اذهب إلى المحتوى

تبنّت العديد من النظريّات فوائد التنوّع في العمل، لكن في الواقع أظهرت الدراسات التطبيقيّة نتائج متضاربة، ما أثبت للباحثين دور وتأثير الظروف المحيطة على نجاح المبادرات لزيادة وتحسين التنوّع في العمل. يحرص المديرون على أن تكون المبادرات والجهود المبذولة للحفاظ على التنوّع في العمل رامية إلى المساواة والعدل لا أن تُستهدف وتُسخّر لنفع إنتاجيّة الشركة فحسب. يمكن للمديرين تجاوز عقبات التنوّع في العمل عبر التعامل معها بنهج حساس ومدروس، وهذا بدوره سينعكس انعكاسًا إيجابيًّا على الشركة وإنتاجيّتها.

ثلاث منظورات عن التنوع في العمل

صُمّم عمل إيلي وتوماس عن التنوّع الثقافي ليدعم -نظريًّا وعمليًّا- بعض العلاقات المفترضة بين التنوّع والإنتاجيّة. أنتج بحثهم نموذجًا عرّف ثلاث منظورات للتنوّع في العمل وهي: الدمج والتعلّم - الوصول والشرعيّة - التمييز والعدل.

منظور الدمج والتعلم (The Integration-and-Learning Perspective)

يقترح منظور الدمج والتعلّم أن مختلف الخبرات والمهارات، الّتي تمتلكها مجموعة متنوّعة الثقافات، قيّمةً في سياق عمل الفريق. ضمن هذا المنظور، يستطيع أعضاء مجموعة متنوّعة ثقافيًّا استخدام اختلافاتهم للتفكير في مشاكل العمل والآليّات والمنتجات بطريقة مُختلفة وإبداعيّة تخدم عمل الشركة. يفترض هذا المنظور أنّ أعضاء مثل هذه المجموعة يستطيعون التعلّم من بعضهم والعمل معًا لتحقيق أهدافهم المشتركة. سلبيات هذا المنظور قد تشمل شعور الأعضاء البيض بالتهميش ضمن هذه المجموعات عند عدم مشاركتهم بالنقاشات المبنيّة على التنوّع. وفي المقابل قد يشعر الأعضاء الآخرون بالاستنزاف عند تركيز العمل عليهم بهذه الطريقة.

منظور الوصول والشرعية (The Access-and-Legitimacy Perspective)

يركّز "منظور الوصول والشرعيّة" على فوائد التنوّع في العمل لشركة تسعى للتعامل ضمن أسواق متنوّعة أو مع عملاء متنوّعين. تعمل مجموعات العمل تحت هذا المنظور بهدف الدخول بقوّة في هذه الأسواق لكون تنوّع المجموعة يضفي عليهم بعض الشرعيّة والموثوقية في السوق المتنوّع. شكل التنوّع هذا وظيفيّ أكثر من كونه يسعى للعدالة وترسيخ بعض القيم في الشركة. تكمن سلبيّة هذا المنظور في حصر الموظّفين من الأقليّات بهذه الأدوار الخاصّة (محاولة التعامل والوصول للأسواق المتنوّعة) بعيدًا عن أيّ مساهمات مفيدة أخرى قد يقدموها.

منظور التمييز والعدل (The Discrimination-and-Fairness Perspective)

ينبع منظور التمييز والعدل من الاعتقاد بأنّ التنوّع في العمل هو واجب أخلاقيّ يجب تحقيقه من أجل تأسيس مجتمع عادل ومتكافئ. يتمثّل هذا المنظور من خلال الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف والترقية، كما أنه لا يربط أداء مجموعة ما أو نجاحها بمدى تنوّعها. تمتلك العديد من الشركات الّتي تعمل بهذا المنظور اعتقادًا مخفيًا أو مكشوفًا بأنّ استيعاب الثقافة الغالبة (ثقافة البيض) يجب أن ينبع من الفئات الثقافيّة الأخرى. أحد سلبيّات هذا المنظور هو إمكانيّة شعور فئات الأقليّات بالتقليل من قيمتهم عندما يكون قياس التقدّم في الشركة عبر توظيف الأقليّات بناءً على شِخصهم فقط (وسيلة للإعلان للملأ أن الشركة تتبنى التنوّع) وليس بناءً على مهارتهم أو كفائتهم. غالبًا يُفرض استيعاب الثقافة الغالبة على الموظّفين المتنوّعين تحت عنوان تقليل الصدام أو على أنها خطوة للتقليل من أهميّة الاختلافات والتحيّزات بين الفئات.

يظهِر الشكل 5.6 درجات فعاليّة المنظورات السابقة.

Cultural Diversity Perspectives at Work.png

الشكل 5.6 منظورات التنوّع في العمل (المصدر: مقتبس من Ely, Robin J وDavid A. Thomas "Cultural diversity at work: The effects of diversity perspectives on work group processes and outcomes." Administrative science quarterly. 46.2 (2001): 229-273

اقتراحات حول إدارة التنوع

يجب أن تخطو المنظّمات الملتزمة بالتنوّع لمحاربة أشكال التمييز والمضايقة الّتي تحدّثنا عنها في هذا الفصل. كما يجب عليهم المضيّ باتّجاه جعل التنوّع هدفًا في كلّ من مرحلة ما قبل التوظيف ومرحلة ما بعد التوظيف. يجب أن يعير المسؤولون والمديرون انتباهًا واهتمامًا كافيًا للتوظيف والحوافز المتّبعة، وأن يتأكّدوا من اعتمادهم على المعلومات والكفاءات الحقيقية في انتقائهم للموظفين وابتعادهم عن القوالب الجاهزة. فيما يلي أمثلة عن ما يجب على القادة في المنظّمات فعله لضمان تقدير جميع الموظّفين في بيئة الشركة.

عملية اختيار المرشحين لمقابلات التوظيف

لضمان العدل بين كلّ المتقدّمين، يجب أن تستخدم المنظّمات مقابلات معدّة بعناية خلال الاختيار المرشحّين للتوظيف لتجنّب الانحياز وفقًا للعرق أو الجنس. تتألف هذه المقابلات من الخصائص الخمس عشرة التالية:

  1. تحليل الوظيفة
  2. الحدّ من التلقين
  3. أسئلة أفضل
  4. مقابلات أطول
  5. التحكّم بالمعلومات المساعِدة
  6. الحدّ من أسئلة المرشّحين
  7. مقاييس متعدّدة التقييم
  8. مقاييس معدّلة التقييم
  9. ملاحظات مفصلّة
  10. مقابِلون متعدّدون
  11. مقابِلون مستمرّون
  12. لا نقاش بين المقابلين
  13. التدريب
  14. التوقّع الإحصائيّ.
  15. نفس الأسئلة للجميع

قد يحدث الانحياز عندما يفضّل المقابِلون مرشحين مشابهين لهم (سواءً عرقيًا أم دينيًا أم شكليًا أم حتى فكريًا). تستطيع المنظّمات تخطّي هذه العقبة إن طبّقت الخصائص هذه في كلّ عمليّة توظيف.

علاقات الإرشاد التنوعية

بفضل النموّ السريع للعولمة أصبح المديرون أكثر عرضةً لإدارة فِرق متنوّعة. أظهرت الأبحاث أنّ الشركات المتنوّعة عرقيًّا وإثنيًّا تؤدّي أداءً ماليًّا أفضل من نظيراتها وحيدة اللون (التي تعتمد قولبةً واحدة لموظفيها)، وذلك بسبب مساهمة الموظّفين من خلفيّات وتجارب مختلفة، الأمر الذي يمنح الشركة ميّزة تنافسيّة بعدّة طرق. من الضروري أن يكون المديرون وصاحبو القرار مؤهلّين لإدارة فرق متنوّعة بما يعود بالنفع على الجميع. علاقات الإرشاد التنوّعيّة هي علاقات بين المُشرف والمُشرَف عليه بحيث تكون هاتين الفئتين مختلفتين من حيث الجنس والعرق والعمر وغيرها من الخصائص. أظهرت الأبحاث أنّ هذه العلاقات تعود بالنفع على كلا الطرفين وأنّ كليهما يخرجان بفوائد من ناحية المعرفة والتعاطف وقدرة التعامل مع الأشخاص من فئات أخرى.

القيادة الإدارية: برامج تدريب التنوع

يواجه المديرون تحدياً كبيراً في فهم كيفية إدارة التنوّع في الوقت الّذي تتنوّع فيه القوى العاملة تنوّعًا كبيرًا ومستمرًّا.

أحد أهم القرارات الّتي يجب اتّخاذها هو فيما إذا كان يجب على المنظمة تقديم تدريب للتنوع أم لا، وإن فعلت فما هي المواضيع والقضايا التي يجب طرحها بناءً على أهداف المنظّمة.

طال الجدل فيما مضى عن كفاءة تدريب تنوّع الشركات، وذلك منذ أن ظهر قانون الحقوق المدنية لعام 1964 في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وعزّز تدريب تنوّع الشركات بما يتوافق مع القانون. يظهر بحث سابق أنّ هذه التدريبات يمكن أن تكون فعّالة أو غير فعّالة أو حتى ضارّة بالنسبة للموظفين، ومع ذلك فإن تدريبات التنوع تطوّرت خلال السنين، وأصبحت عاملًا مهمًّا بالنسبة لأصحاب العمل في إدارة التنوّع.

في الثمانينات وحتّى أواخر التسعينات من القرن الماضي تطوّر تدريب التنوّع من التركيز فقط على الالتزام إلى مواكبة احتياجات النساء والأقليّات، سيّما مع تزايد معدّلات دخولهم في القوى العاملة. لسوء الحظ فإنّ هذا النوع من التدريب كان يُرى من قبل البيض والرجال على أنه نوع من التمييز ضدهم، بمعنى أنهم يشعرون بالتمييز (على حساب الأقليّات)، أي تمامًا مثل المشكلة الأساسيّة الّتي يعالجها تدريب التنوع. يُعتّبر تدريب كهذا جلسات يُعد بمثابة "اعتراف" وإعلان للموظّفين البيض عن تواطئهم في العنصريّة المؤسساتيّة. يعطي هذا النوع من التدريبات نتائج عكسية متوقّعة، وعلاوة على ذلك يبعد الموظفين عن بعضهم، أي عكس هدفه تمامًا.

وقد تطوّر تدريب التنوع حديثًا للتركيز على:

  1. تعزيز الكفاءات الثقافيّة بخصوص الزملاء الموظّفين.
  2. تقييم الاختلافات.
  3. تعلّم كيف يساعد التنوّع في اتّخاذ قرارات مهنيّة أفضل.

هذا المنظور لتدريبات التنوّع أكثر فعاليّة بالمقارنة مع التركيز على أسباب نقص التنوّع والجذور التاريخيّة للتمييز. يبقى فهم كيفيّة الالتزام بالقانون مهمًا طبعًا، ولكنّ التدريب له تأثير أفضل عندما يتمّ تضمين العوامل الأخرى أيضاً.

استقصت دراسة حديثة طرائق مختلفة لتدريبات التنوّع، وتتضمّن انخراط المشاركين في أنشطة وضع التوقّعات والأهداف. في أنشطة وضع التوقعات طُلب من المشاركين كتابة عدّة جمل حول التحدّيات التي يعتقدون أن الأقليّات يواجهونها. أمّا أنشطة وضع الأهداف تضمنّت كتابة أهداف محدّدة وقابلة للقياس تتعلق بتنوع مكان العمل. على سبيل المثال، الخطط المستقبليّة للصناعات اليدويّة أو الانخراط في السياسات المستقبليّة. وأظهرت نتائج هذا البحث أنه عند استخدام هذه الأنشطة على أنها طرق للتدريب على التنوّع فإنّ النوايا السلوكية والمواقف المؤيّدة للتنوّع استمرّت بعد ذلك بأشهر.

ولأنّ اعتقادات الموظفين الدينيّة محمية بالقسم السابع لقانون الحقوق المدنية في الولايات المتّحدة، فإنّ أصحاب العمل يجب أن يكونوا حسّاسين تجاه تحقيق التوازن وضمان حقوق الموظفين الدينيّة. فمن الصعوبات الّتي تواجه المديرين بذلك هو تجنّب إعادة توجيه التمييز من مجموعة معيّنة لأخرى. ولتخفيف أيّ ردّ فعل عنيف من قبل الموظفين، يجب على أصحاب العمل دراسة ردود الفعل من كل المجموعات لتعلّم الطرق المثلى لاستيعابها، كما يجب تقييم بيئة عمل المنظّمة تقييمًا مستمرًا.

القيادة المرئية

من العوامل المهمّة الأخرى لضمان المعاملة العادلة للموظّفين هي آليات الإدارة السليمة. يجب أن تقدّر القيادة تنوّع الرأي، كما يجب أن تشجّع ثقافة المنظّمة عُنصر الانفتاح وأن تجعل الموظّفين يشعرون بأنهم مقدّرون وأن حقوقهم مُصانة. يجب أيضًا أن تمتلك المنظّمة مهمّةً ورسالة واضحة ومفهومة وهيكليّة اجتماعية متساوية وعادلة بعيدةً عن البيروقراطيّة، هذا كلّه سيسهم في تضافر وتوحّد قيم وسلوك الموظّفين مع قيم وسلوك المنظّمة، بهذه الطريقة سيُؤمّن عنصر التنوّع الثقافي وسيلة إضافيّة لضبط وتنظيم التصرّفات والعلاقات داخل المؤسسة.

استراتيجيات للموظفين

يمكن أن يزيد الأفراد من الإنتاجيّة عند حصولهم على مستوى تعليميّ متقدّم، لكون التعليم معيارًا أساسيًا في توقّع المردود المادّيّ عند جميع الفئات. يميل الأفراد أيضًا للحصول على وظائف في شركات أكبر والّتي تحتوي على برامج توظيف رسميّة ورؤية تنوّعيّة جاهزة. قد يخطوا هؤلاء الأفراد من فئات مختلفة باتّجاه القضاء على التمييز عبر رفع وعيهم عن التنميط أو الانحياز الّذي يمارسونه بأنفسهم أو عبر تحدّي هذه المشاكل ومواجهتها.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Diversity in Organizations) من كتاب Organizational Behavior

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...