اذهب إلى المحتوى

تحدثت سابقًا عن ثلاثة سيناريوهات مختلفة لمستقبل الشبكة المفتوحة Open Web، وقد ركّزتُ على القوة الكبيرة التي يتحكم فيها الموزعون الرقميون للمحتوى (Google، فيس بوك، إلخ) في الإنترنت بما أن الناس تعثر على المحتوى من خلالهم عن طريقهم أساسًا.

يخبرنا التاريخ أنه حين يكون لدينا عدد صغير من الموزّعين بين المنتجين والمستهلكين في صناعة ما فإننا نوشك أن نشهد تغيرات جذرية في تلك الصناعة، فقد وقعت حادثة مشابهة في مجال الصناعات الغذائية، حين غيّر الموزّعون (المجمّعات التجارية Super Markets) توازن القوى في تلك الصناعة ومقدار التحكم الذي كان في يد المنتجين (المزارعين)، ونستطيع أن نستخرج بعض الدروس مما حدث في مجال الصناعات الغذائية لنسقطها على عالم الإنترنت.

الدروس التاريخية من الصناعات الغذائية

حين أدرك منتجو الأغذية وآحاد المزارعين أن البيع المباشر للمستهلكين لن يحقق لهم مكاسب ضخمة، بدأت اﻷكشاك ونقاط البيع الصغيرة تبيع منتجات المزارعين بكميات تفوق منتجاتها الخاصّة، وتحولت تلك النقاط في القرن الرابع عشر الميلادي إلى متاجر عامة.

انتهجت المجمّعات التجاريةتلك السياسة في البيع بالتجزئة في القرن الثامن عشر، وانتفع المستهلكون من وجود هذه المجمّعات بسبب أنها جعلتهم يشترون كل أطعمتهم وحاجاتهم المنزلية من مكان واحد، لكن من الناحية الأخرى، فقد نقص عدد المزارعين الذين يبيعون مباشرة للمستهلك.
بما أن عدد المجمّعات التجارية التي تقف بين آﻻف منتجي الأغذية من ناحية، وبين ملايين المستهلكين من ناحية أخرى قليل نسبيًا، فقد وضعت تلك المجمّعات يدها على مصادر قوة هائلة، فالقائمون عليها يتحكمون في كيفية عرض المنتجات، وأيها يحصل على مكان بارز على الأرفف. وقد اتُّهِمَت تلك المجمّعات بأنها تضغط على المزارعين في الأسعار، مجبرة إياهم على إغلاق تجاراتهم، كما أن تلك المجمّعات تستطيع بيع المنتجات بأسعار أقل من المحالّ الصغيرة، مما يؤدي بالنهاية إلى إغلاق تلك المحال.
بإسقاط الأمر على الإنترنت، فإن المجمّعات التجارية هي المقابلة للموزّعين الرقميين: Google، فيس بوك، …؛ وصانعي المحتوى هم المزارعون. وبالمثل في حالة المستهلكين من عملاء المجمّعات التجارية، فإن مستخدمي الوِب يتهافتون على الموزّعين الرقميين بسبب المزايا التي لديهم.
يوضّح المخطَّط في الصورة أدناه قوة المجمّعات التجارية / الموزّعين الرقميين: حفنة مجمّعات / موزّعين تقف بين آﻻف المزارعين / الناشرين، وبين ملايين المستهلكين.

01_farmers-supermarkets.jpg

التحكم في تجربة الاستخدام

يصرف العاملون في تصميم وتطوير الوِب وقتًا طويلًا ﻹنشاء تجارب استخدام جذّابة في مواقعهم، ولعلّ إحدى تلك التجارب الناجحة التي أفضِّلها هي قصص أولمبيات سوتشي التفاعلية (دورة ألعاب شتوية أقيمت في سوتشي، روسيا) التي أنشأتها جريدة The New York Times، لكن ذلك النوع من تجارب الاستخدام قد ضاع في الزمن الذي صار كل شيء فيه متشابهًا بسبب الموزّعين الرقميين.

يحتاج الناشرون اليوم إلى طرق تميّز محتواهم في تلك المنصّات المختلفة، سواء كانت Google أو فيس بوك أو تويتر أو Flipboard (موقع تجميع أخبار) أو غيرها، تمامًا كما احتاج موزّعو الأغذية من قبل إلى تمييز منتجاتهم على أرفف المجمعات التجارية عبر التغليف المميز لها.
ورغم أن معايير مثل RSS وAtom قد امتدت لتحتوي مزايا أكثر، مثل Flipboard feeds؛ إﻻ أن الطريق ﻻ يزال طويلًا لدعم التجارب الغنية والتفاعلية داخل منصّات الموزّعين الرقميين، وعلينا نحن أن نطوّر ونطبّق معايير أغنى لنقل هويّاتنا التجارية من المنتِج إلى منصّة التوزيع والنشر الرقمي. إنني أتوقع أن صيغة أخبار أبل (Apple News Format) الجديدة ستأتي بمزايا متقدمة تجبر منصّات مثل Flipboard على اتّباع خطاها.

التحكم في المنافسة/الوصول

يستخدم أكثر من نصف مليار شخص منصة WeChat في الصين (منصة تواصل ودفع إلكتروني وخدمات أخرى)، وقد حجبت تلك المنصة مؤخرًا استخدام خدمة أوبر Uber من خلالها، وجاء ذلك الحجب بعد فترة قصيرة من استثمار شركة TenCent - الشركة اﻷم لمنصة WeChat - في شركة Didi Kuaidi، وهي الشركة المحلّية المنافسة ﻷوبر.

إن هذا مثال على الصورة التي يمكن للموزّعين أن يستخدموا قدراتهم في تفضيل شركاتهم على شركات المنافسين في الحصة الدعائية، وهذا ظلم ﻻ شك، وقد أدركت المجمَّعات التجارية أن إخراج الشركات المنافسة المستقلة من المعادلة أسهل وأكثر إدرارًا للربح من تدشين علامات تجارية منافسة.

التحكم في المعالجة

إن إحدى أهم نقاط القوة التي يتمتّه بها الموزّعون الرقميون هي التلاعب بمعالجة الخوارزميات، فذلك النوع من التحكم يضر المجتمع كله، وليس منتجي المحتوى وحدهم، فقد وجدت دراسة مؤخرًا أن آثار التلاعب في محركات البحث قد تهدد مسار الديمقراطية أحيانًا، بل في الواقع، فإن ترتيب Google لنتائج البحث كان أحد العوامل التي أثّرت على اختيار المرشحين في انتخابات الهند 2014، وهي إحدى أكبر الانتخابات في العالم.
يقول صاحب تلك الدراسة إن “نتائج البحث قد تدعم احتمالية تفضيل الناس ﻷي مرشح بنسبة تزيد عن 20%، وتصل إلى أكثر من 60% في بعض المجموعات الديموغرافية“، هذا يعني أن Google قد تقرر مصير الانتخابات الرئاسية اﻷمريكية عبر التلاعب في نتائج البحث، بما أنها تبقي أمر معالجة خوارزمياتها سرًا، فلا نستطيع أن نجزم إن كنا نشهد تلاعبًا في النتائج أم لا.

التحكم في الأسعار

أخيرًا، فإن آخر مخاوفي هو التحكم في الأسعار، فإن الموزّعين الرقميين لديهم قدرة التحكم فيها تمامًا كما لدى القائمين على المجمعات التجارية، فيجب أن يحافظ ناشرو الوِب المستقلون على معايير جودتهم العالية من أجل ضمان طلب المستهلكين لها، ثم تكون هناك بعض الأفضلية في التفاوض مع منصّات النشر الرقمي حول النموذج الربحي.
فمثلًا، قد تُقَدِّم جريدة The New York Times عرضًا حصريًا في مقالات فيس بوك الفورية “Instant Articles” أو Flipboard. كما أنني مهتم أيضً برؤية نتائج حجب Apple للمحتوى في iOS9، فأنا أعتقد أن حجب المحتوى سيزيد من سيطرة الموزعين على التسويق وحصص اﻷرباح في نفس الوقت الذي تتناقص فيه فرصة الناشرين على تسويق مواقعهم.

ترجمة – بتصرف - للمقال Digital Distributors: The Supermarkets of the Web لصاحبه Dries Buytaert (المؤسّس والمطوّر الرئيس لـ Drupal).

حقوق  الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...