اذهب إلى المحتوى

كيف يمكن تمييز وتجاوز التحدّيات التي تواجه المديرين في الألفيّة الجديدة؟ كثيرًا ما يُقال أنّ العُنصر الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير نفسه، ولا يوجد ما تنطبق عليه تِلك القاعدة أكثر من مكان العمل. تواجه معظم الشركات تغيّرات وتحدّيات متنوعة بشكل مستمر والتي يكون لها تأثيرات عميقة على ديناميكيّة وأداء ومستقبل المؤسّسة، وستحدّد هذه التغيرات والتحدّيات في الواقع من سينجو ويزدهر ويستمر حتى الألفية القادمة، ومن سيتخلّف عن هذا الرُّكب ويعجز عن التأقلم والتكيّف مع هذه التحدّيات المُعاصرة. من بين هذه التحدّيات:

تحدي المنافسة العالمية

واجهت الكثير من الشركات الأمريكيّة حتى ثمانينات القرن الماضي القليل من المنافسة العالميّة، وكنتيجة لذلك كان الدافع للإبداع والحفاظ على التنافس والكفاءة العالية منخفضًا، والنتيجة أن أصبحت العديد من الشركات كسولة نوعًا ما وفقدت الاتصال والتواصل المستمر مع زبائنها ومواكبة تطلّعاتهم ومتطلّبات العصر المتغيّرة. تغيّر هذا الوضع على نحو مفاجئ مع ظهور الشركات الضخمة والمتطوّرة في كلٍّ من آسيا وأوروبا الغربية وتطويرهم لأنظمة تسويقيّة ومنتجات أكثر جودة، واستخواذها على جُزءٍ كبير من سوق الالكترونيات والسيارات والمعدّات الطبيّة والاتصالات وبناء السفن والعديد من المجالات الأخرى، وكنتيجة لذلك خسرت الكثير من الشركات الأمريكيّة قسمًا كبيرًا من نفوذها وأرباحها في السوق العالمية. أدّى تراجع الحواجز التجاريّة وعقد الاتفاقيات التجاريّة العالمية مثل اتفاقية التجارة الحرّة في أمريكا الشماليّة (نافتا NAFTA)، خلال تسعينيّات القرن الماضي وحتى بدايات الألفية الجديدة، إلى بحث الشركات عن سُبل تصنيع وأسلوب تجارة أقل تكلفة في دول أخرى (الدول التي توفّر اليد العاملة الرخيصة). أدّى ذلك إلى خفض التكاليف والقدرة على تقديم منتجات بأسعار أكثر تنافسيّة، لكنّه أدّى أيضًا إلى تراجع في الكثير المجالات الصناعية مثل إنتاج المعادن وتراجع في تصنيع المنتجات الالكترونية مثل هاتف الآيفون وانتقال مراكز اتصال الشركات من الولايات المتحدّة الأمريكيّة إلى الهند.

إذا تمعنّا في سلوك الشركات خلال العقود الأولى من الألفية الجديدة، فبإمكاننا رؤية بعض أسباب هذا التغيّر. باختصار، خسرت العديد من الشركات في أمريكا الشماليّة مكانتها في السوق التنافسية الصناعيّة، أي خسرت قدرتها على التنافس بفعاليّة في السوق العالميّة، أو اختارت التوضّع في دول أجنبيّة كوسيلة لتوسيع نطاق وصولها ولتصبح أكثر تنافسيّة. تمعّن في الأمثلة التاليّة:

أظهرت تقارير في العام الماضي أنّ الهند شهدت معدل نمو سنوي بمقدار 7.5% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (Real Gross Domestic Product GDP)، بينما سجّلت الصين ارتفاعًا بمقدار 6.7%، ويمثّل ذلك مقياسًا لمدى تطوّر اقتصاديات الدول. وشهدت كل من بريطانيا العظمى وفرنسا وإيطاليا ارتفاعًا يقارب 2%، وفي نفس الوقت سجلت الولايات المتحدة الأمريكيّة نموًا سنويًا بمقدار 3.8% (وكندا ارتفاعًا بمقدار 3%)، وهو الارتفاع الأكبر بعد التعافي البطيء من الأزمة المالية التي حصلت في عام 2009.

في حين أنّ الطابع التقليدي للعمل والوظائف استمر في السيطرة على المجتمعات والبلدان النامية، فإنّ دولًا مثل الولايات المتحدة الأمريكيّة وكندا حوّلت اقتصادياتها من خلال دمج المزيد من التكنولوجيا والأتمتة، وكذلك تخصيص قسم من القوّة العاملة في قطاع الخدمات. من المتوقّع أنّ العقود القادمة ستحمل معها المزيد من المتطلّبات التي تستوجب وجود مهارات عملٍ مميّزة، الأمر الذي سيولّد تحدّيًا للعمال من أجل تطوير مهاراتهم باستمرار.

وأخيرًا، تزايدت أعداد المنتجات التي اخترعت في الولايات المتحدة الأمريكيّة -والتي تُصنّع حاليًا بشكل رئيسي في دول أخرى- بشكل كبير. ساعدت التطوّرات التكنولوجية الولايات المتحدة الأمريكيّة على استعادة مكانتها الريادية في المراكز الأولى في الصناعة العالميّة. شهد السنوات الأخيرة تراجعًا كبيرًا في انتشار القطاعات الصناعية الأمريكيّة الداخلية نتيجة لوجود أيدي عاملة أرخص في أسواق مثل الهند والصين، والذي دفع الشركات الأمريكية إلى بناء مصانعها هناك. و منذ عام 2010 تقدّمت الولايات المتحدة الأمريكيّة من المرتبة الرابعة إلى المرتبة الثانية ومن المتوقع أن تصبح الدولة الصناعية الرائدة بحلول عام 2020. والأسباب الرئيسيّة لذلك هي أنّ قدرات التصنيع المتقدّمة قد قلّلت عدد العمال المطلوبين على خطوط الإنتاج الأولى، كما أنّ وجود منتجات مصنّعة بالقرب من أسواقها الرئيسيّة يقلّل من تكاليف النقل والوقت اللازمين لتسويقها.

بالنظر إلى عدّة مؤشرات للقدرة التنافسيّة النسبيّة للاقتصاديّات باستخدام سبعة مقاييس، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة تقوم بأداء جيد. هذه المقاييس السبعة هي: المؤسسات والبنية التحتيّة و البيئة الاقتصاديّة العامّة، والصحة والتعليم الأساسي، والتعليم العالي والتدريب، وكفاءة سوق السلع وكفاءة سوق العمل. عند أخذ جميع هذه العوامل بالحسبان (انظر إلى الجدول 1.1)، فإنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة تندرج في مكان جيد جدًا وتمتلك معدّل نمو وازدهار مستقر. أحد التحدّيات التي تترافق مع والتطوّرات والمعايير العصرية هو أنّ على الموظفين أن يكونوا سريعي البديهة وأن يتمكنوا من التكيّف والتأقلم مع التطور ومع ظهور متطلبات متزايدة ومهارات جديدة، بالإضافة إلى حاجتهم إلى المواظبة على التعلّم والتدريب المستمر كأسلوب لإدارة حياتهم المهنيّة.

مؤشر التنافسية العالمية
التصنيف الدولة\الاقتصاد العلامة البعد عن الأفضل
1 سويسرا 5.9 0.00%
2 الولايات المتحدة الأمريكية 5.9 0.09%
3 سينغافورة 5.7 2.60%
4 هولندا 5.7 3.34%
5 ألمانيا 5.7 3.46%
6 هونغ كونغ SAR 5.5 5.56%
7 السويد 5.5 5.78%
8 المملكة المتحدة البريطانية 5.5 5.99%
9 اليابان 5.5 6.19%
10 فنلندا 5.5 6.29%
المصدر: مقتبس من المنتدى الاقتصادي العالمي، "مؤشر التنافسية العالمية"، حُصل عليه في 19 يوليو 2018. حقوق النشر لجامعة رايسRice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.

ربما تحدي الإدارة الأكبر فيما يتعلّق باستمرارية المؤسسة هو كيف تصبح الشركة أكثر تنافسية. يتطلّب التنافس والارتقاء إلى مستوى عالمي فهمًا للأفراد والمجموعات وأنظمة المؤسّسة بأكملها. خلال هذا المقال سنرى أمثلة عن كيفية تعامل الشركات حول العالم مع تحدّيات المنافسة العالمية، وسيكون التركيز الأكبر على الممارسات الإدارية لشركات مختلفة كمعيار للمقارنة.

تحدي التكنولوجيات الحديثة

على الرغم من الاعتقاد الشائع أنّ "التقنيات والتكنلوجية المتقدمة" تنطبق وتُوظّف فقط في علوم الفضاء وصناعات الاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، فإنّ التقنيات المتقدّمة يمكن إيجادها في معظم الصناعات. على سبيل المثال، معظمنا على دراية بالنمو والتطوّر الهائل والمتسارع في عالم الحوسبة، إذا أصبح من الصعوبة بمكان للمؤسسات أن تواكب التطوّرات المتسارعة في مجال الأجهزة والبرمجيات ، واستبدال الحواسيب الشخصية بالهواتف النقّالة والتي أصبحت الآن أسرع وأقوى من سابقاتها. بالإضافة إلى ذلك ساهمت كلّ من الحوسبة السحابيّة وسهولة الوصول إلى بيانات والتطبيقات والبرمجيات المتطوّرة في تسهيل عمليّة تحويل البيانات إلى معلومات مفيدة ، دون أن نذكر سهولة الاستخدام والمرونة المتزايدة. أطلقت شركة إنتل Intel في تشرين الثاني من عام 1971 أول رقاقة الكترونيّة. يحتوي اليوم معالج إنتل الحديث Skylake على حوالي 1.75 مليار ترانزستور – يستطيع نصف مليون منها أن يتسع في ترانزستور واحد من وحدة المعالجة المركزية القديمة 4004 – وتستطيع تقديم قدرة حاسوبية أقوى ب400000 مرة. تستخدم المزيد والمزيد من الشركات أنظمة ومعدّات تعتمد على الحواسيب للتواصل، مثل البريد الالكتروني ومشاركة الملفات والمساعدات الشخصيّة الرقمية والهواتف المحمولة، وكنتيجة لذلك فإنّ الطريقة التي يتواصل عبرها الموظفون والمديرون لاتخاذ القرارات هي بتغيّر مستمر ودائم، وتزداد معها متطلبّات وجود موظفين ماهرين ومبدعين في عملهم ووظيفتهم.

يمكننا أيضًا رؤية التغيرات التكنولوجية الكبير في الاستخدام المتزايد للروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي وأنظمة التصنيع المعتمدة على الحواسيب والتي غيّرت من طريقة وآليّة تصنيع العديد من المنتجات في يومنا هذا. لا تؤثر مثل هذه التغيرات على فعالية الإنتاج ونوعية المنتجات فقط، بل على طبيعة الوظائف أيضًا. في العديد من الصناعات، تناقصت أهمية وجود مشرفين على خطوط التصنيع الأولى ويجري استبدالهم بفرق عمل ذاتية الإدارة تأخذ على عاتقها تنظيم الإنتاج والنوعية وحتى تقييم الأداء. تتطلّب التغيّرات التكنولوجيّة المتزايدة في عصرنا مديرين قادرين على مواكبة هذه التطورّات ومحاولة التأقلم معها واستغلالها وتوظيفها في العمل بشكّل فعّال مع الاستمرار بالمحافظة على الموارد البشرية في المؤسسة وتطويرها. سنتطرّق فيما يلي إلى دور التكنولوجيا في الربط ما بين المؤسسة وهيكلية العمل ومدى تأثيرها في عمليّات التواصل واتخاذ القرارات والتوتر الناجم عن العمل داخل المؤسسة، وسنرى كيف تمكّنت بعض الشركات من التأقلم مع التغيّر التكنولوجي بنجاح بطريقة حققت الفائدة والمنفعة لجميع الأطراف المشاركة.

تغير الإدارة

محاولات شركة سيري Siri الدؤوبة لمواكبة المنافسة

يعاني الكثير من المديرين التنفيذيين في الصمود والتقدّم في معركة التنافس المستمر في القطّاع التكنولوجي. هناك مفتاحان أساسيان للقيادة الناجحة لأي مؤسسة في ظل التطوّرات والمتغيّرات السريعة في عصرنا، الأول هو التخطيط المستمر والتقدّم خطوة إلى الأمام، والثاني هو القدر على الاستجابة السريعة والمباشرة للتغيّرات العصرية المفاجئة.

عملت شركة أبل على تغيير الإدارة المسؤولة عن نظام المساعدة المعتمد على الذكاء الصناعي Siri للمرة الثالثة خلال السنة الماضية. وكانت هنالك جُملة من العوامل التي دفعت الشركة لهذا النهج المستمر في التغيير، منها التفوّق عليها بالأداء من قبل منافسيها مثل غوغل أسستنت Google Assistant وأليكسا Alexa التابعة لشركة أمازون.

شهد هذان النظامان نموًا هائلًا خلال عام 2018، مع سيطرة كل من Amazon Echo و Google Home على 34% من المنافسة السوقية. انضم جون جياناندريا John Giannandrea، الرئيس السابق لقسم البحث والذكاء الصناعي في شركة غوغل، إلى فريق أبل الآن وأُعطي مهمة التقدّم على الطرف المنافس الذي جاء منه (Verge 2018).

إن التحدي الذي سيواجهه جون لا يتعلّق فقط بوجود ثقافة وبيئة مؤسساتية جديدة عليه التأقلم معهما، بل عليه أيضًا الإبداع في إيجاد حل للمشاكل التي تواجه شركة آبل في هذا القسم وتسخير كامل قدراته وخبراته في هذا المجال وتطبيقها لتعزيز نجاح الذكاء الصناعي في آبل. تكمن المفاتيح الأساسية لنجاحه بمدى سرعته على التأقلم مع دوره الجديد والتعلّم والتكيّف وإحداث التغييرات أثناء رحلته لإعادة آبل إلى ساحة المنافسة في الذكاء الاصطناعي.

السؤال الأول: ما هي التحديّات الأخرى التي قد يواجهها مدير تنفيذي جديد قادم من شركة منافسة؟

السؤال الثاني: ما هو كمُّ التغيير الذي يُعدُّ زائدًا عن حدّه؟ ما النقاط التي على آبل الحذر منها مع كل هذا التغيرات التي قد تطرأ مع التعيين الجديد في هذا المنصب؟

تحدي الجودة المرتفعة

يتضمن التنافس في المجال الصناعيّي عدة عوامل مترابطة، بما في ذلك النوع المناسب من المنتجات، وفعالية التصنيع والتحكّم الفعّال بالتكاليف والاستثمار في البحث والتطوير وإلى ما هنالك، مع عدم تجاهل السعي إلى رفع مستوى جودة المنتجات والخدمات المعروضة في السوق بشكل متزامنٍ مع تطويرها وتسويقها. إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management (تختصر إلى TQM) هو مصطلح يستخدم عادة لوصف الجهود الشاملة لتوجيه وتحسين جميع عناصر الجودة في منتجات الشركة. أسست BMW سمعتها ومازالت مستمرّة في ذلك بناءً على احترام زبائنها لمستوى جودتها العالي. ومعايير الجودة الممتاز هو ذاته السبب الذي ساهم في نجاح ورواج الكثير من المنتجات اليابانيّة في أمريكا الشمالية. ببساطة، إذا أرادت الشركات التنافس فإنّ جهودها يجب أن تُكرّس لضمان تحسين النوعية، ويمثّل ذلك تحدّيًا إداريًا إضافيًّا على عاتق قادة الشركات. كيف يمكن للمديرين جعل الموظفين مهتمين بالمنتجات التي يصنّعونها أو بالخدمات التي يقدّمونها؟ للإجابة عن هذه السؤال وتعميق فهمنا لهذه النقطة فإننا سنستعرض في هذا الكتاب كلًّا من مسألة ضبط الجودة (ما هي؟) وآليات تحسين جودة المنتج (كيف نحقّق ذلك؟).

يشمل ضبط الجودة كذلك العديد من القضايا والتحديّات داخل المؤسسة. على سبيل المثال، كيف يمكن للمدراء جعل الأطراف، التي تكون في العادة مستقلة عن بعضها وتعمل بمعزل عن بعضها، أن تعمل معًا لبناء منتج أفضل؟ بمعنى آخر كيف يمكن دفع طاقم التصميم و مهندسي التصنيع والعمّال والمزوّدين – والزبائن المحتملين- إلى العمل معًا والتعاون لتطوير وتصنيع منتج متفوق ومتميّز؟ سنتطرّق لاحقًا في الكتاب إلى العديد من الأمثلة الواقعية حيث لعب فيها العمل الجماعي دورًا رئيسيًا في الارتقاء وتحسين نوعيّة المُنتج في المؤسسة.

تحدي تحفيز الموظفين والالتزام

أحد العقبات الرئيسيّة في السعي إلى المنافسة الصناعيّة هو العلاقة والخلافات التقليديّة الدائمة ما بين الإدارة والعمّال. نرى الكثير من الحالات في العديد من الشركات -وبغض النظر فيما إذا كانت ذات طابع تعاوني نقابي- حيث لا يجد فيها الموظف العادي أي سبب لزيادة الإنتاج أو لتحسين جودة الإنتاج الحالي. في الواقع يحدّ نظام المكافأة في الشركات من الأداء بدلًا من رفعه في معظم الأحيان، على الرغم من أنّه قد تشجّع المكافأت الموظفين على زيادة الكميّة إلا أن ذلك غالبًا ما يكون على حساب النوعيّة والجودة. بالإضافة إلى ذلك، ترى الشركات في أمريكا الشمالية في معظم الأحيان القوى العاملة على أنّها مجرّد نفقات متغيّرة (على عكس اليابان التي تُرى القوى العاملة فيها على أنّها نفقة ثابتة)، وتُسرّح العمال عند عدم وجود حاجة لهم في الأنشطة القادمة على المدى القريب. وكنتيجة لأسلوب الإدارة السلبي هذا ، يرى الموظفون سببًا ضئيلًا للالتزام أو الإخلاص لأصحاب العمل، وتكون معدلات ترك العمل والتغيّب مرتفعة في الكثير من الأحيان وبشكل غير مُبرَّر، مؤدية إلى المزيد من التراجع في فعالية وكفاءة أداء المؤسسة.

إذا أرادت الشركات النجاح والازدهار في ظل المتغيّرات العصرية المُتسارعة فعلى المديرين اكتشاف طرق وأساليب جديدة وواعدة لتطوير وتحفيز الموظفين. حيث تمثّل الموارد البشرية أهم عناصر وركائز المؤسسة، وعدم قدرة القيادة والإدارة في المؤسسة على العناية بهذه الموارد وتطويرها باستمرار يؤدي إلى تراجع أداء الشركة وانهيارها في نهاية المطاف. يتضمّن جزء من حل هذه المشكلة معرفة وفهم طبيعة تفكير موظفي اليوم. يوضّح الشكل (1.2) الخصال والصفات المختلفة التي يجدها الموظفون مهمة في المديرين في العمل. بشكل عام، على الرغم من أنّ معظم الموظفين لديهم نظرة إيجابيّة إلى مديريهم في عملهم، لكن كما موضّح في الشكل (1.3) فإن فئة شباب الألفية الجديدة العاملة اليوم لا ترى أنّ مدة بقاءهم في عملهم الحالي ستستمر لمدة طويلة، ويتوقّعون الحصول على وظيفة أخرى قريبًا، بمعنى آخر لا يرون سببًا أو دافعًا للبقاء والاستمرار في وظائفهم الحالية.

How Employees View Their Employers.png
الشكل (1.2): كيف يرى الموظفون أصحاب عملهم. المصدر: مقتبس من Deloitte, عنوان "2016 Deloitte Millennial Survey", حُصل عليه في 18 يوليو 2018. (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
Millennials and the Workplace.png
الشكل (1.3): شباب الألفية الجديدة ومكان العمل. المصدر: مقتبس من Deloitte, عنوان "2016 Deloitte Millennial Survey", حُصل عليه في 18 يوليو 2018. (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).

تزداد هذه المشكلة صعوبة بسبب التغير المستمر في طبيعة لمهن. في الجدول (1.2)، يمكننا مشاهدة زيادة حادة وإقبال شديد على مهن الفنّيين وعمال الخدمات وعمال المبيعات، ويمكن أيضًا توقّع حدوث تزايد في المجالات الهندسيّة والمناصب الإدارية. تتطلّب هذه التغيرات نظرة جديدة إلى كيفية تحفيز هؤلاء الموظفين. على سبيل المثال، هل نقوم بتحفيز مهندس بنفس الطريقة التي نحفّز فيها مندوب مبيعات؟ كيف نحفّز المديرين التنفيذيين بالمقارنة مع مديري الأقسام؟ سنتحدث في هذا الكتاب عن هذه القضايا من خلال دراسة بعض الأساليب المميّزة لتحفيز الموظفين. يمتلك المديرون عدة طرق في متناول أيديهم لزيادة تحفيز وأداء الموظفين، ويعلم المدير الناجح كيف ومتى عليه استخدام كل منها.

المهن الأسرع نموًا في الولايات المتحدة
المهنة معدل النمو 2016-2026 متوسط الأجور 2017
عمال تركيب أجهزة الطاقة الشمسية 105% 39.490$
فنيّ الطواحين الهوائيّة 96% 53.580$
مساعدي الرعاية الصحيّة المنزلية 47% 23.210$
مساعدي الرعاية الشخصية 39% 23.110$
مساعدي الأطباء 37% 104.860$
ممرضين 36% 103.880$
أخصائي إحصاء 34% 84.060$
مساعد معالج فيزيائي 31% 57.440$
مطوري البرامج والتطبيقات 31% 101.790$
علماء رياضيات 30% 103.010$
معاون معالج فيزيائي 29% 25.730$
مُصلحي دراجات هوائيّة 29% 28.390$
مساعدين طبيّين 29% 32.480$
الجدول (1.2) (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0)). المصدر: “المهن الأسرع نموًا، ”Occupational Outlook Handbook, Bureau of Labor Statistics".

تحدي إدارة

تاريخيًّا، سيطر الذكور من العِرق الأبيض على الاقتصاد الأمريكي بمجمله وبسط حُكمه على جميع مفاصل العمل الرئيسية، فقد شغلوا الغالبيّة العظمى من المناصب الإداريّة والكثير من الحرف اليدوية الأكثر أهميّة. في حين شغلت النساء الوظائف المكتبية والأقل أجرًا، وغالبًا ما غادرن سوق العمل للاعتناء بعائلاتهن. وواجهت الأقليّات من كلا الجنسين حواجز كبيرة لدخول مستويات أعلى (وأعلى أجرًا) من سوق العمل. تغيّر هذا المفهوم والتوجّه بشكل كبير في عصرنا ولا يزال في تغيّر وتبدّل مستمر. وسيحمل القرن الواحد والعشرون معه تغيرات كبيرة في ديموغرافية القوى العاملة، وسنرى الكثير من التبدّلات في الجنس والعرق والعمر. 

Kaisee Permanente.png
الشكل (1.4): كيسر بيرمانينت Kaiser Permanente الحائزة على جائزة E Pluribus Unum Corporate Leadership، تركّز كيسر على القضاء على الفروقات العرقية والعنصرية في قطاع الرعاية الصحية، وكانت أعمالها في طليعة الجهود الرامية إلى إنشاء نُهجٍ مبتكرة وقابلة للتطوير تُلبي الاحتياجات الثقافية واللغوية للمرضى وتُحسّن بالتالي جودة ومحصلات الرعاية الصحية بشكل عام. إنّ تدريباتها الإدارية واختباراتها وعمليات إصدار الشهادات لموظفيها متعددي اللغات والعاملين كمترجمين في مجال الرعاية الصحية وكذلك الأطباء المتحدثين مع المرضى بلغات أخرى غير الانكليزية، ساهمت بشكل ٍ كبير في تحسين نوعية العناية المقدّمة للمريض والاستفادة من تنوّع القوى العاملة في المؤسسة في الوقت ذاته. (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).

على سبيل المثال، تشهد قطّاعات العمل المختلفة انخفاضًا واضحًا في نسبة العمال من الذكور البيض المولودين في أمريكا، حيث أصبح 15% فقط من الوافدين الجدد إلى القوى العاملة هم من الذكور البيض "6"، وبالمقابل فقد تزايدت نسب العالمين الغير بيض والمهاجرين من كلا الجنسين (انظر إلى الشكل 1.5). كما وازدادت أعداد النساء اللواتي يشغلن المناصب الإدارية في كل من القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى المزيد من الفرص التي أصبحت مُتاحة للأقلّيات. وعلى الرغم من ذلك يتوقّع البعض أنّ النقص الحالي في سوق القوى العاملة سيؤدي إلى احتفاظ الكثير من الشركات بعمالها القدامى لفترة أطول تتجاوز سن التقاعد المعتاد. بالإضافة إلى أنّ التوجّه بتوفير فرص عمل وأدوار لذوي الاحتياجات العقلية أو الجسديّة الخاصة في تزايد مستمر. على الرغم من أن الإقدام على مثل هذه التغييرات في ديمغرافية الموظفين وفُرص العمل قد توفّر فرصًا جديدة للشركات لكنّها في الوقت نفسه قد تولّد مشاكل تأقلم محتملة إذا لم تُدر بذكاء وبمعايير صحيحة. سندرس العديد من هذه القضايا عند مناقشتنا لتطوير الوظائف والموظفين.

Employed People by Race.png
الشكل (1.5): الموظفون وفقًا للعرق والاثنية اللاتينية أو الإسبانية، 2016. ملاحظة: الأشخاص الذين صُنفت عُنصريّتهم إسبانية أو لاتينية قد يكونوا من أي عرق. قد لا يصل مجموع العينات إلى 100% بسبب التقريب. المصدر: مكتب الولايات المتحدة الأمريكية لإحصائيات العمال، مسح السكان الحاليين. (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).

تحدي السلوك الأخلاقي

مع تزايد الاهتمام والعناية بالجانب الأخلاقي في عصرنا يمكننا القول بأن المستقبل سيمنح معايير أخلاقية عالية في الصفقات التجارية ومكان العمل في المؤسسات. يرى الكثير من المديرين التنفيذيين وعلماء الاجتماع أن السلوك غير الأخلاقي المتزايد في عصرنا أصبح كالسرطان ينهش بنية المجتمع ضمن نطاق العمل وخارجه. هنالك قلق من أنّ الغرب يواجه أزمة أخلاقية تقلّل من قوته التنافسيّة، وتشمل هذه الأزمة قطاع العمل والحكومات والزبائن والموظفين على حدٍّ سواء. والذي يزيد من حدّة هذه المشكلة ويُفاقم تأثيراتها السلبية هي ظهور التصرّفات غير الأخلاقية في جميع المستويات داخل المؤسسة. على سبيل المثال، وجدت تقارير حديثة أنّ نسبة السرقات التي قام بها الموظفون والباعة فاقت لِلك التي قام بها زبائن البيع بالتجزئة.

الأخلاقيات في الممارسة

مؤسس Papa John's في أزمة

إنّ الأقوال والأفعال التي تقوم بها كمدير وكقائد مهمة يكون لها وقع كبير أكثر مما يتخيّل الكثيرون . تعلّم جون شناتر John Schnatter، مؤسس ورئيس بيتزا بابا جونس Papa John’s Pizza، ذلك بالطريقة الصعبة. ففي أحد الأيام وأثناء جلسة تدريبية إعلاميّة (بثٍّ تجريبي) استخدم شناتر تعليقات ازدرائيّة وإهانات عنصرية، وتحوّل هذا البث التجريبي إلى كابوس بالنسبة لشناتر، على الرغم من أنّ الهدف من هذا البث كان مجرّد التدرّب على الحوار في اللقاءات الإعلامية. وكنتيجة لتلك التصرّفات والأقوال غير الأخلاقية التي صدرت منه، ومع اعتراف شناتر بخطأه، أُجبر على الاستقالة من منصبه كرئيس للشركة بعد أن طالب الفرع المحلي للرابطة الوطنية للنهوض بالأشخاص الملونين NAACP باستقالته. بالإضافة إلى ذلك، اتخذ مجلس الإدارة قرارًا بإقالته وإبعاده عن جميع الإعلانات والدعايات ومحلّات بيع البيتزا، كما وعلّقت الجمعية على أن شركة بابا جونس لا يمثّلها فردٌ واحد".

بابا جونس هي شركة بيتزا مؤلفة من 120.000 موظف حول العالم (Forbes 2018). قفزت أسهم بابا جونس بعد الإعلان عن استقالة مديرها، مضيفة 50 مليون دولار إلى ثروة شناتر الصافية (CNN Money 2018). ظهرت قيمة الشركة الأخلاقية من خلال استنكارها لأفعال شناتر وإبعاده من منصبه، وهذا يشير إلى أنّه على الرغم من ارتكاب شناتر لخطأ كبير إلّا أن اعترافه بالخطأ واستقالته من منصبه، أظهر أن الالتزام بالحفاظ على المعايير الأخلاقيّة لا يزال قيمة مهمة وأساسيّة لكل من شناتر والشركة ككل أيضًا.

السؤال الأول: هل تعتقدون أنّ أفعال مجلس الإدارة بإقالة مؤسسها على تصرّفه غير الأخلاقي كانت كافية لدعم سمعة بابا جونس؟

السؤال الثاني: ما هي الأفعال أو أنواع التدريب الأخرى التي على بابا جونس القيام بها مع موظّفيهم في الوضع الحالي من تشوه السمعة الأخلاقية للشركة ومؤسسها؟

بالإضافة إلى ذلك، نسمع جميعنا عن السلوك الغير أخلاقي والغير قانوني في وول ستريت Wall Street- مثل فضائح رواتب التقاعد التي يراهن فيها مديرون تنفيذيون سيئوا السمعة على مجازفات تجاريّة خطرة مستغلين بذلك الأموال المخصّصة لتقاعد الموظفين، وفضائح أخرى لشركات تعرّض عمّالها لظروف عمل خطرة بدون مبرر، دون أن نذكر فضائح التحيّزات الواضحة في ممارسات التوظيف والترقية في العديد من المؤسسات. على الرغم من أنّ هذه الممارسات تحدث بشكل مستمر وفي جميع أنحاء العالم، إلّا أنّ وجودها يذكّرنا بالتحدّيات التي نواجهها.

لا تقتصر المشكلة على وجود التصرّفات غير الأخلاقية في المؤسسات فقط، بل إن المشكلة الأساسية والتي تشكّل تحدّيًا كبيرًا هي عدم وجود قاعدة واضحة وثابتة لمعايير السلوك الأخلاقي (فالأمر شبيه باللون الرمادي الذي لا يميل إلى أي من اللونين الأبيض أو الأسود)، فلا يوجد دائمًا حد واضح بين ما هو صحيح وما هو خطأ. على سبيل المثال، إذا كنت مندوب مبيعات لصالح شركة أمريكيّة في الخارج ويستخدم منافسوك الأجانب الرشوة لتسيير العمل، ماذا ستفعل؟ سلوك مماثل في الولايات المتحدة الأمريكيّة يُعد غير شرعي، لكنّه مقبول تمامًا في دول أخرى، فما هو التصرف الأخلاقي الصحيح هنا؟ وبشكل مماثل، تتعرض النساء في العديد من الدول إلى التمييز والعزل المنهجي عن فُرص العمل، وذلك بناءً على أنّ مكانهن الصحيح في المنزل. هذه الممارسة هي أيضًا غير قانونيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة، لكن إذا كنت تدير شركة أمريكية في أحد هذه الدول، هل ستوظف نساءً في مناصب مهمة؟ إذا فعلت ذلك قد تُعزل شركتك عن الوسط التجاري في ذلك المُتجمع وقد تخسر عملك. وإذا لم تفعل ذلك، فأنت تكون قد انتهكت ما يؤمن به معظم الأمريكيون على أنها الممارسات المهنيّة العادلة.

يجب على المديرين الفاعلين معرفة كيفية التعامل مع القضايا الأخلاقيّة في حياتهم المهنيّة اليوميّة، لذلك سنخصّص أجزاءً من هذا الكتاب للتحدث عن دور الأخلاقيات في صناعة القرار، وممارسة السلطة، وتقييمات الأداء وأنظمة المكافأة وإلى ما هنالك.

ترجمة -وبتصرف- للفصل The Changing Workplace من كتاب Organizational Behavior


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...