في التالي مُقتطف من كتاب الشركات الناشئة اللّيّنة The Lean Startup والذي سطّره «اِريك رايس»، وهو أحد أشهر الكتب التي يَنصح بها روّاد الأعمال. سردَ «جيمس ووماك» و «دانيال جونز» في كتاب التفكير اللّيّن Lean Thinking قصّة حول تظريف الرسائل داخل مَظارِيف/أغلفة بمساعدة بنتي أحد الكاتبين، حيث يجب على كل ظرف أن يُعنوَن، ومن ثم يُلصق الطابع البريدي عليه، ومن ثم يُملئ بالرسالة، وأخيرًا يُغلق الظرف/المغلّف بإحكام، عرفت البنتان والّتي أعمارهن ست سنوات وتسع سنوات كيفيّة إتمام المهمّة مخبرتين والديهما بوجوب طيّ جميع الرسائل أوّلًا، ومن ثم إغلاق المظاريف، بعد ذلك وضع الطابع، ولكن أراد والدهما إتمام المهمّة بالطريقة غير الاعتياديّة؛ استكمال كل ظرف على حِدة، ولكن بنتاه أخبرتاه بعدم فعاليّة هذه الطريقة، لذا ما كان منهم إلا أن يتقاسموا الظروف وبدؤوا بالتحدي لمعرفة أي الطريقتين أسرع. ظَفِر الأب بالسباق ليس لأنه الأسرع في الأداء أو لأنّه الشخص الأقوى. إن استكمال كل مهمّة كل مغلّف على حِدة هي الطريقة الأسرع في إتمام المهمّة على الرغم من أنها تبدو طريقة غير فعّالة واحترافيّة في بادئ الأمر، وقد تمّ تأكيد ذلك بأكثر من دراسة من أحدها: لماذا إذًا تظريف كل ظرف على حِدة يجعل من إنجاز المهمّة أسرع على الرغم من أن الطريقة تبدو وكأنها ستكون الأبطأ؟ لأننا بديهيًّا لا نأخذ بالحسبان الوقت الإضافي المطلوب لترتيب وتكديس الأغلفة أو تحريك كومة المظاريف التي مازالت في طور التحضير ولم تصبح جاهزة بعد، ويبدو من المجدي تكرار نفس الجزئيّة مرارًا وتكرارًا وعلى مراحل وذلك لأننا نعتقد أننا سنصبح أفضل في تأدية المهام البسيطة مع تكرارها، ولكن للأسف في عمليات من هذا النوع لا يكون الأداء المُفرد لكل جزئية مهمًا بقدر أهميّة الأداء في مُجمل سير العمليّة الإنتاجيّة. إن كنت في حيرة وشك حول الأمر يمكن الرجوع إلى هذا المنشور. وإن تساوى وقت إتمام المهمّة في الطريقتين، فإن إنتاج دفعة صغيرة على حِدة سيكون متفوّقًا في الإنتاجيّة، ولأسباب غير بديهيّة ومخالفة للتوقعات أيضًا، على سبيل المثال، تخيّل أن الرسائل لم تتسع داخل المغلّف، فمع طريقة الدُفعات الكبيرة large batch ما كان لنا اكتشاف ذلك إلا قُبيل الانتهاء، ولكن وعلى الجهة الأخرى ومع الدُفعات الصغيرة small batches سنعرف ذلك بُعيد البداية مباشرةً. إن جميع هذه المشاكل ظاهرة وواضحة في عمليّة بسيطة كتظريف الرسائل السابقة وهي مشاكل لا تذكر، ولكن هي مشاكل حقيقية ومن أرض الواقع وقد يكون لها عواقب وخيمة مع الشركات، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، ماذا لو اتضح أن الزبائن لم تعد ترغب بالمنتج؟ أي أسلوب عمل سيسمح للشركة باكتشاف ذلك قبل فوات الأوان. اكتشف المصنّعون اللينون مثل تويوتا فوائد الدُفعات الصغيرة من أكثر من عشر سنوات، وعندما أدرّس روّاد الأعمال هذه الطريقة، أبدأ غالبًا بقصص التصنيع وخفاياها، ما ألبث أن أواجه بسؤال: "ما علاقة المصانع والصناعة بشركتي الناشئة؟"، إن الفكرة التي كانت أساس نجاح شركة تويوتا يُمكن أن تُطبّق بالفعل في تحسين سرعة بناء الشركات الناشئة. اكتشفت تويوتا أن الدُفعات الصغيرة جعلت من مصانعها أكثر إنتاجيّة، وعلى العكس مع الشركات الناشئة اللّيّنة Lean Startup والتي لا تهدف إلى إنتاج أشياء بفعاليّة أكبر بل كيف لها أن تبني عملًا ناجح مستمرًا وبأسرع وقت ممكن، فكّر في مثال تظريف الأغلفة السابق، ماذا لو تبيّن فيما بعد أن الزبون لم يعد يرغب بالمنتج الذي يتمّ بناؤه؟ طبعًا هذا ليس بالأمر المرغوب مهما كانت الطريقة المتبعة، ولكن اكتشاف ذلك في مرحلة مبكّرة من عمليّة الإنتاج أفضل بكثير من اكتشاف ذلك في وقتٍ متأخر، إذًا فالعمل بالدُفعات الصغيرة small batches يَضمن للشركة الناشئة إمكانيّة التقليل من الوقت والمال والجهد المبذول والذي قد يضيع أدراج الرياح مع الدُفعات الكبيرة. ترجمة وبتصرف للمقال: The power of small batches لصاحبه: Eric Ries.