سنستعرض في الجُزء الثالث من سلسلتنا الفريدة عن السلوك التنظيمي في المؤسسات جملةً من النقاط المهمة، والتي يجب أن يتطرّق إليها الإداريون في خضم مهامهم وأعمالهم اليومية وأثناء تعاملهم مع الموظفين. سنخوض في المقالات التالية في العديد من المواضيع، ابتداءً من تأثير اختلافات وجهات النظر على سلوك الموظف وأدائه، وصولًا إلى كيفية تقليل الإداريين للتأثير السلبي للقوالب النمطية في المؤسسة، وانتهاءً بكيفية تأسيس بيئة عمل تتسم بسلوكيات عمل إيجابية والحفاظ عليها وكيفية تطوير قوة عاملة ملتزمة داخل المؤسسة.
استكشاف المهن الإدارية
وجهات النظر الشخصية تؤثر على الانسجام في مكان العمل
كان الصراع منهجًا اعتاد عليه كل من جيمس وتشاز في مكان عملهم، وكان الأمر مجرّد مسألة وقت قبل أن تتفاقم خلافاتهم وتصبح عبئًا عليهم وعلى طاقم الإدارة كذلك.
حرص تشاز على أن يكون في المقدّمة ويركّز على التطوّر بسرعة في مسيرته المهنية، ويبقى لساعات إضافية كنوع من الاستعراض لمثابرته، ويتولّى كذلك مهام إضافيّة من الإدارة دون أن يمانع ذلك. من الناحية الأخرى، جيمس راضٍ عن منصبه ويرى أنّه إذا قام بعمله المعتاد سيُعدّ جزءًا ثابتًا من الفريق وسيُكافئ على جهوده اليومية المُعتادة الدؤوبة، ويَنظر إلى سلوك تشاز على أنّه تملّق ويستاء منه بسبب جهوده الإضافية لأنّها تجعل عمله يبدو سيئًا. لا يفكّر جيمس في الأسباب الشخصية التي تجعل تشاز يتصرّف بهذه الطريقة، وعوضًا عن ذلك ينتهي به المطاف أن يعامل تشاز معاملة سيئة مع قلّة صبر في كل مرّة يضطران فيها إلى العمل معًا.
يتحدّث تشاز إلى مديره جيري بشأن الطريقة التي يعامله بها جيمس، ويوضح أنّه يعاني من بعض المشاكل الشخصيّة في المنزل، فزوجته حامل ويحاولان إدّخار بعض المال من أجل مولودهم الجديد. إذ يشعر تشاز أنّه مجبر على العمل بجد وعرض مواهبه للحصول على زيادة في راتبه. ويعبّر عن مشاعره تجاه جيمس، وأنّه يجب ألّا يُدَقّق عليه لمجرد قيامه بالمزيد وتجاوزه لزملائه الذين قرّروا الالتزام بالحد الأدنى من متطلبات العمل. يتفهّم جيري موظفه تشاز ومخاوفه التي دفعته إلى القدوم إليه، ويتحدثان أيضًا عن طرائق لتقدير الجهود الإضافية التي يبذلها تشاز ويخطّطان لإجراء محادثة خلال فترة المراجعة السنوية ومناقشة ترقيته مرّة أخرى. يقترح جيري على تشاز أيضًا أن يتحدّث مع جيمس لتخفيف حدّة سلوكه السلبي، ويرى أنّه في حال فهم جيمس الأسباب الكامنة وراء تصرفات تشاز من الممكن أن يصبح أقل غيرة وأقل شعورًا بالتهديد.
العملية الإدراكية
- كيف تؤثّر اختلاف وجهات النظر على سلوك الموظف وأدائه؟
الإدراك هو العملية التي يدرس ويختار وينظّم ويفسّر الشخص من خلالها الأحداث ليعطيها معنى. هو عملية فهم البيئة المحيطة بغية توليد الاستجابة السلوكية المناسبة. ولا يؤدي الإدراك بالضرورة إلى إعطاء ردود فعل مثالية للظروف المحيطة، وإنّما يؤدي إلى تصور فريد يتأثر باحتياجات ورغبات وقيم واستعدادات المُدرك. وكما وصفه كريتش وزملائه: إنّ تصور الفرد لحالة معيّنة ليس تمثيلًا فوتوغرافيًا للعالم المادي، بل إنّه بناء جزئي وشخصي يُنظر فيه إلى أشياء معيّنة اختارها الفرد لتلعب الدور الرئيسي في نظرته. إذ إنّ كل مدرك إلى يمكن أن نعدّه فنانًا غير تمثيلي يرسم صورة للعالم تُعبّر عن رؤيته الشخصية للواقع.
يختار ويدرس الأفراد عدّة أشياء تسترعي انتباههم في بادئ الأمر، وتسمّى هذه العملية الانتقائية الإدراكية. تجذب بعض هذه الأشياء اهتمامنا، وبعضها الآخر لا. إذ يلاحظ الأفراد أمرًا معيّنًا في البداية، ثم يحاولون فهمه من خلال تنظيمه أو تصنيفه وفقًا للإطار المرجعي الخاص بهم وتِبعًا لاحتياجاتهم، وتسمى العملية الثانية هذه التنظيم الإدراكي. عندما يُربط الشيء بمعنى يصبح الأفراد في وضع يمكّنهم من تحديد الاستجابة أو رد الفعل المناسبين، على سبيل المثال إن أدركنا وفهمنا بوضوح أنّ طريقًا ما يشتمل على خطر سقوط صخرة أو الإصابة بحادث سير سنتمكّن من الابتعاد عن الطريق بسرعة.
ونظرًا لأهمية الانتقائية الإدراكية لفهم وجهات النظر في مواقف العمل، سندرس هذا المفهوم بشيء من التفصيل قبل التحدّث عن موضوع الإدراك الاجتماعي.
الانتقائية الإدراكية: رؤية ما نراه
تشير الانتقائية الإدراكيّة كما ذُكر أعلاه إلى العملية التي يختار الأفراد من خلالها الأشياء التي سيوجّهون انتباههم لها في البيئة المحيطة. وبدون هذه القدرة على التركيز على منبه أو بضعة منبهات بدلًا من المئات التي تحيط بنا لن نتمكّن من معالجة جميع المعلومات اللازمة لبدء سلوك أو اتخاذ إجراء معيّن. تعمل الانتقائية الإدراكية في الأساس على النحو الموضّح في الشكل (انظر الشكل 3.2). يتعرّض الفرد أولًا لشيء ما أو منبه ما – مثل ضوضاء عالية أو سيارة جديدة أو مبنى مرتفع أو شخص آخرأو ما إلى ذلك، ثم يركّز الفرد انتباهه بعد ذلك على هذا الشيء أو المنبه دون سواه، ويركّز جهده على فهم أو استيعاب هذا المنبه. فمثلًا صادف مديران خلال قيامهما بجولة في مصنع إحدى الآلات المعطّلة، ركّز أحد هذين المديرين اهتمامه على الآلة المتوقّفة، في حين ركّز المدير الآخر اهتمامه على العامل الذي كان يحاول إصلاحها. طرح كلاهما في آنٍ واحد سؤالًا على العامل، سأل المدير الأول عن سبب توقف الآلة وسأل المدير الثاني عمّا إذا كان الموظف يعتقد أنّه قادر على إصلاحها. نلاحظ أن كلا المديرين تعرّض لنفس الموقف وواجه نفس الحادثة، لكنهما لاحظا وحلّلا جوانب مختلفة منه. يوضّح هذا المثال أنّه ما إن يوجّه المرء انتباهه إلى أمرٍ ما، فمن المرجّح أن يحتفظ بصورة للشيء أو المنبّه في ذاكرتهم وأن يختاروا الاستجابة المناسبة له. يمكن تقسيم هذه المؤثرات المختلفة على الانتباه الانتقائي إلى مؤثرات خارجية ومؤثرات داخلية (شخصيّة) (انظر إلى الشكل 3.3).
الشكل (3.2): عملية الانتقائية الإدراكية (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
الشكل (3.3): المؤثرات الرئيسيّة على الانتباه الانتقائي (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
المؤثرات الخارجية على الانتباه الانتقائي
تشتمل المؤثرات الخارجية على خصائص وصفات الشيء أو الشخص المُلاحظ والمنشّط للحواس. تؤثر معظم المؤثرات الخارجية على الانتباه الانتقائي بسبب خصائصها الفيزيائية أو خصائصها الديناميكية.
الخصائص الفيزيائية. غالبًا ما تؤثر الخصائص الفيزيائية للأشياء نفسها على كيفية استحواذ هذه الأشياء على انتباه المدرك. يوجَّه التركيز هنا نحو الصفات الفريدة والمختلفة وغير العادية. إحدى الخصائص الفيزيائيّة المهمة هي الحجم. إذ تحظى الأشياء الأكبر حجمًا عمومًا باهتمامٍ أكبر من الأشياء الأصغر حجمًا. تستخدم شركات الإعلانات الإشارات واللوحات الإعلانية بأكبر حجم ممكن لجذب انتباه المدرك. لكن عندما تكون معظم الأشياء المحيطة بنا كبيرة الحجم، عندها يمكن أن تحظى الأشياء الصغير باهتمام أكبر وشتدّ الانتباه إليها. يمثّل الحجم في كلا الحالتين عنصرًا مهمًا في عملية الإدراك. تميل كذلك الأشياء البهيّة ذات الطابع الحيوي والصاخبة والملوّنة كذلك إلى جذب الانتباه بشكل أكبر. فمثلًا عندما يصرخ كبير العمال في المصنع بأمرٍ ما على العمال، من المحتمل أن يتلقّى انتباهًا إضافيًا منهم (رغم أنّه يمكن ألّا يتلقى الاستجابة المطلوبة). يجب أن نتذكر هنا أنّ هذه الشدة والاستعلاء في التنبيه يزيد الاهتمام فقط عند مقارنته مع المنبهات المماثلة الأخرى. فإذا كان كبير العمال يصرخ دائمًا سيتوقف الموظفون عن الانتباه إلى صراخه. إذ تحصل الأشياء ذات الطابع غير المتكرر والمُختلف على اهتمام أكبر من الأشياء التي تحدث بشكل متواتر ومستمر. من الأمثلة على مبدأ الاختلاف والتواتر هذا هو استخدام علامات السلامة في الطرق السريعة، إذ تُكتب رسالة وجيزة مثل "خطر" باللون الأسود على خلفية صفراء أو برتقالية. الخاصيّة الفيزيائيّة الأخيرة التي يمكنها أن تزيد من الوعي الإدراكي هي إبداع وعدم إلفة الشيء. إنّ رؤية الفريد أو الغير متوقع في بيئة مألوفة (كأن يأتي مسؤول تنفيذي في شركة ملتزمة إلى العمل مرتديًا شورت برمودا على سبيل المثال) أو رؤية المألوف في بيئة غير مناسبة (شخص يُمسك مشروبًا كحوليًا في كنيسة) ستحظى بالانتباه حتمًا.
الخصائص الديناميكية. المجموعة الثانية من المؤثرات الخارجية على الانتباه الانتقائي هي تلك التي تتغير بمرور الوقت أو تستمد تفرّدها من الترتيب الذي قُدّمت به. الخاصية الديناميكية الأكثر وضوحًا هي الحركة. إذ إننا نميل في معظم الأحيان إلى الانتباه إلى الأشياء المتحركة ضمن خلفية ثابتة. تستخدم شركات الإعلان هذا المبدأ وتستغل هذه الظاهرة الفطرية لدى الإنسان، إذ إنّها في كثير من الأحيان تستخدم إشارات مع أضواء أو أشياء متحرّكة لجذب الانتباه. أحد الأمثلة الواضحة في البيئة المؤسساتيّة هي الموظف الذي يعمل بمعدل كبير، والذي يستعرض مهارته وتقدّمه أمام زملائه من خلال العمل بسرعة كبيرة ليجذب المزيد من الاهتمام إليه.
إحدى المبادئ الرئيسية الأخرى التي تستخدمها شركات الإعلان هو تكرار الرسالة أو الصورة. حيث تحظى التعليمات المكرّرة في العمل إلى انتباهٍ أكبر من الموظفين، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمهمة مملة أو يصعب التركيز عليها. إنّ هذه العملية فعّالة خصوصًا في مجال سلامة المنشآت. إذ تحدث معظم الحوادث الصناعية سبب أخطاء ناجمة عن عدم المبالاة أثناء إنجاز المهام الروتينية. يساعد تكرار قواعد وإجراءات السلامة في الحفاظ على العمال في حالة تأهب لإمكانية وقوع الحوادث.
المؤثرات الشخصية على الانتباه الانتقائي
بالإضافة إلى المجموعة المتنوعة من العوامل الخارجية، توجد العديد من العوامل الشخصية المهمة التي يمكنها أيضًا التأثير على مدى الانتباه الذي يوليه الفرد لمنبه أو شيء معين في البيئة المحيطة به. المؤثران الشخصيان الأكثر أهمية في الإدراك هما أولوية الاستجابة و ميول الاستجابة.
أولوية الاستجابة تعني الميل إلى التركيز على الأشياء المرتبطة باحتياجاتنا أو رغباتنا العاجلة. يمكن تمييز تأثير أولوية الاستجابة في بيئة العمل بسهولة، إذ يكون العامل الذي سئم من ساعات العمل العديدة حساسًا للغاية تجاه عدد الساعات أو الدقائق المتبقيّة حتى مغادرة العمل. حتى أن الموظفين الذي لديهم هذا التأثير يعلمون حق العلم عدد الساعات المتناسبة مع الأجور التي عُرضت عليهم أثناء تفاوضهم على عقد عمل جديد. كما أن الإداريين الذين يكونون بحاجة إلى تحقيق أهداف طموحة حساسيين لمواضيع معينة مثل الفرص المتاحة ومقدار الإنجازات والنجاح والترقية. وأخيرًا تكون المديرات أكثر حساسية من العديد من الإداريين الذكور في ما يتعلّق بالتغاضي عن مواقف وتصرّفات الذكور المسيئة تجاه النساء في العمل. يمكن لتأثير أولوية الاستجابة بدوره أن يشوّه نظرتنا إلى محيطنا أيضًا، كما قال روش Ruch:
اقتباس"إن البشر بطبيعتهم يُبالغون في مراقبة الوقت المقضي في العمل الرتيب، ولا يشعرون بالوقت المقضي في العمل المثير للاهتمام … يرتبط الحكم الزمني بمشاعر النجاح أو الفشل، فالأمور التي تعطي شعورًا بالفشل تقيس فاصلًا زمنيًا أطول من تلك التي تعطي شعورًا بالنجاح. ويقدّرالفاصل الزمني المحدّد أيضًا بأنّه أطول أثناء محاولة القيام بمهمة من أجل الوصول إلى الهدف المنشود مقارنة مع الزمن المُقدّر في الأمور التي لا تملك مثل هذا الدافع."
ميول الاستجابة. في حين أن تأثير أولوية الاستجابة يتعامل مع الاحتياجات والاهتمامات العاجلة فإنّ تأثير ميول الاستجابة هو الميل إلى التعرف على الأشياء المألوفة بسرعة أكبر من الأشياء غير المألوفة. تحمل فكرة تأثير ميول الاستجابة إدراكًا واضحًا لأهمية ما تعلمناه في الماضي على الموجودات في الوقت الحاضر وكيفية حكمنا عليها. قُدّم إلى مجموعة من الأفراد في إحدى الدراسات مجموعة من أوراق اللعب ذات الألوان والرموز المعكوسة - أي أنّ الكوبة والديناري طُبعوا باللون الأسود، والبستوني والسباتي باللون الأحمر. كان من المثير للدهشة أنه عندما عُرض على الأفراد هذه البطاقات لفترات زمنية قصيرة، استمروا بوصف البطاقات كما كانوا يتوقعونها أن تكون (الكوبة والديناري باللون الأحمر والبستوني والسباتي باللون الأسود) بدلًا مما هي عليه في الواقع، إذ كانوا مهيئين لرؤية الأشياء كما كانت دائمًا في الماضي.
نستنتج مما سبق أن العملية الإدراكية هي في الواقع عملية معقدة، وهناك عدة عوامل (سيّما الدوافع النفسية والمؤثرات المحيطة) التي تؤثر في كيفية تفسير الأحداث التي نركّز عليها وكيفية استجابتنا لها. على الرغم من أنّ هذه العملية قد تبدو معقدة نوعًا ما، إلّا أنّها في الحقيقة تمثّل اختصارًا وتبسيطًا لطريقة تأويلنا استجابتنا لما حولنا وترشدنا في سلوكنا اليومي. وهذا يعني أنّه بدون الانتقائية الإدراكية فإننا سنقف عاجزين عن الاستجابة بسبب ملايين المحفّزات التي تتنافس على شد اهتمامنا. تتيح لنا العملية الإدراكية تركيز انتباهنا على الأحداث و الأشياء الأكثر بروزًا وأهميّة، وتتيح لنا كذلك تصنيف هذه الأحداث أو الأشياء بحيث تنسجم مع الخريطة المفاهيمية للبيئة الخاصة بنا.
التوسع حول العالم
أيّ سيارة ستودّ شرائها؟
عندما اتّحدت شركة جينيرال موتورز مع تويوتا لتشكيل شركة (NUMMI أو New United Motor Manufacturing Inc) كان لديهم فكرة عظيمة، إذ إنّ الشركة الجديدة لن تنتج سيارة تويوتا كورولا فحسب بل أيضًا سيارة جنرال موتورز والتي تدعى جيو بريزم. وستكون كلتا السيارتين متطابقتين بشكل أساسي باستثناء بعض الفروق البسيطة في التصميم.
ولكن لسوء الحظ فقد نسيت جنرال موتورز أمرًا واحدًا، إذ إنّ المستهلك في أمريكا الشمالية كان لديه انطباع مسبق وكان يفضّل السيارات اليابانية على السيارات الأمريكية الصنع. ونتيجة لذلك بيعت سيارات تويوتا كورولا منذ بداية المشروع المشترك بسرعة، بينما تراجعت مبيعات جيو بريزم.
من السهل شرح ما حدث وتبريره ضمن إطار مفهوم الاختلافات الإدراكيّة الذي شرحناه سابقًا. إذ إنّ المستهلك العادي ينظر ببساطة إلى سيارات كورولا على أنها ذات جودة أعلى (وربما مواصفات أقوى) فكان مهيئًا نفسيًّا مسبقًا لشرائها، بينما لم يشكك المستهلكون بسيارات بريزم فقط؛ بل إنمّا إصرار شركة جنرال موتورز على الاسم الجديد للسيارة وتركها للاسم القديم المعروف لها أدّى إلى ترك العديد من العملاء في حيرةٍ من أمرهم وغير متيقّنين بما يشترونه حقًّا. كان الإدراك هو السبب الرئيسي وراء تراجع مبيعات السيارة الأمريكية الجديدة، وليس ذلك فحسب بل إن طلاء سيارات بيرزم كان من بين الأسوأ تصميمًا على الإطلاق، وهذا في الواقع ما زاد الأمر سوءًا. خسرت جنرال موتورز نتيجة لذلك 80 مليون دولار على بريزم في عامها الأول من المبيعات. في حين تزايد وارتفع الطلب على سيارات تويوتا كورولا.
المفارقة النهائية هنا أنّه لا يوجد سيارتين متشابهتين أكثر من بريزم وكورولا، فهما مبنيتان في نفس خط التجميع بواسطة نفس العمال وفقًا لمواصفات التصميم نفسها، إنّهما في الواقع السيارة نفسها، والفرق الوحيد كان في كيفية نظر المستهلكين إلى السيارتين - ومن الواضح أنّ هذه التصورات كانت مختلفة جذريًا.
تغيرت التصورات مع مرور الوقت، ورغم أنّه لم يكن هناك أمرٌ فريد من نوعه في سيارة بريزم، لكنها بِيعت جيدًا واستمرت في العمل حتى بدايات عام 2000. كانت سيارة بريزم أساسًا لسيارة بونتياك فيبي، والتي اعتمدت على خطة عمل كورولا أيضًا، وهذه إحدى التعاونات القليلة التي نجحت نجاحًا جيدًا.
المصدر: C. Eitreim, “10 Odd Automotive Brand Collaborations (And 15 That Worked),” Car Culture, January 19, 2019; R. Hof, “This Team-Up Has It All—Except Sales,” Business Week, August 14, 1989, p. 35; C. Eitreim, “15 GM Cars With The Worst Factory Paint Jobs (And 5 That'll Last Forever),” Motor Hub, November 8, 2018.
الإدراك الاجتماعي في المؤسسات
ركّزنا حتى هذه النقطة على دراسة العمليات الإدراكيّة الأساسيّة — كيف نرى الأشياء وكيف نستجيب إلى المنبهات. وبناءً على هذه المناقشة نحن الآن على استعداد لدراسة حالة خاصة من العملية الإدراكية ألا وهو الإدراك الاجتماعي وذلك لتأثيره الكبير في مكان العمل. يتضمن الإدراك الاجتماعي مجمل العمليات والمراحل التي ندرك من خلالها الآخرين ونستشّفهم. 5 التركيز الأساسي في دراسة الإدراك الاجتماعي يصبّ في كيف نفسّر الآخرين، وكيف نصنّفهم، وكيف نشكّل انطباعات عنهم.
من الواضح أنّ الإدراك الاجتماعي أكثر تعقيدًا بكثير من إدراك الأشياء غير الحية مثل الطاولات والكراسي والعلامات والمباني. وهذا صحيح لسببين بسيطين، أولًا من الواضح أنّ الأشخاص أكثر تعقيدًا وديناميكيّةً من الطاولات والكراسي. وبالتالي يجب إيلاء المزيد من الاهتمام الدقيق عند محاولة فهمهم حتى لا تفوتنا أي تفاصيل مهمة. ثانيًا، إن الإدراك الدقيق والصحيح للآخرين عادةً ما يكون أكثر أهمية بالنسبة لنا شخصيًا من تصوراتنا عن الأشياء غير الحية، فعواقب سوء فهم الأشخاص كبيرة. إذ إنّ الفشل في إدراك مكان مكتب ما بدقة في غرفة كبيرة قد يعني أننا يمكن أن نصطدم به عن طريق الخطأ، أما الفشل في إدراك المنصب الإداري الدقيق لشخص ما وما يترتّب عليه من احترامٍ وتقدير، قد يقودك إلى مخاطبته بطريقة غير لائقة باسمه الأول مثلًا أو باستخدام اللغة العامية في حضوره، وبالتالي هذا قد يقلّص من بفرص ترقيتك إذا كان لهذا الشخص علاقة بمثل هذه القرارات. ولذلك فإنّ الإدراك الاجتماعي في مكان العمل يستحق عناية وانتباهًا خاصًّا.
سنركّز الآن على المؤثرات الرئيسية الثلاثة على الإدراك الاجتماعي والمتمثّلة في خصائص كل من (1) الشخص المُدرَك، (2) الموقف، و (3) الشخص المُدرِك. تمثّل هذه المؤثرات عند جمعها أبعاد البيئة التي نرى فيها الآخرين. من المهم أن يفهم طلاب الإدارة الطريقة التي يتفاعلون بها مع من حولهم(انظر الشكل 3.4).
الشكل (3.4): المؤثرات الرئيسية على الإدراك الاجتماعي في المؤسسات (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
إنّ الطريقة التي نُقيّم بها في المواقف الاجتماعية المختلفة تتأثر بشكل كبير بخصائصنا الشخصية الفريدة، أي أن ما يحدّد انطباعات الأشخاص عنا هو كيف نبدو، نتحدث، ونشير. ويوجد على وجه التحديد أربع فئات أساسية تندرج تحتها الخصائص الشخصية وهي: (1) المظهر الجسدي - (2) التواصل اللفظي - (3) التواصل غير اللفظي - (4) الصفات المنسوبة.
المظهر الجسدي. تؤثر مجموعة متنوعة من السمات الجسدية على صورتنا العامة وانطباعنا لدى الآخرين، وتتضمن العديد من الخصائص الديموغرافية الواضحة مثل العمر والجنس والعرق والطول والوزن. وجدت دراسة أجرتها مسون (Mason) أنّ معظم الأشخاص يتفقون على السمات الجسدية للقائد المثالي (أي ما ينبغي أن يبدو عليه القادة) على الرغم من أن هذه الصفات لم تكن موجودةً حقًّا لدى جميع الإداريين والقادة. ومع ذلك فإننا عندما نرى شخصًا يبدو حازمًا، متوجّهًا نحو هدف، واثقًا ومعبّرًا، فغالبًا ما نستنتج أنّ هذا الشخص قائد بالفطرة. 6 مثال آخر على التأثير القوي للمظهر البدني على الإدراك هو الملابس. إذ يُعتقد عمومًا أنّ الأشخاص الذين يرتدون بدلات رسميّة هم من المحترفين، بينما يُفترض أنّ الأشخاص الذين يرتدون ملابس عاديّة هم من الموظفين الأقل مستوى.
التواصل اللفظي وغير اللفظي. إنّ ما نقوله للآخرين - وكيف نقوله - يمكن أن يؤثّر على انطباعات الآخرين عنّا. يمكن ملاحظة العديد من جوانب التواصل اللفظي، أولًا، يمكن أن تؤثر دقّة وطريقة استخدام الشخص لللغة على انطباعتنا حول مستواه الثقافي أو التعليمي، فمثلًا تقدّم اللهجة أدلّة حول الخلفية الجغرافية والاجتماعية للشخص. وتوفّر نغمة الصوت المستخدمة أدلة حول الحالة الذهنية للمتكلم. وأخيرًا فإن المواضيع التي يختار الناس التحدث عنها كذلك تولّد تصوّرًا ع توجّههم وخلفيّتهم العلمية والاجتماعية.
تتأثر الانطباعات المأخوذة أيضًا بالتواصل غير اللفظي بمعنى كيف يتصرف الأشخاص. فغالبًا ما تكون تعبيرات الوجه بمثابة أدلة تفيدنا في تكوين انطباعات عن الآخرين، فيُعتقد أن الأشخاص المبتسمون دائمًا لديهم مواقف إيجابية. فقد ظهر مؤخرًا مجال علمي كامل من حول لغة الجسد، وهي الطريقة التي يُعبّر من خلالها الأشخاص عن مشاعرهم الداخليّة دون وعي من خلال الأفعال الجسدية: الجلوس بشكل مستقيم أو الاسترخاء مثلًا، وكذلك النظر إلى أعين الناس مباشرة مقابل النظر بعيدًا. توفر هذه الأشكال من السلوك التعبيري معلومات مفيدة للمدرك فيما يتعلق بأخلاق الآخرين وفيما إذا كانوا ودودين، ومدى ثقتهم بأنفسهم، وعمّا إذا كانوا اجتماعيين.
الصفات المنسوبة. نحن نسند غالبًا صفاتٍ معينة إلى شخص ما قبل أو في بداية اللقاء؛ ويمكن أن تؤثر هذه الصفات على كيفية تعاملنا وإدراكنا لذلك الشخص. توجد ثلاث سمات رئيسيّة منسوبة وهي: المكانة الاجتماعيّة والوظيفة والخصائص الشخصية. على سبيل المثال سيسند معظمنا مكانة اجتماعية عالية إلى شخص ما عندما يخبرنا أنّه مسؤول تنفيذي، أو أنّ لديه أكبر سجل مبيعات، أو أنّه حقق بطريقة أو بأخرى شهرة أو ثروة غير عادية. أظهرت الأبحاث أنّ الأفراد يشكّلون انطباعات مسبقة على الأشخاص الذين يعتقدون أنّهم في مكانة اجتماعية عالية أو منخفضة، حتى لو تصرف هؤلاء الأشخاص بطريقة طبيعية سويّة. فعلى سبيل المثال يُنظر إلى الأشخاص ذوي المكانة العالية على أنّهم يتحكّمون تحكّمًا أكبر بسلوكهم وأنّهم ذوي ثقة عالية بالنفس وكفاءة؛ ويُمنحون تأثيرًا وحيّزًا أكبر في قرارات المجموعة من الأشخاص ذوي المكانة الأدنى، ويُفضَّل عمومًا الأشخاص ذوي المكانة العالية على الأشخاص ذوي المكانة المنخفضة. تلعب طبيعة المهن أيضًا دورًا مهمًا في نظرتنا للأشخاص. إن قُدّم لنا أشخاص على أنّهم مندوبي مبيعات، أو محاسبين، أو سائقي شاحنات، أو علماء باحثون فإنه ولا شعوريًّا يتشكّل في أذهاننا تصوّر مسبق لكل منهم وذلك قبل أي لقاءات مباشرة معهم. وفي الواقع، قد تحدد هذه الصور ما إذا كان يمكن أن يكون هناك لقاء حتى.
خصائص الموقف
إنّ المؤثر الرئيسي الثاني في كيفية إدراكنا للآخرين هو الموقف الذي تحدث فيه العملية الإدراكية. يمكن التعرف على اثنين من المؤثرات الظرفية: (1) المؤسسة ومكانة الموظف فيها، و (2) موقع الحدث ذاته.
الدور التنظيمي. يمكن لمكانة الموظف في التسلسل الهرمي التنظيمي للشركة أن يؤثر أيضًا على تصوراته وطريقة إدراكه. تؤكّد دراسة كلاسيكية قام بها "ديربورن وسيمون" هذه النقطة، إذ طُلب من الإداريين التنفيذيين من مختلف الإدارات (المحاسبة ، المبيعات ، الإنتاج) قراءة حالة مفصّلة وحقيقية حول شركة للمعادن. حيث طُلب من كل مسؤول تنفيذي بعد ذلك تحديد المشكلة الرئيسية في هذه الشركة والتي ينبغي على الرئيس الجديد معالجتها. أظهرت النتائج بوضوح أنّ تصورات الإداريين التنفيذيين حول أهم المشكلات في الشركة تأثرت بطبيعة الإدارات التي يعملون فيها أو التي يتخصصون بها. إذ رأى مديرو أقسام المبيعات أنّ المشكلة الأكبر تكمن في المبيعات، في حين أشار مديرو الإنتاج إلى مشكلات في الإنتاج. ورأى مديرو العلاقات التجارية والعلاقات العامة أنّ المشكلة الأساسية تكمن في الموارد البشرية.
هذا الاختلاف في الإدراك وتقييم المشكلات لا يقتصر فقط على الاختلافات في طبيعة الوظيفة الإدارية (المستوى الإداري الأفقي) فقط بل يمكن أيضًا ملاحظة الاختلافات الإدراكية عندما نتحرك عموديًا إلى أعلى أو أسفل التسلسل الهرمي. يمكننا ملاحظة هذا الاختلاف بشكل واضح بين الإداريين والنقابيين، إذ يرى الإداريون أنّ الأرباح والإنتاج والمبيعات هي المجالات الحيوية الأساسية التي تهم الشركة، في حين يوجّه النقابيون تركيزًا أكبر إلى الأجور وظروف العمل والأمن الوظيفي. تتأثر وجهات نظرنا عن الإداريين والعاملين بشكل واضح بواسطة المجموعة التي ننتمي إليها. يمكن للمواقع التي نشغلها في المؤسسات أن تؤثر بسهولة على كيفية رؤيتنا لمكان العمل وأولئك الموجودين فيه. فلننظر على سبيل المقال إلى نتائج دراسة كلاسيكية اُجريت عن الاختلافات الإدراكية بين الرؤساء والمرؤوسين، حيث سُئل كلا الفريقين كم مرة قدم المشرف أشكالًا مختلفة من التقدير للموظفين. توضح النتائج في الجدول 3.1 اختلافات واضحة استنادًا إلى موقع الشخص في التسلسل الهرمي التنظيمي في المؤسسة.
اختلاف وجهات النظر بين الرؤساء والمرؤوسين تكرار إعطاء الرؤساء أنواعًا مختلفة من تقدير الأداء الجيد |
||
---|---|---|
نوع التقدير | رؤيته من منظور الرؤساء | رؤيته من منظور المرؤوسين |
إعطاء الصلاحيات | 52% | 14% |
إعطاء المزيد من المسؤوليات | 48 | 10 |
التزكية والمدح | 82 | 13 |
إشادة صادقة | 80 | 14 |
التدريب لعمل أفضل | 64 | 9 |
إعطاء عمل ممتع أكثر | 51 | 5 |
الجدول (3.1) (حقوق النشر لجامعة رايس Rice ، OpenStax، تحت الرخصة CC BY-NC-SA 4.0).
موقع الحدث. تتأثر طريقة تفسير الأحداث أيضًا بمكان الحدث. فقد تكون السلوكيات المناسبة في المنزل غير ملائمة في المكتب، مثل خلع الحذاء. وتختلف السلوكيات المقبولة من بلد إلى آخر. قد يكون الحزم مثلًا سمة مرغوبة لمندوب المبيعات في الولايات المتحدة، ولكن قد يُنظر إليه على أنّ سوء أخلاق أو فظاظة في اليابان أو الصين. وبالتالي، نستنتج أنّ السياق الذي يحدث فيه النشاط الإدراكي مهم للغاية.
خصائص المدرك
المؤثر الرئيسي الثالث على الإدراك الاجتماعي هو شخصية ووجهة نظر المُدرك. يمكن أن تؤثر الخصائص والصفات المتعددة التي تنفرد بها شخصياتنا على كيفية رؤيتنا للآخرين. وهي تشمل (1) مفهوم الذات، (2) الهيكل المعرفي، (3) الاستجابة الملحوظة، و (4) تجربة الفرد السابقة وخبرته في التعامل مع الأفراد.
مفهوم الذات. يملك مفهومنا الذاتي تأثيرًا كبيرًا على كيفية إدراكنا للآخرين. ويتجلى هذا التأثير بعدة طرق، أولًا، نكون أكثر قدرة على إدراك الآخرين بدقة عندما نفهم أنفسنا (أي قدرتنا على وصف خصائصنا وميولنا الشخصية بدقة). ثانيًا، عندما نقبل أنفسنا على ما نحن عليه من صفات وعادات (أي أن لدينا صورة إيجابية عن الذات) فإنه سيكون تقبّلنا لصفات للآخرين على ما هي عليه أسهل وأسرع. أظهرت الدراسات أننا إذا قبلنا أنفسنا كما نحن، ستتّسع نظرتنا للآخرين وسنواجههم بتجهّم ونقدٍ أقل لصفاتهم. وعلى العكس غالبًا ما يجد الأشخاص الأقل أمانًا وثقةً بالنفس أخطاءً وانتقاداتٍ أكثر في الآخرين. ثالثًا، تؤثر خصائصنا الشخصية على الخصائص التي نلاحظها في الآخرين. على سبيل المثال، يميل الأشخاص ذوو الميول القيادية إلى رؤية الآخرين من منظور القوة، بينما يميل الأشخاص الذين يشعرون بالأمان إلى رؤية الآخرين وفق منظور هادئ وحيوي بدلًا من كونهم باردين وجامدين تجاههم. تؤكّد هذه النتائج من وجهة نظر الإدارة على مدى أهمية إدراك المسؤولين وفهمهم لأنفسهم؛ كما أنّها تنوّه إلى أهمية برامج التدريب للموارد البشرية، والتي تحظى بشعبية في العديد من المؤسسات اليوم.
الهيكل المعرفي. وهو من العوامل الأخرى التي تؤثر أيضًا على كيفية رؤيتنا للأشخاص. يصف الأشخاص بعضهم البعض بطريقة مختلفة، إذ يستخدم البعض الخصائص المادية مثل الطول، بينما يستخدم البعض الآخر الخصائص المعنوية مثل الخداع أو القوة أو التواضع، كما أن هنالك أفراد آخرين لديهم هياكل معرفية أكثر تعقيدًا ويستخدمون سمات متعددة في أوصافهم للآخرين؛ وبالتالي يمكن وصف شخص بأنّه عدواني، صادق، ودود، يعمل بجد. (راجع مناقشة الفروق الفردية والثقافية حول التعقيد المعرفي). يبدو أن رؤيتنا للآخرين تزداد دقة كلما زاد تعقيدنا المعرفي ، أي كلما ازدادت قدرتنا على التمييز بين الأشخاص باستخدام معايير وأحكام متعددة ومتنوعة. إن الأشخاص الذين يميلون إلى إجراء تقييمات أكثر تعقيدًا للآخرين يميلون أيضًا إلى أن يكونوا أكثر إيجابية في تقييماتهم. لذلك فإنه يُبرز البحث في هذا المجال أهمية اختيار الإداريين الذين يظهرون درجات عالية من التعقيد المعرفي. يجب أن يشكّل هؤلاء الإداريين تصورات أكثر دقة عن نقاط القوة والضعف لدى مرؤوسيهم ويجب أن يكونوا قادرين على الاستفادة من نقاط قوتهم مع تجاهل أو العمل على التغلب على نقاط الضعف لديهم في الوقت نفسه.
*ميول الاستجابة. تشير ميول الاستجابة إلى أنّ حساسيتنا للأشياء في البيئة تتأثر باحتياجاتنا أو رغباتنا الخاصة. يمكن أن تلعب ميول الاستجابة دورًا مهمًا في الإدراك الاجتماعي، لأنّنا ببساطة نميل إلى رؤية ما نريد رؤيته. على سبيل المثال، يميل المدير المسؤول عن التوظيف والذي لديه تحيّز ضد النساء أو الأقليات أو الأشخاص المعاقين إلى أن يكون سلبيًا تجاههم أثناء مقابلة التوظيف. يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى سعي المدير للبحث عن سمات سلبية أخرى محتملة في المرشح لتأكيد تحيّزاته. يسمى تأثير التحيزات الإيجابية هذا تأثير الهالة Halo Effect، في حين يسمى تأثير التحيزات السلبية بتأثير القرن Horn Effect. من جهة أخرى فإن الخيار الأوسط والأصح يشمل المدير الذي يتبع نهجًا خاليًا من هذه التحيزات، والذي يكون أقل ميلًا للتأثر بالخصائص والعوامل الجانبية عند عرض المرشحين المحتملين للوظائف.
تجربة الفرد السابقة. غالبًا ما تؤثر تجاربنا السابقة مع الآخرين على الطريقة التي ننظر بها إلى سلوكهم الحالي. عندما يتلقى موظف معيّن باستمرار تقييمات أداء ضعيفة، ومن ثم يبذل مجهودًا أكبر ويرفع من سويّة عمله، قد لا يُلاحظ هذا التحسّن في أدائه، وذلك لأنّ المشرف عليه يواصل التفكير فيه على أنّه ذو أداء ضعيف. وبالمثل فإنّ الموظفين الذين يبدأون حياتهم المهنية بعدة نجاحات ويطورون سمعتهم كأفراد سريعي الإنجاز وقد يستمرون في الارتقاء في المراتب الإدارية في المؤسسة بعد فترة طويلة على الرغم من توقف إنجازاتهم أو حتى تدني أدائهم. يجب احترام تأثير التجربة السابقة على التصورات الحالية ودراسته من قبل طلاب الإدارة. فعندما يقدّم الفرد ذو السلوك المنخفض سابقًا أداءًا أفضل، من المهم أن يتم الاعتراف بهذا التحسن في وقت مبكر ومكافأته بطريقة صحيحة. لأنه في حال حدث العكس (ولم يتلق الموظف الذي حسّن من أدائه) فقد يستسلم الموظف ويشعر أنّه لن يُحدث أي شيء أو مجهود إضافي يفعله أي فرق.
تحدّد هذه العوامل معًا الانطباعات التي نشكّلها عن الآخرين (انظر إلى الشكل 3.4)، ومن خلال هذه الانطباعات نتخذ قرارات واعية وغير واعية حول الطريقة والأسلوب الذي نعتزم التصرف به تجاه الأشخاص. وبالمقابل يؤثر سلوكنا تجاه الآخرين بدوره على الطريقة التي ينظرون من خلالها إلينا. وبالتالي من الواضح أنّه من المهم للمدراء فهم العملية الإدراكية ككل والعوامل التي تسهم فيها وتؤثر فيها، وإنّ الفهم الأفضل لأنفسنا والاهتمام الدقيق بالآخرين يؤدي إلى تصورات وأحكام أكثر دقة وبالتالي قرارات وتصرّفات صحيحة تجاه الآخرين.
ترجمة -وبتصرف- للفصل The Perceptual Process من كتاب Organizational Behavior
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.