أنا مفتون بالأشخاص الذين يمتلكون عملاً هادفاً، أولئك أشخاص الذين يعملون على خلق ورعاية الأفكار التي تدفعنا للمضي قدماً نحو مستقبل أفضل. إن مثل هؤلاء الأشخاص يعملون بطريقة أو بأخرى على نحو مختلف، ولديّ من الفضول الكثير لمعرفة كيف يعملون. لذلك عملت خلال الفترة الماضية على مقابلة بعضٍ من ذوي الأعمال الهادفة، وقرأت الكثير من المقالات والكتب المثيرة للاهتمام حول الموضوع، وبالتالي بدأت أكوّن أنماطا عنهم، أسرُد في هذا المقالا بعضًا منها.
المدخلات
توصل الباحثون في دراسة حديثة أجراها مركز Irvine الطبي في جامعة كاليفورنيا إلى أن معدل ضربات القلب يزداد لدى العاملين عند تفحصهم للبريد الإلكتروني، مما يعني أنهم في حالة تأهب قصوى، وهم أقل إنتاجية مع أن لديهم خبرة طويلة. بالإضافة لكونهم أكثر توتراً من أمثالهم الذين حُجب عنهم استخدام البريد الإلكتروني أثناء أيام العمل.
فكر بالأمر، إنه مجرد تفحص روتيني للبريد الإلكتروني. فكيف ينفق موظف عادي تحت 35 سنة من العمر وقته في الأسبوع العادي؟
- حوالي 4.2 ساعة يومياً على الشبكات الاجتماعية، في حين سُجلت 3 ساعات كمتوسط للموظف فوق سن 35 سنة.
- يتعرض إلى 250 - 3000 رسالة إعلانية يومياً، بالإضافة للمكالمات الهاتفية والبريد العادي، البرامج الإذاعية، الموسيقا في صالة الرياضة والتعامل مع الأطفال، وغير ذلك.
تتصارع كل هذه المؤثرات لتحتل جزءًا من تركيزنا إن لم تكن تسعى للاستحواذ عليه بالكامل. وبالتالي فإن أدمغتنا تتعرض لعدد متزايد من المدخلات، وقد حان الوقت لنعترف أن واحدة من العقبات الرئيسية التي تمنعنا من القيام بأعمال ذات معنى هي هذه المدخلات، لذلك يتوجب علينا كخطوة أولى الحد من هذه المدخلات ومساعدة أدمغتنا لتهيئة الوقت والمساحة الكافية للقيام بأعمال مهمة.
المدخلات العقلية
يمكنك في هذه اللحظة أن تتنقل بين العديد من علامات التبويب المفتوحة على متصفحك الخاص (دماغك)، على سبيل المثال، أنت تفكر بشراء جهاز تلفاز، ولكنك تتذكر أن عليك الذهاب للبقالة في الغد لشراء بعض حاجيات المطبخ، وغير ذلك الكثير.
وحتى تستطيع القيام بعمل جيد، عليك أن تركّز. وبما أنه من المستحيل أن تركز في كل تلك الأمور التي حول دماغك في الوقت عينه. فإننا سنعرض لبعض المسارات التي يمكن استخدامها للحد من المدخلات العقلية وخلق التركيز.
تفريغ الدماغ
قد تعمل بعض الأفكار والمهام على التهام أجزاء من دماغك في الخلفية، عند جلوسك للقيام بما يجب عليك أن تفعله. لذلك عليك تفريغ هذه الأفكار والمهمات مثل: محلات البقالة، الرد على رسائل البريد الإلكتروني، حقيبة جديدة ترغب بشرائها، وغير ذلك على ورقة.
بمجرد قيامك بذلك قبل العمل ستلاحظ أن عقلك بدأ بالتقاط أنفاسه أخيراً، مما يتيح لك التركيز على العمل.
المهام الأحادية
يصبح الحفاظ على التركيز مستحيلاً عندما تعمل على مهام متعددة كبائع الخضار. بدلاً من ذلك، حاول التركيز على مهمة واحدة في وقت واحد ، قبل التبديل إلى مهمة أخرى. وهناك حل عملي يساعدك على ذلك وهو اعتماد تقنية Pomodoro.
تعتمد تقنية Pomodoro على منبّه على شكل الطماطم يستخدم كمؤقت في المطبخ، ويسمح لك بضبط فواصل زمنية للمهمة لتأخذ بعدها فترات راحة قصيرة. ويمكن أن نلخص هذه التقنية بالخطوات التالية:
- اتخاذ القرار بشأن المهمة التي يتعين عليك القيام بها.
- ضبط الوقت اللازم لإنهاء المهمة على Pomodoro وهو - تقليدياً - 25 دقيقة.
- العمل على المهمّة حتى يرن منبه المؤقت.
- نضع تقييم على قطعة من الورق لنسبة الإنجاز.
- إذا كانت نسبة الإنجاز أقل من 70%، نأخذ استراحة قصيرة (3-5) دقائق، ثم نعود للخطوة الثانية.
- نأخذ استراحة (15-30) دقيقة بعد انتهاء المهمة، ونعيد ضبط المؤقت على الصفر، ونعود للخطوة الأولى.
لا بُد لنا من تحديد قائمة بالأولويات التي علينا القيام بها منذ بداية النهار. وهذه التقنية تساعدك على تقدير الوقت اللازم للمهام على نحو دقيق مع التجربة المتكررة.
كسر حاجز التركيز
قد تكون لديك تجربة مختلفة، ولكنني وجدت أنني غالباً ما أحتاج حوالي 15 أو 20 دقيقة للوصول إلى لحظة التركيز الكامل على المهمة التي أعمل عليها. إنه شيء يشبه تمارين الإحماء قبل العمل.
يحتاج أشخاص من 20 دقيقة إلى ساعة أحيانا لاختراق حاجز التركيز، حيث لا شيء آخر يتحرك في الذهن سوى المهمة التي تعمل عليها.
اتّخذتُ مؤخرا - بعد مقابلة أجريتها مع Paul Jarvis - عادة الجلوس والكتابة يوميًّا إلى أن أبلغ 500 كلمة. لا أُنتِج في الغالب بعد هذا التمرين أي محتوى يستحقّ جوائز (لا يعني هذا أنه حصل عليها)، إلا أنها موادّ خام. يأتي هذا المقال نتيجة لإحدى جلسات العصف الذهني تلك. أحتاج أحيانا إلى 20 دقيقة وأحيانا أخرى إلى ساعة حتى أكسر حاجز التركيز، حيث لا شيء يدور في ذهنك سوى ما أكتب عنه؛ لحظة سحرية.
المدخلات الرقمية
يُعدّ الحاسوب المحمول، الأقراص، الهواتف من أهم الشركاء المشتّتين. فكثيراً ما تقول: هي مجرد لحظة أتحقّق فيها من فيس بوك! أو ثانية واحدة فقط لأستطلع فيما إذا علق أحدهم على تغريدتي هذا الصباح!، وربما مع انطلاق صوت الإشعار بوصول رسالة بريد إلكتروني على جوالك تقول في نفسك ربما علي التحقق منها..
لقد درّبنا أنفسنا تلقائيًّا على الرد المباشر على المنبهات (التطبيقات، البريد، وسائل التواصل الاجتماعي) والتحقق من المصدر، على نحو يشبه إلى حد كبير استجابة كلاب بافلوف Pavlov في تجاربه على التكيّف الكلاسيكي والمشروط.
نحتاج هنا إلى لحظة حقيقة، لا يمكننا أن نكون عبيداً للإخطارات إذا أردنا القيام بعمل ذي معنى. وهناك بعض الطرق التي تساعدنا للحد من المدخلات الرقمية.
أوقف التنبيهات
أوقف كل أنواع الإخطارات التي يمكن للتطبيقات، البريد، أو وسائل التواصل الاجتماعي أن ترسلها عندما تحاول التركيز على مهمة ما.
كلّ إشعار يرد إليك وأنت تحاول التركيز على عملٍ مّا هو بمثابة سوط يضرب دماغك. إيقاف أو تعطيل الإشعارات بقدر المستطاع، على الأقل لفترة من الوقت تحتاج فيها إلى التركيز على المهمة.
إيقاف WiFi
وهي طريقة عملية أخرى للتعامل مع الانحرافات الناتجة عن المدخلات الرقمية، إنها ببساطة إيقاف مصدر الإنترنت عن العمل. إنها بسيطة وفعّالة ويمكنك أن تعطي نفسك استراحة لمدة 5 دقائق حسب تقنية Pomodoro بين المهام المختلفة للتحقق من البريد الإلكتروني إذا كنت بحاجة لذلك فعليًّا.
رأب الصدع في الثقوب السوداء
يمكن تشبيه وسائل التواصل الاجتماعي بامتياز بالثقب الأسود للوقت والتركيز. لأن مجرد ضغطة على علامة التبويب الخاصة بتويتر أو فيس بوك كفيلة بتبذير الكثير من الوقت الذي كنت تسعى جاهداً للتركيز فيه على المهمة.
هناك العديد من التطبيقات التي يمكن أن تساعدك على عدم الدخول إلى مواقع وبرامج التشتيت لفترة من الزمن مثل ColdTurkey أو SelfControl . كما يمكنك ببساطة حذف ملفّات التتبّع Cookies من المتصفح وعدم السماح لتلك المواقع بتذكر كلمة المرور الخاصة بك، وهذا يعطيك فرصة للتفكير في حاجتك للدخول قبل إدخالك لكلمة المرور في كل مرة.
المدخلات التماثليّة
يشير مفهوم المدخلات التماثليّة إلى تحويل مستوى الجهد، درجة الحرارة، أو الضغط أو غير ذلك مما نتعامل معه في عالمنا المادي إلى قيمة رقمية يمكن تخزينها ومعالجتها في جهاز الكمبيوتر.
ولكن كيف يمكننا الحد من المدخلات التناظرية؟
الإخطارات التماثليّة
قد يُشكل تنافر بعض النغمات وقعاً سيئاً على الأذن. لذلك عليك إيقاف الاهتزاز لكل الوضعيات (صامت، عادي) واستخدام نغمة بسيطة. ويمكن أن تترك بريدًا صوتيًّا يتضمن تحية وتوضيح أنك ستعاود الاتصال بمن يتصل بك في غضون 90 دقيقة مثلاً. وهذا يعطيك فترة 90 دقيقة من التركيز للقيام بما يجب عليك القيام به.
التلوث البصري
هل لديك الكثير من الفوضى على مكتبك؟
يمكن أن تخدع مديرك في العمل من خلال هذا التلوّث البصري، وتخلق في ذهنه صورة تقول “انظروا كم أنا مشغول”، ولكنها في الحقيقة مجرد إلهاء.
لا يمكنك الحفاظ على التركيز والنشاط بوجود تلوّث بصري. أعد النظر في كل شيء “إضافي” في منطقة العمل، وأفسح له مجالًا في خزانة المكتب. احم نفسك من كل التسريبات، وليكن بين يديك الأشياء الضرورية فقط، كمجلد العميل وجهاز الحاسوب وأفكارك.
المقاطعات البشرية
يمكن أن تستغرق فترة تصل إلى 23 دقيقة لإعادة التركيز على مهمة بعد توقف بسبب مقاطعة أحدهم لك. وهي خسائر كبيرة في الوقت، ناهيك عن الاستنزاف الكبير لخزان تركيزك وانتباهك، لذا فإنه من المفيد النظر في طرق للحد من هذا النوع من المدخلات التماثليّة. قد تحتاج إلى لافتة على باب مكتبك، أو نوع من الإشارات التي تشير إلى “الرجاء عدم المقاطعة” للزملاء في أماكن العمل أو في المنزل. وهذا لا يعني البتة معاداتك لمن حولك، ولكنك تحتاج للتركيز لبعض الوقت، هذا كل ما في الأمر.
ستتولد لديك الخبرة مع الوقت في التصدي للعدد المتزايد من المدخلات، الإخطارات، الانحرافات والانقطاعات. ومن الضروري أن تعطي نفسك هدية بعض الوقت من الهدوء والتركيز للقيام بأعمال ذات مغزى.
أتمنى أن أكون قد منحتكم بعض الأفكار حول القيام بذلك.
حدّثونا عن تجاربكم.
ترجمه - بتصرف - للمقال 9 Ways To Create Time, Space and Stillness For Meaningful Work لصاحبه Ernest Barbaric.
صورة دورة Pomodoro Technique من happyasannie.com
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.