رغم حدوث التقييمات السنوية في الشركات مرة واحدة كل عام، إلا أن أثرها يظل باقيًا ومخيّمًا على روح الشركة وثقافتها ، فهي تولّد عقيدة عند الموظف تتحكم في الطريقة التي يؤدي بها مهامه، وتجعله يركّز على المحفز الخارجي -نتيجته في التقييم- بدلًا من المحفز الداخلي -القيم الخاصة بالشركة-، وهي عقيدة مبنية على الخوف من النتيجة السلبية، مما يؤدي إلى قتل الإبداع و النمو في الشركات والأفراد على حد سواء.
لذا فقد جلسنا مع كاهينا أويردين وجوانا أواجني، الإداريتان في فريق الثقافة والتنظيم في شركة GSOFT -الشركة الأم لشركتنا Officevibe-، وقد شرحتا لنا السبب الذي جعل مؤسستنا تسير عكس التيار وتوقف التقييم السنوي من دورات النقد والتغذية الراجعة إلى الأبد.
من أين يبدأ التغيير
اقتباستتشابك المشكلة التي نواجهها في بيئة العمل هنا كثيرًا مع نظام التقييم في المدارس، وأظن أول خطوة في التغيير هي تغيير ذلك النظام في المدارس تمامًا، فحين تكون يافعًا تجد نفسك تتعلم من أجل التعلّم، ثم تصل بعدها إلى مرحلة تهتم فيها بأعلى درجة تحصل عليها.
_ كاهينا أويردين
تشرح كاهينا تلك الجملة قائلة بأن هناك انتقال من الدوافع الجوهرية الداخلية لتنفيذ مهمة بعينها إلى الدوافع العرَضية، ويضيع الهدف والمعنى في هذا الانتقال، فهناك متعة تُقتطع من العملية حين تعلم أنك تعمل من أجل التقييم، وأرى أنك حينها تعمل من أجل سبب خاطئ.
ذلك أن محاولة التعلم بصوره المختلفة -في المدرسة أو بيئة العمل- من أجل الدرجات والمكافآت يزيل الأصالة من الفعل نفسه ويحجّم التفكير والإبداع، وهما العنصران اللذان تنمو الشركة وتنجح بهما.
ما وراء الدرجات
اقتباسحين تقيّم الناس بأرقام ثابتة فكأنك تسِمُهم بألقاب معينة، وهو العنصر الآخر الذي يجب أن نعيد النظر فيه في بيئة العمل.
_ كاهينا أويردين
تبيّن كل من كاهينا وجوانا أن التقييمات السنوية لم تعد طريقة يُعتمد علها في التقييم، ذلك أنها تتأثر كثيرًا بالنتائج القريبة قصيرة المدى، إضافة إلى أن الثقة في الملاحظات التي يجمعها المدراء على مدار العام طريقة غير فعّالة ومفرطة في التفاؤل. ويظهر قصور هذا الأسلوب أيضًا في تثبيط همة الموظفين إذ سيشعرون أن أداءهم صار مرتبطًا بالتقييم الذي أُعطي لهم، ويصبح الموظف حبيس تلك القيمة الرقمية التي أعطيتها له، ويتعامل معه مديره وزملاؤه بناءً على تلك القيمة.
اقتباسلا تستطيع استخراج أفضل ما في أحدهم حين تخبره أنه يساوي ثلاثة من خمسة، ذلك أن الناس غالبًا تتمثل القيمة التي أُعطيت لهم بسبب الأثر القوي للدرجة التي تحدد مستواهم.
_ جوانا أواجني
لذلك فإننا في حاجة إلى تغيير تلك التقييمات الرقمية واستبدال شيء أقل اعتمادًا على القيم الرياضية بها، لكن يجب أن يكون ذلك البديل ذا معنى ولا يحُدّ من مستوى إنتاج الموظف.
لماذا تتعارض التقييمات السنوية مع أنظمة التقييم والتغذية الراجعة الأخرى
تستنكر كاهينا اعتماد بعض الشركات نظام التقييم السنوي رغم استخدامها لأنظمة تقييم وتغذية راجعة مختلفة في نفس الوقت قائلة:
اقتباسإن كنت تعتمد أنظمة تقييم مختلفة وتتواصل باستمرار مع الموظفين، فما الحاجة إذًا إلى التقييمات السنوية؟ لماذا نحتاج إلى مراجعة نهائية إن كنا لا نتوقف أصلًا عن النمو والتطور؟ يجب أن تقلل المنظمات من تركيزها على حالات الفشل والحوادث الفردية التي تتراكم على مدار العام لتكوّن تقييمًا ضخمًا للموظف، وتركّز بدلًا من ذلك على تطوير الموظف وتجسيد قيم الشركة فيه.
_ كاهينا أويردين
إن الاتجاه الحالي الذي يركّز على جعل الموظفين في مركز اهتمام المؤسسات من أجل زيادة مستوى الآدمية فيها يتعارض مع أسلوب التقييمات السنوية التي تزيد من الخوف.
مستقبل الإدارة في غياب التقييم السنوي
يمكن القول بأننا ننتقل إلى عهد جديد في الإدارة، نميل فيه إلى الابتعاد عن الأمر والتحكم، ونجنح إلى تشجيع الفرق ذاتية التنظيم والقيادة المشتركة.
اقتباسيجب أن يصاحب إلغاء التقييم السنوي إلغاءٌ للتحكم والسيطرة المركزية، ومن ثمّ نتجه إلى تكوين فِرَق أكثر كفاءة في نفسها، ذلك أن إزالة الخوف ستبني موظفًا ذا حافز قوي للعمل.
_ كاهينا أويردين
إن هذا يسمح للناس بالتركيز على غايتهم من العمل بدلًا من إبهار أشخاص بعينهم من أجل التقييم الذي يتمنون الحصول عليه منهم، كما يفتح للموظف بابًا لتجربة حياة العمل بعيدًا عن عامل الخوف من التقييم، ممهدًا الطريق إلى النمو والإبداع في مسيرته المهنية، حين ينظر إلى السبب والغاية التي يعمل من أجلهما، بدلًا من النظر إلى عواقب كل فعل يقوم به.
اقتباسإن الحضور القوي للخوف ينبع من تلك التقييمات التي تمنع الناس من الانطلاق على سجاياهم المبدعة، وهذا عيب التقييم السنوي، فهو يجعل المنظمة تركّز على التحكم والهرمية لتكون قوة عليا بدلًا من أن تكون قوة مشتركة.
_ كاهينا أويردين
إن مستقبل العمل الذي نراه يركّز أكثر على تشجيع المخاطرة وتقبل الأخطاء التي نتجت عن الفضول والسعي للاختبار والاكتشاف بدلًا من عدّ مرات الفشل للموظف.
لماذا تصر الشركات على الإبقاء على التقييم السنوي
إن تغيير منظومة التغذية الراجعة التي ظلّت تلك المنظمات تستخدمها لعقود يتطلب تفكيرًا عميقًا، ذلك أن التخلي عن إحدى عادات الشركة يزداد صعوبة بزيادة حجم الشركة وتعقيدها، خاصة حين يكون لديك نظام نظيف وبسيط يجعلك تجمع السنة كلها في تقييم نهائي.
حتى لو أدركت الشركة أن تلك العملية بها عيوب أو قصور فإن عملية التغيير ستكون ثقيلة عليها في تطبيقها دون إرشادات واضحة للبدائل التي تتبعها الشركة.
اقتباسإن البدائل موجودة لكن الشركات لا تملك الفضول الكافي للبحث عنها، فهي تتطلب تفكيرًا طويلًا وإعادة تنظيم وتصميم للقيم، فهي مهمة صعبة لكنها تستحق الجهد الذي سيبذل فيها، وستظهر ثمرتها على المدى البعيد.
_ جوانا أواجني
صحيح أن التغيير قد يكون مخيفًا لكنه يستحق المحاولة، ولا يهم إن كنت شركة جديدة أو لك خمسين عامًا في السوق، فيجب أن تبدأ الآن في حركة التغيير إن كنت تريد البقاء كمنظّمة تفكر في المستقبل.
ما يريده الموظفون حقًا
اقتباسإن الموضوع الذي يبرز دومًا حين نتحدث عن التغذية الراجعة هو رغبة الموظفين في المزيد من التواصل والاجتماعات الثنائية، فهم يريدون أن يتعلموا ويطوروا من أنفسهم باستمرار، فكيف يُقارن هذا بمحادثة واحدة ورقم نهائي في نهاية السنة؟!
_ جوانا أواجني
تستطرد جوانا هنا أن الأمر مناف للمنطق أصلًا بما أن التقييم السنوي يقيّد نفسه إلى الماضي في حين أن التطور يجب أن يسير للأمام، فالتخلص من التقييم المبني على الدرجات ضروري لأي بيئة تعلم ناجح، وإن الموظفين يهتمون بفرصة التعلم والنمو أكثر من المال والمنح، وأول خطوة لتحقيق ذلك هو التواصل المستمر، وفرصة استمرار التغذية الراجعة على مدار السنة.
وبما أن التعليم لا نهاية له، فإن إنهاء العام بتقييم سنوي يجعل دورة التعلم ذات بداية ونهاية مرتبطة بذلك التقييم، على عكس التقييم المستمر طيلة العام.
لغة التقييم التي يجب أن نتوقف عنها
نحن نحتاج إلى تغيير اللغة والمصطلحات التي نستخدمها مع تغيير نظام التقييم السنوي، فالكلمات نفسها تحتوي معاني ودلالات، لذا يجب أن تنظر المنظمة بعناية إلى المصطلحات التي تستخدمها لأنها ستغير ثقافتها وطاقتها ونبرتها، ومن ثَمّ طريقة تصرف الموظفين فيها.
اقتباسإذا أردنا تغيير طريقة تفكيرنا في أمر ما، فيجب أن نغير طريقة حديثنا عنه كذلك. وفي حالتنا فيجب أن نتوقف عن التفكير في تقييم أداء كل فرد، ونبدأ في تقدير ذلك الأداء بدلًا من ذلك. وإن فهمنا لمستوى الأداء في GSOFT مرتبط بشدة بقِيّمنا.
_ كاهينا أويردين
تشرح كل من كاهينا وجوانا أن كلمات مثل السيطرة والغلبة قد طغت على ثقافة الفِرَق بدلًا من الفوز المشترك وقوة الجماعة، وإن الكيانات التي نريد إنشاءها لن تكون أفضل بأجزائها المفردة، وإنما عن طريق مشاركة كل فرد فيها وتعاونه مع باقي فريقه.
اقتباسإني أذكر في كلية القانون أن درجاتنا كانت تعتمد بشكل كبير على درجات زملائنا، ونستمد امتيازنا من "زيادة الفرق" بيننا وبينهم، وليس بتعاوننا جميعًا على الدراسة، فكان الطلبة يخفون الكتب في أسقف المكتبات ليمنعوا غيرهم من تعلّم الإجابات الصحيحة، كي تكون لهم أفضلية عليهم، لكن أين الفائدة الكلية من هذا؟
_ كاهينا أويردين
كيف تغير أسلوبك في الخطاب
النقاش – التحدي. بدلًا من "أريد أن أرى مهارتك في هذا"، حاول استخدام لهجة ودودة مثل "دعنا ننظر في هذا الأمر بعمق أكبر".
الإبداع المشترك – التعاون. حين تجرد كلمة التعاون من معناها، فلن يكون ضروريًا أن تعني العمل الجماعي المباشر، فالتعاون على مشروع قد يعني أن أجلس في زاوية وأؤلف كتابًا بينما تجلس في زاوية أخرى تصمم له رسومات توضيحية، ثم ندمج ما كتبته مع ما رسمته أنت، فالإبداع المشترك ينطوي على العمل معًا حقيقة على مشروع ما.
التقييم – التقدير. كلمة التقييم هي أكثر كلمة قد تكون مكروهة في اللغة بالنسبة للموظفين، لذا إني أدعو إلى تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى الأداء، فنستبدل التقدير بالتقييم، حيث أن التقدير كلمة إيجابية وقوية في نفس الوقت.
الحل: ربط الأداء بالقيم وليس الأرقام
أول خطوة نحو تغيير نظم تقييم الأداء في الشركة هي تحديد القيَم الأساسية لشركتك، وتوضيحها جيدًا، ثم انشرها بعد ذلك في الفِرَق في شركتك، وأكّد عليها كل حين.
اقتباسإن قِيَمنا هي أصل كل ما نفعله، وهي مرئية مشاهدة في أعمالنا اليومية، ومنتجاتنا التي نطورها، والمؤتمرات التي نُقيمها، والطريقة التي نوظف بها العاملين الجدد، وهي أيضًا المركز الذي يدور حوله تطوير كل موظف لدينا.
_ كاهينا أويردين
فالمهم هو الفريق والتحرك الجماعي نحو هدف مشترك مبني على نظام قيمي، وليس الأداء الشخصي والدرجات الفردية، فهذين لا ينتميان إلى بيئة العمل.
تطبيق الحل
سنقسّم القيَم إلى معايير مختلفة أطلقنا عليها "خريطة الحرارة"، والتي سنستخدمها كل ثلاثة أشهر لقياس مدى تطور الموظفين بين الاجتماعات الثنائية الشهرية، وستزودنا الاجتماعات الثنائية ببيانات نتابع بها ذلك التطور. إليك مثالًا يوضح الأمر:
معيار قيمة "العائلة":
- الإبداع المشترك.
- الحساسية.
- المجتمع.
- الاهتمام بالآخرين.
استخدم الألوان بدلًا عن الأرقام:
أخضر – مستوى جيد، تابع ما تفعله.
أصفر – مستوى متوسط، يمكن العمل على تحسينه بالتدريج.
أزرق – مستوى ضعيف يحتاج إلى التحسين الفوري.
لا أحد سيركز هنا على أرقام، بل بدلًا من هذا فإن الألوان ستستخدم للتعبير عن حالة تطور الموظف مقارنة بمنظومة القيم الخاصة بالشركة.
اقتباسالهدف من هذا هو التركيز على الفائدة الكامنة لدى الموظف، فهذا الأسلوب مقارنة بالتقييم يمكن تمثيله بسؤال "ماذا فعلت في الماضي؟" مقارنة بـ"ماذا يمكن أن تفعل في المستقبل؟"
_ جوانا أواجني
ستلهم هذه الطريقة الجديدة الموظفين كي ينظروا إلى الهدف الأسمى والسبب الذي يعملون من أجله، وسيركّز على التطوير المستمر الذي يجعل الموظفين يعلمون أن هناك دومًا مساحة للنمو.
الخلاصة
- تخصيص الدرجات لتقييم التعليم يقتل الإبداع لأنه يجعل المحفز خارجيًا وليس داخليًا.
- الخوف من التقييم السنوي يقتل الإبداع في بيئة العمل.
- التغذية الراجعة تحتاج إلى أن تكون على مدار العام، وليس مرة واحدة فقط فيه.
- يحتاج الموظفون إلى التواصل المستمر للتعلم والنمو.
- نحتاج أن ننتبه إلى مصطلحاتنا التي نستخدمها ونتجنب استخدام كلمات تحفز الردود الدفاعية لدى الموظف.
- ربط أداء الموظفين بأرقام يؤثر على الطريقة التي ينظرون بها إلى أنفسهم والطريقة التي ينظر بها مدراؤهم إليهم ويعاملونهم على أساسها.
- يجب ربط الأداء بالقيم للحفاظ على تحقيق جميع أفراد المنظمة للهدف المشترك.
هل جربت مثل ذلك الأسلوب ورأيت نفعه من قبل؟ أو كنت تتمنى تطبيقه في شركتك؟ دعنا نسمع منك في التعليقات.
ترجمة -بتصرّف- لمقال Why We Got Rid Of The Annual Review, For Good لصاحبته Ali Robins
حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.