ممكن أن يصبح اتّخاذ القرار وحلّ المشاكل أكثر نجاحًا وسلاسةً إن كانا يُجريان في فريق متنوّع. قد تُحسِّن منظورات التنوّع المتعدّدة من فهم المشكلة ومن جودة الحل المطروح. ويوجّه العديد من الخبراء في القيادة إلى أنّ الأنشطة والمشاريع المصمّمة لجمع الأفراد المتنوّعين معًا أوجدت البيئة الأمثل لحلّ المشاكل. يؤدّي جمع المديرين المتنوّعين من وظائف عديدة ومن حول العالم والّذين يمرّون بمراحل مختلفة من مسيرة عملهم وتجاربهم ضمن الشركة وخارجها، يؤدي إلى إيجاد أفضل النقاشات والمنظورات الممكنة. التنوّع (Diversity) كلمة شائعة الاستخدام في يومنا هذا، ولكن يمكن أن تضيع أهمية الفرق المتنوّعة في سياق العمل المعتاد. سوف نناقش هنا أسباب الحاجة إلى أخذ عُنصر التنوّع بالحسبان وضمان تواجد هذا العنصر في مجموعات العمل.
في مقالة "لمَ الفرق المتنوّعة أذكى؟" المنشورة في (Harvard Business Review Nov. 2016) لكاتبيها ديفيد روك (David Rock) وهايدي غرانت (Heidi Grant) نوّه الكاتبان إلى أنّ زيادة التنوّع في مكان العمل قرار جيّد. وجد تقرير نشرته شركة (McKinsey) الاستشارية عام 2015 حول 366 شركة عامّة أن الشركات الّتي تُصنّف ضمن أفضل الشركات من حيث التنوّع العرقي والإثنيّ في الإدارة هي أكثر احتمالًا بنسبة 35% لأن تحقّق مردوداً ماليًّا أعلى من المردود الوسطيّ، وأنّ الشركات الّتي تُصنّف ضمن أفضل الشركات من حيث التنوّع الجنسي هي أكثر احتمالًا بنسبة 15% لأن تحقّق مردوداً ماليًّا أعلى من المردود الوسطيّ أيضًا. كما أظهرت دراسة عالميّة أجرتها شركة (Creddit Suisse) للخدمات الماليّة أنّ المؤسّسات الّتي تمتلك عضوًا واحدًا على الأقل أنثى ضمن مجلس إدارتها تجني دخلًا صافيًا أكبر من الشركات الّتي لا تمتلك أيّ أنثى ضمن مجلس إدارتها.
أظهرت دراسات أخرى حول التنوّع أنّ الفرق المتنوّعة أفضل في اتّخاذ القرارات وحل المشاكل؛ بسبب ميلها للتركيز أكثر على الحقائق، وذلك حسب مقالة "لمَ الفرق المتنوّعة أذكى" المذكورة في الفقرة السابقة. أظهرت دراسة نشرة في مجلّة (Journal of Personality and Social Psychology) أنّ الأشخاص القادمين من خلفيّات متنوّعة "قد يغيّرون من سلوك أعضاء المجموعة القادمين من الأغلبيّات المجتمعيّة عبر طرق تؤدّي لتفكير جماعيّ أفضل وأدقّ". تُظهر الدراسة أنّ المجموعات المتنوعة قدّمت حقائق وأفكار أفضل متعلّقة بالقضيّة المطروحة للاختبار وارتكبت أخطاء أقلّ عند مناقشة الأدلّة الموجودة، وذلك بالمقارنة مع المجموعات المتجانسة ذات التنوّع الضئيل.
كما أظهرت دراسة أخرى مذكورة في المقال أنّ الفرق المتنوّعة "أكثر احتمالاُ لإعادة فحص الحقائق ولأن تكون موضوعيّة في ذلك، كما أنّها قد تحفّز انتقاءً أفضل لأفعال الأعضاء، ما يبقى وعي المجموعة حادًّا ومتيقّظًا. كما يمكنك أن توعّي موظّفيك وتُعالج تحيّزاتهم الشخصيّة عبر وضعهم ضمن فرق عمل متنوّعة، وذلك لتجنّب تراجع قدرتهم على قراءة المعلومات واتّخاذهم قرارات خاطئة أكثر إن بقوا عاملين في بيئة غير متنوّعة." بعبارةٍ أخرى، عندما يكون الفرد محاطًا بأشخاص مشابهين له وغير متنوّعين سيكون معرّضًا للتفكير الجماعيّ النمطي وقد يمتنع عن التفكير بوجهات نظر أخرى، لكون جميع زملائه يملكون رأيًا واحدًا. أمّا في فريق أكثر تنوّعًا تُطرح وجهات النظر المختلفة أكثر ويشعر الأعضاء بوجوب البحث والحديث عن المواضيع المطروحة. وهذا ما يعزّز حدوث نقاش بنّاء كما ذكرنا ويحفّز حصول تعمّق أكبر في الأفكار ووجهات النظر المختلفة من أجل حلّ المشكلات المطروحة.
يؤدّي التنوّع الأكبر في الفرق لإبداع أكثر. يشرح مقال نشرته "مجموعة بوسطن الاستشاريّة (Boston Consulting Group)" تحت عنوان "The Mix That Matters: Innovation through Diversity" دراسةً أجرتها المجموعة بالتشارك مع جامعة ميونخ التقنيّة (Technical University of Munich) أُجريَ فيها تحليل تجريبيّ لفهم العلاقة بين التنوّع في الإدارة (في كلّ مستويات الإدارة) وبين الإبداع. وكانت الموجودات الرئيسيّة للدراسة كما يلي:
- علاقة إيجابيّة طرديّة بين التنوّع في الإدارة وبين الإبداع، أي أنّ الشركات الأكثر تنوّعًا تحصد عائدًا أكبر من منتجاتها وخدماتها.
- الفائدة الإبداعيّة لا تنحصر بنوع معيّن من التنوّع، فهي تزداد بوجود مديرين من دول أخرى أو شركات أخرى أو حتى عند وجود مديرات إناث.
- يبدو أنّ تنوّع الإدارة يمتلك أثرًا إيجابيًّا على الإبداع لدى الشركات المعقّدة خاصّةً (أي الشركات الّتي تمتلك عدّة خطوط إنتاج أو الّتي تعمل في أكثر من قطّاع صناعيّ).
- ليصلَ التنوّع الجنسيّ للنتائج المتوقّعة يجب أن يتخطّى حدود الرمزيّة. ازدادت نسبة الإبداع في الدراسة بشكل ملحوظ فقط لدى الشركات الّتي ضمّنت في فرق إدارتها نساءً بنسبة أكثر من 20%. فامتلاك الشركة لنسبة عالية من الموظّفات الإناث لا يعني ازدياد الإبداع إن كان عدد النساء في فرق الإدارة قليلًا.
- في الشركات ذات فرق الإدارة المتنوّعة من الضروريّ وجود انفتاح للمساهمات من عمّال المستويات الأدنى بالإضافة لوجود بيئة تُشعِر الموظّفين بالحريّة في قول ما يرغبون به وذلك من أجل حصد فائدة التنوّع في الإبداع.
لا تشكّل نتائج هذه الدراسة مفاجئة إن أخذت في الحسبان أثر تنوّع الفريق على اتّخاذ القرارات وحلّ المشاكل عبر النقاش وإدخال وجهات نظر وأفكار وبيانات مختلفة. يجب على قادة الفرق أن يُبقوا هذه الحقائق في بالهم خلال المراحل الباكرة لاختيار الفريق لكي يتمكّنوا من حصد فوائد التنوّع في الفريق.
الفرق متعددة الثقافات
تغيّرت أساليب العمل واستراتيجيّاته ضمن المؤسسات متعدّدة الثقافات تغيّرًا كبيرًا في خضمّ انتشار وسيطرة العولمة خلال العقود الماضية. وضّح فيما سبق عن التنوّع في الفرق بعض النقاط المهمّة وفوائد العمل في فرق متنوّعة، وبالتأكيد فإنّ الفرق متعدّدة الثقافات تصنّف على أنّها فرق متنوّعة. هناك على أيّة حال بعض الممارسات الرئيسيّة الّتي يمكن أن يتّخذها قادة الفرق متعدّدة الثقافات ليستغلّوا إيجابيّات تنوّع الثقافات ويتفادوا سلبيّاته في الوقت نفسه.
قد يفترض بعض الأشخاص أنّ التواصل هو العامل الرئيسيّ الّذي قد يؤثّر سلبًا على الفرق متعدّدة الثقافات بسبب امتلاك الأشخاص للغات وأساليب تواصل مختلفة. في مقالة "إدارة الفرق متعدّدة الثقافات Managing Multicultural Teams" المنشورة في (Harvard Business Review) يشير الكُتّاب إلى أربع فروقات ثقافيّة أساسيّة يمكن أن تُحدث خلافات هادمة في الفريق. الفرق الأوّل هو** التواصل المباشر والتواصل غير المباشر**. تمتلك بعض الثقافات أسلوب تواصل مباشرًا جدًّا في حين تمتلك ثقافات أخرى أسلوبًا للتواصل غير مباشر وتعتمد على طرح الأسئلة بدلًا من الإشارة للمشكلة. قد يسبّب هذا الاختلاف نزاعًا -في حالات الفرق الشديد- لإمكانيّة إساءة الأسلوب المباشر للبعض أو تفكير البعض الآخر بأن الأسلوب غير المباشر غير مُنتج وغير مناسب للتعامل معه في الفريق.
الاختلاف الثاني هو احتمال مواجهة الفرق متعدّدة الثقافات** مشاكل في اللهجات واللغات. فإن لم يتكلّم الأعضاء لغة مشتركة قد تصبح هناك لغة مهيمنة على تفاعلات المجموعة، ما يُشعِر مَن لا ينطق بها بالإقصاء. قد يشعر ناطقوا اللغة المسيطرة أنّ الأعضاء غير الناطقين بها هم أعضاء غير فعّالين أو مساهمين في المجموعة. يكمن التحدّي الثالث في السلوكيّات المختلفة تجاه الهرميّة. تحترم بعض الثقافات الهرميّة احترامًا كبيرًا وتُعامل أعضاء الفريق على أساسها، في حين لا تراعي ثقافات أخرى الهرميّة بالشكل ذاته وتكون أكثر ميلًا للمساواة. قد يؤدي هذا للصدام إن شعر بعض الأشخاص بأنّ أحدًا قلّل من احترامهم أو لم يعاملهم وفقًا لمكانتهم. الاختلاف الأخير هو اختلاف المعايير حول اتّخاذ القرارات**. تتّخذ الثقافات المختلفة قراراتها بطرق مختلفة وتطبّق بعضها كمًّا كبيرًا من التحليل والتحضير قبل اتّخاذه. فقد ينزعج ويرفضُ الأشخاص القادمين من ثقافات معتادة على اتّخاذ القرارات السريع (بناءً على كمّ قليل كافٍ من المعلومات) الاستجابة البطيئة وعمليّة التفكير المطوّلة.
تطرح هذه الاختلافات الثقافيّة مثالا جيّدًا على تحوّل الأنشطة اليوميّة للفريق (مثل اتّخاذ القرارات والتواصل والتفاعل بين الأعضاء) لنقاط خلاف ضمن الفريق متعدّد الثقافات إن لم يكن هناك مناخ من التفهّم لثقافات الآخرين. يقترح خبراء بعض التدخّلات التي يمكن القيام بها لكلّ من هذه الاختلافات. التكيّف (adaptation) هو إحدى التدخّلات البسيطة وهو العمل بوجود الاختلافات أو بالالتفاف عليها، ويُستخدم هذا التدخّل استخدامًا أمثل عندما يكون الموظّفون مستعدّين للتعرّف على الاختلافات الثقافيّة وتعلّم كيفيّة التعامل معها. آليّة التدخّل الثانية هي التدخّل البنيويّ (structural intervention) أو إعادة تنظيم الفريق للتقليل من الاحتكاك الحاصل. تُستخدم هذه الآليّة استخدامًا أمثل إن كان هنالك مجموعات فرعيّة ضمن المجموعات تعاني من هذه المشاكل فيُعاد توزيعها. التدخّل الإداريّ (managerial intervention) هو آليّة اتّخاذ قرارات من قبل الإدارة دون تدخّل الفريق. يجب اللجوء لهذه التقنيّة في الحالات الشديدة فقط لأنّها تُظهر أنّ الفريق لا يمكنه أن يتجاوز المشاكل دون تدخّل إداريّ مباشر. أخيرًا الخروج (exit) هو الملجأ الأخير عند فشل التدّخلات الأخرى وهو خروج عضو من الفريق بشكل طَوعيّ أو إخراجه منه. قد يصبح هذا الخيار ضروريًّا إن أثبتت الخلافات أنّ الفريق لن يستطيع إكمال عمله دون القيام بذلك.
يبدي بعض الأشخاص مقدرةً فطريّةً على العمل بوجود الاختلافات الثقافيّة ضمن الفرق والمؤسّسات. يُمكن تسميّة ما يمتلكه هؤلاء بالذكاء الثقافيّ (cultural intelligence). الذكاء الثقافيّ هو كفاءة ومهارة تمكّن الفرد من العمل بكفاءة في أمكنة العمل متعدّدة الثقافات. يتطوّر الذكاء الثقافيّ عند يَعض الأشخاص أكثر بتأثير الثقافة، ويتمكّنون من تكييف سلوكيّاتهم بما يتوافق مع معايير الثقافات الأخرى. تذكر مقالة "الكفاءة الثقافيّة: ما أهميّتها وكيف يمكن اكتسابها Cultural Competence: Why It Matters and How You Can Acquire It" المنشورة في مجلّة جامعة نافارا للأعمال الإسبانيّة (IESE Insight 2015) لصاحبيها (لي Lee و لياو Liao) تذكر ما يلي: "يستطيع القادة متعدّدو الثقافات أن يرتبطوا بأعضاء فريقهم من خلفيّات متعدّدة الثقافات ارتباطًا أفضل وأن يحلّوا الخلافات بسهولة أكبر. يمكن استخدام مهاراتهم المتعدّدة أيضًا في المفاوضات الدوليّة." لا يمتلك القادة متعدّدو الثقافات أيّ "عبء" كبير من ثقافة معيّنة لذا يُصنّفون أحيانًا على أنّهم محايدون ثقافيًّا. يحسن هؤلاء القادة التعامل مع التنوّع ويعطيهم ذلك أفضليّة في علاقاتهم مع زملائهم.
من أجل مساعدة الموظّفين لكي يصبحوا أعضاء فريق أفضل في عالم يزداد فيه تنوّع الثقافات هنالك بضع الممارسات التي اقترحها كاتبا المقال السابق لشحذ المهارات متعدّدة الثقافات. الأولى هي "وسّع آفاقك" وسّع قنواتك الثقافيّة (عبر السفر أو القراءة أو مشاهدة الأفلام) وأحِط نفسك بأشخاص من ثقافات مغايرة عنك. يساعدك ذلك على رفع وعيك حول الاختلافات الثقافيّة الّتي يمكن أن تواجهها. ممارسة أخرى هي "طوّر مهارات تعاملك مع الثقافات عبر التدريب" والتعلّم عبر التجربة.
ربّما تستطيع أن تعمل أو تسافر إلى بلد آخر لكن إن لم تكن تستطيع فعل ذلك يمكنك أن تتعرّف على زملائك في العمل من ثقافات أخرى أو زوّار أجانب ليساعدوك في التدرّب على مهاراتك. العمل في فريق متعدّد الثقافات أو التعرّف وبناء العلاقات مع الزملاء من ثقافات أخرى هي طرق رائعة لتطوير مهاراتك. يذكر أحد الخبراء أنّه قاد مؤسّسة موارد بشريّة عالميّة وتضمّن فريقه فيها موظّفين من الهند والصين والبرازيل والمجر وهولندا والولايات المتّحدة الأمريكية. كانوا يعقدون اجتماعات سنويّةً لفريق الموارد البشريّة العالميّ، وكان حدثًا مناسبًا للمشاركة والتعلّم من الثقافات الأخرى. كانوا يبدؤون الأسبوع بمبادلة ثقافيّة بين البلدان المختلفة ليتعلّم الجميع القليل عن ثقافات زملائهم الآخرين. يمثّل هذا النوع من التفاعل ضمن الفرق العالمية طريقة رائعة لتسهيل الفهم عبر الثقافات والتواصل وتمرين الذكاء الثقافيّ للأفراد.
إدارة التغيير
فهم التحديات العالمية
إن كُنت عضوًا في فريق عالميّ ستواجهك العديد من التحدّيات قبل أن تصل حتّى للفروقات الثقافيّة وتفاعل الأشخاص مع بعضهم. ستعاني في البدء من الفروق الزمنيّة لإيجاد وقت ملائم لعقد اجتماع بين كلّ الأعضاء. يمكن أن تواجهك تحدّيات في اللغة أيضًا، في العديد من الدول بدأ الأشخاص بتعلّم الإنجليزيّة لاتّخاذها لغة أساسيّة في عالم الأعمال. على أيّة حال حتّى لو تعلّمت لغة دولة ما فقد لا تجد الأشخاص في هذه الدولة يتحدّثون بها بالطريقة الّتي تعلّمتها، فهناك لهجات عاميّة ومصطلحات واختصارات لا تتعلّمها في دروس اللغة، بل يجب عليك أن تتعرّف عليها عند حديثك مع الناطقين بها.
عليك أيضًا أن تنفتح وأن ترى المواقف بأعين زملائك الآتين من ثقافات أخرى بنفس الطريقة الّتي ترغب أن يرى زميلك المواقف من منظورك. يُدعى هذا الذكاء الثقافيّ. عند زيارتك لزملائك في دول أخرى سترى طعامًا وتقاليد ومواقف وسلوكيّات "أجنبيّة" بالنسبة لك. وبالرغم من أنّ أوّل ما يخطر في بالك عند ذلك هو غرابة هذه الأشياء، إلّا أنّ عليك أن تقدّر موقف زميلك الأجنبيّ لو كان هو من يزورك أنت في بلدك. من المهمّ للغاية أن تلاحظ نفسك وثقافتك الخاصّة بتكرار وأن تفكّر بما سيرى زميلك الأجنبيّ تجاه ما تعتبره أنت أمر مفروغًا منه. يجعلنا كلّ هذا أذكى حقًّا وشركاء أفضل لزملائنا من حول العالم.
في مقالة "إتقان العمل في فرق متعدّدة الثقافات Getting Cross-Cultural Teamwork Right" التي نشرتها جامعة هارفرد يحدّد الكاتب ثلاثة عوامل أساسيّة (التعلّم المتبادل والتفاهم المتبادل والتعليم المتبادل) تبني الثقة مع الزملاء من ثقافات مغايرة عندما تحاول بناء الجسور للتواصل معهم. يُعزز الزملاء من بلدان مختلفة ذكائهم الثقافي عبر التعلّم المتبادل عن ثقافة وسلوكيّات جديدة عن طريق الاستماع والملاحظة. كما يمكنك عبر التفاهم المتبادل أن تفهم المنطق والسلوك الثقافيّ لثقافة جديدة وذلك لفهمٍ أفضل لأفعال الناس. يتطلبّ هذا بالطبع إيقاف الأحكام المسبقة والآراء المُتعصّبة تجاه جنسٍ أو عِرق معيّن ومحاولة فهم وتقبّل الاختلافات. وفي النهاية يتضمّن التعليم المتبادل التوجيه والتبسيط. يعني هذا محاولة ردم هوّة الخلافات بين الثقافتين ومحاولة مساعدة الذات والآخرين على رؤية مصدر الثقافات الأخرى بهدف تعزيز التفاهم و التناغم ضمن الفريق الواحد.
ليس من السهل إيجاد الانسجام وتأسيس أرضية مشتركة للتعامل مع زملائك من حول العالم، ويتطلّب ذلك الصبر والتحسّن المستمرّ. وفي النهاية يجب أن تدرك أنّك ستجد هذه التجربة مُرضية للغاية ومفيدة لك. كلّما بذلك جهدًا أكبر في تقليص "المسافات" الثقافيّة وكسب الاختلافات كلّما كان أداؤك أفضل وعملك احترافيًّا وإنسانيًّا.
عندما تشعر باختلاف الثقافات وتبدأ بتطوير مهاراتك الثقافيّة سوف تتمكّن من تطوير وعيك الثقافيّ ومن أن تراقب سلوكك في المواقف متعدّدة الثقافات. إن كنت في موقف تتعامل فيه مع أشخاص من ثقافات أخرى عليك أن تختبر نفسك وأن تَعيَ تصرفاتك وشعورك. راقب التفاعلات السلبيّة كما الإيجابيّة مع الآخرين وتعّلم منها. الممارسة الأخيرة لتطوير مهاراتك متعدّدة الثقافات هي "التعقيد الإدراكيّ cognitive complexity". هذه الممارسة هي الأكثر تقدّمًا بين الممارسات المذكورة. وتتطلّب القدرة على النظر إلى المواقف من أكثر من منطلق ثقافيّ. ولفعل ذلك يجب أن تمتلك ذكاءَ عاطفيًّا قويًّا وأن تمتلك أيضًا التعاطف والانسجام والرغبة في التواصل الصريح مع الآخرين.
في مقالة "الذكاء الثقافيّ Cultural Intelligence" التي نشرتها جامعة هارفرد للأعمال يصف الكاتب ثلاثة مصادر للذكاء الثقافيّ يجب أن يفكّر فيها الفريق إن كان جادًّا في رغبته في تطوير فهمه ومهاراته للتعامل مع تعدّد الثقافات. هذه المصادر ببساطة هي الرأس (head) والجسم (body) والقلب (heart). يتعلّم المرء في البداية عن معتقدات وتقاليد ومحرّمات الثقافة الأجنبيّة عبر الرأس. برامج التدريب مبنيّة على تزويد المتدرّبين بمعلومات من هذا النوع، وهو أمر مفيد لكنّه غير عمليّ بالطبع. هذا هو العنصر المعرفيّ من الذكاء الثقافيّ. يتضمّن المصدر الثاني (الجسم) المزيد من الالتزام والتجربة ضمن الثقافة الجديدة. يُظهِر الجانب الماديّ الملموس (التصرّفات وتلاقي الأعين والوضعيّة واللكنة) مستوى أعمق من فهم الثقافة وتظاهراتها الملموسة. يتعامل المصدر الأخير (القلب) مع ثقة الشخص بقدرته على التكيّف والتعامل الصحيح مع الثقافات المغايرة. يعني هذه المصدر المستوى الحقيقيّ للالتزام والتحفيز لفهم الثقافة الجديدة.
أوجَدَ الخبراء مقياسًا تقييميًّا سريعًا لتشخيص الذكاء الثقافيّ بناء على القياسات الإدراكيّة والماديّة والعاطفيّة/التحفيزيّة (أي الرأس والجسم والقلب).
يُظهر الجدول 10.1 تقييمًا سريعًا لتشخيص ذكائك الثقافيّ.
تقييم ذكائك الثقافيّ | |
---|---|
رقّم إجاباتك وفق مقياس من 1 إلى 5 حيث 1 تعني أنّك لا توافق بشدّة و5 تعني أنّك توافق بشدّة مع كلّ مقولة. | |
أسأل نفسي ما الّذي أرغب بتحقيقه قبل أن أتعامل مع أشخاص من ثقافة أخرى. | |
إن واجهتُ شيئًا غير متوقّع خلال العمل ضمن ثقافة جديدة سوف استفيد من هذه التجربة لتطوير مقاربتي للثقافات الجديدة في المستقبل. | |
أخطّط لطريقة التواصل مع الأشخاص من ثقافات مختلفة قبل اللقاء بهم. | |
عند دخولي في موقف ثقافيّ جديد أشعر على الفور إن كانت الأمور تسير على ما يرام أم بالعكس. | |
اجمع نتائج الأسئلة الأربع السابقة. | |
قسّم الناتج السابق على 4. الجواب هو المعدّل المعرفيّ الثقافيّ (Cognitive Cultural Quotient) الخاصّ بك. | |
من السهل عليّ أن أغيّر لغة جسدي (الوضعيّة أو تعابير الوجه) لملائمة الأشخاص من ثقافات مغايرة. | |
أستطيع تغيير تعابيري عندما يتطلّب الموقف الثقافيّ ذلك. | |
أستطيع تغيير طريقة حديثي عبر تغيير لكنتي أو نبرة صوتي لملائمة الأشخاص من ثقافات مغايرة. | |
أستطيع بسهولة تغيير طريقة تصرّفي عندما يتطلّب الموقف الثقافيّ ذلك. | |
اجمع نتائج الأسئلة الأربع السابقة. | |
قسّم الناتج السابق على 4. الجواب هو المعدّل المعرفيّ المادّيّ (Cognitive Physical Quotient) الخاصّ بك. | |
أثق بقدرتي على التعامل الجيّد مع الأشخاص من ثقافات مختلفة عنّي. | |
أنا متأكّد من قدرتي على مصادقة أشخاص من ثقافات مختلفة عنّي. | |
أستطيع أن أتكيّف مع أسلوب الحياة في ثقافة مخلفة بسهولة نسبيًّا. | |
أثق بقدرتي على التعامل مع موقف ثقافيّ جديد بالنسبة لي. | |
اجمع نتائج الأسئلة الأربع السابقة. | |
قسّم الناتج السابق على 4. الجواب هو المعدّل الشعوريّ/التحفيزيّ المعرفيّ (Emotional/Motivational Cognitive Quotient) الخاصّ بك. | |
بشكل عامّ، تشير نتيجة أقل من 3 في أي قسم من الأقسام الثلاثة السابقة إلى وجوب العمل على تحسين هذا المنحى. في حين تدلّ نتائج أعلى من 4 على قوّة في الذكاء الثقافيّ. | |
مقتبسة من مقالة "الذكاء الثقافيّ Cultural Intelligence" المنشورة ضمن منشورات جامعة هارفرد للأعمال (أكتوبر 2004) لكاتبيها إيرلي (Early) وموسكاوسكي (Moskaowski). |
الجدول 10.1
الذكاء الثقافيّ هو امتداد للذكاء العاطفيّ. يجب أن يمتلك المرء مستوىً من الوعي والفهم للثقافة الجديد ليتكيّف مع أسلوبها وسرعتها ولغتها وسُبل تواصلها وما إلى ذلك وليعمل مع الأشخاص القادمين منها بنجاح. ينجح الفريق متعدّد الثقافات فقط إن أخذ أعضاؤه الوقت الكافي لفهم بعضهم وضمان شعور الجميع بالانخراط. تعدّد الثقافات والذكاء هما سِمَتان مهمّتان في عالم الأعمال في يومنا هذا.14 وعبر اتّباع الممارسات الأمثل وتجنّب التحدّيات والعقبات الّتي قد تسيء لأداء الفريق متعدّد الثقافات؛ يمكن للفريق أن يلقى نجاحًا كبيرًا ورضًا شخصيًّا يتخطّى حدود العمل.
ترجمة -وبتصرف- للفصل (Understanding and Managing Work Teams) من كتاب Organizational Behavior
اقرأ أيضًا
- المقال التالي: التواصل الإداري في البيئة المؤسساتية
- المقال السابق: ما يجب أخذه في الحسبان عند إدارة الفرق
أفضل التعليقات
لا توجد أية تعليقات بعد
انضم إلى النقاش
يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.