم تجربة رائعة للهواتف. في الجزء الثاني: متطلبات التصميم، سوف أشرح كيف أن الاختلافات في سياق الهاتف المحمول سوف يؤثر على كيفية تطوير حل التصميم النهائي الخاص بك.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال Designing for Mobile, Part 1: Information Architecture لصاحبته Elaine McVicar
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.