اذهب إلى المحتوى

فهم العلاقات المؤسسية المنشئة للسلطة ودرجة المركزية فيها


مجد اسماعيل

في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال، سنتحدث عن أحد النقاط الهامة في أي مؤسسة وفي إدارتها وهيكلتها وهي العلاقات المنشئة للسلطة، ودرجة مركزيتها داخل المؤسسة.

العلاقات المؤسسية المنشئة للسلطة

ما الأدوات التي تستخدمها الشركات لنسجِ علاقات ضمن مؤسساتها؟

حالما تختارُ الشركات طريقةً للتشعيب، عليها تاليًا أن تُنشئ علاقاتٍ داخل تلك الهيكلية؛ بمعنى آخر، على الشركات أن تقرر عددَ مستويات الإدارة الذي تحتاجه، والأشخاصَ الذين سيُرسلون التقارير إليها، وعليها -كذلك- أن تقرر مدى الرقابة التي ستستثمر في كل من مديريها، وفي أي المواقع ضمن الشركة ستُتَّخذُ القراراتُ وتُنفَّذ.

الهرمية (التراتبية) الإدارية

تُحدَّدُ الهرمية الإدارية (أو الهرم الإداري) بمستوياتِ الإدارة ضمن المؤسسة، ولهيكلية الإدارة عمومًا ثلاثة مستوياتٍ، هي: إدارة عليا، ومتوسطة، وإشرافية، تخضع كلُ وحدة مؤسسية في الهرم الإداري للرقابة، والإشراف، من قبل مديرٍ في وحدةٍ أعلى مستوىً، ويكون الشخصُ ذو السلطة الأكثر رسميةً في قمة ذلك الهرم، وكلما علا المديرُ في ذلك الهرم الإداري، قويت سلطتُهُ، وبالعكس من ذلك، تتناقصُ السلطة كلما اتجهتَ نزولًا عبر الهرم الإداري، كما يزدادُ عددُ الموظفين.

ولكن، لا تستخدم كلُّ الشركات تلك التركيبة الإدارية التقليدية، ومن الشركات التي ألغتِ الهرمية الإدارية بالكامل شركةُ مورنينغ ستار (Morning Star)، وهي أكبر مُصنِّعٍ لمنتجات الطماطم في العالم، إذ توظِّف تلك الشركة الواقعة في مدينة وودلاند (Woodland) بولاية كاليفورنيا الأمريكية 600 من "زملاء العمل" الدائمين، بالإضافة إلى 4000 عامل مؤقت خلال موسم الحصاد، فقد بنى مالكُ تلك الشركة الوحيد، ومؤسِّسُها كريس رافر (Chris Ruder)، بنى فلسفتها على مبدأ الإدارة الذاتية التي يتولى المحترفون من الموظفين بموجبها التواصل، وتنسيق أنشطة الشركة مع زملاء العمل، والزبائن، والمورّدين، وغيرهم؛ ويتحملون مسؤوليةً شخصية لمساعدة الشركة في تحقيق أهدافها.

وتمتلكُ الشركة ذاتُ الهرمية المحددة جيدًا سلسلةَ قيادة واضحةً، تمثل تسلسل السلطة الذي يمتد من مستوى لآخر في المؤسسة، من المستوى الأعلى إلى الأدنى، والذي يوضح الجهات التي تعدّ التقارير، وتلك التي تتلقاها، وتوضَّحُ سلسلةَ القيادة في مخطط المؤسسة، ويمكن تتبُّعُها بدءًا من الرئيس التنفيذي، ونزولًا حتى الوصول إلى الموظفين؛ منتجي السلع، ومقدِّمي الخدمات، ووفقًا لمبدأ وحدة القيادة (Unity of Command)، يرسل كل موظف التقارير إلى رئيسٍ واحد -فقط- ويتلقى منه الأوامر، وتضمنُ وحدةُ القيادة أن يكون لكل موظف مشرفٌ مباشر واحد، وألا يتلقى أوامر من عدد مختلفٍ من أولئك المشرفين، فوحدة القيادة، وسلسلة القيادة، تعطيان كل موظفٍ في المؤسسة توجيهاتٍ واضحة، وتساعدان في تنسيق الأعمال المختلفة التي يقوم بها الموظفون.

وتنتهكُ المؤسساتُ ذات الهيكلية المصفوفية مبدأ وحدة القيادة؛ لأن الموظفين في تلك المؤسسات يقدمون تقاريرهم لأكثر من رئيس في العمل، ولو لفترةٍ يستغرقها تنفيذُ مشروعٍ ما؛ فشركة يونيليفر (Unilever) مصنِّعَةُ المنتجات الاستهلاكية التي من بينها صابون دوف (Dove)، وبوظة بن آند جيري (Ben & Jerry)، ومايونيز هيلمان (Hellmann)، اعتادت على أن يكون لديها هيكلية مصفوفية مع رئيسٍ تنفيذي واحد لإفريقيا، وآخر لأوروبا، ولكن الموظفين في أقسام الشركة، التي تعمل في كِلا الموقعين (أوروبا، وإفريقيا)، لم يكونوا متأكدين؛ أيٌّ من الرئيسين التنفيذيين تسود قراراته على الآخر، أما اليوم فتستخدم تلك الشركةُ هيكليةَ تشعيبٍ على أساس المنتَج. وتنحو شركاتٌ مثل يونيليفر باتجاه التخلي عن الهيكليات المصفوفية؛ بسبب المشاكل التي تترافق مع علاقات تقديم التقارير المكررة، أو غير الواضحة، أي بمعنًى آخر، المترافقة مع غياب وحدة القيادة.

ويتمتعُ الأفراد الذين هم جزءٌ من سلسلة القيادة، بسلطةٍ على آخرين ضمن المؤسسة، والسلطة (Authority) هي ولايةٌ، أو سَطوةٌ مشروعة، تمنحُها المنظمةُ، ويقرّ بها الموظفون، تسمح لفردٍ ما بطلب عمل ما، وتوقُّعِ الامتثال لذلك الطلب. وممارسةُ السلطة تعني اتخاذَ القرارات، ورؤيتُها تُنَفَّذ، ونرى معظمَ المديرين يُفوِّضون بعضًا من سلطتهم، ومسؤولياتهم، أو يُسنِدونها، لآخرين في مراتب أدنى ضمن سلسلة القيادة. إنَّ تفويضُ السلطة (Delegation of Authority) يجعل الموظفين مسؤولين أمام المشرفين عليهم، وتعني المُساءلة (Accountability) تحمُّلَ المسؤولية عن النتائج، وعادة ما تتجهُ السلطةُ، والمسؤوليةُ نزولًا عبر المؤسسة، عندما يُسنِدُ المديرون النشاطاتِ إلى مرؤوسيهم، وعندما يشاركونهمُ اتخاذَ القرارات، أما المُساءلةُ فتتجهُ صعودًا عبر المؤسسة بحُكمِ أنَّ المديرين في كل مستوى تالٍ، أعلى من مرؤوسيهم، يُعَدّون مسؤولين عن أفعال مرؤوسيهم.

نطاق الرقابة

على كل شركةٍ أن تقرر عددَ المديرين الذين تحتاجهم في كل مستوىً من الهرمية الإدارية، للإشراف بفاعلية على العمل المُنفَّذ داخل الوحدات المؤسسية، ويُعرَّفُ نطاقُ الرقابة، أوِ الإشراف (Span of Control) لمدير ما (ويسمَّى أحيانًا نطاق الإدارة، أو النطاق الإداري) بأنه عددُ الموظفين الذين يشرفُ عليهم المدير إشرافُا مباشرًا، وقد يكون ذلكُ النطاقُ ضيقًا لا يتجاوز موظفَين، أو ثلاثة، أو واسعًا يشملُ 50 موظفًا، أو أكثر، وعلى كل حال، كلما اتَّسَع نطاقُ الرقابة، زادت كفاءةُ المؤسسة، ومثلما يُظهِرُ الجدول 7.2، فلكلٍّ من نطاقَي الرقابة الواسعِ، والضيقِ مزايا، وعيوب.

الجدول 7.2: نطاقا الرقابة الواسع والضيق
  المزايا العيوب
نطاق الرقابة الضيق
  • يوفر هذا النهج درجةً عالية من الرقابة.
  • قد يعني وجودُ عددٍ قليلٍ من المرؤوسين، أن المدير أقربُ إلى كل موظفٍ، وأكثر درايةً به.
  • قد يوفِّرُ الإشرافُ عن كثب تقييمًا آنيًّا.
  • كلما زادت مستويات الإدارة، ارتفعتِ التكلفة.
  • عملية اتخاذ القرار أكثر بُطئًا بسبب التراتبية العمودية.
  • مديرو الإدارة العليا معزولون عمن هم في المستويات الأدنى.
  • يُثبِّطُ هذا النهج استقلالية الموظفين.
نطاق الرقابة الواسع
  • كلما قلَّت مستوياتُ الإدارة، زادتِ الكفاءةُ، وانخفضتِ النفقاتُ.
  • تؤدي استقلاليةُ المرؤوسين المتزايدة إلى سرعةٍ في اتخاذ القرارات.
  • يفسحُ هذا النهجُ المجال لمرونةٍ مؤسسية أكبر.
  • يولِّدُ هذا النهجُ مستوياتٍ أعلى من الرضا الوظيفي بفضل تمكين الموظف.
  • يوفِّرُ هذا النهجُ رقابةً أقلّ.
  • قد لا يكونُ المديرون على دراية كافية بمرؤوسيهم بسبب عددهم الكبير.
  • يؤدّي وجودُ عدد كبير من المرؤوسين والمهام التي تخضع للرقابة، والإشراف إلى تشتيت المديرين، ومنعهم من ممارسة القيادة، والدعم الفاعلَين.
  • قد لا يتحقق قدرٌ كافٍ من التنسيق والتزامُن بين العمل المُنجَز، والرقابة عليه.

عندما يمارس مئاتُ الموظفين العملَ ذاته، فقد يكون بوسع مُشرفٍ واحد إدارة عدد كبير جدًا منهم، وهذا ما يكون عليه الحالُ في مصنعِ ألبسة، عندما يعمل مئاتٌ من مُشغِّلي آلات الخياطة على تصنيع نماذج ألبسة متطابقة، ولكن، في حال كان الموظفون يمارسون مهام معقدة، ومتباينة، فلن يغدوَ بوسعِ المدير الإشرافُ بفاعلية سوى على عدد أقل بكثير، فعلى سبيل المثال: قد يتمكن مديرٌ في قطاع تطويرٍ، وأبحاثٍ، لدى شركة تصنيع أدوية من الإشراف على عدد قليل -فقط- من الكيميائيين، أو الصيادلة، بسبب الطبيعة الشديدة التعقيد لعملهم.

درجة المركزية

كيف يمكن تعديل مستوى المركزية / أو اللامركزية لجعل المؤسسة أكثرَ نجاحًا؟

يتحددُ نطاقُ الرقابة الأمثل بخمسة العوامل الآتية:

  1. طبيعة المهمة: كلما ازدادتِ المهمةُ تعقيدًا، ضاقَ نطاقُ الرقابة.
  2. موقع العمّال: كلما ازدادَ عددُ المواقع، ضاق نطاق الرقابة.
  3. قدرة المدير على تفويض المسؤولية: كلما زادتِ القدرةُ على تفويض السلطة، اتَّسع نطاقُ الرقابة.
  4. مستوى التفاعل، والتقييم بين المدير والعمال: كلما زادتِ الحاجةُ إلى التقييم، والتفاعُل، ضاق نطاقُ الرقابة.
  5. مستوى مهارات العمال وتحفُّزِهم: كلما ارتفع ذلك المستوى، اتَّسعَ نطاقُ الرقابة.

يتمثَّلُ المكوِّنُ النهائي لبناء هيكليةٍ مؤسسية فعالة في تحديد موقعِ صنعِ القرار داخل المؤسسة؛ فالمركزية (Centralization) هي درجةُ، أو مدى تَرَكُّزِ السلطة الرسمية في موقعٍ، أو مستوًى ما، داخل المؤسسة، وفي هيكليةٍ مؤسسية ذاتِ مركزيةٍ عالية، تتخذ القيادةُ العليا معظمَ القراراتِ المهمة في تلك المؤسسة، مع مشاركةٍ هامشية من قبل الموظفين الأدنى مستوًى في عملية اتخاذ القرار تلك، وتسمحُ المركزيةُ لمديري القيادة العليا بتطوير رؤيةٍ واسعة من العمليات، وممارسة ضوابطَ مالية، كما قد تساعدُ المركزيةُ في تخفيض المصاريف عبر التخلص من الفائض في المؤسسة، ولكنها بالمقابل قد تؤدي إلى حرمان الموظفين -في مستويات إدارية دُنيا- من فرصة تطوير مهارات القيادة، واتخاذ القرارات، وإلى إضعاف قدرة المؤسسة على تلبية احتياجات الزبائن بالسرعة المطلوبة.

أما اللامركزية، فهي عمليةُ نقلِ سلطة اتخاذ القرارات نزولًا على طول الهرمية المؤسسية، وذلك بمنح الموظفين في مستوياتٍ إدارية دُنيا سلطةً، ومسؤولية أوسع، لاتخاذ القرارات، وتنفيذها، وتتضمن مزايا اللامركزية سرعةً في اتخاذ القرارات، وارتقاءً بمستويات الابتكار والإبداع، ومزيدًا من المرونة المؤسسية، وتطويرًا أسرع لمهاراتِ مديري المستويات الدنيا، وتعزيزًا للرضا الوظيفي، والتزام الموظفين، ولكن اللامركزية لا تخلو من مخاطر؛ فعدمُ تمتُّعِ موظفي المستويات الدنيا بالمهارات، والتدريب المطلوبَين لممارسة العمل بفاعلية؛ قد يؤدي إلى اتخاذهم قراراتٍ مُكلِفة، بالإضافة إلى أنها قد تقلل من كفاءة التواصل، وتتسبب بظهور أهدافٍ متناقضة، وتكرارٍ للجهود بلا فائدةٍ تُرتجى.

وهناك عددٌ من العوامل التي يجبُ أخذُها بالحسبان عند اتخاذ القرار، حول مدى السلطة التي ستفوَّض عبر المؤسسة، وتتضمن تلك العواملُ حجمَ المؤسسة، وسرعةَ التغيُّر في بيئتها، ورغبة المديرين في التخلي عن جزءٍ من سلطاتهم، ورغبة الموظفين في قبول تحمُّلِ مزيدٍ من المسؤولية، والانتشار الجغرافي للمؤسسة.

وعادةً ما تكون اللامركزيةُ خيارًا مرغوبًا فيه إذا تحققتِ الشروطُ الآتية:

  • المؤسسة كبيرةٌ جدًا، مثل شركة إكسون موبيل (ExxonMobil)، وفورد (Ford)، وجنرال إلكتريك (General Electric).
  • الشركةُ موجودةٌ ضمن بيئةٍ مرنة، يجب فيها اتخاذُ قراراتٍ محليةٍ سريعة، مثلما هو الحال في مجال الصناعات العالية التقنية.
  • وجود رغبةٍ لدى المديرين في مشاركة السلطة مع مرؤوسيهم.
  • وجود رغبةٍ لدى الموظفين في تحمُّل مزيد من المسؤولية، وتوفُّر قدرةٍ على تحقيق ذلك.
  • انتشارُ الشركة الواسعُ جغرافيًا، مثل شركات نوردستروم (Nordstrom)، وكاتربيلر (Caterpillar)، وفورد.

ومع نموِّ الشركات، والتغييرات التي تطرأ عليها، لا تتوقف عن إعادة تقييم هيكلياتها لتحديد ما إذا كانت تُساعدها في تحقيق أهدافها أم لا.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Designing Organizational Structures) من كتاب introduction to business


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...