اذهب إلى المحتوى

غالبا ما يوصف برنامج شارك تانك (Shark Tank أي خزان القرش)، وقرينه العربيّ "تحدّي الهوامير" بأنّهما برنامجان حول تقديم العروض. وهذا خطأ، فهما برنامجان عن أناس، مخترعين غالبًا، ذوي قصص شخصيّة مثيرة للاهتمام، يبحثون عن المساعدة لنقل منتجهم إلى الخطوة التّالية، وما دور البرنامجين إلّا منحهم الفرصة لعرض فكرتهم على لجنة من المستثمرين، الّذين يقدّمون بدورهم -إذا نالت الفكرة إعجابهم- عرض تمويلٍ لمساعدة إيصال المنتج إلى السّوق، ويسبق كلّ عرضٍ ما يعدّه المنتجون أكثر القصص إثارةً للاهتمام من قصص رائد الأعمال، وبهذا يشاهد الجمهور ما يلهم روّاد الأعمال، وكم بذلوا من جهد في نماذجهم التّجريبيّة، وعروضهم، وعِظم ما يضعونه على المحكّ خلال تلك الدّقائق القليلة في الغرفة أمام المستثمرين، وبعد أن يضع رائد الأعمال قصّته في الصّورة، نحصل على عرضه الّذي يحفظه خلال 5 دقائق، والّذي إذا بدا فعّالًا تلاه نقاش من المستثمرين حول القيمة، والتّوجيه.

هذان البرنامجان ليسا مجرّد برنامجي عرض أفكار، بل غايتهما إبراز جانب مهمّ من هذه الممارسة، فللقصص أهميّة للمستثمرين، والعملاء. والكثير من المستثمرين الملائكة يبنون قراراتهم الاستثماريّة تبعًا للفريق الّذي يقدّم العرض، أكثر من بنائها على المنتج نفسه.

سنتحدّث في هذا المقال عن كيفيّة مشاركتك لقصتك الرّيادية، وسردها بالطّريقة الصحيحة، التي يساهم في رفع فرص منحك التّمويل اللّازم، والاهتمام أكثر بفكرتك، أينما كنت وبأيّ مدّة منحت لك للحديث عن قصتك الريادية، كما سنشير إلى أبرز مزايا، ومساوئ استخدام القصّة الرّياديّة للحصول على المبتغى.

سرد قصتك

يجب أن تكون قادرًا بصفتك رائد أعمال على مناقشة منتجك، وسرد دوره في حلّ المشكلة، وعرض قيمته المقترحة، ومكانته في السوق، والمنافسة دون عناء؛ كما تحتاج في عروضك أيضًا إلى أن تكون قادرًا على سرد قصّتك؛ لذا فاستعدّ لسرد قصّتك الرّياديّة بتطبيق أكثر أنواع القصص عالميّة مثل القصّة الخياليّة، وإليك نموذجًا يمكنك استخدامه:

"ذات مرّة، واجهتنا مشكلة، ثم فكّرنا في الحل الأكثر إبداعًا، فعملنا بجدّ، وقمنا ببناء العديد من الإصدارات من الحلّ حتى وجدنا الحلّ المنشود، وهو هذا الابتكار الّذي تراه أمامك. وما بلغناه إلّا بتكلفة شخصيّة كبيرة، لكن ها هو ذا! ويمكنك أن تمتلك جزءًا منه، ولا أقصد هذا الابتكار الملموس أمامك على الطّاولة وحده، بل جزءًا من الفكرة ذاتها، إذ يمكنك أن تمتلك جزءًا كبيرًا من هذا النّشاط التّجاري، ونموّه المحتمل مستقبلاً، وكلّ ما عليك فعله هو الوثوق بنا، إذ يمكنك أن تكون جزءًا من السّحر، فنحن سنقدم هذا الابتكار للملايين، ونجعل حياتهم أفضل، وسنصبح أغنياء معًا، كما سنجعل العالم مكانًا أكثر ثراءً في الوقت نفسه، انضمّ إلينا! استثمر، وعش حياة السّعادة الدّائمة!"

بطبيعة الحال، فالحكاية الخياليّة ليس صيغةً مناسبةً لتقديم عرضٍ تقديميّ عمليّ، ومهنيّ، غير أنّها قد تساعدك في وضع أجزاءٍ من رحلتك الرّياديّة على الورق، حتّى تتمكّن من نسج التّفاصيل الأساسيّة في عرضك أثناء تطوره.

كيف لك أن تضمّن عناصر من القصّة الخياليّة حول رائد الأعمال هذا، لتكتب عرضًا وهميًّا عن أذكى اختراعاته؟ بمجرد أن تنمو الشركة، ستنمو معها قصّتها، لكنّ القصص الأصليّة للمؤسّسين ستبقى تلعب دورًا، فهذه القصّة الأكبر تسمّى رواية الشّركة، وهي ليست حكاية خرافيّة، إلّأ أنّها تنقل كيف نمت شركة ناجحة من شيء صغير، ربّما بدأ في مرأب لتصليح السيّارات في كاليفورنيا، إلى شركة، أو مجموعة قويّة تخدم ملايين الأشخاص؛ وتصوغ الشركات روايات، غالبًا باستخدام العديد من الزّخارف، لأغراض التّسويق، ولكنها تعمل أيضًا على تذكير القادة، والموظّفين بالرّؤية، والأحلام التي راودت مؤسّسي الشّركة من قبل.

من أمثلة الشّركات النّاشئة الّتي لا تزال تلهم الكثيرين إلى يومنا هذا، شركة هيوليت باكارد (HP)، حيث تكمن أصولها في جهود بيل هيوليت، وديفيد باكارد، وهما زميلان في جامعة ستانفورد في الثلاثينيّات، اللذان بدآ شركتهما في مرآب حقيقي، ثم تجاوزت الشّركة بداياتها المتواضعة عدّة مرات، ويمكنك رؤية المرأب الفعليّ المرمّم في الشّكل 5.7.

HP.jpg

الشكل 5.7: رمّمت هيوليت باكارد المرأب الأصليّ في بالو آلتو بكاليفورنيا. أين بدأ مؤسّساها بيل هيوليت، وديفيد باكارد، زميلا الدّراسة بجامعة ستانفورد، العمل سنة 1938 على المفاتيح الكهربائيّة، ومذبذبات الصّوت الّتي أصبحت أولى منتجات شركتهما الجديدة.
حفظ الحقوق: "HP Garage in Silicon Valley" عبر "MGA73bot2"/ Wikimedia Commons ترخيص CC BY 2.0

محاسن ومساوئ استخدام القصص

الميزة الأساسيّة لاستخدام القصص في تطوير العرض، هي أنّها قابلة للارتباط بحياة المستمعين، فالقصص هي الطّريقة التّي نفهم بها حياتنا، لذا فمن الطّبيعي أن تساعد القصص الآخرين في فهم مشاريعنا الجديدة، فالقصص مفيدةٌ لنقل المفاهيم مع الصّور الّتي يأتي سردها من وجهة نظر معيّنة.

عند تقديم عرض تقديميّ، يفضّل تجاوزك لعرض القيمة المقترحة لمنتجك من وجهة نظرك إلى عرضها من وجهة نظر عميل مخلص، متحمّس للمنتج. فتصبح أهدافك أهدافه، فعلى سبيل المثال، تمتلك العلامة التجارية نايك إير جوردان (Nike's Air Jordan)، واحدةً من أقوى المجتمعات المؤّيدة لها في العالم، وهم مدفوعون بقصص، كونهم -ولو بحدّ صغير- أشبه بواحد من أعظم الرّياضيّين في كلّ العصور، وبسبب إلهامهم، فهم لا يشترون أحذية، وملابس نايك فحسب، بل يخيّمون خارج المحلاّت في انتظار أن يكونوا جزءًا من أحدث إصدار.

يمكن أن يؤدّي استخدام الهياكل السّردية للحصول على نقاط العرض التّقديمي الخاصّة بك، إلى إلهام المستثمرين المحتملين لرؤية رؤيتك، وأهدافك، ومشاركتها؛ ويتمثّل الجانب السلبي في تطوير، وتسويق العملاء المستند إلى السرد، في أنّه يمكن أن يؤدّي إلى ثقافة الاحتياج المصنّع، وهو شكل جديد من أشكال الاستهلاك، مبنيّ على ما يسمّيه المسوّقون "الخوف من التّفويت"، وهو طريقة أخرى لوصف النّشوة التي يشعر بها النّاس عندما تغمرهم العلامة التجارية، إذ يشير الخوف من الضياع (Fear Of Missing Out)، أو FOMO اختصارًا، إلى الشّعور بضرورة مواكبة أقراننا، والشّخصيّات الّتي يمثّلونها في الأوساط الاجتماعيّة، وخاصةً على وسائل التوّاصل الاجتماعي، حيث يمكنهم القول بأنّهم كانوا هناك أوّلاً، ولديهم أفضل الأشياء.

كن واعيًا بالآثار الأخلاقيّة لعملك حتّى أثناء تطوير مهاراتك في التّرويج للمنتجات من خلال صياغة روايات ملهمة، فأنت بحاجةٍ إلى تعلّم كيفيّة تقديم عروض تقديميّة ناجحة لتنمية علامة تجارية، وشركة، أو مؤسّسة غير ربحيّة؛ إلّا أنّ هذا لا يعدّ ترخيصًا لتجاهل آثار عملك، لهذا اسعى إلى تحقيق التّوازن بين عروضك، وجهودك الرّياديّة، والاستهلاكيّة، والجهود المؤيّدة للمجتمع أيضًا، فقد يكون هذا النّوع من التّوازن قابلاً للتّحقيق عبر الحياة المهنيّة، وعبر منتجات الاستهلاك، والجهود الرّياديّة المجتمعيّة، فرواية القصص الجيّدة ستساعدك على تحقيق أهدافك.

هناك نوع آخر من السّرد قد يكون خبيثًا - قصة رائد الأعمال الناجح للغاية، والذي يمتلك كل شيء-، نعم، فكما سبق وقلنا في مقالات سابقة من هذه السلسلة، فروّاد الأعمال يمكن موازنتهم بالأبطال الخارقين، فهم يحقّقون أشياءً يحلم بها الآخرون، لكنّ العديد منهم لديهم وظائف شاذّة تتميّز أيضًا بظروف مواتية، وحظّ، وعمل شاقّ، فالسرد الآخر الّذي يهمّ، بخلاف مجهودك الرّياديّ، هو روايتك الشخصية، فكما ينتظر من الشّركة النّاشئة النّاجحة تجاوز الإخفاقات، والتغلّب عليها؛ يتوقّع منك المثابرة بعد النّكسات عندما يكون من المعقول القيام بذلك.

كما هو الحال مع أذواق المستهلكين وعاداتهم سريعة التطوّر في مواجهة ممارسات التّسويق "متعدّدة القنوات" في الاقتصاد الأمريكي، فمن المستحيل أن تكون أمام كل أحدث تقنيات المعلومات، والاتصالات (ICT)، فحتّى تقنيات التّصنيع تتطوّر بسرعة، إذا جعلته جزءًا أساسيًا من سرد شركتك بأنّك دائمًا "على رأس" جميع التّقنيات، فربّما تهيّئ عملك، أو خدمتك للفشل، وتعدّ تقنيات المعلومات، والاتّصالات، والتّصنيع من القطاعات الضّخمة في الاقتصاد العالمي، وليس من المتوقّع أن تعرف عنها كلّ شيء، إذا تمكنت من التغلّب على الخوف من الضياع (FOMO) الخاص بك، فيما يتعلّق بأحدث التطورات التقنيّة، فقد لا تكون قصّتك مثالية، ومع ذلك فستتمكّن من العمل من موقع التّوازن الشّخصيّ، والمؤسّسيّ.

كن أيضًا واقعيًا بشأن قصّة ريادة الأعمال الخاصّة بك، فقد يفقد روّاد الأعمال الذين يركزون كثيرًا على سردهم الخاصّ تحديّات السّوق المهمّة، أو المشكلات العميقة الجذور في تصميمهم، أو ميزاتهم الرّئيسيّة، كما قد تنشأ قضايا يتجاهلونها، معرّضين مشروعهم لخطر التّهالك، إذا آمنوا بأنّ قصصهم مسألة قدر، فتجاهل العقبات، والإخفاقات، وأوجه القصور فيك، وفي قيمتك المقترحة، وفي مؤسّستك، من شأنه إعاقة قدرتك على تنمية مشروعك إلى حدّ خطير، فدورك كمبلّغ ليس تكرار قصّتك الخياليّة، ومحاولة العيش فيها، بل هو في سرد قصّتك الرّياديّة، وإظهار قدرتك على التغلّب على التحديّات، والنموّ؛ فهذه القدرات ترتبط بالمثابرة، والاستفسار المدروس، وتقديم القيمة، والحلول للآخرين.

والآن بعد اطلاعك على محتوى هذا المقال، نفترض أنّك قد صرت على دراية تامّة بمدى أهمّية سرد قصّتك الرّيادية التي جعلتك تفكّر في المنتج، أو الخدمة التي تعرضها على المستثمر، حيث يجب عليك التّدرب على إلقائها جيّدًا، مع الحفاظ على واقعيتك التّامة حتى لا تنحرف عن هدفك الأساسيّ من هذا السرد، وحتى لا يكون لقصتك تأثير عكسي عليك.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Telling Your Entrepreneurial Story and Pitching the Idea) من كتاب Entrepreneurship.

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...