أظهرت الاستقالات الفردية الضخمة التي بدأت في 2021، وخاصةً في الولايات المتحدة أنّ عددًا لا بأس به من الموظفين قد تركوا أعمالهم لأنها غير مناسبة، فما الذي قاد هذا التغير في السلوك؟ لقد تركوا عملهم بحثًا عن فرص أخرى تحمل تحديًا وقيمةً وحماسًا أكبر. سنلقي نظرةً في هذا المقال على أهمية رغبة الموظف وحماسه لعمله، وكيف يؤثر ذلك على بقاء الموظف في منصبه، والخطوات التي قد تتبعها الشركات لتحسين انخراط الموظفين بفعالية في أعمالهم.
أهمية المشاركة الفعالة للموظف في عمله وعلاقتها باستمرارية عمله
يترابط مفهوما المشاركة في العمل والمحافظة على الموظفين، فالموظفون المتحمسون لأعمالهم أكثر التزامًا بالعمل وبالفريق وبالشركة مقارنةً بغيرهم؛ إذ يشعر هؤلاء بالرضا والسعادة في عملهم ويستمتعون بما يقدمونه مع شعور بالتقدير، لهذا فمن غير المحتمل أن يتخلوا عن شركتهم.
تعرف الشركات التي موظفوها راضون بأعمالهم أنّ تحسين انخراط الموظفين في العمل لا يتم بمبادرة واحدة، فالأعمال التي تستقطب أفضل المواهب وينخفض فيها معدل ترك الموظفين لأعمالهم تتفهم جيدًا أنّ سعادة فريق العمل ورضاه ومشاركته بفعالية بما يُسند إليهم من مهام لا بدّ وأن تكون في أولوياتها وجزءًا من ثقافتها.
لنلق الآن نظرةً أعمق إلى العلاقة بين انخراط الموظفين الفعّال بأعمالهم والمحافظة على المتحمسين منهم ضمن قوام الشركة باستكشاف الطرق المضمونة لتنفيذ الأمر.
هل يقل احتمال ترك الموظف لعمله إن كان متحمسا له؟
استنادًا إلى بعض الدراسات التي أجراها موقع Gallup، فإنّ الشركات التي ينخرط فيها أكثر من 75% من موظفيها في أعمالهم بحماس، تنخفض فيها نسبة ترك العمل بمقدار 43% مقارنةً بالشركات التي تقل نسبة الموظفين المتحمسين لعملهم عن 25%.
وبكلمات أخرى، سيقل احتمال استقالة الموظفين كثيرًا في الشركات التي تعي أهمية حماسة موظفيها لأعمالهم وترسخ ذلك في ثقافتها مقارنةً بتلك التي لا تولي أهميةً لحماسة موظفيها.
هل تزداد إنتاجية الموظفين المتحمسين لوظائفهم؟
نعم، سينجز الموظف المتحمس لعمله أكثر مما ينجزه غيره.
اقتباستتمتع الشركات وفرق العمل ذات التصنيف المرتفع بما يتعلق بمقدار انخراط موظفيها في أعمالهم بمعدل استقالة أقل بحوالي 81%، وبإنتاجية أعلى بمقدار 81% مقارنةً بمثيلاتها التي تقل فيها حماسة الموظفين للانخراط في العمل.
موقع "Gallup"
واستنادًا إلى تقرير نفس الموقع عن حالة مواقع العمل عالميًا لعام 2021، يكلّف الموظفون الأقل حماسًا للمشاركة في العمل شركاتهم 18% من الكتلة المخصصة سنويًا للمرتبات على إنتاجية ضائعة. وبطبيعة الحال، تزيد الإنتاجية المرتفعة من نجاح الأعمال.
اقتباسيزيد انخراط الموظفين في أعمالهم أرباح الشركة، إذ تزيد أرباح هذه الشركات مقدار 23% مقارنةً بتلك التي لا يبدي فيها الموظفين نفس الحماسة لعملهم.
موقع "Gallup"
هل تزداد سعادة الموظفين الأكثر حماسا لعملهم؟
يختلف مفهومي الموظف السعيد والموظف المتحمس للعمل لكنهما يتبادلان التأثير، فالموظف المتحمس لعمله تعريفًا هو الموظف الذي يتابع عمله يوميًا ويعتقد بأنّ عمله يتطلب التحدي ويشعر بقيمة ما يفعله؛ فهم يحبون ما يفعلونه ويشعرون بأنّ هذا العمل يلائم مهاراتهم جيدًا وأنّ لهم مكانتهم في الفريق والشركة.
تترجم هذه الميزات إلى مستوىً أعلى من الرضا ويمنح الموظف تجربةً أغنى وهدفًا من وراء ما يفعله، وهذه المشاعر هي دافع حقيقي نحو السعادة.
كيف تقيس مدى حماسة الموظف وانخراطه في عمله؟
لا بدّ من تكامل الجهود لتحسين انخراط الموظفين في أعمالهم على مستوى المديرين وفريق العمل والشركة ككل إن أرادت الحفاظ على أفضل الموظفين لديها، لكن الأمر صعب خاصةً إن لم تعِ بوضوح من أين تبدأ وأين ستصل.
قياس مدى حماسة موظفيك للعمل ضرورة ملحة: يمكن أن يساعد ذلك المديرين على تجميع بيانات ومعلومات وأفكار قد يحتاجونها لفهم ما ينفع وما لا ينفع، وما الذي ينبغي فعله للتطوير. هنالك العديد من المؤشرات التي يمكن تحديدها منها:
استطلاعات جس النبض
قد يصعب فهم التجربة التي يعيشها موظفوك، لهذا تُعدّ استطلاعات جس النبض المنتظمة مهمةً في متابعة نبض الأحداث التي تدور في شركتك. ستساعدك هذه الاستطلاعات على تحديد ما يدفع الموظفين إلى الحماسة في العمل، وما يبعدهم عن الانخراط بفعالية؛ ومن ثم اتخاذ التدابير اللازمة لتحسين ذلك (وبالتالي المحافظة على موظفيك في المحصلة). وهذا الاستطلاع شديد الفائدة للمديرين الذي يقودون فرقًا موزّعة.
اللقاء وجها إلى وجه
تنحصر المسؤولية في معرفة مدى حماس الموظف أو إهماله لعمله على المدير وحده، ومن هنا تظهر أهمية اللقاءات الفردية وجهًا لوجه وبانتظام، إذ تصنع هذه اللقاءات مساحةً للموظف كي يتحدث عن تجربته مع مديريه ويتشارك معهم الرؤى حول ما يحفزه خصوصًا وما يحبطه، ليستفيد منها المديرون في تحسين خبراتهم ويقود إلى مستوى أعلى من الانخراط في العمل.
لقاءات ترك الخدمة
إن قرر موظفك ترك العمل وتقديم استقالته، فمن الجيد عندها أن تستغل الفرصة لتعرف السبب الكامن وراء قراره، وما الذي يمكن للشركة فعله لزيادة حماس موظفيها لعملهم. حاول أن تركز في هذه اللقاءات على حماسة الموظف وانخراطه في العمل؛ وخاصةً على السبب الذي يبعد الموظف عن واجباته أو يشعره بذلك.
لقاءات العمل المستمرة
وهي وسيلة لمواجهة انسحاب الموظفين من شركتك. تساعدك هذه اللقاءات مع موظفيك الحاليين على فهم الأسباب التي قد تدفع الموظف للبقاء أو الرحيل (لتفادي لقاءات ترك الخدمة لاحقًا). ومن أبرز منافع هذه اللقاءات هي المعلومات التي تقدمها لك كي تنجز استراتيجية ناجحة ترفع معدل الاحتفاظ بالموظفين وتلبي حاجاتهم.
إن حماسة الموظفين للعمل الذي يُسند إليهم أمر أساسي، خاصةً في مسألة بقائهم أو رحيلهم. وقياس الانخراط في العمل هو الاستراتيجية الأنسب في جمع المعلومات التي تحتاجها لبناء موقع عمل يجذب الموظفين للاستمرار في العمل.
أربع استراتيجيات قيادية لزيادة انخراط الموظفين في أعمالهم
باختصار، إن أردت المحافظة على المواهب ضمن شركتك، اجعل اندفاع الموظفين إلى العمل في أعلى قائمة أولوياتك وامنحه معناه الحقيقي، فاتخاذ خطوات فعالة في تحسين انخراط الموظفين في العمل سيؤثر جدًا على احتمال استمرارهم في العمل لديك.
وفقًا لموقع Gallup مثلًا، سنجد أن:
اقتباس%52 من الموظفين الذي تركوا العمل عند مدير معين أو في شركة محددة ما، كانوا ليفعلو ذلك لو حاول المسؤولون عنهم فعل شيء ما لتجنب الأمر.
إذًا، كيف ستفعل ذلك بالضبط؟
لنلق نظرةً على أربع استراتيجيات يمكن للقادة اتباعها لزيادة انخراط الموظفين في نشاط الشركة وزيادة رضاهم وتقليل عدد حالات ترك العمل.
افسح المجال للمناقشة حول الانخراط في العمل
قد تعتقد بأنك تعرف ما عليك فعله لزيادة حماس موظفيك، وذلك من وجهة نظرك بصفتك قائد؛ لكن إن أردت أن تعرف تمامًا ما يلزم لبناء موقع عمل أكثر تحفيزًا، فعليك أن تسأل موظفيك.
إن حل أي مسألة بانفتاح وإفساح المجال للحوار الصريح مع الفريق بما في ذلك جلسات العصف الذهني لخلق مبادرات أكثر إبداعًا، والحوارات الشخصية وجهًا لوجه مع أعضاء الفريق حول ما يعزز الانخراط في العمل، هو الأسلوب الأنجع في دعم الموظفين.
كما أنّ خلق همساحات للنقاش الجماعي مع الفريق أو الفردي أمر أساسي، فقد تدير مثلًا جلسة عصف ذهني تطلب فيها رأي الفريق عما يمكن للإدارة فعله لتحسين اندفاعهم نحو إنجاز العمل، ثم ترتب بعد ذلك جلسات نقاش فردية لتقف على تفاصيل أعمق من كل فرد من أفراد الفريق على حدة.
موظفوك في النهاية هم من سيندفع إلى العمل بنشاط أو يتخاذل، لهذا عليك أن تسألهم رأيهم في إنجاز الأمر إن أردت أن تميل الكفة إلى صالح شركتك.
الإشادة بالموظفين
سيكون للإشادة البسيطة بالموظف أثر طويل الأمد على مستوى انخراطه في أداء عمله. ووفقًا لموقع McKinsey، فقد ترفع الشركات نسبة الانخراط في العمل بواقع 55% إن لم تغفل حاجة الموظف لتلقي الثناء في الموقع الذي يعمل به.
ابحث عن سبل تثني من خلالها على موظفيك إن أردت تعزيز انخراطهم في العمل، وإليك بعض الأمثلة:
- إن كنت تعقد اجتماعًا أو مراجعة لمشروع سيكون فريق العمل مكتملًا، فابدأ الاجتماع بالإشادة بالمساهمة الخاصة التي قدمها كل عضو من أعضاء الفريق لنجاح هذا المشروع.
- إذا أدى أحد أعضاء الفريق عملًا يفوق ما هو مطلوب منه، فتأكد من أن تشيد بجهوده وأن تعبر عن امتنانك لما أنجزه. وإن كنت ستفعل ذلك، فاحرص على أن يكون الأمر على مرأى أو مسمع أحد مديريه أو قادته.
- إن شعرت بأن أحد موظفيك قد أُرهق من العمل، فيمكنك أن تحدثه جانبًا مشيدًا بقدرته على الاطلاع بعدة مسؤوليات في الوقت ذاته واسأله إن كان بإمكانك فعل أي شيء للتخفيف من أعبائه.
أظهر لهم أهمية ما ينجزون
أن يلمس الموظف أهمية ما ينجزه هو أمر أساسي يدفعه نحو مزيد من الحماسة والانخراط في عمله. ووفقًا لاستطلاع رأي نفذه موقع "McKinsey"، فقد تشهد الشركات ارتفاعًا في نسبة انخراط العاملين يقارب 49% عندما تتماشى قيم الشركة مع الغايات الفردية للموظفين.
أظهر لموظفيك كيف ولماذا يشكل ما ينجزون من أعمال جزءًا مفصليًا من مسيرة نجاح الشركة؛ فعندما تطلق مثلًا مشروعًا جديدًا، فلا تبدأه بتوزيع الأدوار والواجبات مباشرةً، بل تحدث عن أهمية المشروع وأثره على الشركة بكل من فيها، واشرح أهمية كل دور سيؤديه فريق العمل في تحقيق الأهداف طويلة الأجل للشركة.
أو إن واجه بعض الموظفين الجدد صعوبةً في التعامل مع واجباتهم الجديدة، فخصص لهم وقتًا لتشرح لهم رؤية شركتك وأهدافها وقيمها وكيف سيساهم العمل من مواقعهم في دعم قيم وأهداف الشركة.
استخدم برمجيات مناسبة للمساعدة في قياس مؤشرات حماسة الموظفين لأعمالهم
إنّ الإبقاء على المواهب في الشركة أمر جوهري، والمحافظة على الموظفين المتميزين أساس سوق العمل وينبغي أن تضع الأعمال تعزيز انخراط الموظفين في أعمالهم في أعلى قائمة الأولويات؛ لهذا إن أردت الإبقاء على مستويات الانخراط مرتفعة، فلا بدّ من قياسها باستمرار وبفعالية، وهنا يُنصح باستخدام بعض البرمجيات المخصصة لذلك، مثل بعض البرمجيات التي تتيح لك إمكانية قياس العديد من مؤشرات انخراط موظفيك في العمل، واستطلاع رأي موظفيك وتحديد مستوى حماسهم، ويعطيك بيانات لاستخدامها في خلق قوة عاملة أكثر التزامًا بالعمل، وبالتالي شركةً أكثر نجاحًا.
ترجمة -وبتصرف- للمقال The importance of employee engagement and retention for the future of work لصاحبته Rachel Steben.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.