يبدو الفرق بين أن تكون منتجاً وأن تكون مشغولاً غير واضح للوهلة الأولى. ففي كلتا الحالين أنت تعمل حتى تتصبب عرقاً لإنهاء مهامك، إلا أن إحداهما فقط ستقودك للنجاح.
نعرف جميعاً هذا الشعور الذي يصيبنا عندما يكون لدينا الكثير من المهام تنتظر على قائمة الإنجاز لدينا، نتمنى عندها أن يكون اليوم 48 ساعة (وكم رغبت بقضاء بضعة أيام بدون نوم).
لدي اثنان من الأصدقاء كانا يأتيان إلى العمل في وقت مبكر وينصرفان في المساء لأنه تمّ إغراقهما في الكثير من المهام. وأتذكر تماماً أنهما كانا يتأخران دوماً في التسليم رغم كل الوعود التي كانا يقطعانها، لأنهما - وتخمينك صحيح - كانا مشغولين!
أن تكون مشغولاً يتعارض تماماً مع أن تكون منتجاً، هل تعلم ذلك؟
سأحاول في هذا المقال أن أوضح كيفية تنظيم وقتك في العمل، لا تضيّعه لتبدو مشغولاً.
طلبت من كارولينا، مديرة الإنتاج لدينا، أن تشاركنا نصائحها؛ على أمل أن تجدها مفيدة وسهلة التنفيذ في روتينك اليومي.
أكثر ما يُهدِر الوقت في العمل
قبل أن نذهب إلى الحرب، نحن بحاجة لمعرفة من نقاتل. في ما يلي النقاط الأكثر الأكثر شيوعاً لهدر الوقت وتحويل يوم عملنا إلى ساحة معركة.
الرسائل المستمرة
وفقاً لـ Sanebox، فإن البريد الزائد هو وباء عالمي، إذ يقضي الموظف العادي 13 ساعة في الأسبوع في القراءة والرد على رسائل البريد الإلكتروني. وهذا يترجم إلى 28% من وقت العمل لدينا (650 ساعة في السنة) وتبلغ نسبة متوسط الرسائل المهمة 38% من مجمل البريد الوارد.
تستنزف رسائل البريد الإلكتروني أيضاً إنتاجيتنا، حيث نستغرق حوالي 60 ثانية للعودة إلى المهمة بعد الانقطاع الذي سببه البريد الإلكتروني، ناهيك عن زيادة مستويات التوتر لدينا.
ينطبق المبدأ ذاته على طرق التواصل غير البريد، حيث إن استخدام الدردشة الحية مثل Slack للاتصالات الداخلية، يمكن أن تؤدّي إلى انقطاع عن العمل إن لم تُستخدم بحكمة مع أنها وسيلة سهلة للاتصالات، وقد ينتهي بك الأمر عند استخدامها مع عشرات الرسائل التي تصرفك عن العمل.
تعدد المهام
إن قدرة بعض الناس على القيام بأكثر من مهمة في نفس الوقت دون أن يفقدوا الإنتاجية هي مجرد أسطورة. والحقيقة القاسية هي إن كنت تريد أن تكون منتجاً هي أنه يجب عليك التركيز على شيء واحد في الوقت عينه.
فعندما تحاول القيام بشيئين في آن واحد ستُفقد دماغك القدرة على أداء كل المهام بنجاح. وتبين البحوث أيضاً، أنه بالإضافة لتباطؤ الكم ينخفض معدل الذكاء عند تعدد المهام.
وجدت دراسة أجرتها جامعة لندن أن معدّلات ذكاء المشاركين الذين حاولو إجراء مهامّ عدّة في نفس الوقت، انخفضت لدرجة تماثل ما يتوقّع الباحثون أنه يحصُل لمن دخنوا المارجوانا أو بقوا مستيقظين طوال الليل.
الاجتماعات
نعلم جميعاً الألم الذي تسببه الاجتماعات التي لا تُعد ولا تُحصى. إنها تجمع الكثير من الناس الذين لا يشاركون في نقاش المشروع ويضيعون الوقت في الكثير من الأحاديث الصغيرة والثرثرة.
هل تعلم أنه يمكن أن تأتي النتائج عكسية تماماً في مثل هذه الاجتماعات؟ أنا متأكد من أن معظم الناس يكونون غير منتجين قبل الاجتماع بعشر دقائق وبعده بخمس عشرة دقيقة.
ضعف التنظيم
عندما تغمرك المهام، فإنه من السهل جداً أن تفقد تركيزك وتبدأ بالتبديل بين المهام، في محاولة يائسة لإنهاء كل المهام في وقت واحد. إذا كان ذلك يشبه إستراتيجيتك، فأنا آسف، ولكن يجب علي أن أقولك لك وبصوت عال: أنت تفتقد إلى مهارات إدارة الوقت.
تساعدك مهارات إدارة الوقت المثالي على التخطيط وتنظيم مهامك من الأكثر إلحاحاً إلى الأقل أهمية. يبدو الأمر سهلاً، ولكن في معظم الحالات، سيكون عليك تقدير الوقت اللازم لإكمال المهمة ، بما في ذلك المواعيد النهائية، توفر الآخرين، المطالب العاجلة وكيف يمكن أن تؤثر على الآخرين.
يجب أن تكون قادراً، مع نهاية كل يوم عمل، على تحديد المهام التي تنتظرك في اليوم التالي.
الفواصل المتواترة
نتحدث عن فواصل مصيرية لإنتاجيتنا. من المهم جداً أن تُعطي دماغك راحة وجسمك فرصة للتمدّد، بالإضافة للمشي لفترة قصيرة أو تمارين سريعة فهي ذات مردود عظيم على صحتك العقلية والجسدية. ولكن إن كنت ترغب في قضاء وقت استراحتك مع السجائر، القهوة، وسائل التواصل الاجتماعية فالأمر متروك لك.
تكمن المشكلة في أننا في كثير من الأحيان نفقد قدرتنا على السيطرة على وقت الفاصل. لأنه من السهل جداً أن نغرق في تغذية الردود على فيس بوك أو تويتر. فأنا حرفياً قبل بضع دقائق قفزت إلى فيس بوك لنسخ رابط لأعطيك مثالاً على شيء مثير للاهتمام يمكن أن يسرق بعض وقتك. فقمت بالرد على رسالتين، وفحصت جميع الإخطارات، ونشرت تعليقاً بينما كنت أشاهد مقطع فيديو، ولاحظت أنني من المفترض أن أكون قد انتهيت من كتابة هذا المقال! إن فيس بوك هو جحيم الإنتاجية.
كيف يمكن أن تكون أكثر إنتاجية في العمل؟
اعترفت كارولينا عندما كنت أتحدّث معها، أن انتباهها كان يتشتّت بسهولة؛ فحاولت تنظيم وقتها من خلال وضع قوائم مهام، ولكن تبين أن لديها الكثير من المهام وانتهت بإضاعة الوقت في إدارة هذه القوائم.
أليس ذلك ضرباً من الجنون، صحيح؟
واحدة من المشاكل التي عانت منها أيضاً، هي أنها كانت تستجيب أو تجيب في أقرب وقت ممكن على كل رسالة نصية أو إلكترونية كانت تتلقاها. طبعاً، يمكنك تخيل النتيجة! نعرف كيف تخادعنا الهواتف، إنها الثقب الأسود للإنتاجية.
ينطبق الشيء نفسه على رسائل البريد الإلكتروني، فبمجرد البدء بالتحقق من البريد الإلكتروني لا يمكنك التوقف. لديك انطباع أنك تقوم بعملك ويمكن أن ترى النتائج، ولكن الواقع أنها مجرد طريقة لتكون مشغولاً دون القيام بأي شيء مفيد.
لحسن الحظ، تمكنت كارولينا من العثور على الطريق لتصبح منتجة دون أن تكون مشغولة. وفيما يلي أهم التقنيات التي اعتمدتها لتكون أقل تشتيتاً، وأكثر إنتاجية.
التقنية الأولى نظم وقتك
قد تبدو وكأنها عبارة مستخدمة بإفراط، ولكن التنظيم الجيد هو مفتاح النجاح. إن ما نعنيه هو معرفة المهام الأكثر أهمية، وكم من الوقت يلزم لإتمامها وما إذا كان هناك أشخاص آخرون معنيون بالمهمة.
تتمحور طريقة كارولينا في تنظيم وقتها حول التخطيط لليوم التالي قبل ترك العمل، ووضع قائمة ليوم واحد فقط. حيث كانت في الماضي تضع قائمة لجميع المهام الممكنة التي يمكن أن تقوم بها في اليوم التالي، وكان ينتهي بها الأمر إلى الإحباط لأنها لم تتمكن من إتمام جميع المهام.
أما الآن، فهي تنصح بالتركيز على المهام الأكثر أهمية والتي ستكون قادرة على إتمامها في يوم واحد. الخيار الأفضل هو أن تركز على عدد أقل من المهام لأنك لا تستطيع التنبؤ بما يمكن أن يحدث في ذلك اليوم من مهام غير متوقعة أو اجتماع. الأفضل من ذلك بكثير هو التركيز على مهمة كبيرة واحدة يومياً.
شيء آخر ساعدها على تنظيم وقتها، وهو استخدامها لتقنية Pomodoro في عملها. قالت كارولينا، مديرة الإنتاج لدينا، إنها تعمل لمدة 50 دقيقة وتأخذ استراحة لمدة 5 دقائق للتحقق من هاتفها أو تتناول القهوة. توصي كارولينا بتطبيقات لتنظيم الوقت من مثل: Dropbox Paper وTomato One. أود أن اقترح التحقق من : Trello, CoSchedule أيضاً.
التقنية الثانية. تنظيم اتصالاتك
التواصل هو نعمة ونقمة في نفس الوقت. لا يتعلّق التواصل بالمكالمات والرسائل النصية وحسب، ولكنه يتعداها للوصول إلى البريد الإلكتروني والدردشة الحية أو غيرها من الاجتماعات والمناقشات. تسرق الاتصالات الكثير من الوقت.
في ما يلي نصائح وأفكار يمكن تنفيذها في روتينك اليومي:
يعدّ التحقق من بريدك الإلكتروني مرتين في اليوم، صباحا وقبل مغادرتك العمل طريقة جيدة للهروب من ضجيج تنبيهات الرسائل الواردة.
إذا كنت تستخدم برنامجًا للمحادثات مثل سكايب أو غيره، تأكد من أنك متصل فقط في حالة وجود شيء مهم. والمعلومات الأقل أهمية يمكنها أن تنتظر.
تتحقّق كارولينا من المحادثات كل 50 دقيقة وبالتالي فهي توقف الإشعارات خلال هذا الوقت. وإذا كان هناك أي شيء مهم يريده أحد منها، من السهل الذهاب والتحدث إليها شخصياً.
التقنية الثالثة. التركيز على عملك
قضاء يوم في المكتب أمر مثير للغاية، لذلك من السهل جداً أن تُدفَع بعيداً عن العمل. حسناً، إنه ليس مثيراً، ولكن لاتزال تملك القدرة على التحكم بأفعالك لأن لا تفقد التركيز.
توجد أمور يمكن أن تساعدك على ذلك:
تشارك كارولينا في اجتماعات قصيرة يومياً، حيث تشارك الجميع خططهم لليوم التالي. تقول إن زملاءها يعرفون أنها المسؤولة عن المهمة ويُتوقع منها أن تقوم بذلك، إنها تجد المزيد من الرغبة والاستعداد للعمل، والمهم أن فريقها متفق معها أن الوقت الأقصى للاجتماع في معظم الحالات لا يتجاوز 15 دقيقة.
من السهل جداً أن ينصرف تركيزك إلى علامات التبويب الكثيرة على متصفحك، أو عندما ترى وميض البريد الوارد. نصيحة كارولينا هي تجنب الانحرافات باستخدام تطبيق Ulysses، فهي تكتب الملاحظات - أو أي نص أطول - مرة واحدة، وتنتقل إلى الشاشة الكاملة للتركيز على مهمة واحدة فقط.
شيء آخر يمكنك القيام به لتمنع نفسك من وسائل التسلية، وهو استخدام ملحقات المتصفح التي تحظر المواقع الأكثر إثارة للاهتمام (من السهل جداً حجب المواقع من الاستخدام) سواء أكان فيس بوك، أو غيره. هذا التوسع للتأكد من أنك لن تضيع في بحر من التسلية والمرح.
إيقاف جميع الإخطارات، وكتم الهاتف وإخفاؤه في حقيبتك، حتى لا يقع في متناول يديك. من الجيد أيضاً أن تحوّل رموز هاتفك إلى الأبيض والأسود حتى لا تقودك الرموز الملونة بعيداً عن العمل.
ليس وسام شرف أن تكون مشغولاً
واحدة من أهم الأشياء في كونك منتجاً هي أن تجد الوقت المناسب للعمل والوقت المناسب لجميع أفراد الأسرة والهوايات. يعلم الشخص المنتج أيضاً أن الدماغ يُحِبّ التنوع ويعلم يقيناً أن الصحة النفسية الصحيحة تترجم إلى قدرة الدماغ.
من آخر الأخبار الجيدة أنه من الممكن تدريب الدماغ حتى يبقى مركزاً ومثمراً. الطريف في الأمر هو أن الدماغ يتصرف مثل العضلات: عندما نستخدمه في مهام متعددة في كثير من الأحيان، فسوف يعتاد على تدني التركيز. ومن ناحية أخرى، عندما يعتاد دماغك على التركيز فلن يسمح لك بسهولة أن تنصرف عن حالة التركيز.
أرجو أن تساعدك النصائح التي ذكرتها حول الإنتاجية على أن تكون منتجاً أكثر. وأحب أن أعرف ما هي تقنية التركيز المفضلة لديك. شاركنا التعليق.
ترجمة - بتصرّف - للمقال How to be More Productive (and Less Busy) لصاحبه Justyna Polaczyk.
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.