اذهب إلى المحتوى

تُعدّ القيمة من وجهة نظر المستهلك العامل الوحيد الذي يبرر سعر المنتج، فالزبن يعجزون في كثير من الأحيان عن إدراك تكلفة المنتج، والمواد الداخلة في إنتاجه، ولكنهم ينظرون إلى المنتج من منظار القيمة التي يقدمها لهم، وهذا هو الأساس الذي يبنون عليه قرار الشراء.

إن التسعير الفعّال هو ذاك الذي يلبي حاجات الزبن، ويسهل عمليّة التبادل، ولكن يجب على المسوّقين في البداية، إدراك قدرات الزبن المتفاوتة، والحاجة إلى استراتيجيّات تسعير مختلفة، تمامًا كما أنهم بحاجة إلى منتجات، وقنوات توزيع، ورسائل ترويجيّة مختلفة -أيضًا- وحتى يتمكن المسوّقون من تسعير المنتجات على نحو فعّال؛ يجب عليهم أن يتعرفوا في البداية على الشرائح التسويقيّة المختلفة في السوق المستهدف، وأن يتفهموا احتياجات الزبن، وأن يسعروا المنتجات بناءً عليها، تمامًا كما هو الحال في استراتيجيات المنتج، والتوزيع، والترويج، ومع ذلك، يجب على المسوّقين ألا يغفلوا -أيضًا- عن اختيار أسعار كفيلة بتحقيق خطط الشركة، بما في ذلك إرضاء المساهمين، وخصوصًا أن السعر هو مصدر الإيرادات الرئيس لدى معظم الشركات.

تعريف السعر من وجهات النظر المختلفة

على الرغم من أن قرار التسعير هو قرار تسويقي، إلا أن اتخاذه بصورة صحيحة يتطلب فهم وجهة نظر كل من المجتمع، والمستهلكين، ويمكن القول: إن تحديد السعر يمثل واحدًا من أهم القرارات التي تتخذها الشركة، فاختيار سعر منخفض للغاية قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات، وبالتالي، انهيار الشركة، كما أن اختيار سعر مرتفع للغاية قد يؤدي إلى ضعف تفاعل الزبناء مع المنتج، وبالتالي انهيار الشركة -أيضًا- إن اتخاذ قرار تسعير غير صحيح، قد ينطوي على عواقب وخيمة، لذلك سوف يتطرق هذا الفصل في البداية إلى فهم التسعير من وجهة نظر المستهلك.

نظرة المستهلك إلى السعر

لقد أوضح هذا الكتاب في فصل سابق، أن الزبون قد يكون شخصًا يستخدم المنتج النهائي، أو شركة تشتري المكونات بغرض إنتاج المنتج النهائي، وقد يسعى الزبون لإشباع حاجة، أو مجموعة من الحاجات، من خلال شراء منتج واحد، أو مجموعة من المنتجات، وبالتالي، يستخدم الزبناء معايير مختلفة لتحديد مدى استعدادهم للإنفاق من أجل إشباع هذه الحاجات، وبصورة عامة يمكن القول: إن الزبون يرغب -دائمًا- بدفع أقل مبلغ ممكن نظير إشباع حاجاته، وذلك كما هو موضّح في الشكل رقم 28.

001customerview.png

الشكل رقم 28: نظرة المستهلك إلى السعر

وحتى تستطيع أي شركة أن تزيد من قيمة المنتج في نظر المستهلكين (أو توجد ميزة تنافسيّة)، فهي أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا أن تزيد فوائد المنتج، أو أن تقلل تكلفته، ويُعد هذان الخياران ضمن استراتيجيّة التسعير، ففوائد المنتج ما هي في الحقيقة إلا انعكاس لتكلفته، فعلى سبيل المثال: قد يدفع زبون مبلغ 650 دولارًا لشراء قطعة كريستال من شركة لاليك (Lalique) ولكن وجود تحفة فنيّة فريدة كهذه في منزله تعوضه عن هذا المبلغ، كما ترتبط معادلة السعر، والقيمة بعوامل أخرى، مثل: المكانة، والسهولة، والعلامة التجاريّة، والجودة، ووفرة الخيارات، وقد يتداخل بعض هذه العوامل، أو جميعها، فعلى سبيل المثال: تحمل سيارة ميرسيدس بينز إي 750 (Mercedes Benz E750) علامة تجاريّة قويّة، كما أنها تتمتع بجودة عالية، وتعكس مكانة اجتماعيّة رفيعة، وهو ما يجعلها تستحق مبلغ 100,000 دولار. علاوة على ذلك، إذا استطاع الزبون التفاوض وتقليل السعر بمعدل 15,000 دولار فذلك يمثل حافزًا إضافيًا لشراء هذه السيارة، وبالمثل، إذا كان الزبون يعيش في أحد الجبال المنعزلة، فإنه سوف يكون مستعدًا لدفع مبلغ أكبر عند شراء حاجياته من المتجر المحلي، مقابل عدم القيادة لمسافة 25 كيلومترًا من أجل الوصول إلى أقرب متجر سيفوي (Safeway). لقد بات مصطلح "القيمة المضافة" يُستخدم مؤخرًا للتعبير عن هذه الفوائد الإضافيّة، على سبيل المثال: أصبحت شركات الحاسوب تقدّم كثيرًا من عناصر القيمة المضافة، مثل برامج التشغيل، والتحديثات المجانيّة، وخطوط المساعدة المتاحة على مدار الساعة.

أمّا على صعيد التكلفة المنظورة، فتشمل تكلفة المنتج السعر المطبوع عليه، بالإضافة إلى جملة من العوامل الأخرى، فعلى افتراض أن إحدى محطات الوقود تبيع الفئة الأعلى من الوقود بـ 0,06 دولار لكل جالون، فإن التكلفة في هذه الحالة لا تقتصر على السعر، بل يجب على المستهلك أن يفكّر في مسافة الـ 25 كيلومتر التي يحتاج إلى قطعها للوصول إلى هناك، وطابور الانتظار الطويل، وعدم توفر الفئة المتوسطة من الوقود، والازدحام الشديد، وبالتالي، فإن التكلفة هنا لا تقتصر على سعر الوقود، بل تشمل -أيضًا- عدم الراحة، ومحدوديّة الخيارات، والخدمة الرديئة، كما قد تشمل التكلفة عوامل أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر: المخاطرة، واحتماليّة اتخاذ القرار الخطأ، والتكاليف المرتبطة بذلك، وتكلفة الفرصة البديلة، واحتماليّة وقوع تداعيات غير متوقعة.

في النهاية، يُعد النظر إلى السعر من وجهة نظر المستهلك مفيدًا من نواحٍ عديدة، من أهمها: تحديد قيمة المنتج، التي تُعد أساس الميزة التنافسيّة.

نظرة المجتمع إلى السعر

لطالما كان السعر على مدار التاريخ تعبيرًا عن القيمة، فبعد أن استخدم الإنسان نظام المقايضة (مقايضة البضائع بأخرى تحمل القيمة ذاتها)، أصبح نظام النقد يوفر للمجتمعات طريقة أسهل لشراء البضائع، ومراكمة الثروة، كما تستخدم المجتمعات السعر كونه وسيلة للحكم على صحة الاقتصاد، إذ ترتفع أسعار كثير من المنتجات الأساسيّة، مثل الطعام، والرعاية الصحيّة، والسكن، والسيارات في كثير من الدول مثل روسيا، والصين، وجنوب إفريقيا، وذلك يعني أن الغالبيّة العظمى من السكان في هذه الدول لن يتمكنوا من شراء هذه المنتجات، وفي المقابل، يستطيع جميع السكان الحصول على خدمات الرعاية الصحيّة في بعض الدول الأخرى، مثل: الدانمارك، وألمانيا، وبريطانيا، وذلك بفضل انخفاض تكلفتها.

ويمكن النظر إلى الدور الذي يلعبه السعر في المجتمع من منظورين مختلفين:

  • منظور الرجل العقلاني.

  • منظور الرجل غير العقلاني.

ويفترض المنظور الأول أن التلاعب بالسعر يخضع لنظريات اقتصاديّة محددة، وبالتالي يمكن التنبؤ بنتائجه، بينما يشير المنظور الثاني إلى صعوبة التنبؤ بطبيعة استجابة الإنسان، وتفاعله مع السعر، وبالتالي فإن اختبار السعر مسبقًا يُعد ضروريًا.

تسعير الرجل العقلاني من وجهة نظر اقتصاديّة

يفترض الاقتصاد بصورة أساسيّة أن الزبون هو صانع قرار عقلاني، يمتلك قدرًا وافيًا من المعلومات، وبالتالي، إذا ارتفع سعر المنتج، وكان الزبون مطلعًا على جميع المعلومات المرتبطة به، فإن الطلب على هذا المنتج سوف يتراجع، أمّا إذا انخفض السعر، فإن الطلب سوف يزداد بالتأكيد، ويمكن القول -أيضًا- إن ازدياد الكميّة المطلوبة من المنتجات، يؤدي إلى ظهور منحنى طلب منحدر إلى الأسفل، كما هو موضح في الشكل رقم 29.

002priceanddemand.png

الشكل رقم 29: السعر، والطلب

ووفقًا لهذا المنحنى، إذا خفض البائع سعر المنتج، فإنه سوف يصبح أكثر جاذبيّة لقطاع أوسع من المستهلكين، أي أن سوق المنتج سوف يتوسّع، ويُطلق على الطلب الإجمالي في السوق على نوع معيّن من المنتجات (وليس على العلامة التجاريّة للشركة) اسم الطلب الرئيس؛ علاوة على ذلك، قد يدفع خفض السعر المستهلكين إلى التخلّي عن الشركات المنافسة، وذلك على افتراض أن هذه الشركات لن تتمكن من مجاراة هذا السعر المنخفض، أمّا إذا لم يتوسع الطلب الرئيس، وتمكّن المنافسون من مجاراة السعر المنخفض، فإن النتيجة سوف تكون تراجع الإيرادات الإجماليّة لدى جميع البائعين.

أمّا في الدول التي تعتمد اقتصاد السوق الحُرّ، فقلما يخضع السعر لتأثير أي جهة من خارج الشركة، وحتى السلع الأساسيّة، مثل الوقود، والاتصالات، تحدد أسعارها بنفسها، ولأن معظم الشركات تضم في طاقمها خبراء اقتصاديين يعملون في ضوء الفرضيات الاقتصاديّة، فإن العلاقة بين السعر، والطلب تضمن صحة الاقتصاد في معظم المجتمعات، أمّا في الولايات المتحدة الأمريكيّة، فيحدد رئيس النظام الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة التي تفرضها البنوك، وكذلك المعروض النقدي، وبالتالي، فهو يؤثر مباشرة على الأسعار (وخصوصًا أسعارَ الأسهم، والسندات)، ولذلك يعدُّهُ كثيرون الرجلَ الأكثرَ تأثيرًا في العالم.

تسعير الرجل غير العقلاني: قواعد الحريّة

ثمة ببساطة، كثيرٌ من الأمثلة التي تشير إلى خلاف الفرضيات الاقتصاديّة، في نموذج الرجل العقلاني، فالأسعار قد ترتفع، ولكن الزبناء مع ذلك يشترون المزيد، وقد تنخفض الأسعار، ولكن الزبناء يقابلون هذا الانخفاض بالتشكيك، وبالتالي، يتراجع الشراء، باختصار يتصرف المستهلكون -أحيانًا- بطريقة غير عقلانيّة، وذلك لأن هناك كثيرًا من العوامل المختلفة غير السعر، التي تحكم سلوك الزبناء في السوق. إن دفع مبلغ كبير يعجز معظم الناس عن تحمّله لشراء منتج معيّن، قد يبدو أمرًا غير منطقي، ولكن بعضهم قد يُقدم على ذلك بحثًا عن الرفعة، والمكانة الاجتماعيّة، كما أن هناك أشخاصًا يرفضون شراء أي منتج عليه حسم، وهناك آخرون لا يشترون منتجًا دون أن يكون عليه حسم، كذلك قد تتجه بعض الشركات إلى توظيف مستشار براتب 10 آلاف دولار، على الرغم من أنها تستطيع توظيف مستشار آخر ليتولى المهام نفسها مقابل 5,000 دولار فقط، إلا أن هذه الشركات ترغب ببساطة أن تظهر للشركات الأخرى أنها أكثر نجاحًا.

وتوجد في كثير من المجتمعات ظاهرة غير عقلانيّة أخرى -من وجهة نظر أصحاب النموذج الاقتصادي- ألا وهي المنظمات الحكوميّة وغير الحكوميّة، التي تقدّم البضائع، والخدمات، للأفراد الذين لا يستطيعون شراءها، مجانًا، أو بتكلفة بسيطة للغاية.

وفي ظل جميع ما تقدّم، يجب على المسؤولين عن تحديد الأسعار، وأن يكونوا على دراية بالنموذج العقلاني، وغير العقلاني على حدٍ سواء، وذلك لأن المجتمع قد يحتوي على النموذجين في الوقت ذاته، كما أن الاقتصار على أحد النموذجين دون الآخر ليس قرارًا صائبًا.

نظرة المسوّق إلى السعر

يولي المسوّقون للسعر أهميّة بالغة، فهو يمثل قيمة المنتج، أو الخدمة في نظر المستهلكين، ولكن ثمة كثير من العوامل التي تؤثر على طريقة تعامل المسوّقين مع السعر.

تساهم المنافسة الأجنبيّة في زيادة الضغط على استراتيجيّات التسعير لدى الشركات المحليّة، فالعديد من المنتجات الأجنبيّة تتمتع بجودة عاليّة، وسعر منخفض نسبيًا، وهو ما يزيد من قيمتها في نظر المستهلك، وكذلك قدرتها على المنافسة.

يحاول المنافسون في كثير من الأحيان زيادة الحصّة السوقيّة من خلال خفض الأسعار، لأن ذلك يؤدي إلى زيادة الطلب لدى المستهلكين الذين يحملون حساسيّة تجاه الأسعار.

لقد بات ظهور المنتجات الجديدة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، ولكن تسعير هذه المنتجات يمثل تحديًا فريدًا من نوعه، وخصوصًا عند عدم وجود أي سابقة، أو أساس تاريخي، يمكن التسعير بناءً عليه، وإذا اتُخذ قرار التسعير بصورة غير صحيحة، فإن السوق سوف يتفاعل على نحو سلبي مع المنتج الجديد، فالسعر \"الخطأ\" يضر بفرص نجاح المنتج على المدى البعيد.

لقد أدت التقنيات الحديثة إلى تقصير دورة حياة المنتج في السوق، وذلك في ظل دخول منتجات جديدة إليه باستمرار، ونتيجة لذلك، يسعى المسوّقون إلى تسعير المنتجات على نحو يتيح استعادة التكاليف بسرعة، قبل خروج المنتج من السوق، باختصار يجب عند تحديد أسعار المنتجات مراعاة عوامل عديدة، مثل: سرعة نمو المبيعات، والاختراق السريع للسوق، وسرعة استرداد تكاليف البحث، والتطوير.

أهداف التسعير

تعتمد الشركات على السعر لتغطية تكاليف الإنتاج، ودفع المصروفات، وتحقيق الأرباح، والتي تُعد الحافز الأساس الذي يدفع أي شركة لمواصلة العمل، ويمكن تلخيص أهداف التسعير بأنها مساعدة الشركة على:

(1) البقاء.

(2) جني الأرباح.

(3) تحقيق المبيعات.

(4) الاستحواذ على حصة كافية من السوق.

(5) بناء صورة ملائمة.

  • البقاء: من البديهي أن يسعى معظم مديرى الشركات إلى تبني استراتيجيات تمكن شركاتهم من مواصلة العمل على المدى البعيد، وبالنسبة إلى أي شركة تجاريّة، فإن السعر هو ما يعود على الشركة بالإيرادات، وإذا أصبحت الإيرادات أقل من التكاليف لفترة طويلة من الزمن، فلن تستطيع الشركة البقاء.

  • الربح: يرتبط البقاء بالربح ارتباطًا وثيقًا، وقد يتلخص هدف الشركة في تحقيق أرباح بقيمة 500,000 دولار خلال العام اللاحق، وبالتالي فإن أي مقدار من الأرباح دون هذا المبلغ يُعد فشلًا، ويجب على جميع الشركات أن تسعى إلى تحقيق أرباح بعيدة المدى، وذلك لإرضاء أهم مكوّنات الشركة، وهم المساهمون، وفي المقابل، فإن انخفاض الأرباح، أو عدم تحقيق أرباح بالمطلق، سوف يؤدي إلى انخفاض أسعار أسهم الشركة، وسوف يترك آثارًا كارثيّة عليها.

  • المبيعات: كما أن البقاء يتطلب تحقيق أرباح بعيدة المدى، فإن تحقيق الأرباح يتطلب وجود مبيعات في البداية، وكما اتضح لك -سابقًا- في هذا الكتاب، فإن عمل إدارة التسويق يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإدارة الطلب، وتنظيم المبيعات.

  • الحصّة السوقيّة: تسعى الإدارة في أي شركة، صغيرة أم كبيرة، إلى الاستحواذ على حصّة كافيّة من السوق والحفاظ عليها، وذلك لتحقيق قدر ملائم من المبيعات، يمكّن الشركة من البقاء والازدهار. وتُعد استراتيجيّة التسعير إحدى الأدوات التي تساعد على جذب الشرائح التسويقيّة بأعداد كافيّة، وبالتالي، الاستحواذ على حصة ملائمة من السوق.

  • الصورة: تؤثر سياسات التسعير بصورة مباشرة على نظرة المجتمع إلى الشركة، واحترامه لها، إذ يُعد السعر من أبرز عناصر التواصل وأوضحها، لذلك يجب أن يترك السعر على المجتمع انطباعًا، بأن الشركة تقدّم منتجات موثوقًا بها، ذات قيمة جيّدة، وبأسعار عادلة.

بناء استراتيجية التسعير

قد يبدو تسعير المنتج، أو الخدمة أمرًا بسيطًا، إلا أنه في الحقيقة ليس كذلك، ويرى بعض المتخصصين \"أنه على الرغم من الحديث عن استخدام المسوّقين لأساليب عمليّة لتحديد أسعار المنتجات، إلا أن ذلك ليس صحيحًا بالمطلق، والحقيقة أن التسعير أشبه بلعبة التخمين.\"^3^

إن استراتيجيّة التسعير الجيّدة تستند -عادة- على قدرة المسوّقين على فهم التسعير من وجهة نظر كل من الزبناء، والمجتمع، وكذلك الخروج بافتراضات دقيقة بناءً على هذا الفهم، ومن الواضح أن التسعير لن يكون ناجحًا، ما لم يأخذ في الحسبان وجهة نظر الزبناء، وأنه يجب على الشركة ألّا ترفع الأسعار على نحو يضر بالمجتمع، قد تبدو الموازنة بين هذه العوامل صعبة قليلًا، ولكن شركة هيرتز (Hertz) لتأجير السيارات تمكنت من ذلك، كما يظهر في صندوق \"التسويق المتكامل\" أدناه.

التسويق المتكامل

كيف تختار السعر الأمثل؟

تتميّز شركة هيرتز (Hertz) لتأجير السيارات بقدرتها على معرفة المواعيد التي يزداد، أو يقل فيها الإقبال على استئجار سيارات الشركة، وذلك من خلال تتبع الطلب على مدار ست السنوات الماضية، إذ يقول واين ميسيرو (Wayne Meserue) مدير التسعير، والعائدات في الشركة: "إننا نعرف الفترات التي يتراجع، أو يزداد فيها الطلب على سياراتنا خلال العام، وذلك من خلال دراسة الأداء، والتغيّرات الموسميّة في السنوات السابقة" وحتى تتمكن الشركة من تحقيق التوازن، فإنها تستخدم استراتيجيّة تسعير خاصّة، تُطلق عليها اسم "إدارة الغلّة" وهي استراتيجيّة تعتمد على مراقبة حركة العرض، والطلب باستمرار، كما أنها تستند إلى عاملين أساسين، وهما: معدل التكلفة، ومدّة التأجير.

ويواصل ميسيرو: "يُعد السعر أداة مشروعة لتحقيق التوازن، إنها مغامرة، ولكنها مغامرة محسوبة بالطبع، فنحن نتابع الطلب يوميًا، ونعدّل الأسعار وفق ما تقتضيه الحاجة."

وتستعمل الشركة مدّة الإيجار باعتبارها أداة من أدوات إدارة الغلّة، فعلى سبيل المثال: جعلت الشركة الحد الأدنى لاستئجار السيارات خلال يوم الرؤساء في الولايات المتحدة ثلاث ليال، وفي هذا السياق يقول ميسيرو: "إننا لا نرغب بخسارة شخص يرغب باستئجار سيارة لمدّة خمس ليال، لأننا أجرنا السيارة لشخص آخر لمدّة ليلة واحدة فقط." مضيفًا أن تحديد الحد الأدنى لعدد أيام الاستئجار يصب في صالح الشركة في أغلب الأحيان، ويؤدي إلى زيادة عدد أيام التأجير بالمجمل.

إن وجود استراتيجيّة تسعير ذكيّة يُعد أمرًا ضروريًا لزيادة هامش الأرباح، وتقليل العرض في الوقت ذاته، ولكن، وفقًا لروبرت دولان (Robert Dolan) أستاذ التجارة بجامعة هارفارد (Harvard) فإن 15% فقط من الشركات الكبرى تستخدم أبحاث التسعير، ويقول دولان: "الناس لا يدركون أن رفع الأسعار بمعدّل 1% فقط يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدّل الأرباح." على سبيل المثال: إذا كان هناك متجر يضيف هامش ربح بمعدّل 2% على السعر الأصلي، فإن زيادة هذا الهامش بمعدّل 1% فقط تعني رفع الأرباح بمعدّل 33%. ولكن دولان يشير إلى "أن فكرة التسعير الذكي لا تكمن في زيادة 1% على الجميع، وإنما زيادة 10% على 10% من الزبناء، أي أنه يتوجب على الشركة إيجاد الشرائح التسويقيّة المستعدة لتقبّل هذه الزيادة" ووفقًا لدولان، فذلك لا يعني أن الشركات تستطيع تحميل الزبناء أي زيادة في التكاليف لديها بصورة آليّة، أمّا لو كانت هذه التكاليف تؤثر على السوق، أو مجال العمل بأكمله، فمن الممكن حينها تحميل هذه التكاليف للزبناء بسهولة، وذلك لأن المنافسين سوف يفعلون الشيء ذاته على الأغلب.

ويشير دولان إلى نقطة أساسيّة أخرى في التسعير الذكي، وهي تحديد الأسعار بناءً على قيمة المنتج في نظر المستهلك، وعلى الرغم من كثرة حديث المسوّقين عن التركيز على المستهلك، إلا أنهم يعتمدون على التكاليف عند تحديد الأسعار، والحقيقة أن الشركات تستطيع تحقيق قدر كبير من الأرباح، من خلال تخصيص أسعار معيّنة لكل فئة من الزبناء، وذلك بناءً على عوامل مثل السن، ومكان الإقامة.

إن أي قرار تسعير قد تتخذه أي شركة يجب أن يعالج مخاوف الشركة حول موقعها التنافسي في السوق، ويتجلى ذلك من خلال استراتيجيّة المنافسة السعريّة، واستراتيجيّة المنافسة غير السعريّة.

المنافسة غير السعرية

وتعني المنافسة غير السعريّة استخدام الشركات استراتيجيات أخرى عدا السعر في استقطاب الزبناء، مثل: الإعلانات، وخدمات الائتمان، والتسليم، والمعارض، والعلامات التجاريّة الخاصة، ويفضل رجال الأعمال استخدام المنافسة غير السعريّة، وذلك بسبب مزاياها الكبيرة.

أضف إلى ذلك أن المنافسة على أساس السعر قد تضر بقدرة الشركة على تحقيق الأرباح، وللأسف، تعتقد معظم الشركات أن المنافسة على أساس السعر هي مجاراة أسعار المنافسين المتدنيّة، وليس التسعير بطريقة أذكى، لذلك يُفضل عدم الخوض في المنافسة السعريّة من الأساس، وذلك لأسباب متعددة، لعل من أبرزها: أن السعر ليس هو العامل الوحيد الذي يمنح الشركة الميزة التنافسيّة.

المنافسة السعريّة

إذا قررت الشركة الاعتماد على التسعير في استراتيجيّة المنافسة لديها، فثمة كثير من الأدوات، والأساليب، التي يمكنها استخدامها، وتبدأ عمليّة التسعير في هذه الحالة بتحديد أسلوب تعامل الشركة مع السوق.

أساليب التعامل مع السوق

يُعد السعر معيارًا مهمًّا للغاية لدى الزبناء عند الموازنة بين المنتجات المختلفة، كما أنه يلعب دورًا مهمًا في تحديد موقع الشركة في السوق، وبصفة عامة، تستطيع الشركة أن تختار أسعارًا أعلى، أو أدنى من منافسيها، أو مساوية لهم، ولكل خيار مزاياه، وعيوبُه.

التسعير المساوي للمنافسين

تحاول كثير من الشركات تحديد أسعارها بناءً على متوسط الأسعار لدى أبرز الشركات المنافسة، فالسيارات المتشابهة في الحجم، والمواصفات، تُباع في الغالب بأسعار متشابهة، وتستخدم الشركات في هذه الحالة أدوات أخرى لاستقطاب الزبناء، مثل: جودة الإنتاج، والخدمات، والإعلانات الإبداعيّة، وغيرها من عناصر المزيج التسويقي.

ويكمن مفتاح تنفيذ هذه الاستراتيجيّة في تحديد المنافسين بصورة دقيقة، والتعرّف على أسعارهم، إن صانع الأحذية اليدويّة لا يدخل في منافسة مع مصانع الأحذية الكبيرة بالطبع، وإذا حاول أن ينافسها في أسعارها، فإنه لن يتمكن من تحقيق الأرباح بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج لديه، والحقيقة أن صانع الأحذية هذا في منافسة مع غيره من صانعي الأحذية اليدويّة. ويمكن القول: إن التعرّف على المنافسين، وأسعارهم، يسمح لمدير الشركة بتنفيذ هذه الاستراتيجيّة على نحو فعّال، ولهذا تتفقد البنوك بعضها باستمرار، للتأكّد من أسعار الخدمات التي تقدّمها.

التسعير أعلى من المنافسين

يمكن للتسعير الأعلى من تسعير المنافسين أن يعود على الشركة بمزيد من الفوائد، شريطة فهم أهداف هذه السياسة بدقة، واستخدام مزيج تسويقي ملائم، يمكّن الشركة من تنفيذ هذه السياسة بنجاح.

ويتطلب التسعير الأعلى من تسعير المنافسين بصفة عامة، وجود ميزة تنافسيّة واضحة في أحد العناصر غير السعريّة في المزيج التسويقي، وفي بعض الأحيان، تكون جودة المنتج هي ما يدفع الزبناء المحتملين إلى شرائه، على الرغم من ارتفاع سعره، ولكن هذه الاستراتيجيّة قد تكون خطيرة في عالم اليوم، الغني بالمعلومات، فقد أصبح هناك كثير من المواقع، والمجلات المختصة في الموازنة بين المنتجات المختلفة بطريقة محايدة، ومبسطة للمستهلك، وبالتالي فإن مفتاح النجاح هو أن تثبت للزبناء أن منتجك يستحق فعلًا سعرًا أعلى من المنتجات الأخرى.

التسعير الأقل من تسعير المنافسين

في حين أن بعض الشركات يميل إلى رفع الأسعار فوق أسعار المنافسين؛ تحاول شركات أخرى الاستحواذ على حصّة أكبر من السوق، وذلك من خلال خفض الأسعار دون أسعار المنافسين، وتهدف هذه السياسة -عادةً- إلى زيادة حجم المبيعات من خلال خفض السعر، وتقليص هامش الأرباح، ومع ذلك تستطيع هذه الشركات تحقيق قدر معقول من الأرباح، على الرغم انخفاض هامش الربح في الوحدة الواحدة.

وتزداد فاعليّة هذه الاستراتيجيّة عندما يكون جزء كبير من السوق حساسًا تجاه السعر، أو تكون تكاليف العمل لدى الشركة أقل من المنافسين، ويمكن للشركة أن تقلل التكاليف من خلال زيادة الفاعليّة، وحجم الإنتاج، أو تقليص بعض الأمور، أو إلغائها بالكليّة، مثل: خدمات الائتمان، والتسليم، والإعلانات، فعلى سبيل المثال: تستطيع شركة ما أن تقلل التكاليف من خلال الاستغناء عن مندوبي المبيعات، والاستعانة بدلًا من ذلك بالتسويق عن بعد، أو التسويق الإلكتروني، ومع ذلك، قد تؤدي هذه التقليصات إلى تراجع فاعليّة الشركة، وهو ما يوجب دراستها بعناية قبل الإقدام عليها.

تاريخيًا، كانت "حروب الأسعار" من أسوأ التداعيات الناتجة عن التسعير الأقل من المنافسين، وتحدث حروب الأسعار -عادةً- عندما تعتقد الشركة أن خفض السعر سيؤدي إلى زيادة حصتها في السوق، ولكنها لا تمتلك أي تفوّق حقيقي على الشركات الأخرى فيما يتعلق بتقليص التكاليف، وتُحْدِثُ حروبُ الأسعار ردود فعل كبيرة، تجاه تهديدات ليست موجودة بالمطلق، أو تهديدات ليست كبيرة كما تبدو عليه، وكل ذلك نتيجة سوء فهم الشركات المتنافسة لبعضها.

كما أن عدم قدرة الشركة على رفع الأسعار، أو تحسين صورتها في نظر المستهلكين؛ يعد من أخطر عيوب هذه الاستراتيجيّة، فقد وجدت شركة كيه مارت (K-mart) -المعروفة بأنها متجر للحسومات- صعوبة كبيرة في بيع الملابس النسائيّة الراقيّة.

ولكن كيف تستطيع الشركات التكيّف مع ضغط الأسعار المنخفضة، وخصوصًا في ظل هوس المستهلكين في الوقت الحالي بالحسومات والعروض؟ بعض الشركات تلجأ إلى إعادة تصميم منتجاتها على نحو يسهل عمليّة الإنتاج، ويسرعها، أو إلى تقليص المزايا المكلفة التي لا تحظى بتقدير المستهلكين، في المقابل، تلغي شركات أخرى الحسومات، والعروض، وذلك حتى تتمكن من توفير سعر منخفض بصورة دائمة.

تسعير المنتجات الجديدة

يختلف التسعير بعض الشيء في حالة المنتجات الجديدة، إذ إن المنافسة في هذه الحالة تكون قليلة، أو معدومة، ولكن كيف يمكن تحديد الأسعار في هذه الحال؟ ثمة استراتيجيتان أساسيتان لتسعير المنتج، وهما:

اختراق السوق.

وكشط السعر.

أمّا استراتيجية اختراق السوق، فتُستخدم -عادةً- في مرحلة طرح المنتج في السوق، وهي تعني خفض الأسعار، والقبول بهامش ضيّق من الأرباح، من أجل تحقيق قدر أكبر من المبيعات، وترسيخ وجود المنتج الجديد في السوق.

وأمّا استراتيجيّة كشط السعر فهي تستهدف الجزء الأعلى من منحنى الطلب، أي رفع الأسعار لزيادة هامش الأرباح، بينما تظل المبيعات محدودة، ومقتصرة على الزبناء المستعدين لدفع مبلغ كبير لشراء المنتج الجديد. (ينظر الشكل رقم 30).

003penetrationandskimming.png

الشكل رقم 30: اختراق السوق، وكشط السعر: استراتيجيات التسعير، وارتباطها بمنحنى الطلب.

يعتمد اختيار الاستراتيجيّة الأمثل على عدد من العوامل، إذ تُعد استراتيجية اختراق السوق أكثر ملاءمة عند توفّر الظروف الآتية: حساسيّة الزُّبُنِ تجاه السعر، انخفاض التكاليف، وجود توقعات بدخول شركات منافسة إلى السوق بسرعة، احتماليّة تقبّل الزُّبُنِ المحتملين للمنتج بسرعة، وجود موارد كافية لدى الشركة، لتلبيّة الطلب المتزايد، وتغطية المبيعات الجديدة.

في المقابل، تُعد استراتيجيّة كشط السعر، ملائمة عند توفّر الظروف المعاكسة، ويكثر استخدام هذه الاستراتيجيّة عندما يكون المنتج مميزًا، ولكن كلمة \"مميز\" هنا لا تعني بالضرورة ارتفاع تكاليف الإنتاج، والمواد الخام، بل ربما تشير إلى ندرة المنتج، أو ارتفاع الطلب عليه، مثل تذكرة بسعر 500 دولار لدخول مباريات كأس العالم، أو سيارة رياضيّة محدودة الإنتاج بسعر 80,000 دولار، كما قد تستطيع الشركة بفضل الحماية القانونيّة، وبراءات الاختراع، أن تحافظ على حق الإنتاج الحصري للمنتج، مما يسمح لها برفع الأسعار كما تشاء، وهو ما استطاعت شركة إنتل (Intel) أن تفعله مع معالجات بنتيوم (Pentium) لفترة طويلة من الزمن، ومع ذلك، تلجأ الشركات في معظم الحالات إلى خفض السعر تدريجيًا للرد على المنافسين الجدد، وإتاحة الفرصة أمام المزيد من الزبناء لتجربة المنتج.

لمحة: خطر الحواسيب المجانيّة

لا يوجد شيء يُسمى حاسوب مجاني، ولكن بالنظر إلى الكم الهائل من العروض التي تقدّم حواسيب مجانيّة، أو حواسيب بحسومات هائلة، قد يظن المرء أن قواعد الاقتصاد، وحتى المنطق السليم لم تعد مجدية، ولكن الحقيقة أن هذه العروض تأتي مع عدد كبير من الحيل، الأمر الذي يتطلب إلقاء نظرة فاحصة عليها، صحيح أن بعضها عبارة عن صفقات خاسرة، ولكن بعضها الآخر قد يتيح توفير كثير من المال، ولكن للزبون اليقظ فقط.

وتنقسم هذه العروض إلى فئتين: الفئة الأولى: يحصل الزبون من خلالها على حاسوب مجاني، مع اتصال مجاني بالإنترنت، ولكن يتوجب عليه القبول بكم هائل، ومتواصل من الإعلانات على شاشة الحاسوب.الفئة الأخرى: يحصل الزبون من خلالها على حاسوب مجاني، أو حاسوب مع حسم كبير، مقابل توقيع عقد طويل المدى للحصول على خدمة إنترنت مدفوعة الثمن.

قد تبدو العروض في الفئة الثانية جذابة، ولكن الالتزام بدفع 700 دولار، أو أكثر مقابل خدمة الإنترنت، قد لا يكون أمرًا ملائمًا للجميع، فبعض الفئات قد لا ترى فائدة من هذه العروض، ومنها طلاب الجامعات، إذ إن معظم الجامعات -تقريبًا- مزوّدة باتصال إنترنت مجاني، وعالي السرعة في أغلب الأحيان، كما قد لا تكون هذه العروض ملائمة لأولئك الذين يستخدمون الإنترنت بوتيرة كبيرة للغاية، أو قليلة للغاية، فأولئك الذين يرغبون بالاتصال بالإنترنت -فقط- من أجل قراءة البريد الإلكتروني، أو تصفح الإنترنت، ربما يجدر بهم شراء حاسوب رخيص، ودفع 10 دولارات شهريًا لأي مزوّد إنترنت. أمّا في حالة مدمني الإنترنت، فقد لا يكون الالتزام بخدمة الإنترنت محددة لمدّة ثلاث سنوات خيارًا جذّابًا للغاية، وخصوصًا في ظل التطور السريع للإنترنت، والتقنيات المصاحبة له.

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن هذا الأسلوب لا يقتصر على الحواسيب فقط، بل ينطبق -أيضًا- على سائر المنتجات التسويقيّة، وعلى سبيل المثال، قد تبيعك شركة نستله الشهيرة ماكينة قهوة مجانًا أو بسعر زهيدٍ للغاية، مقابل شراء منتجات قهوة فاخرة وباهظة الثمن من الشركة ذاتها.

خطوط الأسعار

تُعد خطوط الأسعار مفهومًا شائع الاستخدام، ولابدّ أنك قد مررت به في حياتك اليوميّة، فأسعار ربطات العنق قد تبلغ 15 أو 17 أو 20 أو 22.5 دولارًا، أما أسعار سراويل الجينز فقد تبلغ 30 أو 32.95 أو 37.95 أو 45 دولارًا، ولكن يجب أن يكون كل سعر بعيدًا بما فيه الكفاية عن الآخر، وذلك حتى يتسنى للزُّبُنِ رؤية الفرق في الجودة بين المنتجات في كل فئة سعرّية، وترتبط خطوط الأسعار -عادةً- ببضائع التسوّق، مثل الملابس، والأجهزة الكهربائيّة، والأثاث، أكثر من منتجات أخرى، مثل: الخضراوات، وذلك لأن الزُّبُنَ لا يبذلون كثيرًا من الجهد في المقارنة بين المنتجات في حالة الخضراوات.

تحقق خطوط الأسعار عددًا من الأهداف التي تعود بالفائدة على الزبن، والبائعين على حد سواء، فالزبن يرغبون بمجموعة واسعة من الخيارات، وخصوصًا فيما يتعلق ببضائع التسوّق، ومع ذلك، قد يؤدي الاختلاف الضئيل في السعر إلى إرباكهم، فإذا كانت أسعار ربطات العنق تبلغ 15 و15.35 و15.75 دولارًا على سبيل المثال، فإن عمليّة الاختيار سوف تصبح أصعب، ولن يتمكن المستهلك من إدراك الفرق في الجودة بين المنتجات، لذا يمكن القول: إن منح الزبون خيارات سعريّة محدودة نسبيًا يقلل حجم الارتباك لديه.

أمّا من وجهة نظر البائع، فثمة -أيضًا- كثير من الفوائد لخطوط الأسعار:

أولًا- وجود عدد محدود من الفئات السعريّة يجعل مزيج المنتج أبسط، وأكثر فاعليّة.

ثانيًا- تساعد خطوط الأسعار على تقليص عدد المنتجات في المخازن، الأمر الذي يسهل عمليّة إدارتها، ويسرّع دوران المخزون.

ثالثًا- في حالة تغيّر التكاليف؛ إمّا زيادة، أو نقصانًا، فإن الأسعار تظل كما هي، على الرغم من التغيّر في جودة المنتج، على سبيل المثال: ربما تكون قد اشتريت ربطة عنق بقيمة 20 دولارًا قبل 15 عامًا، وربما مازال باستطاعتك اليوم شراء ربطة عنق بالسعر نفسه، ولكن من المستبعد أن تكون ربطة العنق اليوم بجودة ربطة العنق ذاتها، التي اشتريتها في الماضي، وعلى الرغم من احتمالية ملاحظة الزبن لفروق الجودة بين الربطتين، إلا أنهم مازالوا يستطيعون شراء ربطة عنق بـ 20 دولارًا، وهذا هو المهم، وبالتالي، يمكن القول: إن العلاقة بين السعر، والجودة تتغيّر في فترات التضخّم.

رابعًا- تساعد خطوط الأسعار على تسهيل عمليّة البيع، فوجود عدد محدد من الأسعار، يعني أن مندوبي المبيعات يستطيعون معرفتها وتذكرها بسهولة، الأمر الذي يجعلهم أكثر راحة، وأبعد عن الخطأ، كما أن هذا الجو الإيجابي لدى مندوبي المبيعات، سوف ينعكس -أيضًا- على المستهلكين، كما تمنح خطوط الأسعار لمندوب المبيعات قدرًا من المرونة، وتمكنّه من تقديم أكثر من خيار للزبون بحسب قدراته الماديّة.

مرونة السعر

تعني سياسة التسعير المرنة التفاوض على السعر في كل عملية تبادل بصورة منفصلة، وتُعد هذه السياسة شائعة وخصوصًا عند البيع في الأسواق الصناعيّة، التي تكون فيها الصفقات كبيرة بالعادة، وفي هذه الحالة، قد يبدأ المشتري عمليّة التبادل من خلال طلب تقديم عطاء لمنتج، أو خدمة معيّنة، وفق مواصفات محددة، أو قد يلجأ المشتري إلى اختيار المورد مباشرة، ثم التفاوض معه على أفضل سعر ممكن، ويمكن القول: إن التسويق الفعّال في العديد من الأسواق الصناعيّة، يتطلب إظهار قدر من المرونة فيما يتعلق بالسعر.

الحسومات، والعروض

إلى جانب تحديد السعر الأساس للمنتجات، والخدمات، يجب على مديري التسويق -أيضًا- وضع سياسات محددة لاستخدام الحسومات والعروض، إذ ثمة كثير من أنواع الحسومات المختلفة، والتي يهدف كل منها إلى تحقيق غاية محددة.

الحسومات على الكميّات وهي حسومات على السعر الأساس، نتيجة لشراء الزبون كميّة محددة مسبقًا من المنتج، وقد يكون هذا النوع من الحسومات تراكميًا، أو غير تراكمي، ففي حالة الحسم غير التراكمي، تُعامل كل عمليّة شراء على حدة، وذلك بهدف تشجيع الزبون على شراء كميّة أكبر في كل مرّة، وتساعد هذه الطريقة البائع على تقليل تكاليف التخزين، وتمنع الزبون من الانتقال إلى بائع منافسة، حتى انتهاء الكميّة التي اشتراها على الأقل، أمّا في حال الحسم التراكمي، فإن احتماليّة حصول الزبون على الحسم، تزداد مع كل عمليّة شراء حتى يصل إلى الكميّة المحددة -مسبقًا- للحسم، وتدفع هذه الطريقة الزبون إلى العودة مرة بعد أخرى لشراء المنتج من البائع نفسه، فعلى سبيل المثال: يكثر استخدام هذه الطريقة لدى تجار مواد البناء، وذلك بهدف تشجيع المقاولين على مواصلة التعامل معهم، ومع ذلك، يجب الإشارة إلى صعوبة الدفاع عن هذه الطريقة في المحاكم عند مهاجمتها قانونيًا.

الحسومات الموسميّة هي حسومات على أسعار المنتجات التي انتهى موسمها، مثل الحسومات على الزلاجات الثلجيّة في فصل الصيف. وتهدف هذه الحسومات -عادةً- إلى توزيع الطلب، والتأكد من استغلال المنشآت الإنتاجيّة، وتحسين تدفق السيولة النقديّة على مدار العام. وتستخدم شركات توليد الكهرباء فكرة الحسومات الموسميّة، لتشجيع الزبن على نقل استهلاك الكهرباء إلى أوقات أخرى، غير أوقات الذروة، إذ إن قدرة الإنتاج لدى هذه الشركات يجب أن تلبّي الحد الأقصى من الطلب، وتقليل هذا الحد يعني تقليل قدرة التوليد المطلوبة.

الحسومات النقديّة هي حسومات على السعر الأساس، تُقدّم للمستهلكين الذين يدفعون نقدًا، أو خلال فترة زمنيّة قصيرة، مثل تقديم حسم بمعدل 2% عند دفع فاتورتين خلال 10 أيام. وتهدف هذه الطريقة -عادةً- إلى تسريع تدفق السيولة النقديّة.

الحسومات التجاريّة هي حسومات تُمنح للوسطاء (مثل: تجار الجملة، وتجار التجزئة، والموزعين الصناعيين)، وذلك لتشجيعهم على شراء كميات كبيرة من المنتج، وتخزينها لديهم، أو معاملة منتجات الشركة معاملةً خاصّة، فعلى سبيل المثال: قد تقدّم شركة صابون لتاجر التجزئة حسمًا بقيمة 20% مقابل شراء كميّة أكبر من الصابون، وتخزينها لديه، كما قد تمنح الشركات حسومات من هذا النوع بهدف شغل المساحة على الرفوف في المتاجر، أو حجز موقع متميز لمنتجاتها فيها.

الحسومات الشخصيّة تستهدف الوسطاء، وتهدف إلى تشجيعهم على ترويج منتجات الشركة بقوّة، فعلى سبيل المثال: قد تعرض شركة متخصصة في صناعة الأثاث، دفع جزء من تكاليف الإعلان الخاصة بتاجر التجزئة مقابل موافقة الأخير على وضع العلامة التجاريّة للشركة في إعلاناته.

تقدّم بعض الشركات، وتجار الجملة، جوائز ماليّة خاصّة لتجار التجزئة، وذلك حتى يقدّموها لمندوبي المبيعات لديهم، مقابل التركيز على ترويج منتجات الشركة، وتكثر هذه الطريقة في الإلكترونيات، والملابس، وخصوصًا في المنتجات الجديدة، أو الباهظة الثمن، أو المنتجات التي لا تُباع بسرعة.

تُستخدم حسومات المقايضة، والبدل عندما يرغب الزبون باستبدال المنتج، ويُعد هذا النوع من الحسومات ضروريًا للغاية، لتسويق بعض أنواع المنتجات، فعلى سبيل المثال: إذا كانت هناك شركة بناء تمتلك آلة لتمهيد الطرقات بقيمة 70,000 دولار، وتريد شراء واحدة جديدة، فلن تتجه بالتأكيد للشراء من شركة لا تقبل البدل، وخصوصًا عندما توجد شركات أخرى مستعدة لذلك.

التسويق المتكامل

اختر السعر الذي يناسبك!

لعلك تعرف الممثل ويليام شانتر؛ الذي أدى دور الكابتن كيرك في فيلم ستار تريك، لقد كانت شخصيّة الكابتن كيرك في الفيلم مثالًا للمهنيّة، والنزاهة، والموت بالنسبة إليه أهون من التراجع، ومع ذلك، شارك الممثل ويليام شانتر في عدد من الإعلانات الغريبة، لصالح شركة برايسلاين.كوم (Priceline.com). ولكن لماذا قد يفعل شانتر ذلك؟ ربما لأنه يستمتع بذلك، ويحصل على كثير من المال، كما أن العمل لصالح شركة ناجحة، يُعد أمرًا مثيرًا بالتأكيد.

لقد ابتكرت شركة برايسلاين.كوم نظامًا يتيح لزبنائها اختيار السعر الذي يرونه مناسبًا، وذلك يشمل تذاكر الطيران، والخضراوات، والسيارات، والوقود، ودقائق الهاتف، ومجموعة كبيرة من المنتجات الأخرى، في المقابل، يدرس كثير من الشركات، والفنادق، إطلاق خدمات إلكترونيّة خاصّة بها، لسحب البساط من تحت شركة برايسلاين، وذلك يعني أن الشركة سوف تواجه منافسة قويّة من مورديها.

لقد بات كثير من الفنادق التي تبيع الغرف الفائضة لديها عبر برايسلاين، بالتفكير جديًّا في إطلاق شركات خاصة بها لتوزيع الخدمات عبر الإنترنت، إذ تخشى هذه الفنادق أن تفقد السيطرة على زبنائها، في ظل تسليم المبيعات لشركة برايسلاين، كما يحمل كثير من خطوط الطيران المخاوف ذاتها تقريبًا. ولكن حتى تظل برايسلاين في الصدارة، قررت طرح 18 منتجًا جديدًا، ففي بادئ الأمر، كانت الشركة تحصّل 90% من عائداتها من تذاكر الطيران، والسيارات المستأجرة، وغرف الفنادق، ومع ذلك، كانت تقديرات الشركة تشير إلى أن 50% من عائداتها سوف تأتي من مصادر أخرى بحلول عام 2003.

لقد أتاحت الشركة في يونيو 2000 لزبنائها اختيار السعر الذي يريدونه للمكالمات الهاتفيّة البعيدة، والوقود، والرحلات البحريّة، وبحلول نهاية العام 2000، بدأت برايسلاين ببيع حزم كبيرة من دقائق المكالمات الهاتفيّة للشركات الصغيرة، كما أنها كانت تخطط لتزويد هذه الشركات بخدمات الإعلانات، والشحن، علاوة على ذلك، بدأت الشركة بالعمل على إقامة مشاريع مشتركة مع كثير من الشركات في هونج كونج، وأستراليا، واليابان، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية.

وفي ظل جميع ما تقدّم، يعتقد مديرو شركة برايسلاين، أنهم يسيرون في المسار الصحيح نحو بناء شركة حسومات قويّة.

حزم الأسعار

تُعد حزم الأسعار من استراتيجيّات التسعير الشائعة للغاية، وهي تعتمد على جمع عدد من المنتجات المتشابهة، أو المتكاملة -معًا- وبيعها بسعر إجمالي أقل من سعر بيعها منفردة، ويتبع هذه الاستراتيجيّة كثير من الشركات، مثل: كومكاست (Comcast) ودايركت تي في (Direct TV) وتيلسترا (Telstra)، وتستند هذه الاستراتيجيّة إلى فرضيّة مفادها: أن الزيادة في المبيعات، سوف تعوّض انخفاض هامش الأرباح، كما يمكن -أيضًا- استخدام هذه الاستراتيجيّة لبيع منتج غير مشهور، من خلال ربطه بمجموعة من المنتجات المشهورة الأخرى. ومن الواضح أن شركات الخدمات الماليّة، والاتصالات، من أكثر مستخدمي هذه الاستراتيجيّة.

الجوانب النفسيّة في التسعير

يحمل السعر -كما هو الحال في جميع عناصر المزيج التسويقي الأخرى- معاني عديدة أكثر من مجرد التعبير عن مقدار ما يدفعه المستهلك لشراء المنتج، ويُشار إلى هذه المعاني -عادة- بأنها: "الجوانب النفسيّة للسعر" ويُعد استنتاج جودة المنتج بالنظر إلى سعره من الأمثلة على هذه الجوانب النفسيّة، فعلى سبيل المثال: قد يفترض الزبون أن بدلة سعرها 500 دولار أعلى جودة من بدلة سعرها 300 دولار، وذلك بالحكم عليها انطلاقًا من السعر -فقط- ولكن الحقيقة قد تكون مغايرة عند النظر إلى المواد الخام، وجودة الإنتاج، كذلك قد يستطيع البائع رفع أسعار منتجاته باستخدام أساليب غير سعريّة، مثل تقديم مجموعة متنوعة من المنتجات، وخدمات الائتمان، وتلبيّة بعض الحاجات النفسيّة لدى المستهلك، مثل: تعزيز ثقة المستهلك بنفسه، وفي بعض الحالات، يدفع المستهلك سعرًا أعلى، لأنه ببساطة لا يمتلك المعلومات الكافية، أو مهارة الموازنة بين المنتجات أثناء التسوّق، وقد يزداد الطلب على بعض المنتجات، والخدمات، بالتزامن مع رفع السعر، وتُعرف هذه الحالة بالتسعير المرتفع، أو تسعير البرستيج، وقد تنطبق على بعض المنتجات الباهظة، مثل: المعاطف المصنوعة من الفراء.

يحمل الزبن في أذهانهم أسعارًا معيّنة تجاه المنتجات، والخدمات، تُعرف باسم "الأسعار الاستهلاكيّة" فعلى سبيل المثال: تُباع حزمة العلكة المكوّنة من خمس قطع منذ عقود طويلة بـ 0.05 دولار تقريبًا، أما زجاجة الكوكا كولا الصغيرة فتُباع بالسعر ذاته -أيضًا- أمّا ألواح الشوكولاتة فتُباع اليوم بـ 60 سنتًا تقريبًا؛ لذلك تعمل الشركات على تعديل أسعار الجملة لديها على نحو يسمح لتجار التجزئة بالبيع بهذه الأسعار الاستهلاكيّة، ومع ذلك، فقد شهد العقد الماضي تراجع فكرة "الأسعار الاستهلاكيّة" في ظل تقلّب الأسعار بصورة مستمرة.

يُعد استخدام الأسعار الفرديّة من الأساليب النفسيّة في مجال التسعير، والأسعار الفرديّة هي تلك التي تنتهي بالأرقام 5 و7 و8 و9 (مثل 2,95 و15,98 و299,99 دولار)، أمّا الأسعار الزوجيّة فمن أمثلتها 3 دولار، و16 دولار، و300 دولار. لقد حاول العاملون في التسويق منذ أمدٍ بعيد توضيح سبب استخدامهم للأسعار الفرديّة، رغم أن الفرق بين 29.95 دولار و30 دولارًا يبدو ضئيلًا، ولعل السبب في ذلك هو أن الأسعار مثل 5 دولارات أو 10 دولارات تبدو في نظر الزبون أسعارًا عاديّة، في المقابل تبدو الأسعار الفرديّة وكأنها تعبّر عن حسومات أو عروض، وبالتالي تشجع الزبن على الشراء، وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الماضية قد شهدت توجهًا نحو استخدام التسعير الزوجي، إلا أن التسعير الفردي مازال شائعًا للغاية، كما يُعد التسعير المزدوج من أساليب التسعير الشائعة، ومن أمثلته: شراء اثنين في واحد، أو شراء واحد والحصول على الثاني مجانًا، ويميل الزبن للتفاعل بإيجابيّة كبيرة مع هذه الأساليب.

ترجمة -وبتصرف- لأجزاء من الفصل (Pricing the product) من كتاب Core Concepts of Marketing

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...