يعد التّفكير التّصميمي طريقةً فعالةً لحل المشاكل، وبالأخص حل المشاكل الريادية، فحسب تيم براون الرّئيس التّنفيذي الحاليّ لشركة آي دي إي أو IDEO، فالتّفكير التّصميمي هو "نهج إنسانيّ تعاونيّ لحلّ المشاكل يستخدم عقليّةً مصمّمةً لحلّ المشاكل المعقّدة"، إذ يعد التّفكير التّصميمي طريقة لتركيز قرارات تصميم، وتطوير منتج على احتياجات العميل، ويتضمّن عادةً عمليّةً تعاطفيّةً لتعريف المشاكل المعقّدة، والخروج بحلول تعالجها.
ومن أساسيّات التّفكير التّصميمي تطبيقه خارج غرفة التّصميم، وهذا بعد أن وُضّحت أساليبه، وأدواته، ليستخدمها من هم خارج المجال، ونخصّ هنا مديري الأعمال بالذّكر، حيث يطبّق التّفكير التّصميميّ الآن خارج نطاق المنتجات، والرّسوم ليقتحم عالم تصميم التّفاعلات الرّقمية، والخدمات، وإستراتيجيّات العمل، والسّياسة الاجتماعيّة.
سنشرح في هذا المقال كيفية توجيه التفكير التصميمي في عالم الأعمال من أجل تحقيق الريادة، من خلال تبيان كيفية القيام بعملية التفكير التصميمي لتحقيق الريادة، إلى جانب أبرز الأدوات التي تستخدم لتحفيز التفكير التصميمي لديك، ودعمه.
عملية التفكير التصميمي
يعود فضل ابتكار التّفكير التّصميمي، في مجال الأعمال، وريادة الأعمال على الأقلّ، إلى ديفيد كيلي، مؤسّس كليّة التّصميم في جامعة ستانفورد، والمؤسّس المشارك في شركة التّصميم IDEO؛ وهي شركة نتجت عن اندماج بين مبتكر فأرة آبل (Apple) الأولى ديفيد كيللي ديزاين (David Kelley Design)، وأوّل مصمّم حاسوب محمول آي دي تو (ID Two). بعد عقد تقريبا من الزّمن من ابتكاراتها لآبل سنة 1982، وقد ركّزت الشّركة المدمجة سنة 1991 مبدئيًّا على التّصميم التّقليديّ للمنتجات، متراوحة من فراشي الأسنان إلى الكراسي، وبعد عقد آخر من الزّمن، صارت الشّركة تصمّم تجارب المستخدمين أكثر من تصميمها للمنتجات، حينها بدأ كيلي في استخدام كلمة التّفكير لوصف عمليّة التّصميم المستخدمة في إنشاء تجارب المستخدمين، عوض إنشاء المنتجات الملموسة، وهكذا ولد مصطلح التّفكير التّصميمي.
وتدّرس كليّات الأعمال - عادةً - مقاربةً منطقيّةً تحليليّة في التّفكير، فهي تركّز على الأهداف المحدّدة، والعوائق، وتسبق فيها الفكرة الإجراء، في عمليّة متسلسلة من التّخطيط، والتّحليل؛ أمّا عمليّة التّفكير التّصميمي، فتعامل حلّ المشاكل بأسلوب مختلف، فالتّفكير، والفعل غالبا ما يشتبكان في استكشافٍ تكراريّ لمساحة التّصميم، وتكشف العمليّة عن الأهداف، والقيود بدلًا من تحديدها مسبقاً.
من أساليب التّفكير التّصميمي الّتي تدرّس في كليّة التّصميم بجامعة ستانفورد، والمنظّمات مثل معهد لوما LUMA، نجد التّصميم المتمحور حول الإنسان (Human-Centered Design) -أو اختصارًا HCD-، الذي يركّز على الأشخاص أثناء التّصميم، والتّطوير، وهذا يتناسب مع تعريف تيم براون للتّفكير التّصميمي، أين يأتي إلهام الأفكار من اكتشاف أشخاص فعليّين، وحاجاتهم، ومشاكلهم.
الشكل 14.6: تركز عملية التفكير التصميمي على مساحات الإلهام، والتفكير، والتنفيذ.
حفظ الحقوق:
1- تعديل "thought idea innovation imagination" من "TeroVesalainen"/ على Pixabayـ ترخيص CC0ّ
2- تعديل "document paper business chart" من "rawpixel"/ على Pixabayـ ترخيص CC0ّ
3- تعديل “office business colleagues meeting” من "Free-Photos"/ على Pixabayـ ترخيص CC0ّ
تتشكّل عمليّة التّفكير التّصميمي من ثلاث مساحات، وهي: الإلهام، وتوليد الأفكار، والتّنفيذ (الشّكل 14.6)، وتستخدم العمليّة "مساحات"، وليس "مراحل" ،لأنّها أكثر من مساحة يمكن أن تحدث في الوقت ذاته.
ورغم هذا يحدث الإلهام في العادة أوّلًا، وهذا يستلزم تحديد مشكلة، أو فرصة تحفّز المرء للبحث عن حلول؛ والمساحة الثّانية توليد الأفكار، والحلول، وهي تعتمد تقنيّات مختلفة، مثل: العصف الذّهنيّ، وجلسات الرّسم، وغيرها من مئات التّقنيات المتاحة، الّتي نذكر منها: "أهمّ خمسة (Top Five)"، و"كيف يمكننا؟(?How Might We)"، و"الدّمج (Mash-up)"، و"جلسة الإنشاء التّشاركيّ (Co-Creation Session)".
- أهمّ خمسة (Top Five): يكتب في هذا التّمرين كلّ فرد من الفريق أهمّ 5 أفكار لديهم، ثم يتشاركونها جميعا، ويجمعون المتشابه منها.
-
كيف يمكننا؟ (?How Might We): على أفراد الفريق في هذا التّمرين إلقاء نظرةٍ على بعض العبارات، ثمّ صياغتها على شكل أسئلة، بإضافة "كيف يمكننا؟"في بدايتها، والهدف من هذا التّمرين هو العثور على فرص تصميم، تتيح أيضًا مجموعةً مختلفةً من الحلول.
-
الدّمج (Mash-up): ينطوي هذا التّمرين على جمع علامات تجاريّة، أو مفاهيم موجودة مسبقًا لإنشاء شيء جديد، إذ يحدّد أفراد الفريق تلك العلامات، أو المفاهيم الّتي تحمل الصّفة الّتي يرغبون في أن تكون ضمن حلولهم، ثمّ يدمجون تلك الأفكار معًا للخروج بشيء جديد.
-
جلسة الإنشاء التشاركي (Co-Creation Session): تدمجُ جلسة الإنشاء التّشاركيّ السوق المطلوب في عملية الإنشاء، من خلال تعيين مجموعة من الأشخاص من السوق، للعمل على التصميم مع الفريق، والهدف منها هو الحصول على الملاحظات التي تقدّمها المجموعة الدّخيلة، من خلال معاملتهم كمصممين، وليس كضيوف حوار، وتتطور الحلول المنفذة من التفاعلات مع المستخدمين، ومن الإنشاء المستمر، وتحسين الحلول الممكنة.
يدمج التفكير التصميمي الرؤى، والأحكام المستندة إلى الخبرة، والحدس من وجهة نظر المستخدمين النهائيين، بينما في النهج التحليلي العقلاني، غالبًا ما تصبح عملية الحل رسمية في مجموعة من القواعد.
نيستا مؤسّسة ابتكار مقرّها المملكة المتّحدة، وهي تعرض على غرار IDEO، العديد من أدوات، وموارد التّفكير التّصميميّ؛ وقد جاء اسمها اختصارًا لـ "المؤسّسة الوطنيّة للعلوم، والتّكنولوجيا، والفنون" (the National Endowment for Sience, Technology and the Arts)، حيث تم تأسيس المنظمة في عام 1998، بوقف من اليانصيب الوطني في المملكة المتحدة، وأصبحت مؤسسة خيرية مستقلة في عام 2012، وتركّز إستراتيجية نيستا على الصحّة، والابتكار الحكوميّ، والتّعليم، والفنون، والاقتصاد الإبداعيّ، وسياسة الابتكار؛ كما تعرف نيستا مجموعةً من خمس معايير للتأكّد ممّا إذا كانت مهنة ما إبداعيّة، وتتمثل في ما يلي:
-
عمليّة جديدة؛
-
مقاومة للميكنة؛
-
وظيفة غير مكرّرة، أو غير منتظمة؛
-
تقدّم مساهمة إبداعيّة لسلسلة القيمة؛
-
يتضمّن تفسيرا، وليس مجرّد تحويل خدمة، أو أداة.
ينشأ التّفكير التّصميمي -كما يوحي الاسم- من التّصميم، نظرًا لأن التصميم هو أحد الصناعات الإبداعية المحددة، فهناك صلة واضحة بين الصناعات الإبداعية، والتّفكير التّصميميّ، وفي الواقع، تقدّم نيستا Nesta تمارين الإلهام، والتفكير المتاحة مجانًا للمستخدمين الذين يرغبون في تنفيذ ممارسات التّفكير التّصميمي.
مساحات التفكير التصميمي المتمحور حول الإنسان
تستخدم كليّة ستانفورد للتّصميم، التّفكير التّصميمي المتمحور حول الإنسان HCD. وهو يركّز على المساحات التّالية في عمليّة التّفكير التّصميمي:
-
التّعاطف: من المهمّ -كما يتبيّن من المقاربة الإنسانيّة- أن تملك تعاطفًا مع المشكلة الّتي تحاول حلّها، والتّعاطف هو ملاحظة، وغمر نفسك في البيئة المحيطة للتّفاعل مع النّاس، وفهم تجاربهم، ودوافعهم.
-
التّعريف: يتضمّن هذا الجانب وصف المشكلة، أو المشاكل الأساسيّة الّتي حدّدتها أنت، وفريقك؛ فالتّساؤل "كيف يمكننا؟"، يساعد على تضييق التّركيز، لأنّ الهدف الأخير هنا هو التعرّف على عبارة المشكلة الّتي توضّح ما تحاول مواجهته. وعبارة "أطّر تصميمك"، هي تحدّ تضمّنه IDEO في "صندوق أدواتها"، وهو يفيد في هذه الحالة، إذ يطلب منك هذا التّمرين أن تكتب مشكلتك، وتحسّنها باتّباع خطوات محدّدة، بحيث تصل إلى سؤال تصميم يخدمك كنقطة بداية، على أن يترك مجالًا للإبداع.
-
التصوّر / توليد الأفكار: في هذه المساحة تبدأ الإتيان بالأفكار، الّتي تعالج مساحة تعريف المشكلة السّابقة، وثمّة مئات التّمارين الموجّهة لعمليّة التصوّر/توليد الأفكار، من العصف الذّهني، إلى "5 استفهامات بلماذا؟" من صندوق أدوات IDEO، وهي طريقة استفهاميّة يبحث فيها الباحث عن معلومات لحلّ مشكلة ما، فيطرح على المجيب سؤالًا عامًّا، ثمّ يتبعه بالسّؤال: "لماذا؟"، ليتعمّق في تفكير المجيب، وتفصّل IDEO هذا التّمرين بالقول: "ستستخدم هذه الطّريقة حين إجراء حوار، وتبدأ بأسئلة عامّة، مثل: "هل توفّر الكثير من المال؟"، أو "كيف كان حصادك هذه السّنة؟"، ثمّ تحصل على إجابات مهمّة لمشاكل معقّدة، بالسّؤال "لماذا؟" خمس مرّات، ويمكن أن تكون هذه طريقة ممتازةً إذا كنت تحاول الوصول إلى جذور الإنسانيّة و،العاطفيّة لمشكلة ما."
-
إنشاء النّموذج الأوليّ: يصنع رائد الأعمال في هذه المساحة نماذج مصغّرة رخيصة من المنتج، ويجرّبها مع مزايا، أو فوائد، تعمل كحلول للمشاكل المعرّفة سابقا، ويمكن تجربة هذه الطّريقة داخليًّا بين الموظّفين، فهي عمليّة تسمّى dogfooding (مصطلح يعني حرفيّا "تناول طعام كلبك"، والمقصود به أن تستخدم الشّركة منتجاتها الخاصّة)، كما يمكن تجربتها خارجيًّا مع العملاء المحتملين، وتعتبر هذه المرحلة تجريبيّة.
-
الفحص: يطبّق المصمّمون فحوصات مكثّقة على المنتج النّهائي مستخدمين أفضل الحلول المحدّدة في مساحة النّموذج الأوليّ.
أدوات التفكير التصميمي
هناك الكثير من أدوات التّفكير التّصميميّ الموجّهة لمساعدة، أو تحفيز نشاطاتك للتّفكير التّصميمي، وهي تأتي من منظّمات مصمّمة على التّفكير التّصميمي، مثل: IDEO، وجوجل فانتورسGoogle Ventures؛ وبينما توظّف المنهجيّات عمليّات، وتقنيّات، فإنّ الأدوات هي الموارد الّتي تفعّل تلك المنهجيّات، ويمكن أن تكون نشاطات، أو نماذج تسهّل النّهج.
-
مخطط انسيابي للابتكار: قد يوضح نموذج مخطط انسيابي للابتكار تفاصيل العملية، وتعمل النظرة العامة المنظمة كأداة تنظيمية في عملية التطوير.
-
سلم الأسئلة: هو أداة تساعدك على طرح الأسئلة "الصحيحة" عن طريق تحسين أسئلتك (الشكل 15.6)، وقد يؤدي طرح الأسئلة "الخاطئة" إلى نتائج لا معنى لها، أو أقل من كافية.
الشكل 10.6: يمكن أن يساعد سلم الأسئلة في صقل الأسئلة المطروحة.
حفظ الحقوق: تصميم مسجّل باسم جامعة رايس، OpenStax، تحت ترخيص CC BY 4.0
-
صندوق أدوات التّفكير التّصميميّ: هناك صناديق أدوات مختلفة لفئات مختلفة، فعلى سبيل المثال، تحتوي مجموعة أدوات "التفكير التصميمي للمعلمين"، على موارد التفكير التصميمي المتعلقة بالتعليم، في حين تتضمن مجموعة "الأدوات النموذجية" مجموعةً متنوعة من الموارد بأساليب، وإرشادات لمساعدتك على وضع التفكير التصميمي موضع التنفيذ.
-
مجموعة تصميم IDEO: تقدم IDEO ملف PDF مجانيًا، مكونًا من 200 صفحة تقريبًا، وهو "الدليل الميداني للتصميم المتمحور حول الإنسان"، مع أنشطة تتعلق بالعقليات، والتفكير، والإلهام، والتنفيذ، وبعض دراسات الحالة.
-
Google Ventures Design Sprint: تمرين للتفكير التصميمي مدته خمسة أيام، يساعد في حل الأسئلة من خلال التصميم، والنماذج الأولية، والاختبار.
-
أشرطة مزيج التفكير التصميمي: تقدم مدرسة التصميم في جامعة ستانفورد ثلاثة "أشرطة مختلطة" تعمل كدليل، خلال نصف يوم من عمل التفكير التصميمي في مجالات الفهم، والتجريب والتفكير.
-
نحن نفكّر (WE THINQ): برنامج مصمم لتمكين التعاون في إدارة الابتكار.
رائد أعمال في الميدان
شركة بيتغيفن BitGiving، والتفكير التصميمي
في سن الثانية والعشرين، أنشأت إيشيتا آناند أول منصة تمويل جماعي مباشرةً في الهند، حيث مكنت الفنانين، والمهندسين، والمبدعين؛ من التعاون، وجمع الأموال لأسباب خاصة، من خلال التحقق من القضايا، وكيفية استخدام الأموال، مع تحصيل نسبة صغيرة من الأموال كرسوم، وفي غضون خمس سنوات من إنشائها، قادت مؤسستها الاجتماعية المسماة بيتغيفن الجهود المبذولة لمعالجة المشاكل، من خلال التغيير الاجتماعي، فقد ساهمت الشركة في العديد من الحملات الاجتماعية المتعلقة بالأطفال، والنساء، والتعليم، والصحة، والكوارث، وغيرها؛ كما دخلت في شراكة مع جمعيات خيرية، ومنظّمات أخرى، لجمع الأموال لفريق هوكي الجليد الوطني الهندي للمنافسة في الكويت في كأس العالم، ولضحايا زلزال نيبال 2015، من خلال منصة التمويل الجماعي، ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، مثل: تويتر Twitter.
لكن اعتبارًا من سبتمبر 2018، أغلقت الشركة موقعها الإلكتروني بشكل مفاجئ، وشاع أنّها أغلقت أبوابها، في حين أن السبب الدقيق لفشل المشروع غير معروف، إلا أنّ من بعض الأسباب التي كان من الممكن أن يفشل بها المشروع، كانت عدم كفاية رأس المال، أو التنظيم، أو مشاكل الإدارة، أو عدم التوافق الإستراتيجي، أو حتى سوء التوقيت.
يعد الفشل أمرًا شائعًا في ريادة الأعمال، كما تُعقد المؤتمرات المخصصة للفشل في جميع أنحاء العالم (FailCon هو نوع من حديث تيد TED عن الفشل).
والآن بعد أن تعرفت على ماهية عملية التفكير التصميمي، وكيفية القيام بها، واستغلال أبرز أدواتها لتحفيز التفكير التصميمي، ودعمه، وتطويره، فقد بات في إمكانك الآن العمل على توظيف كل ما تحدثنا عنه بهذا الصدد في حل مشاكلك الريادية، واقتناص الفرص الثمينة في عالم الأعمال.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Problem Solving and Need Recognition Techniques) من كتاب Entrepreneurship.
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: استخدام العمليات الرشيقة في حل المشاكل الريادية لرائد الأعمال
- المقال السابق: كيف يتجاوز رائد الأعمال المشاكل الريادية بطرائق إبداعية؟
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.