اذهب إلى المحتوى

إن حجم الاهتمام الكبير الذي أوليناه في الأقسام السابقة لتصميم خطة البحث قد يترك انطباعًا بأن العمل على البحث ينتهي تقريبًا بمجرد الانتهاء من تصميمه. والحقيقة أن تنفيذ البحث ليس سهلًا على الإطلاق، فهو يتطلب أن يبذل موظفو الشركة المشغولون أصلًا جهدًا إضافيًا.

وفي حالات أخرى، قد تكون هناك حاجة لتوظيف وتدريب أفراد من خارج الشركة، وفي كلتا الحالتين، يتطلب تنفيذ البحث إشرافًا عن كثب. ولكن إذا كانت خطة البحث معدة جيدًا، فإن دور الإشراف والرقابة يقتصر على التأكّد من سير أنشطة البحث وفق الجداول والآليات المُعدة مسبقًا.

معالجة البيانات

تتضمن معالجة بيانات الاستطلاع تحويل هذه البيانات إلى تقارير لتقديمها إلى الإدارة، ويجري ذلك من خلال أربع خطوات:

  1. تحرير البيانات.
  2. جدولة البيانات.
  3. تفسير البيانات.
  4. تقديم التقرير.

وإذا كانت إجراءات معالجة البيانات، وشكل التقرير النهائي قد حُددت سلفًا في مرحلة توقع نتائج البحث، فسوف تكون هذه الخطوات الأربعة مجرد خطوات إجرائية بسيطة.

إن وضع خطة جيّدة لتحليل البيانات وتفسيرها يُعد أمرًا مهمًا للغاية في نجاح مشروع البحث التسويقي، مع ذلك يجب ألا تحد هذه الخطة من أنواع التفسيرات التي قد يخرج بها محتوى التقرير النهائي.

يجب أن يكون التقرير النهائي لبحث التسويق مكتوبًا، فهو يتضمن كميات كبيرة من البيانات، وبالتالي يُعد التقرير المكتوب أفضل طريقة لعرض النتائج. كذلك يتسم التقرير المكتوب بالديمومة، وهو ما يسمح للإدارة بدراسة النتائج بعناية والعودة إليها لاحقًا عند الحاجة إليها في المستقبل.

للأسف، لا تُترجم العديد من أبحاث التسويق إلى إجراءات إدارية فورية على أرض الواقع، ويرجع ذلك أحيانًا إلى أن استنتاجات البحث لا تساهم مباشرة في حل المشكلة، أو أن لغة التقرير تقنية للغاية ويصعب فهمها، أو أن كاتب التقرير لم يقدم توصيات محددة حول كيفية ترجمة التقرير إلى استراتيجية إدارية فعلية.

أهمية أبحاث التسويق

من المهم الإشارة هنا إلى أنه ليس من الضروري إجراء بحث قبل محاولة حل المشكلة التسويقية، فقد يشعر المدير أنه يعرف ما يكفي لاتخاذ قرار جيّد لحل المشكلة. وفي بعض الأحيان، قد لا يكون هناك خيارات، وبالتالي لا فائدة من دراسة المشكلة طالما أن هناك حل واحد فقط، ولكن في معظم الحالات، يتوجب على المدير الاختيار بين مسارين تسويقيين أو أكثر، وهنا يأتي دور أبحاث التسويق لمساعدة المدير على اتخاذ القرار المناسب.

وحتى إذا كان المدير يرغب بالمزيد من المعلومات من أجل اتخاذ القرار، فإن إجراء بحث تسويقي قد لا يكون تصرفًا حكيمًا دائمًا، ولعل أحد الأسباب هو أن إجراء الأبحاث قد يستغرق وقتًا طويلًا للغاية، ولكن السبب الأهم للتفكير مليًّا قبل الإقدام على البحث التسويقي هو أن تكلفة البحث قد تتجاوز الفائدة المرجوة منه.

ومن حيث المبدأ، إذا كانت فائدة البحث أكبر من تكلفته، فيمكن حينها إجراء البحث، أما إذا كانت فائدته أقل من تكلفته، فلا يجب إجراؤه في هذه الحالة. والحقيقة أن تطبيق هذا المبدأ في الممارسة الفعلية أكثر تعقيدًا. في النهاية، يمكن القول إن البحث الجيّد هو البحث الذي يساعد التسويق على التكامل مع مجالات العمل الأخرى.

التسويق المتكامل

التنقيب عن البيانات

الكثير من البيانات، والقليل من المعلومات، هذه هي مشكلة الأعمال التجارية في العصر الحديث. مع ذلك، تستطيع الحواسيب استخراج المعلومات المهمة من بين كميات هائلة من الأرقام والحقائق والإحصائيات. ويمكن القول إن المساعدة قادمة في الطريق على شكل فئة جديدة من البرامج التي باتت تُعرف باسم برامج التنقيب عن البيانات.

لقد طُورت هذه البرامج لأول مرة لمساعدة العلماء على فهم بيانات التجارب ونتائجها، فهي تستطيع إدراك الأنماط والعلاقات بين البيانات، وهو أمر قد يستغرق عشرات السنوات بدون مساعدة هذه البرامج. وتمثل هذه البرامج قفزة كبيرة تتخطى قواعد البيانات التقليدية، إذ على الرغم من تمتّعها بقدرات كبيرة إلا أنها عاجزة عن تحليل البيانات بطريقة مُختلفة، فيجب إخبارها بالتحديد عما يجب أن تبحث، أما برامج التنقيب عن البيانات فهي تستطيع غربلة كميات هائلة من البيانات المالية، وبيانات الزبائن، والإنتاج، والتسويق، وذلك باستعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي والإحصائي، والتعرف في النهاية على المعلومات المهمة وغير المهمة.

ووفقًا لتجربة شركة (MCI Communications) للاتصالات، فإن فوائد هذه البرامج كبيرة للغاية. ومثل أي شركة هاتف، ترغب شركة (MCI) بالحفاظ على زبائنها. لذلك حاولت الشركة التعرّف مبكرًا على الزبائن الذين يدرسون الانتقال إلى شركات منافسة، وذلك بهدف إقناعهم بمواصلة التعامل مع الشركة عن طريق تقديم عروض خاصة لهم، مثلاً.

ولكن كيف يمكن العثور على هؤلاء الزبائن من بين ملايين الزبائن الآخرين؟ لقد عملت الشركة على فحص البيانات التسويقية الخاصة بأكثر من 140 مليون منزل وفق 10,000 معيار، تشمل الدخل، ونمط الحياة، وعادات الاتصال السابقة.

ولكن ما هي أهم المعايير التي يجب مراقبتها لانتقاء تِلك الفئة، وإلى أي مدى؟ قد يمثل تراجع قيمة الفاتورة الشهرية بصورة كبيرة مؤشرًا واضحًا، ولكن هل هناك أنماط خفية يمكن دراستها أيضًا فيما يتعلق بالاتصالات الدولية؟ أو فيما يتعلق بعدد الاتصالات لخطوط خدمة الزبائن؟

للعثور على الإجابة، تستعين شركة (MCI) بحاسوبها الخارق من طراز (IBM SP/2) والذي يمثل مخزن بيانات الشركة. وقد استطاع الحاسوب حتى الآن العثور على 22 معيارًا إحصائيًا مفصّلاً، وذلك استنادًا إلى الحقائق التاريخية المتكررة. بدوره يؤكد لانس بوكسر (Lance Boxer)، مدير المعلومات في الشركة، أنه لم يكن باستطاعة الشركة الوصول إلى أي من هذه المعايير لولا برامج التنقيب عن البيانات.

شكّلت برامج التنقيب عن البيانات -في مطلع ظهورها- سوقًا صغيرًا نسبيًا، ولكن مع ازدياد وعي الشركات بالفوائد الجمّة التي تقدّمها هذه البرمجيات زادت مبيعات هذه البرامج بشكل كبير خلال سنواتٍ قليلة. وتُعد تكنولوجيا التنقيب عن البيانات مهمةً للغاية للاستفادة بصورة كاملة من تقنيات تخزين البيانات.

لقد أصبح هناك كميات هائلة من البيانات التي يساهم في جمعها المسوقون، والبائعون، وشركات الخدمات من ملايين العملاء،. وقد باتت الشركات تتطلع إلى استعمال هذه البيانات بمساعدة الحواسيب العملاقة والمزوّدة ببرمجيات متخصصة من أجل إجراء التعديلات الفورية على المزيج الإنتاجي، ومستويات المخزون، والاحتياطي النقدي، والبرامج التسويقية، وغيرها من العوامل الأخرى، وذلك وفق ما تقتضيه التغيرات في بيئة العمل.

البحث عن المصادر

تُعد أبحاث التسويق عملية علمية منضبطة، ولكن قرارات الإداريين في النهاية تستند إلى مزيج من الحدس والحقائق الثابتة. ومن المهم أن يفهم الإداريون أبحاث التسويق فهمًا جيدًا، فذلك يسمح لهم بتقييم النتائج والتوصيات بطريقة سليمة.

يمثل تحديد نطاق البحث والغرض منه أول خطوة مفصلية في أي بحث تسويقي، فكل الخطوات اللاحقة تستند إليها، أما الخطوات الأساسية المتبقية فهي تصميم خطة البحث، وإجراء التحقيق، ومعالجة البيانات، والتي تنقسم بدورها إلى بيانات أساسية وثانوية. إن استعمال هذه البيانات لإنتاج بحث جيّد يسمح للتسويق بالتكامل مع مجالات العمل الأخرى في الشركة.

وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن العثور على مصادر للمعلومات الثانوية عبر الإنترنت في مواقع الشركات والاتحادات المهنية. تصفّح مثلًا موقع الرابطة الأمريكية للتسويق على الرابط www.ama.org/resource فهو يضم قائمة تحتوي على العديد من المصادر والإرشادات المفيدة. بإمكانك أيضًا زيارة موقع www.brint.com للعثور على أدلة تجارية، ومواقع إعلامية، ومصادر تسويقية أخرى.

يمكنك الاستعانة بالمعلومات الواردة في هذا القسم حول مصادر الإنترنت، من أجل إجراء بحث تسويقي حول آخر الاتجاهات في التجارة الإلكترونية. ابحث على الإنترنت عن خمسة مصادر ثانوية قد تساعدك على التعرف على آخر الاتجاهات في التجارة الإلكترونية، والإعلانات، والتسويق، واستراتيجيات الأعمال.

البحوث التسويقية على أرض الواقع

أبحاث التسويق تنقذ شركة Case

يتسم سوق اليوم بالتنافس الشديد بين شركات كبيرة وذكية، وبالتالي فتحقيق أي تقدّم كبير يُعد إنجازًا حقيقيًا. وهو بالضبط ما فعلته شركة Case المتخصصة في صناعة المعدات الزراعية ومعدات البناء، ولكن ذلك لم يأتِ إلا بعد عامين كاملين من التراجع، فقد بلغ حجم الخسائر التشغيلية لعامي 1991 و1992 حوالي 990,000 دولار.

مع ذلك، شهد عام 1994 ارتفاع الدخل الإجمالي للشركة بمعدل 300% ليصبح 165 مليون دولار سنويًا، فيما سجلت المبيعات زيادة بمعدل 14%، أما عام 1995 فقد شهد وصول عائدات الشركة إلى 4.2 مليار دولار.

لقد بدأت الشركة مسارها نحو التعافي في عام 1994 عندما أعلن المدير التنفيذي الجديد جان بيير روسو (Jean-Pierre Rosso) عن إطلاق عهد جديد في الشركة بقوله "إننا بحاجة لأن نسأل أنفسنا عن حاجات المزارعين والمقاولين."

ورغم أن السؤال عن حاجات الزبائن قد يبدو أمرًا بديهيًا، لكنه لم يكن جُزءًا من استراتيجية الشركة خلال سنوات الثمانينات، فقد تركزت استراتيجية الشركة على المنتج، وقد كانت النتيجة طرح منتجات ضعيفة في السوق، مثل جرارات زراعية بقوة منخفضة.

ولكن الأمور ازدادت سوءًا عندما تراجع الطلب في السوق، ووجد الموزعون أنفسهم عالقين مع معدات شركة Case غير المباعة، وهو ما أدى إلى توتر العلاقات بين الشركة والموزعين.

وفي ظل هذه الظروف الصعبة، وجه روسو الإداريين في الشركة إلى التركيز على السوق، والتعرف على حاجات الزبائن ورغباتهم. وفي سبيل الحصول على ملاحظات الزبائن، أحضرت الشركة في إحدى المرات مقاولًا إلى موقع الاختبار الخاص بها، حيث عمل على مدار ثلاثة أيام على اختبار أحد منتجات الشركة، وموازنة أدائه مع منتجات مشابهة من شركات أخرى، مثل كاتربيلر وديري. كما عمل مديرو الشركة كل يوم على طرح الأسئلة على الزبائن حول مزايا المنتجات وعيوبها.

كذلك اتخذت الشركة طريقة أخرى، وذلك من خلال إرسال فرق من المهندسين والمسوقين للحديث إلى كبار الزبائن لدى الشركات المنافسة. إضافة إلى ذلك، استعمل المهندسون الملاحظات التي حصلوا عليها من تعليقات الزبائن لتطوير نماذج أولية لمنتجات جديدة، وأرسلوها بالبريد إلى مئات المستخدمين من أجل تقييمها. وقد استغل المهندسون هذه المعلومات الميدانية في تطوير النماذج النهائية.

الخلاصة: لقد استطاعت شركة Case بفضل "سؤال" السوق عن احتياجاته أن تتخلص من سمعتها السلبية القديمة بأنها واحدة من أسوأ الشركات إدارة في مجال عملها.

نقاط مُختصرة عن مبادئ البحوث التسويقية

يتضمن إجراء بحوث التسويق أربع خطوات رئيسية. تتمثل الخطوة الأولى في التحقيق الأولي، وهو عبارة عن دراسة أوليّة تسمح للباحث بتحديد نطاق البحث والغرض منه، وكذلك استكشاف المشاكل المحتملة.

بعد ذلك يأتي تصميم خطة البحث، وهي أهم وأصعب خطوة في بحث التسويق. وتبدأ هذه الخطوة باختيار طريقة البحث المتبعة. وتنقسم طرائق البحث إلى ثلاثة أساليب أساسية شائعة الاستعمال، وهي الأسلوب التجريبي، وأسلوب الملاحظة، وأسلوب الاستقصاء الإحصائي، مع العلم أنه يمكن استعمال واحد من هذه الأساليب أو أكثر في البحث.

كذلك من الضروري تحديد أنواع البيانات اللازمة لحل المشكلة التسويقية، والعثور على المصادر التي يمكن من خلالها الحصول على هذه المعلومات. وتنقسم مصادر البيانات بصفة عامة إلى مصادر رئيسية، ومصادر ثانوية.

أما المصادر الثانوية فهي تتكون من معلومات جرى جمعها في أوقات سابقة، ويمكن العثور عليها في السجلات القديمة، والكتب والأبحاث المنشورة، والسجلات الحكومية، وما شابه ذلك. وأما المصادر الرئيسية فهي تتضمن معلومات تُجمع لأول مرّة.

وتُعد طريقة الاستبيان هي الأكثر شيوعًا واستعمالًا في جمع البيانات الرئيسية، علمًا أنه يمكن إجراء الاستبيانات عبر البريد، أو الهاتف، أو المقابلات الشخصية، أو الإنترنت.

ومن الأمور المهمة أيضًا في مشروع بحث التسويق هو كيفية اختيار العينة. وتنقسم العينات إلى عينات عشوائية وغير عشوائية. في العينات العشوائية يحظى كل عنصر في المجموعة بفرصة اختيار متساوية، ويُعد استعمال جدول من أرقام عشوائية من الطرق الشائعة للحصول على العينات العشوائية. أما في العينات غير العشوائية، فيختار الباحثون بأنفسهم العناصر التي يعتقدون أنها تمثل المجموعة التي يستهدفونها في خطتهم التسويقية.

أما المسألة الأخيرة في تصميم خطة البحث فهي توقع النتائج وتحديد طريقة تلخيص وتقديم البيانات. وتجدر الإشارة إلى أن استعمال الحاسوب لمعالجة وجدولة نتائج أبحاث التسويق أصبح يزداد شيئًا فشيئًا. مع ذلك، تعترض بعض المشاكل سير عملية البحث، ولذلك من المهم فرض رقابة شديدة على أنشطة جمع البيانات ومتابعتها باستمرار. كذلك من المهم للغاية الانتباه لأي تحيّز قد يتسرب إلى مشروع البحث.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Marketing research: an aid to decision making) من كتاب Core Concepts of Marketing

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...