إذا كنت مديرًا، فكيف ستعرف إن كان فريقك يعمل بجد أم لا؟ لطالما اعتمد المديرون على الجداول الزمنيّة ومواعيد الحضور والانصراف لتقييم مدى التزام موظفيهم بالعمل، ولكن الحقيقة أن هذه الأساليب ليست مؤشرًا على مدى جودة العمل، وقد بات واضحًا أن هذه القواعد التي طالما حكمت سير العمل في الشركات والمؤسسات ليست مهمة كما كنا نعتقد.
وهنا يأتي دور المرونة في مكان العمل، فكل موظف يعمل بطريقة مختلفة عن الآخر، وحتى يشعر كل موظف بالرضا عن عمله فلابدّ من التعامل معه بحسب ما يلائمه. تسمح هذه الطريقة لك كمدير بتحسين إنتاجيّة الفريق مقابل السماح للموظفين بمساحة أكبر من الحريّة.
ما هي المرونة في مكان العمل؟
يمكن تعريف المرونة في مكان العمل بصورتها الواسعة بأنها أي أسلوب عمل يراعي الاحتياجات المختلفة لكل من الموظف وصاحب العمل، أمّا من الناحية العمليّة فيشير المصطلح عادةً إلى عدد من الممارسات التي تهدف إلى تعزيز المرونة في مكان العمل، وفيما يلي بعض هذه الممارسات:
المرونة في ساعات العمل
يُقصد بالمرونة في ساعات العمل أن يمتلك الموظفون الحرية في اختيار ساعات عملهم، فبدلًا من الدوام من الساعة التاسعة إلى الساعة الخامسة مثلًا، يستطيع الموظفون اختيار الساعات الملائمة لهم، وهو ما يمكنهم من تجنّب ساعات الزحام في المواصلات، وكذلك اختيار الوقت الذي يحققون فيه أكبر قدر من الإنتاجيّة.
ولا تقتصر المرونة في ساعات العمل على السماح للموظفين باختيار مواعيد العمل، وإنما تمتد لتشمل أيضًا السماح لهم باختيار مدّة العمل. ففي النهاية، يشير قانون باركنسون إلى أن العمل يتمدد ليغطي المدّة المخصصة له، فلماذا لا يُمنح الموظفون فرصة الانصراف مبكرًا عند إنجاز أعمالهم بسرعة؟
تنويه: تحتاج المرونة في مكان العمل إلى تغيير كذلك في ثقافة العمل، فعلى سبيل المثال، لو كان مسموحًا لك الانصراف في أي وقت، ولكنك تشعر بأنك مطالب ضمنيًا بالبقاء إلى حين انصراف مديرك، فلن تجدي كل الممارسات الإداريّة نفعًا في مثل هذه الحالة.
المرونة في أيام العمل
تشمل المرونة في العمل مراعاة رغبات الموظف فيما يتعلق بأيام العمل والإجازة، وذلك من خلال أساليب متعددة. منها على سبيل المثال، منح الموظف فرصة العمل بدوام جزئي، أو ضغط الدوام الأسبوعي، كما هو الحال في نظام 80-9 (والذي يعمل فيه الموظفون لمدّة 80 ساعة على مدار تسعة أيام)، أو نظام الدوام لأربعة أيام في الأسبوع. تمثل الإجازات الطويلة المدفوعة شكلًا آخر من أشكال المرونة، ورغم أن هذه الإجازات كانت مقتصرة في الماضي على العاملين في السلك الأكاديمي، إلا أن العديد من الشركات باتت تضيفها ضمن مزايا العمل لديها.
كذلك قد تشمل المرونة منح الموظف عددًا غير محدود من أيام الإجازة المدفوعة، مع ذلك قد تشكل هذه السياسة ضغطًا على الموظفين وتدفعهم إلى أخذ الإجازات بوتيرة أقل مما لو كان عدد الإجازات محدودًا بسقف معيّن.
اقتباس"لقد طرحنا في الشركة فكرة منح الموظفين عددًا لا محدودًا من الإجازات المدفوعة أكثر من مرّة، ولكننا استنتجنا في النهاية أن هذه السياسة قد تثني الموظفين عن أخذ الإجازات."
Szokratesz Kosztopulosz مدير بناء الفريق في شركة توجل تراك Toggl Track.
المرونة في اختيار المكان
تُعد مرونة المكان من أبرز صور المرونة في العمل، وذلك يشمل العمل عن بُعد والعمل الموزّع. لقد شهد العمل عن بُعد إقبالًا كبيرًا في بداية تفشي الفيروسات والأوبئة، ورغم عودة العديد من الموظفين للعمل في مكاتبهم، إلا أن المرونة في مكان العمل ما زالت سارية المفعول. تتفاوت الشركات والمؤسسات في مرونة المكان، إذ تشترط بعضها على الموظفين البقاء في ذات المدينة أو ذات المنطقة الزمنيّة، ولكنها تسمح لهم بالعمل من المنزل بين الحين والآخر، بينما تتيح شركات أخرى قدرًا أكبر من المرونة، إذ تسمح بعض الشركات التقنية العملاقة، مثل تويتر وسبوتيفاي، لموظفيها بالعمل من أي مكان في العالم، ولكنها تحتفظ بذات الوقت بخيار العمل من المكتب.
تتبع بعض الشركات، مثل حسوب، أسلوب العمل الموزّع، فموظفو الشركة منتشرون في جميع أنحاء العالم، وذلك يشمل المدير التنفيذيّ، والمطورين، والمسوّقين، وفرق الدعم، وباقي الفرق. يُعد العمل عن بُعد بشكل كامل أفضل من النظام المخلّط الذي يعمل فيه البعض من المكتب بينما يعمل آخرون عن بُعد لأن ذلك قد يُشعر بعض الموظفين بعدم المساواة، وقد يؤدي إلى تكوّن تكتلات بين الموظفين.
لماذا يجب على المديرين الاهتمام بالمرونة في مكان العمل؟
ترى بعض الشركات في المرونة قيمة أساسيّة من قيم الفريق، لكن شركات أخرى قد لا تحمل ذات الرؤية، وقد لا ترى في المرونة أية قيمة. مع ذلك، يمكن للمرونة في مكان العمل أن تكون مفيدةً للشركات وللفرق، وفيما يلي بعض فوائدها:
المرونة في مكان العمل تعزز إنتاجية الموظف
تساعد مرونة المكان الموظفين على توفير الوقت، وتغنيهم عن الحاجة إلى ركوب المواصلات لمدّة طويلة كل يوم من أجل الوصول إلى العمل، كما أنها تمكنهم من تجنب الضوضاء التي ترافق العمل في المكاتب الجماعيّة، في حين أن المرونة في ساعات العمل فتمكّن الموظفين من اختيار الساعات التي يحققون فيها أعلى قدرة من الإنتاجيّة.
على سبيل المثال، تقول إحدى كاتبات المحتوى أنها تخلصت من الشعور بالإرهاق أثناء العمل من خلال تغيير ساعات دوامها لتبدأ من الظهيرة. ووفقًا لـ Olivia Ng، مصممة واجهات الاستخدام والمسؤولة عن تطوير التسويق في شركة توجل تراك، فإن المرونة في ساعات العمل تساعدها على زيادة الإنتاجيّة إذ تسمح لها باختيار الأوقات التي تشعر فيها بأنها قادرة على العمل والإنتاج.
اقتباس"أنا أتابع ساعات عملي كل يوم، وذلك حتى يتسنى لي معرفة الساعات التي أكون فيها أكثر إنتاجيّة. في بعض الأيام أشعر بأني مرهقة تمامًا، وأظن أني أنجزت كثيرًا من العمل، ثم أتفقد ساعتي فأجد أنني عملت لأربع ساعات فقط."
Olivia Ng مصممة واجهات الاستخدام والمسؤولة عن تطوير التسويق في شركة توجل تراك.
ولكن أوليفيا لا تضيع وقتها بالشعور بالذنب، لأنها تستطيع تعويض ما فاتها من العمل في أي يوم آخر، وهنا يكمن جمال المرونة في العمل. وتضيف أوليفيا "الجميل في الأمر أنه لا يوجد من يضغط عليّ لأكون منتجة كل يوم".
اقتباس"لا يمكن للمرء العمل وهو مريض، كما لا يمكنه العمل ولديه طفل مريض. إن من مصلحة الشركة أن يدرك الموظف أنه لن يفقد عمله بسبب المرض، فذلك من شأنه أن يُشعر الجميع بالراحة ويساعدهم على زيادة الإنتاجيّة."
مدير بناء الفريق في توجل تراك.
المرونة تعزز انتماء الموظفين إلى العمل
تساعد المرونة في اختيار مكان العمل ووقته على زيادة كفاءة الموظف، وتحسين انخراطه في بيئة العمل، فهي تسمح له بالعمل في الأوقات التي يزداد تركيزه فيها. كذلك تعكس المرونة ثقة المدير بفريقه، وهو ما يعمّق معاني الانتماء لدى الموظفين ويُشعرهم بأنهم مسؤولون شخصيًا عن إنجاز العمل. كل ذلك ينعكس إيجابيًا على مدى استقرار الموظفين، ويساعد على تقليص معدل تركهم للعمل.
ففي استطلاع رأي أجرته مانباور جروب ManpowerGroup عام 2017، قال 40% من المشاركين في الاستطلاع إن المرونة في مواعيد العمل من أهم ثلاثة عوامل عند اختيارهم للوظائف. علاوة على ذلك، وجدت فليكس جوبز FlexJobs أن غياب المرونة قد يدفع الموظفين إلى البحث عن عمل آخر.
اقتباس30% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم تركوا العمل، و16% قالوا إنهم يبحثون عن عمل جديد بسبب الافتقار إلى المرونة في أماكن عملهم.
من استطلاع أجرته فليكس جوبز عام 2019.
المرونة تمثل مستقبل العمل
حتى لو لم تقتنع بالفوائد المذكورة أعلاه، فسوف تجد نفسك مضطرًا عمّا قريب لتبني المرونة في بيئة العمل، إذ تتجه المزيد من الشركات كل يوم نحو تبني هذه السياسات المرنة في بيئة عملها، وفي نهاية الأمر سوف يتعيّن على المديرين اتباع هذه السياسات، وتمكين الموظفين من الاستفادة منها.
اقتباس"لقد بات يُنظر إلى المرونة في مكان العمل باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السائدة التي تركز على تحقيق النتائج."
ورقة بيضاء صادرة عام 2014 عن مجتمع إدارة الموارد البشريّة Society of Human Resource Management (SHRM).
كذلك تساهم المرونة مباشرةً في إنشاء بيئة عمل تتسم بالشمول والتنوّع، وذلك لوفقًا لمجتمع إدارة الموارد البشريّة. وبدلًا من تبني سياسات المرونة في مكان العمل بصورة متأخرة، ربما يجدر بك المبادرة إلى تبني هذه السياسات قبل الآخرين حتى تظل متصدرًا للمنافسة.
كيف تمنح فريقك مزيدا من المرونة؟
إن المرونة لا تعني بالتأكيد غياب القواعد أو القوانين، ولكنك تستطيع -باعتبارك مديرًا- أن تتخذ عددًا من الخطوات لتعزيز المرونة في بيئة عمل فريقك.
1. المراقبة
ثمة أساليب عديدة لتحسين المرونة في مكان العمل، ولكن قبل تبني أي أسلوب، من الضروري أن تقيّم الوضع الحالي لفريقك، والامتيازات المتاحة له. فربما تمتلك المؤسسة بالفعل بعض السياسات المرنة ولستَ على درايةٍ بها، أو ربما يحاول غيرك من قادة الفرق تبني بعض الممارسات المرنة، لذلك احرص على التواصل مع غيرك من الطاقم الإداري للحصول على فكرة عن آليات العمل المتبعة في الأقسام المختلفة، ثم ادرس هذه الآليات واختر منها ما يلائم فريقك.
عند وضع الاستراتيجيّة، يجب أن تضع في حسبانك عددًا من العوامل، مثل مسؤوليات فريقك، وطلبات العملاء وغيرهم من المتعاونين التي قد تحد من المرونة في مواعيد العمل، بالإضافة إلى أماكن تواجد الموظفين ومناطقهم الزمنيّة.
2. التفعيل
عند تفعيل سياسات أو خيارات جديدة، لابدّ من أخذ ثلاثة عوامل أساسيّة في الحسبان:
فكّر في الحدود التي يجب المحافظة عليها
عند إزالة القيود، لابدّ من المحافظة على بعض الحدود. على سبيل المثال، قد تسمح لفريقك بالعمل عن بُعد وفي مواعيد مختلفة، ولكنك قد تحتاج إلى عمل أفراد الفريق بشكل متزامن، أو قد تضطر إلى وضع توجيهات حول كيفيّة الاستجابة في الوقت الملائم للرسائل التي تأتي في أوقات خارج مواعيد عمل الفريق.
ركز على الفوائد المرجوة من هذه السياسات
إذا سمحت للموظفين بالعمل من المنزل ولكنهم ما زالوا يأتون يوميًا للعمل من المكتب، فذلك يعني أنهم لا يدركون حجم الوقت الذي قد يوفرونه. وبالمثل، قد يصاحب العمل عن بُعد في بعض الشركات مراقبة لصيقة للموظفين وهم في بيوتهم، وذلك مخالف للمرونة والأهداف المرجوّة منها. بدلًا من ذلك، ربما يجدر بك التفكير في سُبل لتعزيز الثقة بالموظفين.
تذكر أن السياسة تختلف عن الممارسة
اهتم دومًا بالثقافة السائدة في مكان العمل، وثقافة العمل هي تلك القواعد غير المكتوبة التي تحكم سلوك الموظفين. على سبيل المثال، ثمة أسباب عديدة تحول دون أخذ الموظفين لإجازة الأبوّة، عدا عن كونها غير مدفوعة بالكامل. باختصار، يجب أن تخلق بيئة يستطيع الموظفون فيها أن يستغلوا هذه المرونة التي يتيحها مكان العمل دون الخوف من تداعيات ذلك على وظائفهم أو مرتباتهم.
3. التقييم
كن منفتحًا على آراء الموظفين، واستقبل الملاحظات برحابة صدر، وفي حال لم تكن السياسات الجديدة ملائمة للفريق، أو أدت إلى عواقب غير متوقعة، فاحرص على تغييرها.
المهم أن تتذكر دومًا أن المرونة في المكان العمل تصب عند تنفيذها بشكل صحيح في مصلحة كل من الموظف وصاحب العمل على حدٍ سواء، وأن القوانين الرامية إلى إخضاع الموظفين لاحتياجات الشركة ليست ضروريّة ولا فعّالة.
أخيرًا، المرونة في مكان العمل لا تعني بالضرورة التسيّب، ولا تلغي أهميّة الانضباط، فالتراخي أيضًا قد يكون سيفًا ذو حدّين. قد يؤدي تطبيق القوانين بطريقة غير منتظمة إلى المحسوبيّة وغياب الإنصاف، ناهيك عن التعامل مع الموظفين بمعايير مزدوجة.
وبدلًا من السماح للبعض بتخطي القوانين بناءً على رغباتك الشخصيّة، اسأل نفسك عن سبب وجود هذه القوانين من الأساس، سواءً كانت تلك القوانين عبارة عن قواعد للباس، أو عقوبات مبالغة على بعض الأخطاء الصغيرة. بالمختصر، احرص على معاملة الجميع على قدم المساواة.
المرونة هي مستقبل إدارة الفرق
لا تخف من المرونة، فوجود مساحة من المرونة ينعكس إيجابيًا على الفريق، واعلم أن أكثر الفرق إنتاجية وأفضلها أداءً هي تلك التي تتسم بالثقة وتمتلك شيئًا المرونة، لذلك اعثر على أساليب لإسعاد الموظفين، وتمكينهم من تحمّل مسؤولية مهامهم.
ترجمة -وبتصرّف- للمقال How workplace flexibility boosts productivity and morale لصاحبته فيوليت كيم Violet Kim.
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.