اذهب إلى المحتوى

يشكّل التسويق محور عمل الشركات على اختلاف أحجامها، فهو الأساس الذي يُبنى عليه نجاح كافّة المشاريع والأعمال على كافة الصعائد، فالكثيرون ينظرون لمفهوم التسويق على أنه فتيل الأعمال الذي لا تتّقد ولا تنجح هذه الأعمال دونه، وفي هذا السياق سنقدّم في سلسلة مقالاتنا الفريدة هذه مقدّمة مفصّلة منقّحة عن مفاهيم التسويق وأسسه ومبادئه المُعاصرة- أطلقنا عليها "مدخل إلى التسويق"، لتكون ذُخرًا قيّمًا ثمينًا في رحلتك لإدارة مجال التسويق في مؤسستك بفعاليّة.

وسنستهلّ سلسلتنا في بابها الأول بجُملة من المقالات التي سنخوض فيها عن أهميّة التسويق في نجاح الشركات، وسنستعرض فيها أنواع التسويق المتعدّدة، ونسلّط الضوء على آلية عمل أساليب التسويق المختلفة.

إلفيس بريسلي ما زال حيًا!

لقد مرّت أكثر من 40 عامًا على رحيل مغني الروك آند رول الأمريكي الشهير بلقب إلفيس بريسلي، ولكن إرثه ما زال موجودًا حتى اليوم. في الحقيقة، لم يكن أحد ليتخيل أن ينفق معجبو إلفيس 250 مليون دولار أمريكي سنويًا لشراء دمًى وأطباق وعلّاقات مفاتيح ومناشف تحمل اسمه أو صورته.

لقد بلغت قيمة قصر إلفيس بعد عامين من وفاته أقل من قيمة الضرائب المتراكمة عليه، ثم وفي عام 1979 أصبحت زوجته السابقة بريسيلا بريسلي وصية على العقار نيابة عن ابنتها. لقد بيعت تسجيلات إلفيس قبل سنوات، وقد كان أمام بريسيلا فرصة وحيدة للحفاظ على إرثه، لذلك راهنت على اسم إلفيس وصورته وشعبيته وحوّلت قصره إلى متحف، وذلك لتمويل معركتها القانونية لاستعادة كل ممتلكات إلفيس.

لقد كان أمام بريسيلا طريقة واحدة لإنقاذ قصر إلفيس وهي بيع التذاكر لمئات المعجبين الذين يتجمعون يوميًا أمام بوابة القصر. في ذات الأثناء، فكرت بريسيلا أيضًا ببيع بعض المجوهرات الرخيصة لأولئك المعجبين بدلاً من شرائهم لها من المتجر المقابل.

وبعد استثمار بقيمة 560,000 دولار، فتح قصر إلفيس أبوابه أمام الجمهور في عام 1982، وقد عاد رأس المال المستثمر خلال 38 يومًا فقط، وزار القصر 350,000 شخص خلال العام الأول فقط. من جهتها، تقول بريسيلا عن قرار تحويل القصر إلى متحف "لقد شعرت أنني أخون إلفيس، فقد كان ذاك القصر مصدر فخره وسعادته، ولكني شعرت بضرورة ذلك من أجل مستقبل ابنتي."

واليوم يزور القصر 750,000 شخص سنويًا، 52% منهم تحت سن الخامسة والثلاثين، وهو ما يعكس وجود مستقبل لهذا العمل. وقد جرى توسيع القصر وتطويره مرات عديدة على مدار السنوات، مع ذلك لم تدخل إليه ماكينات البيع، ولم تُحول أرضيته العشبية إلى موقف للسيارات.

كذلك تضاعفت مساحة القصر من 24 فدانًا (97,125 مترًا مربعًا) إلى 80 فدانًا (323,749 مترًا مربعًا)، كما كانت بريسيلا تخطط لبناء فندق في داخل المجمع. كذلك هناك خطط لبناء صالة أفراح في لاس فيغاس وسلسلة مطاعم عالمية جميعها تحمل اسم إلفيس بريسلي. ويعمل اليوم فريق يتكون من 10 محامين بدوام كامل لدى شركات إلفيس بريسلي لحماية صورة إلفيس من المتطفلين.

001elvis.png

موقع شركة إلفيس بريسلي على الإنترنت

لم يكن نجاح شركات إلفيس بريسلي سوى ثمرة لرؤية وشجاعة بريسيلا بريسلي، ورغم عدم امتلاكها لشهادة في التسويق، لكنها أظهرت قدرًا كبيرًا من الإبداع في هذا المجال، وهو ما نحتاج إليه في القرن الحادي والعشرين.

لقد أصبح التفكير الإبداعي شرطًا أساسيًا للنجاح في عالمنا اليوم، الذي أضحى يعج بملايين المنتجات المتشابهة والشركات المتنافسة، ولذلك لم يعد يكفي الحفاظ على الوضع القائم، بل أصبحت هناك حاجة لتغيير متواصل وفق استراتيجيات واضحة.

ويساهم التسويق -إلى جانب أنشطة أخرى تشمل البحث والإنتاج والتمويل والمحاسبة- في قدرة الشركة على الوصول إلى النجاح. وقد يحتل التسويق أهمية قصوى في بعض الشركات، وقد يلعب دورًا أقل أهمية في شركات أخرى، ولكن المحصلة هي أن بقاء أي شركة يعتمد على توفير خدمات ومنتجات ناجحة، وهو ما يعتمد بدوره على التسويق الناجح. ولهذا السبب، يُعد التسويق مفيدًا لكل رجال الأعمال، وليس ذلك فحسب، فقد طبقت العديد من المؤسسات غير الربحية مبادئ التسويق تطبيقًا فاعلاً منذ أكثر من ثلاثين عامًا.

وقد استفاد من مبادئ وأسس التسويق كلٌّ من موظفو البنوك، والأطباء، وشركات المحاسبة، ومحللو الاستثمارات، والسياسيون، ورجال الدين، وشركات الهندسة والجامعات، والجمعيات الخيرية.

ولكن احذر من الخرافة الشائعة حول سهولة التسويق، فبعد قراءتك لهذه السلسلة، قد تجد التسويق ممتعًا وشيقًا ومثيرًا، ولكنك لن تجده سهلًا بالتأكيد. وسواءً كنت تحب الأرقام أم تكرهها، أو تحب الناس أم تكرههم، أو تحب الروتين أم تكرهه، ثق تمامًا أن التسويق سيلبي حاجتك ويسع اهتماماتك وسوف يفتح أمامك فرصًا لا حصر لها.

تعريف التسويق وشرحه

تعريف التسويق

يشير أستاذ التجارة المعروف في جامعة هارفارد ثيودور ليفيت (Theodore Levitt) إلى أن هدف جميع الشركات هو "العثور على الزبائن وجذبهم ومن ثم الحفاظ عليهم." ولكن الطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هي إيجاد ميزات تنافسية، وبمعنًى آخر، إقناع الزبائن المحتملين بأن عرضك يلبي احتياجاتهم في تلك الفترة الزمنية المحددة.

وإذا استطعت تقديم هذه الميزة باستمرار، فلن يبحث الزبون عن أية بدائل أخرى وسوف يصبح شراء منتجك أشبه بعادة لديه. ويشبه هذا الولاء سلوك الكثير من الأمريكيين الذين لا يقودون إلا سيارات فورد ولا يستخدمون سوى فرشاة Crest ولا يستعملون سوى حواسيب ديل.

إن بناء وتوطيد هذا الالتزام الأعمى تجاه علامة تجارية أو متجر أو شخص أو فكرة دون النظر إلى أية بدائل أخرى هو الحلم الذي تسعى جميع الشركات إلى تحقيقه، ولكن ذلك غير ممكن بدون برنامج تسويقي فعّال. وباختصار، يمكن القول إن دور التسويق يتلخص في مساعدة الشركات على إيجاد الزبائن وإشباع رغباتهم والحفاظ عليهم.

وعلى الرغم من أن المهام العامة للتسويق تتسم بالوضوح إلى حد ما، إلا أن إيجاد تعريف مقبول لمفهوم التسويق بحد ذاته قد يكون أمرًا صعبًا، فقد كتب أحد المؤلفين ذات مرة "تعريف التسويق ليس أمرًا سهلًا، إذ لم يستطع أحد صياغة تعريف واضح ومختصر يحظى بالقَبول لدى الجميع." مع ذلك يجب علينا أن نضع تعريفًا ما لنحدد حدود ما يمكن اعتباره "تسويقًا". كيف تختلف أنشطة التسويق عن غيرها من الأنشطة؟ وما هي الأنشطة التي تُعد أنشطة تسويقية؟ وما هي المؤسسات التي يمكن أن تُعد مؤسسات تسويقية أيضًا؟

بالنسبة إلى وكالات الدعاية والإعلان فالتسويق هو الوجه الآخر للإعلانات، وبالنسبة إلى منظمي الفعاليات فالتسويق هو الفعاليات، وبالنسبة إلى مندوبي المبيعات فالتسويق هو الطرق على أبواب الناس والحديث إليهم، بمعنًى آخر، الجميع ينظر إلى التسويق من منظوره الخاص.

والحقيقة أن التسويق لا يتعلق بمجموعة من الأساليب أو الأدوات، ولكنه يتعلق بنظرتك إلى العمل نفسه. إن التسويق يتجاوز مجرد بيع المنتجات وجمع الأموال، فهو الرابط بين الناس والمنتجات، وبين الزبائن والشركات. ويشبه التسويق غصن الشجر، إما أن ينمو أو يموت، لكنه لا يبقى ثابتًا أبدًا. ولذلك يمكن القول إن العلاقة مع الزبائن -وإن كانت علاقة قويّة وقديمة- تعتمد على آخر المواقف التي واجهها العميل مع المُنتج.

لقد تتبعتُ تطور تعريفات التسويق خلال الأعوام الثلاثين الماضية، وقد وجدت أنها تشير إلى توجهين رئيسيين:

  1. توسيع تطبيق مبادئ التسويق ليشمل المؤسسات غير الربحية وغير التجارية مثل الجمعيات الخيرية، ومؤسسات التعليم، والرعاية الصحية.
  2. وتوسيع مسؤوليات التسويق من الحفاظ على الشركة إلى المساهمة في تحسين المجتمع عمومًا.

وقد ظهر هذان العاملان جليًا في التعريف الرسمي الصادر عن رابطة التسويق الأمريكية (American Marketing Association) في عام 1998، والذي يتضمّن ما يلي:

اقتباس

التسويق هو عملية تخطيط وتنفيذ المفاهيم، وتسعير وترويج الأفكار والمنتجات والخدمات، وذلك بهدف إقامة علاقة مع الزبون وإشباع رغباته، وتحقيق أهداف الشركة.

ورغم أن هذا التعريف يساعدنا على فهم معالم التسويق فهمًا أفضل، لكنه لا يقدم صورة كاملة. لذلك أقترحُ أخذ عدد من القواعد بالحسبان لتعزيز هذا التعريف، وتكوين فهم أفضل حول دور التسويق في الشركات:

  1. تمتلك كل شركة رسالةً تحدد مهامها وأهدافها، وتعكس فلسفتها ورؤيتها وطبيعة عملها.
  2. تمتلك كل شركة عددًا من الأقسام (مثل المحاسبة، والإنتاج، والتمويل، ومعالجة البيانات، والتسويق) والتي تعمل على تنفيذ المهام الضرورية لنجاح الشركة، وهو ما يقتضي وجود إدارة فعّالة لتحقيق أعلى مستوى من الأداء.
  3. يعمل كل قسم وفق فلسفة خاصة مستمدة من رسالة الشركة وأهدافها، وتحكم تعامله مع المهام المختلفة.
  4. يختلف قسم التسويق عن الأقسام الأخرى، إذ ينصب عمله على العلاقات المتبادلة في السوق، أي أن عمله يتركز خارج نطاق الشركة.
  5. يحقق التسويق أكبر نجاح ممكن عندما تكون فلسفة ومهام وآليات تطبيق التكنولوجيا والمبادئ الحديثة فيه متسقةً ومتكاملة.

ولتوضيح هذه القواعد، إليك المثال التالي: تُعد شركة L.L. Bean شركة ناجحة للغاية وهي تبيع منتجاتها عبر البريد. وتستند الشركة في نجاحها بصفة أساسية إلى رسالة واضحة ومباشرة "إرضاء الزبائن غايتنا " (القاعدة الأولى). وتسود هذه الفلسفة في جميع مستويات الشركة، وهو ما ظهر جليًا من خلال تقديم منتجات عالية الجودة بسعر منصف، وفوق كل شيء التزام الشركة الدائم بخدمة الزبون وإرضائه (القاعدة الثانية).

وقد حتّمت هذه الفلسفة على الشركة وضع معايير إنتاج مرتفعة للغاية، واستخدام أنظمة بريدية فعالة، وأنظمة ضريبية عمليّة ومُرضية، وشبكات اتصالات كبيرة وممتدة، بالإضافة إلى استعمال الأنظمة المحوسبة، وأدوات مبتكرة لضبط التكاليف، وغير ذلك. كما فرضت هذه الفلسفة وجود تواصل مستمر وتنسيق كامل بين جميع الأقسام العاملة، وذلك لتأسيس بيئة إيجابية تساعد على تحقيق الأهداف المشتركة (القاعدة الثالثة).

أما فلسفة التسويق فهي تتسم بالانسجام الكامل مع رسالة الشركة، إذ تعمل جميع أقسام التسويق على تحقيق مفهوم "إرضاء الزبون" (القاعدة الرابعة). وبموجب هذه الفلسفة، يجب أن تكون العلاقة بين السعر والمنتج والجودة متناسبة، وأن يعكس الإعلان جودة المنتج المرتفعة، لذلك تعلن الشركة عن خدماتها عن طريق إرسال قوائم منتجاتها عبر البريد مباشرة، أو من خلال إعلانات مطبوعة في مجلات مرموقة (مثل مجلة ناشيونال جيوغرافيك)، بالإضافة إلى امتلاك الشركة لموقع مُحترم وذي تصنيف عالمي على الإنترنت.

ويتمحور عمل الشركة حول تسليم المنتجات وتوفير إمكانية إعادتها، وهو ما يحتم على فريق التسويق إجراء أبحاث معمقة حول ما يفضله الزبائن، والتأكد من تسليم المنتجات أو إعادتها وفق الآليات التي يرغب بها الزبائن (القاعدة الخامسة). وقد يظن البعض أن التسويق هو أهم مهام الشركة، ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فكما أن الشركة قد تخسر الزبائن نتيجة إعلان مضلل (مشكلة تسويقية)، قد تخسر الشركة الزبائن أيضًا نتيجة فاتورة غير صحيحة (مشكلة في المحاسبة) أو مُنتجٍ تالف (مشكلة في المنتج).

002llbean.PNG

إعلان 1: يُعد موقع شركة L.L. Bean من أحدث طرق التسويق عبر الانترنت.

من المسلّم به أن التسويق يمثل جزءًا أساسيًا من نجاح الشركة، لكن أهميته مع ذلك تتراوح من شركة إلى أخرى، فالعديد من الشركات الصناعية العملاقة مثل بروكتر وغامبل، ومايكروسوفت، وتويوتا، وسانيو تعتمد بشكل كبير على جهود التسويق؛ ولذلك تخصص له جزءًا كبيرًا من المخصّصات، سيّما في مجال التسويق الرقمي، في المقابل، قد لا يتجاوز التسويق بضعة كتيبات إعلامية في مجالات أخرى (مثل مؤسسات الخدمات العامة، والخدمات الاجتماعية، والرعاية الصحية، وحتى الشركات الصغيرة التي تقدّم نوعًا واحدًا من المنتجات).

وتوجد الآلاف من أمثلة الشركات الصغيرة التي لا تمتلك الموارد الكافية لتمويل استراتيجيات تسويق متقدّمة، وهي تعتمد في عملها على المنطق السليم أكثر من الأبحاث. وبأي حال من الأحوال، فبرنامج التسويق لا يستحق التكلفة ما لم يكن ملائمًا للشركة ويساعدها على تحقيق أهدافها.

وضع "تصور" لرسالة الشركة

تمتلك الفنانة ليندا أرمانتروت (Linda Armantrout) شركة تصميم جرافيكي تدعى Armantrout Graphic Design and Illustration وهي تساعد الشركات على وضع تصور لرسالتها، وذلك بالمعنى الحرفي لكلمة "تصوّر". فبدلًا من رسالة الشركة المكتوبة والتي تسلمها الإدارة عادةً للموظفين، تجلس أرمانتروت مع الموظفين والإداريين، ثم ترسم صورة لرسالة الشركة.

ويكون المنتج النهائي عبارة عن لوحة تجمع كل ما هو مهم بالنسبة إلى الشركة والعاملين فيها، مثل الزبائن والمنتجات والخدمات وأخلاقيات الشركة.

وتُوضع هذه اللوحة في إطارٍ مناسب وتُعلق في الشركة لتذكير الموظفين بالأهداف التي يسعون إليها، كما يمكن أن توضع على أكواب القهوة، وسترات العاملين، وحواسيبهم.

وكانت شركة BancOne Leasing لخدمات التأجير قد استعانت بأرمانتروت وحصلت على لوحة جميلة للكرة الأرضية تمثل حضور الشركة في جميع أنحاء العالم، وتحيط بها رسومات لطائرات وحافلات، والتي تمثل طبيعة الخدمات التي تقدمها الشركة.

أسباب دراسة التسويق

تساعد دراسة التسويق على استكشاف مدى ملاءمته لشركة أو مؤسسة معينة. ورغم تطور التسويق تطورًا كبيرًا في فترة السبعينات والثمانينات والتسعينات، إلا أنه ما زال هناك الكثير من المفاهيم المغلوطة حول معنى التسويق واستعمالاته، وما زال التسويق في نظر معظم الناس مقتصرًا على الإعلانات أو البيع الشخصي، والحقيقة أن التسويق يشمل الأمرين، ولا يقتصر عليهما.

يرجع السبب في عدم وجود فهم دقيق لمعنى التسويق إلى تفاوت الشركات في تعاملها معه، فبعض الشركات ما زالت تعيش في العصور المظلمة عندما كان تعريف التسويق "بيع كل ما ينتجه المصنع"، وبعضها الآخر تقدّم قليلاً، فعيّن مديرًا للتسويق وأصبح يجري الأبحاث ويطور المنتجات ويروجها، وينفذ الكثير من الأنشطة التسويقية.

في المقابل، باتت الكثير من الشركات تعتقد أن الهدف من التسويق هو جعل البيع أمرًا بديهيًا، أي أن المسوق يعرف الزبون واحتياجاته حقّ المعرفة، فيقدّم له منتجًا يلبي احتياجاته تمامًا، وبالتالي يبيع المنتج نفسه بصورة تلقائية. وذلك لا يعني بالتأكيد أن يتجاهل المسوّق هندسة الإنتاج أو أهمية الأرباح، وإنما يعكس ضرورة الاهتمام بالزبائن لتحقيق مصالح الشركة على المدى البعيد. وبصفتك طالب تجارة أو أعمال، يجب أن تفهم بدقة الدور الذي يلعبه التسويق في عالم الأعمال اليوم. هناك أيضًا العديد من الأسباب الثانوية الأخرى لدراسة التسويق، منها تطبيق التسويق بصورة متزايدة في المؤسسات والشركات غير الربحية، مثل المؤسسات الخيرية، والسياسية، والمتاحف، التي بدأت تنهج سياسة التسويق وتعتمدها في أعمالها، وهو ما وفّر الآلاف من فرص العمل للمختصين في مجال التسويق. وحتى لو لم تكن مختصًا في التسويق، اعلم أن المعرفة بالتسويق تساعدك على تطوير نفسك في مجال عملك أيًا كان، وتأمّل الأمثلة التالية:

  • بول مور (Paul Moore) مهندس متخصص في معدات تحريك الأرض، ولكنه يعمل باستمرار مع فرق المبيعات وتطوير المنتجات لبناء منتجات أفضل.
  • كريستي وود (Christy Wood) محاسب معتمد ومتخصص في الضرائب، ولكنه يقضي الكثير من وقته في بناء العلاقات مع الزبائن، ويخصص ثلاثة أيام على الأقل من كل شهر للعثور على زبائن جُدد.
  • ستيف جاكوبسون (Steve Jacobson) محلل نُظم وخبير برمجة، ولكنه يستعمل مهاراته لإيجاد المنتج الملائم لكل زبون من زبائنه.
  • دوريس كيلي (Doris Kelly) مديرة أفراد، ولكنها بارعة في إيجاد وتوظيف وتدريب الأفراد القادرين على تعزيز جهود التسويق الخاصة بالشركة.
  • كريج روبرتس (Craig Roberts) مهندس سابق في شركة مايكروسوفت، ولكنه أنشأ مؤخرًا شركة مختصة بالإنترنت، وهو الآن في طور جمع رأس المال.

هناك سببان آخران يجعلان دراسة التسويق أمرًا مهمًا لكل الأفراد. السبب الأول هو أننا جميعًا من وجهة نظر تسويقية إما مستهلكون أو مسوقون، وعليه فإن فهم أساسيات التسويق يحسن مستوى إدراكنا بصفتنا مستهلكين، ويجبر الشركات على أداء عملها بصورة أفضل. أما السبب الثاني، فهو تأثير التسويق على المجتمع بأكمله، إذ أن بعض المفاهيم، مثل عجز الميزان التجاري، والعقوبات الاقتصادية، وتخفيض قيمة العملة الأجنبية، وتثبيت السعر، والإعلانات المضللة، وأمان المنتج، تأخذ معنًى جديدًا تمامًا عندما يُنظر إليها في سياق تسويقي. هذه المعرفة تجعلك مواطنًا أكثر وعيًا وقدرةً على فهم تأثير الأحداث الاجتماعية والسياسية عليك وعلى مجتمعك.

الصفات العامة للتسويق في الشركات

لقد أشرنا سابقًا إلى أن التسويق يختلف اختلافًا كبيرًا من شركة إلى أخرى، فتراه يتراوح بين التسويق المعتمد على الحدس والمنطق السليم، إلى التسويق الذي يعتمد على أقسام منفصلة تضم آلاف الموظفين وتعمل بميزانية تُقدر بملايين الدولارات، ولكن هناك الكثير من الصفات المشتركة بين أنشطة التسويق في كلتا الحالتين، وتتميز جميع هذه الصفات بأنها تبدأ بالحرف الإنجليزي (C).

إرضاء المستهلك (Consumer content)

يعتمد بقاء أي شركة على وجود عدد كبير من الأشخاص الذين يحتاجون منتجًا أو خدمةً تقدمها هذه الشركة، ولكن إذا أصبح عدد هؤلاء الأشخاص قليلاً، أو أصبحت هذه الحاجة غير موجودة، أو ظهرت شركة أخرى تلبي هذه الحاجة على نحو أفضل، فسوف تنتهي الشركة. هكذا تجري الأمور في الاقتصاد الحُر. وذات الأمر ينطبق أيضًا على سياسي فشل في الفوز في الانتخابات، أو منظمة خيرية أغلقت أبوابها، أو منتجع سياحي أعلن إفلاسه.

وفي حالة الشركات التجارية، والشركات التي تتبنى التسويق على وجه الخصوص، يُطلق على الأشخاص الذين يحتاجون إلى منتج أو خدمة اسم "المستهلكين" أو "الزبائن". وفي عالم التسويق، يُطلق على عملية الحصول على شيء من شخص ما من خلال عرض شيء ذي قيمة في مقابله اسم عملية "التبادل".

وتتسم عملية التبادل بين الزبون والشركة التي تقدم المنتج بأنها علاقة اقتصادية بطبيعتها، بحيث يقدّم الطرف الأول (الزبون) المُقابل المادي (المال أو أي مقابل ذي قيمة) من أجل حصوله على الأمر الذي يريده من الشركة (مُنتج أو خدمة أو فكرة معيّنة) ويُطلق على عملية التبادل في هذه الحالة اسم "الصفقة". وتتضمن الصفقة عادةً مفاوضات بين الطرفين، إذ يسعى كل منهما إلى تحقيق أكبر ربح بأقل قدر ممكن من التكاليف. وفي الوضع المثالي، تنتهي الصفقة بحلٍ مرضٍ لجميع الأطراف.

وتختلف أحيانًا نظرة الأطراف إلى الصفقة، فقد يسود بعض الصفقات الكذب والخداع، وقد تتسم صفقات أخرى بالإنصاف، وهي الصفقات التي يحصل فيها كل طرف على مراده، فيحصل الزبون على حاجته وتحقق الشركة قدرًا معقولًا من الأرباح.

ومع ظهور الإنترنت والتجارة الإلكترونية خلال تسعينات القرن الماضي، تغيّرت طبيعة الصفقات تغيرًا جذريًا، فقد أضحى المستهلكون اليوم قادرين على الوصول إلى معلومات أكثر وأفضل، وأصبح لديهم الكثير من الخيارات، وهو ما يحتّم على الشركات تقديم مستوًى مشابه من المعلومات، والتعامل مع منافسين أكثر سرعةً وذكاءً ويقدمون خدماتهم على مدار الساعة.

وتدرك الشركات التي توظف التسويق توظيفًا صحيحًا أن تسهيل اطلاع الزبائن على المعلومات التي يريدونها يتطلب التواصل المستمر، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة مراسلة الزبائن أو الاتصال بهم بصفة دائمة -رغم إمكانية فعل ذلك- وإنما يعني معرفة الشركة بصفات الزبائن واهتماماتهم وسلوكهم، ومراقبة تغيّر هذه العوامل بمرور الوقت. وفي حين أن هذه العملية ليست دقيقة للغاية، لكن أظهرت التجارب أن المسوقين الذين يفعلون ذلك أكثر قدرة على تحقيق النجاح.

وإذا كانت الشركة تسعى لمعرفة كل ما تستطيع معرفته عن زبائنها، واستندت إلى هذه المعرفة في قرارات التسويق لديها، فيُقال في هذه الحالة أن الشركة تتبنى التسويق الموجه إلى المستهلك، أي أنها تعمل انطلاقًا من حاجات المستهلك، لا من قدرات التصنيع لديها.

مع ذلك، نأت كثير من الشركات في الماضي والحاضر عن هذا المفهوم، إذ تتبنى بعض الشركات التسويق الموجه إلى المنتج، فهي تركز على الابتكار التكنولوجي وخفض تكاليف الإنتاج، وذلك استنادًا إلى فرضية أن المنتج الأفضل من الناحية التقنية أو الأقل تكلفة سوف يبيع نفسه تلقائيًا.

وتتبنى شركات أخرى التسويق الموجه إلى المبيعات، وهو مفهوم يفترض أن مندوب المبيعات الجيّد يستطيع بيع أي شيء، وغالبًا ما يتجاهل هذا المفهوم الزبائن، أو ينظر إليهم كأشخاص يمكن التلاعب بهم. أما الشركة الناجحة فهي تقر بأهمية الإنتاج والمبيعات على حدٍّ سواء، ولكنها تتبنى آلية تسويق من ثلاث خطوات لتحقيق أفضل النتائج، وهذه الخطوات هي:

  • جمع المعلومات باستمرار عن حاجات الزبائن وقدرات المنافسين.
  • وإطلاع الأقسام المختلفة على هذه المعلومات.
  • واستعمال هذه المعلومات لإيجاد ميزة تنافسية وزيادة قيمة وجودة المُنتج أو الخدمة المقدمة إلى الزبائن. هذا هو التسويق الحقيقي.

قدرات الشركة (Company capabilities)

تسعى جميع الشركات إلى الموازنة بين قدرتها الإنتاجية وقدرتها على تلبية حاجات الزبائن في الوقت الحالي والمستقبل، وفي حال وجود خلل في هذه العلاقة المتوازنة، عندها سيتوجب على الشركة التحرك بأقصى سرعة لتنفيذ التغييرات اللازمة، فعندما أدركت شركة تويوتا أن منتجاتها عاجزة عن استقطاب الزبائن الذين تقل أعمارهم عن سن الخامسة والثلاثين، قررت الشركة التحرك مباشرة، وفي عام 1999 جمعت ثمانية موظفين في العشرينات والثلاثينات من العمر لتشكيل مجموعة تسويق جديدة وشابة ومتنوعة عرقيًا، وقد كانت أولى المهام التي كُلفت بها هذه المجموعة إطلاق ثلاث سيارات جديدة ملائمة للزبائن الأصغر سنًا.

ورغم أن تقييم قدرات الشركة يبدأ من قدرتها التسويقية، لكن الواجب على الشركة تقييم جميع أقسامها الأخرى. هل نمتلك المعرفة التقنية اللازمة لإنتاج منتج منافس؟ هل نمتلك القدرة على تصنيعه؟ هل نمتلك رأس المال اللازم؟ هل نمتلك إدارة عليا جيّدة؟ اعلم أن إجابة أي من هذه الأسئلة بـ "لا" من شأنه أن يعطل جهود التسويق. في المقابل، قدرة الشركة على ضبط التكاليف، ووجود إدارة قوية، من شأنه أن يساعد الشركة على تحقيق ميزة تنافسية تقودها إلى النجاح.

التواصل (Communication)

لا يشك أحد في أن سر نجاح أي علاقة يكمن في التواصل، وهذا ينطبق بشكل خاص على العلاقة التسويقية والتي يسودها الشك، والحذر، ويغيب عنها الطابع الشخصي، ولهذه الأسباب يلعب التواصل دورًا مهمًا في التسويق.

يدرك المسوقون أن الزبائن يبنون مواقفهم وآرائهم حول الشركة استنادًا إلى معايير معيّنة، وتخضع بعض هذه المعايير لسيطرة الشركة، مثل تصميم المنتج، وجودته، وسعره، وتغليفه، وقنوات بيعه، وإعلانه، وتوفر الخصومات. وفي هذا الحالة، يتّبع المسوقون مبادئ التواصل الأساسية التي سوف نناقشها في سلسلة مقالاتنا الفريدة هذه ويحاولون عبر هذه المعايير تقديم رسالة واضحة ومتناسقة يفهمها ويفسرها جميع الزبائن بذات الطريقة.

في المقابل، لا تخضع بعض المعايير لسيطرة المسوقين، ولكنها قد تلعب دورًا أكثر أهمية في ترك انطباعٍ إيجابي ورسم الوعي لدى الزبائن، وهو ما يوجب على المسوقين الاستعداد الدائم للتعامل معها. على سبيل المثال، أشار تقرير نُشر مؤخرًا إلى حصول خطوط يونايتد إيرلاينز الجوية على تقييم منخفض من ناحية رضا الزبائن عن خدمات الشركة، وقد أدى ذلك إلى هبوط أسهم الشركة، وتراجع عدد الحجوزات. ورغم وجود العديد من المصادر لهذه التقييمات السلبية، لكن أهم ثلاثة مصادر تلخصت في الموظفين، والمنافسين، ووسائل الإعلام.

إذ يُعد الموظفون، من الرئيس ونزولًا إلى أصغر موظف في الشركة، ممثلين عنها. ويفترض الزبائن في أغلب الأحيان أن سلوك الموظفين وحديثهم وملابسهم هي في الواقع تمثيل دقيق وإنعكاس لصورة الشركة بأكملها، وهو ما أدى إلى ظهور مفهوم "التسويق الداخلي" والذي يدعو إلى تحويل الموظفين - وحتى الموظفين السابقين - إلى سفراء وممثلين ينقلون صورة إيجابية عن الشركة.

أما المنافسون فيُرَوّجون الكثير عن بعضهم، وقد يكون ما يُرَوّجونه حقيقة أو كذبًا، لذلك يجب على فريق التسويق في الشركة إدراك هذه الحقيقة والاستعداد دومًا لمواجهتها. لقد استعملت شركات السيارات الموازنة بين منتجاتها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وتبادلت شركتا كوكا كولا وبيبسي الهجوم والهجوم المضاد لذات الفترة تقريبًا. كذلك يكثر استعمال الرسائل السلبية في عالم السياسة، رغم عدم اعتراف الكثير من السياسيين باستعمال هذه الاستراتيجية.

وأخيرًا، تُعد وسائل الإعلام من أكبر العقبات التي تواجه المسوقين، ففي الشركات الكبيرة، تقع مسؤولية التواصل مع وسائل الإعلام على عاتق فريق العلاقات العامة، والذي يكتب البيانات الصحفية حول الشركة على أمل استخدامها في وسائل الإعلام. أما إذا لم تستعمل وسائل الإعلام هذه البيانات الصحفية، فحينها يجب على المسوّقين التأكد من دقة المعلومات المنشورة عن الشركة في وسائل الإعلام.

أما في الشركات الصغيرة، يُعد التعامل مع وسائل الإعلام مسؤولية الجميع. وفي العصر الحالي أصبحت الشركات في مواجهة الإعلام العصري الجديد وعالم الإنترنت الواسع، كما أصبحت الحملات الإعلامية التي تهدف إلى تلطيخ سمعة الشركات أمرًا شائعًا.

وتعمد بعض الشركات التي تسعى إلى بناء علاقات وطيدة مع العملاء في عملها، إلى اتبّاع أسلوب التواصل التسويقي وهو فرعٌ من التسويق يهتم ببناء علاقة تسويقية إيجابية وطويلة مع الزبائن وأصحاب المصالح الآخرين. وباختصار يساعد "التواصل التسويقي" على تحديد الزبائن ذوي القيمة المرتفعة والتواصل معهم من أجل ربطهم بالعلامة التجارية الخاصة بالشركة من خلال التركيز على اهتماماتهم الشخصية.

المنافسة (Competition)

لقد ذكرنا بالفعل أهمية الدور الذي تلعبه المنافسة في مجال التسويق، وهو ما يوجب على الشركات فهم نقاط الضعف والقوة لدى الشركات المنافسة على الأقل، وذلك لا يعني الخروج باستنتاجات عامة حول المنافسين فقط، وإنما اتخاذ قرارات تسويقية ذكية بناءً على المعلومات المتوفرة حول طريقة عمل المنافسين.

ويُعد التعرف على المنافسين أمرًا بسيطًا في أغلب الأحيان، فهذا المنافس هو السوبرماركت الموجود في الحي المجاور، أو الشركات الثلاثة الأخرى التي تصنع الزجاج الأمامي للسيارات، ولكن هناك بعض الحالات التي لا يكون فيها المنافس واضحًا. وكان خبير التسويق ثيودور ليفيت قد طرح قبل عدّة سنوات مصطلح "قِصَر النظر التسويقي" للإشارة إلى الشركات التي تعجز عن تحديد منافسيها تحديدًا صحيحًا.

قد ضرب ليفيت مثالاً بشركات القطارات التي ارتكبت خطأً عندما اقتصرت على منافسة شركات السكك الحديدية الأخرى، بدلاً من المنافسة مع جميع بدائل المواصلات الأخرى، مثل السيارات وخطوط الطيران وحافلات النقل. واليوم ترتكب الشركات العاملة في مجال الترفيه (مثل دور السينما، والمطاعم، والمنتجعات) ذات الخطأ وذلك عندما تفترض أن المنافسة تقتصر على الشركات الأخرى العاملة في ذات المجال.

وفي ظل عدم وجود شركة تمتلك احتكارًا مُطلقًا، ترتبط معظم القرارات الاستراتيجية التي يتخذها المسوق بالمنافسة، إذ يمكن تصور استراتيجية التسويق بأنها لعبة شطرنج عملاقة يبني كل لاعب فيها خطواته على تحركات خصمه. وتلعب بعض الشركات الأمريكية مثل كوكا كولا وبيبسي، وماكدونلدز وبرجر كينج، وفورد وجينرال موتورز هذه اللعبة منذ أمد بعيد، ولكنها غالبًا ما تصل إلى نهاية مسدودة، فحصة كوكا كولا وبيبسي في السوق لم تتغير سوى واحد أو اثنان بالمئة، رغم إنفاق مليارات الدولارات على التسويق من الطرفين.

لقد أدت رغبة الشركات في معرفة قدرات الشركات المنافسة بدقة إلى صعود مفهوم جديد يُطلق عليه اسم "الاستخبارات التنافسية"، ويتضمن هذا المجال جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المنافسين بجميع الوسائل المتاحة، طالما أنها لا تخرج عن إطار القانون. تجدون المزيد من المعلومات حول هذا المفهوم في صندوق التسويق المتكامل أدناه.

مفهوم التسويق المتكامل تحت المجهر

التجسس للبقاء في الصدارة

يتجنب معظم المحققين العاملين في الشركات استعمال مصطلح "التجسس" ويفضلون استعمال المصطلح الألطف "الاستخبارات التنافسية" ولكن بغض النظر عمّا يسمونه، أصبح التلصص على الشركات المنافسة ممارسة راسخة في مجال التسويق.

وتمتلك كل الشركات الأمريكية الكبرى تقريبًا مكاتب للاستخبارات، فقد أقامت شركة موتورولا على سبيل المثال وحدات في جميع أنحاء العالم، مهمتها مراقبة المنافسين، والتحسس من أخبار الصفقات، والتقنيات الجديدة التي قد تؤثر على أداء الشركة. وقد تأسست وحدة الاستخبارات في الشركة في عام 1982 على يد ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA).

وتعتمد استخبارات الشركات في عملها على عدد من الأدوات، بعضها يتسم بالبساطة والبدائية، مثل زيارة المعارض التجارية، وتصفح مواقع الإنترنت الخاصة بالمنافسين، ومتابعة أخبار براءات الاختراع، ومراقبة الرحلات الجوية القادمة والمغادرة، وبعضها الآخر يشمل عمليات تحري معقّدة، مثل التقاط الصور لمصانع المنافسين، واستعمال برمجيات حديثة للتنقيب والبحث عن البيانات والتي تسمح بالبحث في الإنترنت بسرعة كبيرة للغاية للحصول على معلومات عن المنافسين.

التنسيق بين الأقسام المختلفة (Cross-functional contact)

يجب على الشركة ألا تخطئ بالسماح لأقسام العمل المختلفة بالانفصال أو الاستقلال عن بعضها، فعندما يعدُّ قسم التسويق نفسه القسم الأكثر أهمية لنجاح الشركة، دون الحاجة إلى المحاسبة أو الإنتاج أو الموارد البشرية، فهو يحكم على نفسه بالفشل.

ويدرك المسوقون الحقيقيون أنهم لا يستطيعون العمل لوحدهم، فغياب التفاهم والثقة بين التسويق والإنتاج قد يؤدي إلى بيع المنتج في وقتٍ غير ملائم، أو بيع منتج لا يتوافق مع المواصفات الصحيحة، لذلك يجب على المسوقين أخذ آراء نظرائهم من المهندسين في الحسبان، فقد يكونون غير قادرين على إنتاج المنتج بالسعر الذي حدده فريق التسويق، وبالمثل، قد لا يكون قسم الموارد البشرية قادرًا على إيجاد موظف "يمتلك عشر سنوات من الخبرة في مجال تسويق البضائع" كما طلب مدير قسم التسويق. والخلاصة أن فريق التسويق سوف يكون أقدر على النجاح إذا كان العاملون فيه يتعاملون بذكاء وصراحة وتكامل مع أفراد الأقسام الأخرى، وهو ما يعكس أهمية بناء العلاقات بين الأقسام المختلفة ضمن الشركة الواحدة.

وفي ظل توجه الشركات إلى تقليص أعداد العاملين وغيرها من الأنشطة التي تهدف إلى خفض التكاليف، أصبحت الحاجة ملحّة لتوطيد أركان الانسجام والتنسيق بين الأقسام المختلفة أكثر من أي وقتٍ مضى. وقد ظهرفي مجال التسويق مصطلح "التسويق المتكامل"، والذي يعني ضرورة ألا يقتصر العاملون في مجال التسويق على المعرفة بالتسويق فحسب، وإنما يجب عليهم أيضًا الإلمام بجميع جوانب العمل التي قد تؤثر على نجاح التسويق. أما على مستوى الشركة، فيجب أن يحمل جميع الإداريين رؤية الشركة، وأن يضعوا هيكلية إدارية تتيح لجميع الأقسام تبادل المعلومات والمشاركة في التخطيط.

وقد باتت العديد من الشركات تتجه لتبني هذه الطريقة، مثل شركتي كرافت وديزني. مع ذلك، يتطلب تحقيق التكامل الحقيقي أن تكون القرارات في كل مستوى من مستويات الشركة متلائمة مع القرارات في المستويات الأخرى. ولتوضيح ذلك دعنا نفترض أن هدف الشركة هو زيادة الأرباح، حينها يتوجب على فريق التسويق وضع خطة لزيادة المبيعات من خلال تسويق منتجات جديدة، وبالتالي تحقيق الهدف العام للشركة.

التواصل مع المجتمع (Community contact)

المسوقون فضوليون بطبعهم، فتراهم يراقبون باهتمام جميع ما يجري في مجتمعاتهم. ورغم أن كلمة "مجتمع" تشير عادةً إلى مدينة أو بلدة أو حيّ، لكنها هنا تشير إلى معنًى أوسع بكثير، إذ نعني بالـ "مجتمع" البيئة التي يعمل فيها المسوّق. وبالنسبة إلى إستر وجيم ويليامز (Esther and Jim Williams) اللذين يمتلكان مطعمًا للوجبات السريعة في مدينة ماتون بولاية إلينوي الأمريكية فالمجتمع صغير إلى حد ما، ولكن بالنسبة إلى شركة فيرايزون للاتصالات فالمجتمع يشمل العالم بأسره، بل يمتد إلى الفضاء الخارجي.

ويجب على المسوق الحفاظ على التواصل الدائم والمستمر مع مجتمعه مهما كان حجمه. وقد يأخذ هذا التواصل أشكالاً متعددة، منها قراءة الصحف المحلية والاستماع لأحاديث العامة، أو الاشتراك في النشرات الصادرة عن الشركات المتخصصة في مجال بحوث التسويق، والتي تراقب مجريات الأحداث في العالم على مدار الساعة. ورغم فارق التكلفة، إلا أن كلتا الحالتين تؤديان المطلوب. وسوف نناقش في باب "بحوث التسويق واتخاذ القرار" من سلسلتنا مزيدًا من الاتجاهات المهمة في المجتمع العالمي.

كذلك يتطلب التواصل الصحيح مع المجتمع السعيَ لتنفيذ الأنشطة وطرح الخطط المفيدة لأفراد للمجتمع ككل، وممارسة الأعمال بصورة أخلاقية، لذلك تتبرع العديد من الشركات بملايين الدولارات لصالح المجتمعات، أو من أجل الحفاظ على البحيرات والأنهار، وقد تقدّم منتجات مجانية للمحتاجين، وتعيد تدوير منتجاتها للحفاظ على البيئة، إلى غير ذلك. ولا شك أن حاجة التسويق لتنفيذ مثل هذه الأنشطة آخذة في التزايد.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Introducing marketing) من كتابCore Concepts of Marketing

 

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...